بعضهم في عصابات منظمة.. متسولون برتبة "متحيلين".. وأفارقة جنوب الصحراء دخلوا "المنافسة"
مقالات الصباح
أكثر من 20 ألف متسول ببلادنا، نسبة قليلة فقط منهم محتاجة والبقية متسولون برتبة متحيلين، يتحينون فرصة قدوم المناسبات الدينية ينتشروا بالشوارع والانهح ومحطات ووسائل النقل العمومي والمركبات التجارية الكبرى والصغرى وأمام الموزعات الآلية للبنوك لاستدرار عطف المارة.
رغم ان ظاهرة التسول قديمة ولكنها تتجدد ويرتفع نسقها مع كل مناسبة دينية خاصة مع حلول شهر رمضان المعظم، هذه الظاهرة التي غزت الشوارع والانهج ووسائل النقل العمومي خاصة المترو كذلك أمام المساجد والبنوك فلا يخلو شارع او نهج خاصة تونس الكبرى من المتسولين رغم ان اغلبهم لا تبدو عليهم علامات الفقر والخصاصة.
فقد امتهن العديد من المتواكلين هذه «التجارة» المربحة التي لا تكلفهم اي مجهود، يكفي ان يختار الواحد من هؤلاء الوجهة التي يريد ان يتمركز فيها ثم يشرع في استعطاف الناس وإقناعهم بالحاجة إلى المال لمداواة ابنته او ابنه الذي يعاني او تعاني من مرض خطير او ان يكون قدم من إحدى َولايات الجمهورية ويحتاج بعض الدنانير ليستقل سيارة أجرة في اتجاه مسقط رأسه والعديد من السرديات الأخرى التي يعتمدونها لاستجداء تعاطف المارة او ركاب المترو والحافلات وغيرها..
ورغم المجهودات الأمنية للتصدي لهذه الظاهرة الا انها ما انفكت تتزايد سنة بعد أخرى َوخاصة في المناسبات الدينية على غرار شهر رمضان او عيد الفطر او عيد الأضحى.
اغلب المتسولين متحيلون
تجاوز عدد المتسولين في تونس الـ 20 الف متسول. 15 ٪ فقط منهم من يستحقون المساعدة وفق ما أكده في تصريح لـ«الصباح» رئيس الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام رضا كرويدة.
وأوضح ان تناول الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام لموضوع التسول وعلى عكس ما يعتقد البعض ليس من باب الإثارة وإنما من صميم الأهداف التي قامت عليها الجمعية من حيث مرافقة مؤسسات الدولة في معالجتها للظواهر الاجتماعية ذات العلاقة بالملف الاجتماعي ولذلك واصلت الجمعية العمل على هذا الملف خاصة في تونس الكبرى ولاحظت ان ظاهرة التسول لم تعد تقتصر على التونسيات والتونسيين وانما أيضا اللاجئين الأفارقة وخاصة النساء والأطفال منهم.
متسولون موسميون..
وتضاعف حسب تاكيده عدد المتسولين منذ قيام الجمعية بالمسح الميداني الأول في سنة 2023 باعتبار العدد الكبير للمتسولين الأفارقة والذي قدره بين 4000 و 5000 آلاف متسول في ولايات تونس الكبرى كما لاحظت الجمعية ظاهرة أخرى تتمثل في المتسولين القادمين من المناطق الداخلية للبلاد ويتكاثرون في المناسبات والآن ونحن في شهر رمضان وعلى أبواب عيد الفطر نكتشف وجوه جديدة اجتاحت الشوارع الكبرى وأمام المساجد والمساحات الكبرى والبنوك ومكاتب البريد وهؤلاء متسولون موسميون لا نراهم الا في المناسبات وفق قوله.
واما الظاهرة الأخرى التي لا تقل أهمية حسب رايه تكاثر شريحة الشباب التي تقدر نسبتها بين 20 و 30 بالمائة من مجمل المتسولين وتقدر نسبة النساء والأطفال بين 40 و 50 بالمائة والباقي من الكهول وكبار السن على ان هذه النسب تشمل التونسيين والأجانب.
