المخرج والمؤلف المنصف البلدي لـ"الصباح": حكاياتي في "حكايات الزمن الجميل" ليست مسامرات ولكنها دراما في صميم الإبداع
مقالات الصباح
◄ الخرافة عالم إبداعي حكواتي يرحل بالذهن إلى بناء الشخصية الحالية مع الشخصيات المدلول عليها في الحكايات
تجمعني رؤية واحدة مع الراحل عبد العزيز العروي.. لكن الزمن والأسلوب يختلفان
ما زلت على العهد في علاقتي بالشعر، فأنا أنظمه وأحتفظ به عندي وفي رصيدي 5 مجموعات شعرية
يحمل على كاهله تجربة متنوعة جمعت بين التمثيل المسرحي من خلال فرقة مسرح الجنوب بقفصة قبل أن يلتحق بصف المخرجين في التلفزة الوطنية، حيث برز بالعديد من الأعمال التي جعلت منه مبدعًا متفردًا في هذه الأعمال التي كانت في مجملها ذات طابع «منوعاتي»، وكانت الأغنية التونسية الأصيلة ركيزتها الأساسية. وهو الذي أنتج للتلفزة حلقات خالدة ذات طابع ديني بالاشتراك مع الناصر صمود ومنير المهدي في الأداء.
هو الممثل والمخرج التلفزيوني والشاعر الغنائي المنصف البلدي الذي أطلق عليه الأستاذ المختار الرصاع، الرئيس الأسبق لمؤسسة التلفزة التونسية، صفة «المخرج المتصوف» اعتبارًا لما قدمه وأنجزه من برامج ذات طابع ديني صرف معرفًا بتعاليم الدين الإسلامي السمحة بعيدًا عن كل مظاهر التزمت والانغلاق. يخوض المنصف البلدي هذه الأيام تجربة جديدة في مسيرته مع الإبداع من خلال تأليفه لمسلسل إذاعي في أول تجربة له مع الكتابة الدرامية الإذاعية. هذا العمل سيكون جاهزًا لسهرات شهر رمضان على موجات الإذاعة الوطنية وفي إخراج لرئيس مصلحة الدراما الفنان المسرحي أنور العياشي.
في هذا اللقاء معه، تحدث المنصف البلدي لـ«الصباح» باعتزاز عن هذه التجربة الأولى مع الدراما الإذاعية.
وفي مايلي نص الحوار:
* تخوض مغامرة جديدة تتمثل في التأليف الدرامي الإذاعي... كيف تقدمها؟
- كانت الإذاعة دائمًا تلازم خواطري وفكري، وعلى اعتبار أننا نتلقى من الذبذبات الإذاعية أهزوجات تلاطف خواطرنا وترحل بنا إلى غيابات الخيال الخصب الجميل، فراودتني فكرة كتابة وتأليف مسلسل إذاعي يجمع بين اختصاصي التلفزي في الدراما والإخراج وبين تجربتي ضمن 5 مسلسلات إذاعية خضتها كممثل. وكانت تجربة شيقة ورشيقة، فسال حبري يؤلف حركاتي وسكناتي في الدراما الإذاعية، فكتبت ثلاثين حلقة في جزئين بعنوان موحد «حكايات الزمن الجميل»، تناولت فيها مراحل زمان الحاكمية القديمة ومعتركها مع معضلات الزمن بتلاطف وتجانس وتنافر وصراع، ومزجت فيها حكايات لطيفة تؤانس هذه السلوكيات التي ذكرناها في خيال المثال.
* هذه العودة إلى الخرافة في الأعمال الدرامية هل هي ضرورية اليوم لاستشراف المستقبل؟
- الخرافة هي عالم إبداعي حكواتي يرحل بالذهن إلى بناء الشخصية الحالية مع الشخصيات المدلول عليها في الحكايات وترادفها مع التماثل في الهيئة والسلوك. وهي ليست عودة استشرافية بل هي وسيلة إبداعية خاضها مبدعون من قبل في أشكال متعددة محليًا وعالميًا، فخصوبتها تؤتي أكلها بالضرورة لأنها خالية من الالتزام، فهي تمرر صورها عبر جمال خيالي تأليفي لذهن المستمع.
