يعد الحدث السياسي الأبرز الذي شهدته سنة 2024 إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيد لعهدة ثانية. وفوزه في انتخابات 6 أكتوبر الفارط بفترة رئاسية ثانية مدتها 5 سنوات بعد حصوله على 90.69 من أصوات المقترعين في استحقاق سجل نسبة مشاركة 28.8 بالمائة، ما أثار جدلا حول نسبة العزوف التي ناهزت 70 بالمائة.
ويذكر أن تنظيم الاستحقاق الرئاسي سبقه أيضا بعض الجدل والتشكيك في مدى جدية الالتزام بتنظيم الاستحقاق الرئاسي في موعده قبل أن يحسم الرئيس سعيد الجدل في 2 جويلية عندما أصدر المرسوم الذي يقضي بدعوة الناخبين إلى التصويت في الانتخابات الرئاسية يوم 6 أكتوبر 2024. لم يتوقف الجدل بل استمر خلال فترة الترشحات التي شهدت تقديم 17 ملفًّا، للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لم تقبل منها إلا 3 ملفات: للرئيس قيس سعيد وملف الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي وملف النائب السابق العياشي زمّال.
اثر ذلك توجه عدد من المترشحين المرفوضين إلى المحكمة الإدارية للطعن في قرار الهيئة، حيث قضت المحكمة ببطلان قرار الهيئة وإعادة ثلاثة منهم إلى قائمة المرشحين المقبولين، نهائيًا، في سباق الانتخابات الرئاسية، وهم: عماد الدائمي (مدير مكتب الرئيس الأسبق منصف المرزوقي وناشط في مجال مكافحة الفساد)، وعبد اللطيف المكي (وزير سابق وقيادي منشق عن حركة النهضة)، ومنذر الزنايدي (وزير سابق في عهد الرئيس زين العابدين بن علي).
أحكام المحكمة الإدارية اعتبرتها هيئة الانتخابات غير قابلة للتنفيذ بسبب ما قالت أنه ورود الأحكام عليها من المحكمة الإدارية خارج الآجال القانونية وبعد مصادقة مجلس الهيئة على القائمة النهائية.
ثم تواصل "الخلاف" مع المحكمة الإدارية عندما أقر مجلس النواب في 27 سبتمبر الفارط وخلال جلسة "طارئة"، تعديل قانون الانتخابات سحب، بمقتضاه، اختصاص النظر في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية وتم إسناده إلى القضاء العدلي.
تركيز الغرفة النيابية الثانية
يمكن أيضا اعتبار تركيز الغرفة النيابية الثانية ممثلة في المجلس الأعلى للجهات والأقاليم عنوانا للحصاد السياسي للسنة الفارطة على اعتباره الخطوة الأخيرة في تركيز مؤسسات النظام السياسي الجديد، الذي أقرته الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021.
ويكتسي الحدث كذلك أهمية من منطلق أن انتخابات المجالس المحلية في تونس هي أول انتخابات من نوعها، ولأن هيكلية هذه المجالس مستحدثة في دستور 2022 .
وفي 4 فيفري الفارط تم إجراء الدور الثاني من انتخابات المجالس المحلية، الذي يشمل 779 دائرة انتخابية، يتنافس فيها 1558 مترشحا مقابل 6177 مترشّحا في الدور الأول. حيث فاز 779 مترشحا (72 امرأة و707 رجال) وتسجيل نسبة إقبال عامة على التصويت في هذا الدور بلغت 12,53 بالمائة.
وكان الدور الأول لانتخابات المجالس المحلية، الذي تم إجراءه يوم 24 ديسمبر 2023 سجل نسبة إقبال عامّة في حدود11,84 بالمائة، وبلغ عدد الفائزين فيه 1348 مترشّحا (9,5 بالمائة نساء و90,5 بالمائة من الرجال).
وتم يوم 1 مارس 2024، تنصيب المجالس المحلية التي أفرزتها انتخابات أعضاء المجالس المحلّية في دورتيها الأولى والثانية وعددها 279 مجلسا محليا، وذلك في مختلف معتمديات الجمهورية.
المسار الحكومي
بالتوازي مع المسار الانتخابي مثل أيضا المسار الحكومي نقطة تركيز وتحول في السنة المنقضية بالنظر إلى جملة التحويرات الوزارية التي لم تتوقف منذ بداية سنة 2024 عبر تحويرات جزئية .