80 ٪ من المتسولين غير محتاجين..
وأضاف ان نسبة 80 بالمائة من المتسولين غير محتاجين مشيرا ان الدخل اليومي للمتسولين يتراوح بين 100و150د ينارا يوميا.
واكد ان السلطات الأمنية تقوم بمجهود كبير في مكافحة الظاهرة والتصدي لها ورغم ذلك فقد غزا المتسولون كافة الشوارع والانهح والمساجد.
عصابات منظمة..
واعتبر رئيس الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام من ان غالبية هؤلاء المتسولين هم من المتحيلين بل ومنخرطين في عصابات منظمة تجني ملايين الدينارات سنويا مستغلين في ذلك كرم التونسيين وحبهم لفعل الخير مشددا على ضرورة تطبيق القانون ومكافحة هذه الظاهرة المسيئة لصورة بلادنا.
التسول مرآة تعكس أزمة ثلاثية..
البعض يرى ان الفقر والخصاصة تدفع بالعديد من الأشخاص الى التسول بينما يرى البعض الآخر أن التسول «بات وسيلة للتحيل والضحك على ذقون الآخرين بهدف الكسب السهل والسريع للمال اما المختصون في علم الاجتماع فلديهم رأي آخر.
إذ يرى المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين ان التسول من الظواهر الاجتماعية التي تعكس أزمة اقتصادية واجتماعية وثقافية مركّبة ففي شوارع تونس، تتعدد مشاهد المتسولين الذين يلجأون إلى أساليب مختلفة لاستدرار عطف المارة، مستغلين أحيانًا مشاعر الرحمة والتضامن التي يتميز بها المجتمع التونسي.
نشاط منظم واحتيال..
لكن هذه الظاهرة حسب رأيه تتجاوز في كثير من الأحيان حدود الحاجة لتتحول إلى نشاط منظم وإستراتيجية احتيالية تعتمد على استغلال الفئات الهشة، وخاصة الأطفال وذوي الإعاقة وهذا ما يفرض مقاربة تحليلية تتجاوز البعد الظاهري للتسول، لتغوص في تمثلات المتسولين واستراتيجيات فعلهم، وتدرس السياقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تغذي انتشار الظاهرة، مع محاولة التمييز بين التسول كحاجة حقيقية والتسول كاحتيال يستثمر في القيم الإنسانية لتحقيق أرباح غير مشروعة.
تمثلات المتسولين واستراتيجيات الفعل..
وأضاف خلال تعليقه لـ «الصباح عن الظاهرة ان المتسولين يختلفون في تمثلاتهم لذواتهم ولممارساتهم فالبعض يعتبر التسول خيارًا اضطراريًا لمواجهة ظروف الحياة القاسية، في حين يراه آخرون نشاطًا مربحًا لا يتطلب مجهودًا كبيرًا. في المقابل، تتفاوت نظرة المجتمع إليهم بين التعاطف والاشمئزاز، حيث يُنظر إلى المتسول الذي تظهر عليه علامات البؤس والفاقة بعين الشفقة، بينما يُنظر إلى المتسولين الذين يبدون في صحة جيدة أو الذين يكررون نفس الأساليب والخطابات يوميًا بعين الريبة والاتهام بالاحتيال. هذه التمثلات تتداخل مع استراتيجيات الفعل التي يعتمدها المتسولون، والتي تتنوع بين الاعتماد على مظاهر الإعاقة أو المرض، أو استغلال الأطفال والنساء لاستدرار العطف، أو تبني سرديات مؤثرة تستهدف مشاعر المارة.