* ما هي التقنيات التي اعتمدتها في كتابة هذا العمل؟
- باعتباري توظفت في هذا الاعتماد سنوات طويلة في الإخراج والسيناريو والإعداد، سعيت في هذه التجربة إلى التأليف بين ظاهرين: التقنية التلفزيونية التي تعتمد على الصورة ومؤثراتها، تنزيلاً مترجمًا على أثير الإذاعة للمتلقي العام بدقائق التعبير، ولطائف التوصيف، فجمعت بين المرئي والمسموع جمعًا يؤلف بينهما بحبكة جمالية للإبداع.
* هل يمكن القول إنك على مستوى الخرافة اخترت السير على نهج الراحل عبد العزيز العروي؟
- الرؤية واحدة ولكن الزمن يختلف. المرحوم عبد العزيز العروي كان راوٍ حكواتي دقيق التفصيل في تسلسل الأحداث وتوصيف الشخصيات سلوكًا وصفة، فكان يهدف من خلال إثارة الحديث الجميل الذي يتحكم في قوالبه وربط شخصياته ليدل على واقع معين يرمي به إما لاجتناب الخطأ والتماس ومؤانسة الجميل في التعامل الاجتماعي والشخصي. وهذا يحسب له ولا يمكن لأي كان أن يخلفه فيه.
أما بالنسبة لي، فالحال يختلف. حكاياتي ليست مسامرات رشيقة ولكنها دراما في صميم الإبداع التلفزيوني أو الإذاعي. وأشير في هذا المجال أنه سبق أن ألفت 15 حلقة استئناسًا بحكايات العروي في شكل أفلام تلفزيونية.
* في هذا العصر المتحرك على أكثر من مستوى... هل نحتاج دومًا إلى الخرافة؟
- الخرافة ليست «لخرافة» في البداهة والمباشرية السخيفة. الخرافة هي الرواية بمدلولها العالمي ومفهومها الأدبي وتوصيفها الدرامي، ولها تقنيات علمية خاصة بها. فهي المبدأ والمصدر والمعين لاحتوائها إبداعات أخرى متعددة كالمسرح والسينما والأوبرا والعروض الفنية المختلفة. ومن هذا المنطلق فهي إبداع تام للشروط التقنية الضرورية.
* اخترت التأليف الإذاعي والإخراج التلفزيوني والشعر، فأين المنصف البلدي المسرحي ضمن كل هذه الاهتمامات وهو الذي بدأ مسيرته بالمسرح؟
- ابتعادي عن المسرح ليس اختيارًا مني. لم يحدث أن تلقيت دعوة لتشخيص دور يلائمني على ركح المسرح، وهذا ينطبق أيضًا على السينما والتلفزيون.
وتراني أقول: يمكن أن أوراق تأليفي طوت صورتي الإبداعية عن الذين ينتجون المسرح والسينما والتلفزيون، فاستطابوا غيابي واستمتعوا بفسحة فراري، لأن هذا الفرار كان واعيًا لا يمكنني أداء شخصيات هزيلة بعد ما قدمنا من إبداعات خالدة.
* عرفناك أيضًا شاعرًا غنائيًا. هل نضب المعين فغيرت الاهتمام إلى التأليف الدرامي؟
- ما دمت على قيد الحياة، لن أنقطع عن كتابة الشعر. فقد نوعت في كتاباتي الشعرية من خلال خوضي غمار القصيدة العمودية الفصيحة إلى جانب القصيد الغنائي. ما زلت على العهد في علاقتي بالشعر، فأنا أنضمه وأحتفظ به عندي. ومنه ما تم إنجازه وتلحينه... ومنه ما بقي ينتظر الفرصة ليرى النور.
* لماذا لم تبادر بإصدار هذه الأشعار في مجموعات مستقلة؟
- أتوفّر اليوم على 5 مجموعات شعرية هي «الملح على الجرح»، و»صدفات على شاطئ»، و»أغنياتي» في 3 أجزاء.
* سيكون الموعد في مارس القادم مع دورة جديدة لمهرجان الأغنية التونسية، هل ستكون حاضرًا فيه كشاعر؟
- لقد صرفوا النظر عني كليًا. ويمكن أن يكون لهم أعذارهم في ذلك أو أن يكونوا متعمدين إقصائيًا، وفي كلا الحالتين، أنا أعرف ذاتي وأقدر إبداعاتي وأعمالنا تدل علينا.
* ألم ينتابك الإحساس بالإحباط؟
- لا أخفي سرًا إذا قلت إن الإحباط رافقني فأصبح يلازم شعوري، ولكن لن يضر من صمود شخصيتي لأنني أتعامل مع عامل الإبداع الذي لا ينسى المخلصين له.
