- عبد اللطيف الحناشي: ذكرى 9 أفريل تعتبر حدثا رمزيا وعلى الأجيال القادمة معرفة تاريخها بكل مراحله
- عميرة علية الصغير: 9 أفريل يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة الوطنية ومقاومة المستعمر
- مصطفى التليلي: 9 أفريل يعتبر منعرجا هاما في تاريخ الحركة الوطنية يعكس عزيمة الشعب التونسي
- اعلية العلاني: رمزية السيادة الوطنية بدأت تستعيد مضمونها الحقيقي
- رضا التليلي: ذكرى 9 أفريل 1938 من أهم أركان السردية في التاريخ الوطني
بين إعادة الاعتبار للسيادة الوطنية ومواصلة بناء تونس الحديثة تحيي بلادنا اليوم ذكرى عيد الشهداء الذي يوافق 9 أفريل من كل سنة، حيث تمر اليوم 87 سنة على هذه المحطة النضالية المفصلية في تاريخ النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي لتتحول هذه الذكرى إلى رمزٍ للبطولة والتضحية في مواجهة الاستعمار الفرنسي تُخلّد دماء الأبطال الذين رووا بدمائهم تراب الوطن من أجل تونس العزة والمجد والكرامة، ليبقى عيد الشهداء ذكرى خالدة تؤكد بأنّ الوطن يُبنى بالتضحيات ويُحمى بالوفاء.
هذه المناسبة الوطنية الهامة التي تعتبر ذات دلالات عميقة تجسِّد في جوهرها قيم التضحية والحرية والوفاء لأولئك الذين سقطوا في معركة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، كما تعتبر أيضا ذات رمزية كبيرة تتجلى في عدة أبعاد تاريخية ووطنية بما يجعل هذا اليوم خالدًا في الذاكرة الجماعية للتونسيين..، «فالشهداء لا يموتون بل يظلون شعلة تنير طريق الأمة».
ومن خلال إحياء هذه الذكرى كل سنة تُؤكِّد تونس على أهمية الحفاظ على التاريخ الوطني ونقل ملحمة الشهداء إلى الأجيال الصاعدة حتى تبقى قيم النضال والتضحية من أجل العزة والكرامة والنخوة حية في الوجدان التونسي.
وبالعودة إلى وقائع هذا اليوم من سنة 1938 الذي يرتبط بخروج آلاف التونسيين في مظاهرات سلمية للمطالبة بالإصلاحات السياسية وإنهاء الاستعمار، حيث قامت السلطات الفرنسية بقمعها بوحشية، مما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى لتصبح تلك الأحداث نقطة فاصلة في المسيرة النضالية وفي تاريخ الحركة الوطنية بعد أن أيقظت الوعي الوطني ودفعت التونسيين إلى التصعيد والمطالبة بالاستقلال، الذي تحقق بعد سنوات بتاريخ 20 مارس 1956. ليصبح الاحتفاء بيوم 9 أفريل بمثابة محطة تذكّر بالتلاحم بين مختلف فئات الشعب التونسي في مواجهة المستعمر الفرنسي حيث شارك الطلبة والعمال والفلاحون في النضال مما يعزز قيم التضامن والانتماء الوطني لدى الأجيال الجديدة.
عيد الشهداء في تونس يمثل اليوم أيضا رمزية حية استقرت في الذاكرة كعنوان ورمز للمقاومة والصمود ليعتبر هذا اليوم كذلك تجسيدًا لروح المقاومة التونسية ضد الظلم والاستبداد، وليس فقط زمن الاستعمار الفرنسي، بل أيضًا في مراحل لاحقة على غرار ثورة الحرية والكرامة التي استلهمت من تضحيات الشهداء روح التغيير والسعي نحو الحرية والكرامة.