السياقات المؤثرة في انتشار الظاهرة
وتعكس ظاهرة التسول حسب رأيه هشاشة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، إذ يلعب الفقر والبطالة دورًا أساسيًا في دفع الأفراد نحو الاستجداء كوسيلة للبقاء. كما أن التحولات الاجتماعية، مثل تفكك الروابط الأسرية وتراجع قيم التضامن التقليدية، ساهمت في ترك بعض الفئات دون دعم، مما جعلها تلجأ إلى التسول كخيار أخير. من ناحية أخرى، تساهم العوامل الثقافية والدينية في تغذية الظاهرة، حيث يعتبر البعض تقديم الصدقة واجبًا دينيًا، وهو ما يشجع المتسولين على استغلال هذا البعد، خاصة في شهر رمضان، حيث تزداد مظاهر التسول بشكل ملحوظ.
ظاهرة مهيكلة..
أما من الناحية التاريخية، فقد عرفت تونس ظاهرة التسول منذ فترات طويلة، لكنّها اتخذت في العقود الأخيرة أشكالًا أكثر تنظيماً، حيث ظهرت شبكات تستغل التسول كمصدر للربح، مما حوّله من فعل فردي إلى ظاهرة مهيكلة أحيانًا داخل شبكات إجرامية تستغل الفئات الضعيفة لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
ليس كل متسول محتاجا..
واعتبر المختص في علم الاجتماع ان ليس كل متسول محتاجًا، فهناك فرق بين من يدفعه الفقر المدقع إلى الاستجداء، ومن يرى في التسول وسيلة سهلة للربح دون مجهود. هذا التداخل بين التسول الناجم عن الحاجة والتسول الاحتيالي يجعل التعامل مع الظاهرة أكثر تعقيدًا، حيث إن الكثير من المتسولين المحترفين يبتكرون أساليب متطورة لخداع الناس، مثل التظاهر بالإعاقة، أو استخدام قصص درامية مفبركة، أو حتى تأجير الأطفال لاستدرار العطف. في المقابل، هناك فئات حقيقية تعيش وضعيات اجتماعية مزرية ولا تجد من يعينها، مما يجعلها تلجأ إلى التسول كآخر حل للبقاء. وهذا التداخل يجعل من الصعب التمييز بين من يستحق المساعدة ومن يستغل التعاطف الاجتماعي لتحقيق مكاسب غير مستحقة.
مظاهر التسول وانتشاره..
واعتبر ان مظاهر التسول في تونس متعددة فمنها ما يتم بطريقة مباشرة عبر طلب المال من المارة، ومنها ما يتم بطرق غير مباشرة مثل بيع سلع رمزية لا قيمة لها، أو تقديم خدمات بسيطة كتلميع الأحذية ومسح زجاج السيارات. كما أن الظاهرة تنتشر في أماكن محددة، مثل الأسواق، ووسائل النقل العمومي، والمقاهي، وأمام المساجد، حيث يتوقع المتسولون وجود أشخاص أكثر استعدادًا للتصديق. لكن المثير للاهتمام هو الارتفاع الملحوظ للتسول خلال شهر رمضان، حيث يستغل المتسولون الطابع الديني لهذا الشهر لتحقيق مكاسب أكبر، في حين أن البعض الآخر يرى فيه فرصة لجمع المال استعدادًا لفترة ما بعد رمضان، حينما ينخفض منسوب العطاء لدى المواطنين.
الآثار النفسية والاجتماعية للتسول..
رغم ان التسول يحقق ربحا وفيرا للمتسولين ولكنه يخلف حسب محدثنا آثارًا نفسية عميقة على المتسولين أنفسهم، حيث يفقدون تدريجيًا الشعور بالكرامة، ويتحولون إلى أشخاص يعتمدون على الآخرين بدل السعي للاستقلالية، كما أن بعضهم، خاصة الأطفال، ينشأون في بيئة تجعلهم يعتادون على التسول كأسلوب حياة، مما يصعب إدماجهم لاحقًا في المجتمع وسوق العمل. من ناحية أخرى، يؤثر التسول على نفسية المواطنين، إذ يولد لديهم مشاعر متناقضة بين الإحساس بالذنب عند رفض تقديم المال، والشعور بالاستغلال عند ملاحظة الحيل المستخدمة من قبل بعض المتسولين. كما يساهم انتشار التسول في تآكل قيم العمل والاجتهاد، حيث يصبح الكسب السريع دون عناء نموذجًا يُحتذى به في بعض الأوساط الفقيرة.