محسن بن أحمد
◄ الخرافة عالم إبداعي حكواتي يرحل بالذهن إلى بناء الشخصية الحالية مع الشخصيات المدلول عليها في الحكايات
تجمعني رؤية واحدة مع الراحل عبد العزيز العروي.. لكن الزمن والأسلوب يختلفان
ما زلت على العهد في علاقتي بالشعر، فأنا أنظمه وأحتفظ به عندي وفي رصيدي 5 مجموعات شعرية
يحمل على كاهله تجربة متنوعة جمعت بين التمثيل المسرحي من خلال فرقة مسرح الجنوب بقفصة قبل أن يلتحق بصف المخرجين في التلفزة الوطنية، حيث برز بالعديد من الأعمال التي جعلت منه مبدعًا متفردًا في هذه الأعمال التي كانت في مجملها ذات طابع «منوعاتي»، وكانت الأغنية التونسية الأصيلة ركيزتها الأساسية. وهو الذي أنتج للتلفزة حلقات خالدة ذات طابع ديني بالاشتراك مع الناصر صمود ومنير المهدي في الأداء.
هو الممثل والمخرج التلفزيوني والشاعر الغنائي المنصف البلدي الذي أطلق عليه الأستاذ المختار الرصاع، الرئيس الأسبق لمؤسسة التلفزة التونسية، صفة «المخرج المتصوف» اعتبارًا لما قدمه وأنجزه من برامج ذات طابع ديني صرف معرفًا بتعاليم الدين الإسلامي السمحة بعيدًا عن كل مظاهر التزمت والانغلاق. يخوض المنصف البلدي هذه الأيام تجربة جديدة في مسيرته مع الإبداع من خلال تأليفه لمسلسل إذاعي في أول تجربة له مع الكتابة الدرامية الإذاعية. هذا العمل سيكون جاهزًا لسهرات شهر رمضان على موجات الإذاعة الوطنية وفي إخراج لرئيس مصلحة الدراما الفنان المسرحي أنور العياشي.
في هذا اللقاء معه، تحدث المنصف البلدي لـ«الصباح» باعتزاز عن هذه التجربة الأولى مع الدراما الإذاعية.
وفي مايلي نص الحوار:
* تخوض مغامرة جديدة تتمثل في التأليف الدرامي الإذاعي... كيف تقدمها؟
- كانت الإذاعة دائمًا تلازم خواطري وفكري، وعلى اعتبار أننا نتلقى من الذبذبات الإذاعية أهزوجات تلاطف خواطرنا وترحل بنا إلى غيابات الخيال الخصب الجميل، فراودتني فكرة كتابة وتأليف مسلسل إذاعي يجمع بين اختصاصي التلفزي في الدراما والإخراج وبين تجربتي ضمن 5 مسلسلات إذاعية خضتها كممثل. وكانت تجربة شيقة ورشيقة، فسال حبري يؤلف حركاتي وسكناتي في الدراما الإذاعية، فكتبت ثلاثين حلقة في جزئين بعنوان موحد «حكايات الزمن الجميل»، تناولت فيها مراحل زمان الحاكمية القديمة ومعتركها مع معضلات الزمن بتلاطف وتجانس وتنافر وصراع، ومزجت فيها حكايات لطيفة تؤانس هذه السلوكيات التي ذكرناها في خيال المثال.
* هذه العودة إلى الخرافة في الأعمال الدرامية هل هي ضرورية اليوم لاستشراف المستقبل؟
- الخرافة هي عالم إبداعي حكواتي يرحل بالذهن إلى بناء الشخصية الحالية مع الشخصيات المدلول عليها في الحكايات وترادفها مع التماثل في الهيئة والسلوك. وهي ليست عودة استشرافية بل هي وسيلة إبداعية خاضها مبدعون من قبل في أشكال متعددة محليًا وعالميًا، فخصوبتها تؤتي أكلها بالضرورة لأنها خالية من الالتزام، فهي تمرر صورها عبر جمال خيالي تأليفي لذهن المستمع.
* ما هي التقنيات التي اعتمدتها في كتابة هذا العمل؟
- باعتباري توظفت في هذا الاعتماد سنوات طويلة في الإخراج والسيناريو والإعداد، سعيت في هذه التجربة إلى التأليف بين ظاهرين: التقنية التلفزيونية التي تعتمد على الصورة ومؤثراتها، تنزيلاً مترجمًا على أثير الإذاعة للمتلقي العام بدقائق التعبير، ولطائف التوصيف، فجمعت بين المرئي والمسموع جمعًا يؤلف بينهما بحبكة جمالية للإبداع.