عيد الشهداء الذي نحتفي به كل سنة ليس مجرد حدث تاريخي بل هو رمز حي يجسد انتصار إرادة الشعب التونسي في نيل حريته وكرامته. وهو دعوة دائمة للوفاء لتضحيات الأسلاف والسير على دربهم في بناء تونس المستقلة والعادلة، وتفاعلا مع هذه الذكرى يرى المؤرخ عبد اللطيف الحناشي أن ذكرى 9 أفريل 1938، تعتبر حدثا من أحداث الحركة الوطنية وكل تاريخ تونس وعلى الأجيال القادمة معرفة تاريخها بكل مراحله وبكل ايجابياته وسلبياته حتى تضاعف من انتمائها، مشيرا إلى أن للتاريخ أهميته القصوى بالنسبة لكل الشعوب، فلكل شعب تاريخه.
وأضاف أنه يتعين على التونسيين لاسيما في ظل التحولات التكنولوجية التي نعيشها-والتي جعلت اهتمامات جزء من الشباب تبتعد عن القضايا الهامة – إنه لا بد من الاهتمام بتسليط الضوء على تاريخ تونس:»قائلا لا يمكن للإعلام الاكتفاء بالتغطية التاريخية على مستوى المناسبات فقط، وإنما وجب التركيز على برامج قارة تسلط الضوء على تاريخ تونس حتى نفتخر به بكل سلبياته وايجابياته ونعتز بما قام به أجدادنا. فهذه الخطوة من شأنها أن تعرّف الإنسان على تاريخه وتجعله يعتز به، ويعمل على تطويره بطرق ووسائل جديدة».
وبالعودة إلى حيثيات ذكرى 9 أفريل 1938 أشار الحناشي إلى أن القمع البوليسي الفرنسي لتلك الاحتجاجات خلّف ما بين 20 و22 قتيلا من عامة الشعب التونسي وأكثر من 150 جريحا.
وحول أطوار هذه الأحداث أشار الحناشي إلى إن المظاهرات كانت قد انطلقت بسبب عدم إيفاء الإدارة الاستعمارية الفرنسية بوعود قطعتها أمام «الحزب الحر الدستوري» الذي كان يقود الحركة الوطنية آنذاك، وهو ما قاد الأخير إلى اتخاذ قرار يقضي بسحب الثقة من «الجبهة الشعبية الفرنسية» الحاكمة آنذاك والتي رضخت لدعاة التفوق الاستعماري في تونس، إلى جانب تنظيم مظاهرتين: الأولى كانت يوم 8 أفريل والثانية يوم 10 أفريل للمطالبة ببرلمان تونسي وحكومة مسؤولة وإطلاق سراح المعتقلين.
ويؤكد الحناشي أن المظاهرات يوم 8 أفريل 1938 انطلقت بشكل سلمي، غير أن حدثا هاما غيّر مجرى الأحداث بعد استدعاء علي البلهوان للتحقيق، بتهمة تحريض الشباب على عصيان القوى الفرنسية، على خلفية الخطبة الشهيرة التي دعا فيها الشباب إلى الانضمام للحزب ومواجهة السلطة الاستعمارية الفرنسية. ليقود «التحقيق مع البلهوان مجموعات سكانية كبيرة إلى التجمهر مجددا يوم 9 أفريل 1938 للمطالبة بإطلاق سراحه، وهو ما قابلته القوى الاستعمارية الفرنسية بالتدخل الأمني الذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
كما كشف الحناشي أن المؤرخين إلى اليوم يجهلون من الجهة التي دعت إلى تنظيم مظاهرة يوم 9 أفريل 1938 والتي تعززت بالعنصر النسائي، ولا كيفية وقوع هذه المواجهات؟
تأكيد على وحدة الوطن
وحول أهمية هذه الذكرى يشير المؤرخ وأستاذ التعليم العالي عميرة علية الصغير في تصريح لـ«الصباح» أن ذكرى 9 أفريل 1938 تعتبر عيدا رسميا وضعته الدولة التونسية بعد الاستقلال تأكيد منها على وحدة تونس في بلد يسمى: وطن، إلى جانب تربية النشء والمواطنين على سيادة الوطن وكرامته وعزته وعلى أن هناك شهداء ناضلوا من أجل عزة الوطن، كما أن هذه الذكرى تمثل أيضا رمزا من بين رموز كبيرة لتضحية تونس ضد الاحتلال الفرنسي.