مواجهة الظاهرة..
ولمواجهة ظاهرة التسول يرى ممدوح عز الدين انه لا بد من اتباع استراتيجيات متعددة المستويات تجمع بين الحلول الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. فمن الناحية الاقتصادية، يجب تعزيز سياسات الإدماج المهني وتحسين فرص العمل للفئات الهشة، إضافة إلى دعم المؤسسات الاجتماعية التي توفر المساعدة للفقراء دون أن تجعلهم يعتمدون على التسول. أما من الناحية الأمنية، فمن الضروري تفكيك الشبكات الإجرامية التي تستغل المتسولين، خاصة الأطفال، وتطبيق قوانين صارمة ضد الاستغلال والاتجار بالبشر. كما يمكن للمجتمع المدني لعب دور مهم في توعية المواطنين بكيفية تقديم المساعدة بطرق أكثر فعالية، مثل دعم الجمعيات المتخصصة بدل منح المال مباشرة للمتسولين، مما يحد من التسول الاحتيالي ويضمن وصول الدعم إلى من يحتاجه بالفعل.
وختم معتبرا ان التسول في تونس ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة بل هو انعكاس لأزمة اقتصادية واجتماعية عميقة ،تتشابك فيها عوامل الفقر والتفكك الأسري والاستغلال الإجرامي. وبينما يظل البعض في حاجة حقيقية إلى المساعدة هناك من يستغل التعاطف الاجتماعي لتحقيق مكاسب شخصية بطرق غير مشروعة. وهذا يفرض ضرورة التعامل مع الظاهرة بحكمة ،من خلال سياسات اجتماعية فعالة وحلول قانونية حازمة ،و توعية مجتمعية تحفز على التضامن الذكي الذي يحقق المساعدة دون أن يشجع على مزيد التسول.
ماذا يقول القانون التونسي في هذا الجانب؟
مختص في القانون يشرح عقوبة التسول في القانون التونسي أوضح لـ«الصباح» في هذا الخصوص المختص في القانون الأستاذ أنيس الزرقوني ان المشرع التونسی جرم فعل التسول باعتباره ظاهرة سلبیة وتضر بالمشهد الاجتماعي والمظهر العام للبلاد.
وأضاف خلال إفادته «الصباح» ان المشرع التونسي اهتم بمحاربة ظاهرة التسول التي يمنعها الفصل 171 من المجلة الجزاٸية وينصّ على عقوبات تصل إلى ستة أشهر وفي حالة تضمن تهدیدا أو افتعال وثيقة فإن العقاب یشدد بالسجن سنة کاملة.
وشدد المشرع التونسي عقوبة التسول خاصة عندما تتم الاستعانة بالأطفال وبالبشر بصفة عامة حیث جاء بالقانون ألأساسيي عدد 61 لسنة 2016 والمٶرخ فیی 3 أوت 2016 والمتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومکافحته حيث نص المشرع في الباب الثاني علی جملة من العقوبات لحالات مختلفة من الاتجار بالبشر تصل إلی عشر سنوات وبالتالي فإن المتسول الذي يستعین بشخص من ذوي الإعاقة أو الاحتیاجات الخاصة يكون قانونا مهددا بعقوبة سجنیة تصل إلی عشر سنوات. مع عقوبة مالیة تصل الی خمسین ألف دينار. ویقصد بالاستغلال الاقتصادي تعریض الطفل للتسول او تشغیله في ظروف مخالفة للقانون.
وخلص ملاحظا بأن التسول مجرّم قانونا ویشدد العقاب حسب الوسیلة التي يستعین بها المتسول.