* هل يمكن القول إنك على مستوى الخرافة اخترت السير على نهج الراحل عبد العزيز العروي؟
- الرؤية واحدة ولكن الزمن يختلف. المرحوم عبد العزيز العروي كان راوٍ حكواتي دقيق التفصيل في تسلسل الأحداث وتوصيف الشخصيات سلوكًا وصفة، فكان يهدف من خلال إثارة الحديث الجميل الذي يتحكم في قوالبه وربط شخصياته ليدل على واقع معين يرمي به إما لاجتناب الخطأ والتماس ومؤانسة الجميل في التعامل الاجتماعي والشخصي. وهذا يحسب له ولا يمكن لأي كان أن يخلفه فيه.
أما بالنسبة لي، فالحال يختلف. حكاياتي ليست مسامرات رشيقة ولكنها دراما في صميم الإبداع التلفزيوني أو الإذاعي. وأشير في هذا المجال أنه سبق أن ألفت 15 حلقة استئناسًا بحكايات العروي في شكل أفلام تلفزيونية.
* في هذا العصر المتحرك على أكثر من مستوى... هل نحتاج دومًا إلى الخرافة؟
- الخرافة ليست «لخرافة» في البداهة والمباشرية السخيفة. الخرافة هي الرواية بمدلولها العالمي ومفهومها الأدبي وتوصيفها الدرامي، ولها تقنيات علمية خاصة بها. فهي المبدأ والمصدر والمعين لاحتوائها إبداعات أخرى متعددة كالمسرح والسينما والأوبرا والعروض الفنية المختلفة. ومن هذا المنطلق فهي إبداع تام للشروط التقنية الضرورية.
* اخترت التأليف الإذاعي والإخراج التلفزيوني والشعر، فأين المنصف البلدي المسرحي ضمن كل هذه الاهتمامات وهو الذي بدأ مسيرته بالمسرح؟
- ابتعادي عن المسرح ليس اختيارًا مني. لم يحدث أن تلقيت دعوة لتشخيص دور يلائمني على ركح المسرح، وهذا ينطبق أيضًا على السينما والتلفزيون.
وتراني أقول: يمكن أن أوراق تأليفي طوت صورتي الإبداعية عن الذين ينتجون المسرح والسينما والتلفزيون، فاستطابوا غيابي واستمتعوا بفسحة فراري، لأن هذا الفرار كان واعيًا لا يمكنني أداء شخصيات هزيلة بعد ما قدمنا من إبداعات خالدة.
* عرفناك أيضًا شاعرًا غنائيًا. هل نضب المعين فغيرت الاهتمام إلى التأليف الدرامي؟
- ما دمت على قيد الحياة، لن أنقطع عن كتابة الشعر. فقد نوعت في كتاباتي الشعرية من خلال خوضي غمار القصيدة العمودية الفصيحة إلى جانب القصيد الغنائي. ما زلت على العهد في علاقتي بالشعر، فأنا أنضمه وأحتفظ به عندي. ومنه ما تم إنجازه وتلحينه... ومنه ما بقي ينتظر الفرصة ليرى النور.
* لماذا لم تبادر بإصدار هذه الأشعار في مجموعات مستقلة؟
- أتوفّر اليوم على 5 مجموعات شعرية هي «الملح على الجرح»، و»صدفات على شاطئ»، و»أغنياتي» في 3 أجزاء.
* سيكون الموعد في مارس القادم مع دورة جديدة لمهرجان الأغنية التونسية، هل ستكون حاضرًا فيه كشاعر؟
- لقد صرفوا النظر عني كليًا. ويمكن أن يكون لهم أعذارهم في ذلك أو أن يكونوا متعمدين إقصائيًا، وفي كلا الحالتين، أنا أعرف ذاتي وأقدر إبداعاتي وأعمالنا تدل علينا.
* ألم ينتابك الإحساس بالإحباط؟
- لا أخفي سرًا إذا قلت إن الإحباط رافقني فأصبح يلازم شعوري، ولكن لن يضر من صمود شخصيتي لأنني أتعامل مع عامل الإبداع الذي لا ينسى المخلصين له.
محسن بن أحمد