وأوضح الصغير أن أكثر من 5 آلاف شهيد سقطوا من أجل أن تبقى تونس حرة مستقلة تتقدم إلى الأمام، مشيرا إلى أن هذا الحدث في إشارة إلى ذكرى 9 أفريل 1938 يعتبر حدثا كبيرا جدا بعد أن سبقته مظاهرات حاشدة من أجل استجابة فرنسا لمطالب التونسيين على غرار برلمان تونسي وتكريس لمبادئ الحرية.
وفي استعراضه للوقائع التي رافقت هذه الذكرى أشار محدثنا إلى أن يوم 9 أفريل 1938 شهد مشادات كبيرة وصدام كبير في عدد من شوارع وأنهج العاصمة على غرار شارع باب بنات وباب منارة حيث شهد ذلك اليوم معارك أسفرت عن استشهاد حوالي50 تونسيا، على حد تشخيصه، مبينا أن هذا الحدث يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة الوطنية ومقاومة المستعمر من أجل تلبية المطالب التونسية.
من جانب آخر قال أستاذ التاريخ مصطفى التليلي في تصريح لـ«الصباح» إن ذكرى 9 افريل 1938 تعتبر منعرجا هاما في تاريخ الحركة الوطنية تعكس عزيمة الشعب التونسي في مقاومة الاستعمار .
وتابع محدثنا قائلا:»رغم القمع الشديد إلا أن أحداث 9 أفريل 1938 كانت نوعا ما شبيهة بعملية فرز بين المٌصرّين على المشروع الوطني كإحداث برلمان تونسي والحصول على الاستقلال وبين الذين كانوا غير مستعدين لتقديم تضحيات».
وفاء للحركة الوطنية
وأضاف التليلي أن استحضار هذه الذكرى اليوم في سنة 2025 يترجم في جوهره الوفاء لتاريخ الحركة الوطنية لاسيما وأنه عقب سنة 2011 كانت هنالك قراءة تنكرية للسردية الوطنية وتشكيك في الزعماء وفي الوطنيين .
كما اعتبر محدثنا أن الاحتفاء بهذه الذكرى يعكس وفاء للمشروع الوطني وللزعماء الوطنيين دون التشكيك في عزيمتهم وقدرتهم على مقارعة قوة استعمارية جبارة ونجاحهم في تحقيق الاستقلال الذي جاء عن طريق التدرج، ليخلص أستاذ التاريخ إلى القول بأن بناء تونس الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بالوفاء للمشروع الوطني ولبناة دولة الاستقلال رغم الأخطاء الحاصلة ونقاط الضعف المسجلة على اعتبار أن تلك الفترة كما شهدت إيجابيات شهدت سلبيات.
من جهة أخرى وفي نفس الإطار يرى الأكاديمي والجامعي والباحث في القضايا الإستراتيجية علية العلاني في تصريح لـ»الصباح» أن السيادة الوطنية تحققت بفضل نضال المناضلين وتجسمت في إنشاء دولة الاستقلال، غير أن هذه السيادة الوطنية التي تحققت بعد الاستقلال كانت تحتاج إلى مضمون متنوع أكثر من المضمون السياسي يتمثل في البناء الاقتصادي.
وفسر العلاني أن هذا البناء الاقتصادي شهد تعثرا طيلة العقود الأخيرة خاصة بعد 2011 حيث مررنا بحكومات كان القليل منها يرعى مصالح المواطنين وهو ما تعكسه القضايا المطروحة حاليا في المحاكم والكم الهائل من سوء الحوكمة والفساد المالي والإداري، على حد قوله.
وتابع العلاني قائلا:»اليوم وبعد حركة جويلية 2021 التصحيحية نجد أن رمزية السيادة الوطنية بدأت تستعيد مضمونها الحقيقي، لكن مع التأكيد على أن استكمالها لن يكون إلا بمضمون اقتصادي واجتماعي وثقافي جديد وبرلمان ممثل لكل شرائح الشعب «.