صباح الشابي
أكثر من 20 ألف متسول ببلادنا، نسبة قليلة فقط منهم محتاجة والبقية متسولون برتبة متحيلين، يتحينون فرصة قدوم المناسبات الدينية ينتشروا بالشوارع والانهح ومحطات ووسائل النقل العمومي والمركبات التجارية الكبرى والصغرى وأمام الموزعات الآلية للبنوك لاستدرار عطف المارة.
رغم ان ظاهرة التسول قديمة ولكنها تتجدد ويرتفع نسقها مع كل مناسبة دينية خاصة مع حلول شهر رمضان المعظم، هذه الظاهرة التي غزت الشوارع والانهج ووسائل النقل العمومي خاصة المترو كذلك أمام المساجد والبنوك فلا يخلو شارع او نهج خاصة تونس الكبرى من المتسولين رغم ان اغلبهم لا تبدو عليهم علامات الفقر والخصاصة.
فقد امتهن العديد من المتواكلين هذه «التجارة» المربحة التي لا تكلفهم اي مجهود، يكفي ان يختار الواحد من هؤلاء الوجهة التي يريد ان يتمركز فيها ثم يشرع في استعطاف الناس وإقناعهم بالحاجة إلى المال لمداواة ابنته او ابنه الذي يعاني او تعاني من مرض خطير او ان يكون قدم من إحدى َولايات الجمهورية ويحتاج بعض الدنانير ليستقل سيارة أجرة في اتجاه مسقط رأسه والعديد من السرديات الأخرى التي يعتمدونها لاستجداء تعاطف المارة او ركاب المترو والحافلات وغيرها..
ورغم المجهودات الأمنية للتصدي لهذه الظاهرة الا انها ما انفكت تتزايد سنة بعد أخرى َوخاصة في المناسبات الدينية على غرار شهر رمضان او عيد الفطر او عيد الأضحى.
اغلب المتسولين متحيلون
تجاوز عدد المتسولين في تونس الـ 20 الف متسول. 15 ٪ فقط منهم من يستحقون المساعدة وفق ما أكده في تصريح لـ«الصباح» رئيس الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام رضا كرويدة.
وأوضح ان تناول الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام لموضوع التسول وعلى عكس ما يعتقد البعض ليس من باب الإثارة وإنما من صميم الأهداف التي قامت عليها الجمعية من حيث مرافقة مؤسسات الدولة في معالجتها للظواهر الاجتماعية ذات العلاقة بالملف الاجتماعي ولذلك واصلت الجمعية العمل على هذا الملف خاصة في تونس الكبرى ولاحظت ان ظاهرة التسول لم تعد تقتصر على التونسيات والتونسيين وانما أيضا اللاجئين الأفارقة وخاصة النساء والأطفال منهم.
متسولون موسميون..
وتضاعف حسب تاكيده عدد المتسولين منذ قيام الجمعية بالمسح الميداني الأول في سنة 2023 باعتبار العدد الكبير للمتسولين الأفارقة والذي قدره بين 4000 و 5000 آلاف متسول في ولايات تونس الكبرى كما لاحظت الجمعية ظاهرة أخرى تتمثل في المتسولين القادمين من المناطق الداخلية للبلاد ويتكاثرون في المناسبات والآن ونحن في شهر رمضان وعلى أبواب عيد الفطر نكتشف وجوه جديدة اجتاحت الشوارع الكبرى وأمام المساجد والمساحات الكبرى والبنوك ومكاتب البريد وهؤلاء متسولون موسميون لا نراهم الا في المناسبات وفق قوله.
واما الظاهرة الأخرى التي لا تقل أهمية حسب رايه تكاثر شريحة الشباب التي تقدر نسبتها بين 20 و 30 بالمائة من مجمل المتسولين وتقدر نسبة النساء والأطفال بين 40 و 50 بالمائة والباقي من الكهول وكبار السن على ان هذه النسب تشمل التونسيين والأجانب.