قبل أن يقرر الرئيس قيس سعيد في 8 أوت الماضي، تعيين وزير الشؤون الاجتماعية، كمال المدوري رئيساً للحكومة، خلفاً لأحمد الحشاني، ثم قيامه في 25 من الشهر ذاته بتعديل وزاري شمل 19 حقيبة، منها وزارات سيادية وأساسية، مثل الدفاع، والشؤون الخارجية، والاقتصاد، والصحة، والتجارة، والتربية، والفلاحة.
تحوير اعتبره ملاحظون حينها تحضيرا استباقيا لما بعد الانتخابات الرئاسية لاسيما وأن مقاييس الاختيار تركزت على كفاءات وخريجي المدرسة الوطنية للإدارة واستبعاد كما وصفه كثيرون لعدد من أبناء المسار.
والملاحظ أن عمل حكومة المدوري اتجه أكثر فأكثر نحو حلحلة المشاريع المعطلة والتركيز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي يبدو أنها ستكون أيضا عناوين المرحلة المقبلة.
كما اتجهت تحركات الحكومة نحو الزيارات الميدانية المكثفة استئناسا بخيار الرئيس قيس سعيد الذي يواصل زياراته لعدد من الجهات والمناطق والقطاعات.
هشاشة المشهد الحزبي
لا يمكن الحديث عن الحصاد السياسي دون التطرق إلى المشهد السياسي العام والمشهد الحزبي خصوصا في ظل شبه قناعة بدأت تتأكد مفادها هشاشة الحياة الحزبية واستمرار الرئيس قيس سعيد في نهجه الرافض لكل الأجسام الوسيطة.
وعموما بدا المشهد الحزبي على قدر من الفتور مع تواصل الانقسامات صلب المعارضة التي لم تتجاوز خلافاتها رغم ما تقره من جسامة التحديات المطروحة أمامها.
وعمليا شهدت الساحة الحزبية خلال شهر فيفري انتخاب عبيد البريكي، أمينا عاما لحزب "حركة تونس إلى الأمام" لفترة نيابية بخمس سنوات في اختتام أعمال المؤتمر الأول للحزب الذي انعقد من 9 إلى 11 فيفري 2024، تحت شعار "تجذيرا لخيار التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي"، والمصادقة على الهيكلة الجديدة للحركة والتي تضم المكتب السياسي والمجلس المركزي والمجلس الوطني.
كما تم في 25 فيفري الفارط، انتخاب القيادي السابق بحركة النهضة والوزير الأسبق، عبد اللطيف المكي، أمينا عاما لحزب "العمل والانجاز" في ختام المؤتمر الأول للحزب المنعقد يومي 24 و25 فيفري 2024، تحت شعار "الثبات والبناء".
حيث أكد المكي في تصريح لوكالة "وات" إن الحزب يعمل ضمن تحالف "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة لمسار 25 جويلية ولن يغير توجهاته.
وتعتبر الانقسامات صلب المعارضة السمة الأهم التي لم تتوحد حتى في خيار "التصدي للرئيس سعيد" الذي رفعته عندما خيّرت أحزاب وشخصيات سياسية التمترس وراء خيار المقاطعة بينها اختار آخرون المشاركة لاسيما في الاستحقاق الرئاسي .
والملاحظ أن الأحزاب بدت في مجملها عاجزة على التعاطي مع الواقع السياسي الراهن وعن تقديم البدائل وتراجع بشكل ملحوظ نشاطها سواء بإصدار البيانات أو الدعوة لتحركات.
ومع مفتتح السنة الجديدة ستكون الانتخابات البلدية محط الأنظار والانتظارات على اعتبارها الاستحقاق السياسي الأبرز خلال السنة الجارية في حين تظل التساؤلات مطروحة بخصوص مصير المحكمة الدستورية.
م.ي
تونس-الصباح
يعد الحدث السياسي الأبرز الذي شهدته سنة 2024 إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيد لعهدة ثانية. وفوزه في انتخابات 6 أكتوبر الفارط بفترة رئاسية ثانية مدتها 5 سنوات بعد حصوله على 90.69 من أصوات المقترعين في استحقاق سجل نسبة مشاركة 28.8 بالمائة، ما أثار جدلا حول نسبة العزوف التي ناهزت 70 بالمائة.
ويذكر أن تنظيم الاستحقاق الرئاسي سبقه أيضا بعض الجدل والتشكيك في مدى جدية الالتزام بتنظيم الاستحقاق الرئاسي في موعده قبل أن يحسم الرئيس سعيد الجدل في 2 جويلية عندما أصدر المرسوم الذي يقضي بدعوة الناخبين إلى التصويت في الانتخابات الرئاسية يوم 6 أكتوبر 2024. لم يتوقف الجدل بل استمر خلال فترة الترشحات التي شهدت تقديم 17 ملفًّا، للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لم تقبل منها إلا 3 ملفات: للرئيس قيس سعيد وملف الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي وملف النائب السابق العياشي زمّال.