ليخلص العلاني إلى القول بأننا في نهاية عصر العولمة والسيادة أصبحت فيه سيادات مثل السيادة الرقمية التي نحتاجها اليوم لكي نحمي ثراوتنا ونصقل أكثر فأكثر حوكمتنا، وهكذا يكون احتفالنا بذكرى أحداث 9 أفريل 1338 مدخلا ضروريا لإنشاء هذه الإصلاحات الرائدة.
رمز للدفاع عن الوطن
ذكرى 9 افريل 1938 هي من أهم أركان السردية في التاريخ الوطني في تونس هكذا يرى أستاذ التاريخ ومؤسس «مؤسسة أحمد التليلي من أجل ثقافة الديمقراطية» رضا التليلي في تصريح لـ»الصباح» حيث اعتبر أن هذه الذكرى تعد رمزا هاما جدا لما أعطاه الشعب ككل من أجل الدفاع عن الوطن. كما أنها بمثابة ترجمة لرغبة الشعب التونسي وكل مكوناته الاجتماعية للدخول في صراع حقيقي مع المستعمر الفرنسي، صراع أفرز عديد الشهداء من أجل الظفر لاحقا بالاستقلال، هذا الاستقلال الذي يحيلنا إلى مفهوم السيادة الوطنية حيث لا استقلال دون سيادة وطنية والعكس بالعكس.
وفسر محدثنا في هذا الشأن أن الاستقلال رمز في السيادة الوطنية التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالتضحية، وهنا تأتي حقيقة الاحتفال بهذه الذكرى كما أنه لا يمكن تحقيق أية تنمية اقتصادية أو أية ديمقراطية دون الظفر بالاستقلال. ليخلص محدثنا إلى القول بأن يوم 9 أفريل 1938 هو حركة شمولية حيث لا يمكن اعتبارها مطلقا حركة حزبية أو نقابية أو أيديولوجية من أجل مشروع يقوم على بناء الدولة الوطنية وتحقيق الاستقلال والسيادة.
منال الحرزي
- عبد اللطيف الحناشي: ذكرى 9 أفريل تعتبر حدثا رمزيا وعلى الأجيال القادمة معرفة تاريخها بكل مراحله
- عميرة علية الصغير: 9 أفريل يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة الوطنية ومقاومة المستعمر
- مصطفى التليلي: 9 أفريل يعتبر منعرجا هاما في تاريخ الحركة الوطنية يعكس عزيمة الشعب التونسي
- اعلية العلاني: رمزية السيادة الوطنية بدأت تستعيد مضمونها الحقيقي
- رضا التليلي: ذكرى 9 أفريل 1938 من أهم أركان السردية في التاريخ الوطني
بين إعادة الاعتبار للسيادة الوطنية ومواصلة بناء تونس الحديثة تحيي بلادنا اليوم ذكرى عيد الشهداء الذي يوافق 9 أفريل من كل سنة، حيث تمر اليوم 87 سنة على هذه المحطة النضالية المفصلية في تاريخ النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي لتتحول هذه الذكرى إلى رمزٍ للبطولة والتضحية في مواجهة الاستعمار الفرنسي تُخلّد دماء الأبطال الذين رووا بدمائهم تراب الوطن من أجل تونس العزة والمجد والكرامة، ليبقى عيد الشهداء ذكرى خالدة تؤكد بأنّ الوطن يُبنى بالتضحيات ويُحمى بالوفاء.
هذه المناسبة الوطنية الهامة التي تعتبر ذات دلالات عميقة تجسِّد في جوهرها قيم التضحية والحرية والوفاء لأولئك الذين سقطوا في معركة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، كما تعتبر أيضا ذات رمزية كبيرة تتجلى في عدة أبعاد تاريخية ووطنية بما يجعل هذا اليوم خالدًا في الذاكرة الجماعية للتونسيين..، «فالشهداء لا يموتون بل يظلون شعلة تنير طريق الأمة».