80 ٪ من المتسولين غير محتاجين..
وأضاف ان نسبة 80 بالمائة من المتسولين غير محتاجين مشيرا ان الدخل اليومي للمتسولين يتراوح بين 100و150د ينارا يوميا.
واكد ان السلطات الأمنية تقوم بمجهود كبير في مكافحة الظاهرة والتصدي لها ورغم ذلك فقد غزا المتسولون كافة الشوارع والانهح والمساجد.
عصابات منظمة..
واعتبر رئيس الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام من ان غالبية هؤلاء المتسولين هم من المتحيلين بل ومنخرطين في عصابات منظمة تجني ملايين الدينارات سنويا مستغلين في ذلك كرم التونسيين وحبهم لفعل الخير مشددا على ضرورة تطبيق القانون ومكافحة هذه الظاهرة المسيئة لصورة بلادنا.
التسول مرآة تعكس أزمة ثلاثية..
البعض يرى ان الفقر والخصاصة تدفع بالعديد من الأشخاص الى التسول بينما يرى البعض الآخر أن التسول «بات وسيلة للتحيل والضحك على ذقون الآخرين بهدف الكسب السهل والسريع للمال اما المختصون في علم الاجتماع فلديهم رأي آخر.
إذ يرى المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين ان التسول من الظواهر الاجتماعية التي تعكس أزمة اقتصادية واجتماعية وثقافية مركّبة ففي شوارع تونس، تتعدد مشاهد المتسولين الذين يلجأون إلى أساليب مختلفة لاستدرار عطف المارة، مستغلين أحيانًا مشاعر الرحمة والتضامن التي يتميز بها المجتمع التونسي.
نشاط منظم واحتيال..
لكن هذه الظاهرة حسب رأيه تتجاوز في كثير من الأحيان حدود الحاجة لتتحول إلى نشاط منظم وإستراتيجية احتيالية تعتمد على استغلال الفئات الهشة، وخاصة الأطفال وذوي الإعاقة وهذا ما يفرض مقاربة تحليلية تتجاوز البعد الظاهري للتسول، لتغوص في تمثلات المتسولين واستراتيجيات فعلهم، وتدرس السياقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تغذي انتشار الظاهرة، مع محاولة التمييز بين التسول كحاجة حقيقية والتسول كاحتيال يستثمر في القيم الإنسانية لتحقيق أرباح غير مشروعة.
تمثلات المتسولين واستراتيجيات الفعل..
وأضاف خلال تعليقه لـ «الصباح عن الظاهرة ان المتسولين يختلفون في تمثلاتهم لذواتهم ولممارساتهم فالبعض يعتبر التسول خيارًا اضطراريًا لمواجهة ظروف الحياة القاسية، في حين يراه آخرون نشاطًا مربحًا لا يتطلب مجهودًا كبيرًا. في المقابل، تتفاوت نظرة المجتمع إليهم بين التعاطف والاشمئزاز، حيث يُنظر إلى المتسول الذي تظهر عليه علامات البؤس والفاقة بعين الشفقة، بينما يُنظر إلى المتسولين الذين يبدون في صحة جيدة أو الذين يكررون نفس الأساليب والخطابات يوميًا بعين الريبة والاتهام بالاحتيال. هذه التمثلات تتداخل مع استراتيجيات الفعل التي يعتمدها المتسولون، والتي تتنوع بين الاعتماد على مظاهر الإعاقة أو المرض، أو استغلال الأطفال والنساء لاستدرار العطف، أو تبني سرديات مؤثرة تستهدف مشاعر المارة.
السياقات المؤثرة في انتشار الظاهرة
وتعكس ظاهرة التسول حسب رأيه هشاشة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، إذ يلعب الفقر والبطالة دورًا أساسيًا في دفع الأفراد نحو الاستجداء كوسيلة للبقاء. كما أن التحولات الاجتماعية، مثل تفكك الروابط الأسرية وتراجع قيم التضامن التقليدية، ساهمت في ترك بعض الفئات دون دعم، مما جعلها تلجأ إلى التسول كخيار أخير. من ناحية أخرى، تساهم العوامل الثقافية والدينية في تغذية الظاهرة، حيث يعتبر البعض تقديم الصدقة واجبًا دينيًا، وهو ما يشجع المتسولين على استغلال هذا البعد، خاصة في شهر رمضان، حيث تزداد مظاهر التسول بشكل ملحوظ.
ظاهرة مهيكلة..
أما من الناحية التاريخية، فقد عرفت تونس ظاهرة التسول منذ فترات طويلة، لكنّها اتخذت في العقود الأخيرة أشكالًا أكثر تنظيماً، حيث ظهرت شبكات تستغل التسول كمصدر للربح، مما حوّله من فعل فردي إلى ظاهرة مهيكلة أحيانًا داخل شبكات إجرامية تستغل الفئات الضعيفة لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
ليس كل متسول محتاجا..
واعتبر المختص في علم الاجتماع ان ليس كل متسول محتاجًا، فهناك فرق بين من يدفعه الفقر المدقع إلى الاستجداء، ومن يرى في التسول وسيلة سهلة للربح دون مجهود. هذا التداخل بين التسول الناجم عن الحاجة والتسول الاحتيالي يجعل التعامل مع الظاهرة أكثر تعقيدًا، حيث إن الكثير من المتسولين المحترفين يبتكرون أساليب متطورة لخداع الناس، مثل التظاهر بالإعاقة، أو استخدام قصص درامية مفبركة، أو حتى تأجير الأطفال لاستدرار العطف. في المقابل، هناك فئات حقيقية تعيش وضعيات اجتماعية مزرية ولا تجد من يعينها، مما يجعلها تلجأ إلى التسول كآخر حل للبقاء. وهذا التداخل يجعل من الصعب التمييز بين من يستحق المساعدة ومن يستغل التعاطف الاجتماعي لتحقيق مكاسب غير مستحقة.
مظاهر التسول وانتشاره..
واعتبر ان مظاهر التسول في تونس متعددة فمنها ما يتم بطريقة مباشرة عبر طلب المال من المارة، ومنها ما يتم بطرق غير مباشرة مثل بيع سلع رمزية لا قيمة لها، أو تقديم خدمات بسيطة كتلميع الأحذية ومسح زجاج السيارات. كما أن الظاهرة تنتشر في أماكن محددة، مثل الأسواق، ووسائل النقل العمومي، والمقاهي، وأمام المساجد، حيث يتوقع المتسولون وجود أشخاص أكثر استعدادًا للتصديق. لكن المثير للاهتمام هو الارتفاع الملحوظ للتسول خلال شهر رمضان، حيث يستغل المتسولون الطابع الديني لهذا الشهر لتحقيق مكاسب أكبر، في حين أن البعض الآخر يرى فيه فرصة لجمع المال استعدادًا لفترة ما بعد رمضان، حينما ينخفض منسوب العطاء لدى المواطنين.
الآثار النفسية والاجتماعية للتسول..
رغم ان التسول يحقق ربحا وفيرا للمتسولين ولكنه يخلف حسب محدثنا آثارًا نفسية عميقة على المتسولين أنفسهم، حيث يفقدون تدريجيًا الشعور بالكرامة، ويتحولون إلى أشخاص يعتمدون على الآخرين بدل السعي للاستقلالية، كما أن بعضهم، خاصة الأطفال، ينشأون في بيئة تجعلهم يعتادون على التسول كأسلوب حياة، مما يصعب إدماجهم لاحقًا في المجتمع وسوق العمل. من ناحية أخرى، يؤثر التسول على نفسية المواطنين، إذ يولد لديهم مشاعر متناقضة بين الإحساس بالذنب عند رفض تقديم المال، والشعور بالاستغلال عند ملاحظة الحيل المستخدمة من قبل بعض المتسولين. كما يساهم انتشار التسول في تآكل قيم العمل والاجتهاد، حيث يصبح الكسب السريع دون عناء نموذجًا يُحتذى به في بعض الأوساط الفقيرة.