ومن خلال إحياء هذه الذكرى كل سنة تُؤكِّد تونس على أهمية الحفاظ على التاريخ الوطني ونقل ملحمة الشهداء إلى الأجيال الصاعدة حتى تبقى قيم النضال والتضحية من أجل العزة والكرامة والنخوة حية في الوجدان التونسي.
وبالعودة إلى وقائع هذا اليوم من سنة 1938 الذي يرتبط بخروج آلاف التونسيين في مظاهرات سلمية للمطالبة بالإصلاحات السياسية وإنهاء الاستعمار، حيث قامت السلطات الفرنسية بقمعها بوحشية، مما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى لتصبح تلك الأحداث نقطة فاصلة في المسيرة النضالية وفي تاريخ الحركة الوطنية بعد أن أيقظت الوعي الوطني ودفعت التونسيين إلى التصعيد والمطالبة بالاستقلال، الذي تحقق بعد سنوات بتاريخ 20 مارس 1956. ليصبح الاحتفاء بيوم 9 أفريل بمثابة محطة تذكّر بالتلاحم بين مختلف فئات الشعب التونسي في مواجهة المستعمر الفرنسي حيث شارك الطلبة والعمال والفلاحون في النضال مما يعزز قيم التضامن والانتماء الوطني لدى الأجيال الجديدة.
عيد الشهداء في تونس يمثل اليوم أيضا رمزية حية استقرت في الذاكرة كعنوان ورمز للمقاومة والصمود ليعتبر هذا اليوم كذلك تجسيدًا لروح المقاومة التونسية ضد الظلم والاستبداد، وليس فقط زمن الاستعمار الفرنسي، بل أيضًا في مراحل لاحقة على غرار ثورة الحرية والكرامة التي استلهمت من تضحيات الشهداء روح التغيير والسعي نحو الحرية والكرامة.
عيد الشهداء الذي نحتفي به كل سنة ليس مجرد حدث تاريخي بل هو رمز حي يجسد انتصار إرادة الشعب التونسي في نيل حريته وكرامته. وهو دعوة دائمة للوفاء لتضحيات الأسلاف والسير على دربهم في بناء تونس المستقلة والعادلة، وتفاعلا مع هذه الذكرى يرى المؤرخ عبد اللطيف الحناشي أن ذكرى 9 أفريل 1938، تعتبر حدثا من أحداث الحركة الوطنية وكل تاريخ تونس وعلى الأجيال القادمة معرفة تاريخها بكل مراحله وبكل ايجابياته وسلبياته حتى تضاعف من انتمائها، مشيرا إلى أن للتاريخ أهميته القصوى بالنسبة لكل الشعوب، فلكل شعب تاريخه.
وأضاف أنه يتعين على التونسيين لاسيما في ظل التحولات التكنولوجية التي نعيشها-والتي جعلت اهتمامات جزء من الشباب تبتعد عن القضايا الهامة – إنه لا بد من الاهتمام بتسليط الضوء على تاريخ تونس:»قائلا لا يمكن للإعلام الاكتفاء بالتغطية التاريخية على مستوى المناسبات فقط، وإنما وجب التركيز على برامج قارة تسلط الضوء على تاريخ تونس حتى نفتخر به بكل سلبياته وايجابياته ونعتز بما قام به أجدادنا. فهذه الخطوة من شأنها أن تعرّف الإنسان على تاريخه وتجعله يعتز به، ويعمل على تطويره بطرق ووسائل جديدة».
وبالعودة إلى حيثيات ذكرى 9 أفريل 1938 أشار الحناشي إلى أن القمع البوليسي الفرنسي لتلك الاحتجاجات خلّف ما بين 20 و22 قتيلا من عامة الشعب التونسي وأكثر من 150 جريحا.