مواجهة الظاهرة..
ولمواجهة ظاهرة التسول يرى ممدوح عز الدين انه لا بد من اتباع استراتيجيات متعددة المستويات تجمع بين الحلول الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. فمن الناحية الاقتصادية، يجب تعزيز سياسات الإدماج المهني وتحسين فرص العمل للفئات الهشة، إضافة إلى دعم المؤسسات الاجتماعية التي توفر المساعدة للفقراء دون أن تجعلهم يعتمدون على التسول. أما من الناحية الأمنية، فمن الضروري تفكيك الشبكات الإجرامية التي تستغل المتسولين، خاصة الأطفال، وتطبيق قوانين صارمة ضد الاستغلال والاتجار بالبشر. كما يمكن للمجتمع المدني لعب دور مهم في توعية المواطنين بكيفية تقديم المساعدة بطرق أكثر فعالية، مثل دعم الجمعيات المتخصصة بدل منح المال مباشرة للمتسولين، مما يحد من التسول الاحتيالي ويضمن وصول الدعم إلى من يحتاجه بالفعل.
وختم معتبرا ان التسول في تونس ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة بل هو انعكاس لأزمة اقتصادية واجتماعية عميقة ،تتشابك فيها عوامل الفقر والتفكك الأسري والاستغلال الإجرامي. وبينما يظل البعض في حاجة حقيقية إلى المساعدة هناك من يستغل التعاطف الاجتماعي لتحقيق مكاسب شخصية بطرق غير مشروعة. وهذا يفرض ضرورة التعامل مع الظاهرة بحكمة ،من خلال سياسات اجتماعية فعالة وحلول قانونية حازمة ،و توعية مجتمعية تحفز على التضامن الذكي الذي يحقق المساعدة دون أن يشجع على مزيد التسول.
ماذا يقول القانون التونسي في هذا الجانب؟
مختص في القانون يشرح عقوبة التسول في القانون التونسي أوضح لـ«الصباح» في هذا الخصوص المختص في القانون الأستاذ أنيس الزرقوني ان المشرع التونسی جرم فعل التسول باعتباره ظاهرة سلبیة وتضر بالمشهد الاجتماعي والمظهر العام للبلاد.
وأضاف خلال إفادته «الصباح» ان المشرع التونسي اهتم بمحاربة ظاهرة التسول التي يمنعها الفصل 171 من المجلة الجزاٸية وينصّ على عقوبات تصل إلى ستة أشهر وفي حالة تضمن تهدیدا أو افتعال وثيقة فإن العقاب یشدد بالسجن سنة کاملة.
وشدد المشرع التونسي عقوبة التسول خاصة عندما تتم الاستعانة بالأطفال وبالبشر بصفة عامة حیث جاء بالقانون ألأساسيي عدد 61 لسنة 2016 والمٶرخ فیی 3 أوت 2016 والمتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومکافحته حيث نص المشرع في الباب الثاني علی جملة من العقوبات لحالات مختلفة من الاتجار بالبشر تصل إلی عشر سنوات وبالتالي فإن المتسول الذي يستعین بشخص من ذوي الإعاقة أو الاحتیاجات الخاصة يكون قانونا مهددا بعقوبة سجنیة تصل إلی عشر سنوات. مع عقوبة مالیة تصل الی خمسین ألف دينار. ویقصد بالاستغلال الاقتصادي تعریض الطفل للتسول او تشغیله في ظروف مخالفة للقانون.
وخلص ملاحظا بأن التسول مجرّم قانونا ویشدد العقاب حسب الوسیلة التي يستعین بها المتسول.
صباح الشابي