وحول أطوار هذه الأحداث أشار الحناشي إلى إن المظاهرات كانت قد انطلقت بسبب عدم إيفاء الإدارة الاستعمارية الفرنسية بوعود قطعتها أمام «الحزب الحر الدستوري» الذي كان يقود الحركة الوطنية آنذاك، وهو ما قاد الأخير إلى اتخاذ قرار يقضي بسحب الثقة من «الجبهة الشعبية الفرنسية» الحاكمة آنذاك والتي رضخت لدعاة التفوق الاستعماري في تونس، إلى جانب تنظيم مظاهرتين: الأولى كانت يوم 8 أفريل والثانية يوم 10 أفريل للمطالبة ببرلمان تونسي وحكومة مسؤولة وإطلاق سراح المعتقلين.
ويؤكد الحناشي أن المظاهرات يوم 8 أفريل 1938 انطلقت بشكل سلمي، غير أن حدثا هاما غيّر مجرى الأحداث بعد استدعاء علي البلهوان للتحقيق، بتهمة تحريض الشباب على عصيان القوى الفرنسية، على خلفية الخطبة الشهيرة التي دعا فيها الشباب إلى الانضمام للحزب ومواجهة السلطة الاستعمارية الفرنسية. ليقود «التحقيق مع البلهوان مجموعات سكانية كبيرة إلى التجمهر مجددا يوم 9 أفريل 1938 للمطالبة بإطلاق سراحه، وهو ما قابلته القوى الاستعمارية الفرنسية بالتدخل الأمني الذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
كما كشف الحناشي أن المؤرخين إلى اليوم يجهلون من الجهة التي دعت إلى تنظيم مظاهرة يوم 9 أفريل 1938 والتي تعززت بالعنصر النسائي، ولا كيفية وقوع هذه المواجهات؟
تأكيد على وحدة الوطن
وحول أهمية هذه الذكرى يشير المؤرخ وأستاذ التعليم العالي عميرة علية الصغير في تصريح لـ«الصباح» أن ذكرى 9 أفريل 1938 تعتبر عيدا رسميا وضعته الدولة التونسية بعد الاستقلال تأكيد منها على وحدة تونس في بلد يسمى: وطن، إلى جانب تربية النشء والمواطنين على سيادة الوطن وكرامته وعزته وعلى أن هناك شهداء ناضلوا من أجل عزة الوطن، كما أن هذه الذكرى تمثل أيضا رمزا من بين رموز كبيرة لتضحية تونس ضد الاحتلال الفرنسي.
وأوضح الصغير أن أكثر من 5 آلاف شهيد سقطوا من أجل أن تبقى تونس حرة مستقلة تتقدم إلى الأمام، مشيرا إلى أن هذا الحدث في إشارة إلى ذكرى 9 أفريل 1938 يعتبر حدثا كبيرا جدا بعد أن سبقته مظاهرات حاشدة من أجل استجابة فرنسا لمطالب التونسيين على غرار برلمان تونسي وتكريس لمبادئ الحرية.
وفي استعراضه للوقائع التي رافقت هذه الذكرى أشار محدثنا إلى أن يوم 9 أفريل 1938 شهد مشادات كبيرة وصدام كبير في عدد من شوارع وأنهج العاصمة على غرار شارع باب بنات وباب منارة حيث شهد ذلك اليوم معارك أسفرت عن استشهاد حوالي50 تونسيا، على حد تشخيصه، مبينا أن هذا الحدث يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة الوطنية ومقاومة المستعمر من أجل تلبية المطالب التونسية.
من جانب آخر قال أستاذ التاريخ مصطفى التليلي في تصريح لـ«الصباح» إن ذكرى 9 افريل 1938 تعتبر منعرجا هاما في تاريخ الحركة الوطنية تعكس عزيمة الشعب التونسي في مقاومة الاستعمار .
وتابع محدثنا قائلا:»رغم القمع الشديد إلا أن أحداث 9 أفريل 1938 كانت نوعا ما شبيهة بعملية فرز بين المٌصرّين على المشروع الوطني كإحداث برلمان تونسي والحصول على الاستقلال وبين الذين كانوا غير مستعدين لتقديم تضحيات».
وفاء للحركة الوطنية
وأضاف التليلي أن استحضار هذه الذكرى اليوم في سنة 2025 يترجم في جوهره الوفاء لتاريخ الحركة الوطنية لاسيما وأنه عقب سنة 2011 كانت هنالك قراءة تنكرية للسردية الوطنية وتشكيك في الزعماء وفي الوطنيين .
كما اعتبر محدثنا أن الاحتفاء بهذه الذكرى يعكس وفاء للمشروع الوطني وللزعماء الوطنيين دون التشكيك في عزيمتهم وقدرتهم على مقارعة قوة استعمارية جبارة ونجاحهم في تحقيق الاستقلال الذي جاء عن طريق التدرج، ليخلص أستاذ التاريخ إلى القول بأن بناء تونس الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بالوفاء للمشروع الوطني ولبناة دولة الاستقلال رغم الأخطاء الحاصلة ونقاط الضعف المسجلة على اعتبار أن تلك الفترة كما شهدت إيجابيات شهدت سلبيات.
من جهة أخرى وفي نفس الإطار يرى الأكاديمي والجامعي والباحث في القضايا الإستراتيجية علية العلاني في تصريح لـ»الصباح» أن السيادة الوطنية تحققت بفضل نضال المناضلين وتجسمت في إنشاء دولة الاستقلال، غير أن هذه السيادة الوطنية التي تحققت بعد الاستقلال كانت تحتاج إلى مضمون متنوع أكثر من المضمون السياسي يتمثل في البناء الاقتصادي.
وفسر العلاني أن هذا البناء الاقتصادي شهد تعثرا طيلة العقود الأخيرة خاصة بعد 2011 حيث مررنا بحكومات كان القليل منها يرعى مصالح المواطنين وهو ما تعكسه القضايا المطروحة حاليا في المحاكم والكم الهائل من سوء الحوكمة والفساد المالي والإداري، على حد قوله.
وتابع العلاني قائلا:»اليوم وبعد حركة جويلية 2021 التصحيحية نجد أن رمزية السيادة الوطنية بدأت تستعيد مضمونها الحقيقي، لكن مع التأكيد على أن استكمالها لن يكون إلا بمضمون اقتصادي واجتماعي وثقافي جديد وبرلمان ممثل لكل شرائح الشعب «.
ليخلص العلاني إلى القول بأننا في نهاية عصر العولمة والسيادة أصبحت فيه سيادات مثل السيادة الرقمية التي نحتاجها اليوم لكي نحمي ثراوتنا ونصقل أكثر فأكثر حوكمتنا، وهكذا يكون احتفالنا بذكرى أحداث 9 أفريل 1338 مدخلا ضروريا لإنشاء هذه الإصلاحات الرائدة.
رمز للدفاع عن الوطن
ذكرى 9 افريل 1938 هي من أهم أركان السردية في التاريخ الوطني في تونس هكذا يرى أستاذ التاريخ ومؤسس «مؤسسة أحمد التليلي من أجل ثقافة الديمقراطية» رضا التليلي في تصريح لـ»الصباح» حيث اعتبر أن هذه الذكرى تعد رمزا هاما جدا لما أعطاه الشعب ككل من أجل الدفاع عن الوطن. كما أنها بمثابة ترجمة لرغبة الشعب التونسي وكل مكوناته الاجتماعية للدخول في صراع حقيقي مع المستعمر الفرنسي، صراع أفرز عديد الشهداء من أجل الظفر لاحقا بالاستقلال، هذا الاستقلال الذي يحيلنا إلى مفهوم السيادة الوطنية حيث لا استقلال دون سيادة وطنية والعكس بالعكس.
وفسر محدثنا في هذا الشأن أن الاستقلال رمز في السيادة الوطنية التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالتضحية، وهنا تأتي حقيقة الاحتفال بهذه الذكرى كما أنه لا يمكن تحقيق أية تنمية اقتصادية أو أية ديمقراطية دون الظفر بالاستقلال. ليخلص محدثنا إلى القول بأن يوم 9 أفريل 1938 هو حركة شمولية حيث لا يمكن اعتبارها مطلقا حركة حزبية أو نقابية أو أيديولوجية من أجل مشروع يقوم على بناء الدولة الوطنية وتحقيق الاستقلال والسيادة.