اثر ذلك توجه عدد من المترشحين المرفوضين إلى المحكمة الإدارية للطعن في قرار الهيئة، حيث قضت المحكمة ببطلان قرار الهيئة وإعادة ثلاثة منهم إلى قائمة المرشحين المقبولين، نهائيًا، في سباق الانتخابات الرئاسية، وهم: عماد الدائمي (مدير مكتب الرئيس الأسبق منصف المرزوقي وناشط في مجال مكافحة الفساد)، وعبد اللطيف المكي (وزير سابق وقيادي منشق عن حركة النهضة)، ومنذر الزنايدي (وزير سابق في عهد الرئيس زين العابدين بن علي).
أحكام المحكمة الإدارية اعتبرتها هيئة الانتخابات غير قابلة للتنفيذ بسبب ما قالت أنه ورود الأحكام عليها من المحكمة الإدارية خارج الآجال القانونية وبعد مصادقة مجلس الهيئة على القائمة النهائية.
ثم تواصل "الخلاف" مع المحكمة الإدارية عندما أقر مجلس النواب في 27 سبتمبر الفارط وخلال جلسة "طارئة"، تعديل قانون الانتخابات سحب، بمقتضاه، اختصاص النظر في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية وتم إسناده إلى القضاء العدلي.
تركيز الغرفة النيابية الثانية
يمكن أيضا اعتبار تركيز الغرفة النيابية الثانية ممثلة في المجلس الأعلى للجهات والأقاليم عنوانا للحصاد السياسي للسنة الفارطة على اعتباره الخطوة الأخيرة في تركيز مؤسسات النظام السياسي الجديد، الذي أقرته الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021.
ويكتسي الحدث كذلك أهمية من منطلق أن انتخابات المجالس المحلية في تونس هي أول انتخابات من نوعها، ولأن هيكلية هذه المجالس مستحدثة في دستور 2022 .
وفي 4 فيفري الفارط تم إجراء الدور الثاني من انتخابات المجالس المحلية، الذي يشمل 779 دائرة انتخابية، يتنافس فيها 1558 مترشحا مقابل 6177 مترشّحا في الدور الأول. حيث فاز 779 مترشحا (72 امرأة و707 رجال) وتسجيل نسبة إقبال عامة على التصويت في هذا الدور بلغت 12,53 بالمائة.
وكان الدور الأول لانتخابات المجالس المحلية، الذي تم إجراءه يوم 24 ديسمبر 2023 سجل نسبة إقبال عامّة في حدود11,84 بالمائة، وبلغ عدد الفائزين فيه 1348 مترشّحا (9,5 بالمائة نساء و90,5 بالمائة من الرجال).
وتم يوم 1 مارس 2024، تنصيب المجالس المحلية التي أفرزتها انتخابات أعضاء المجالس المحلّية في دورتيها الأولى والثانية وعددها 279 مجلسا محليا، وذلك في مختلف معتمديات الجمهورية.
المسار الحكومي
بالتوازي مع المسار الانتخابي مثل أيضا المسار الحكومي نقطة تركيز وتحول في السنة المنقضية بالنظر إلى جملة التحويرات الوزارية التي لم تتوقف منذ بداية سنة 2024 عبر تحويرات جزئية .
قبل أن يقرر الرئيس قيس سعيد في 8 أوت الماضي، تعيين وزير الشؤون الاجتماعية، كمال المدوري رئيساً للحكومة، خلفاً لأحمد الحشاني، ثم قيامه في 25 من الشهر ذاته بتعديل وزاري شمل 19 حقيبة، منها وزارات سيادية وأساسية، مثل الدفاع، والشؤون الخارجية، والاقتصاد، والصحة، والتجارة، والتربية، والفلاحة.
تحوير اعتبره ملاحظون حينها تحضيرا استباقيا لما بعد الانتخابات الرئاسية لاسيما وأن مقاييس الاختيار تركزت على كفاءات وخريجي المدرسة الوطنية للإدارة واستبعاد كما وصفه كثيرون لعدد من أبناء المسار.
والملاحظ أن عمل حكومة المدوري اتجه أكثر فأكثر نحو حلحلة المشاريع المعطلة والتركيز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي يبدو أنها ستكون أيضا عناوين المرحلة المقبلة.
كما اتجهت تحركات الحكومة نحو الزيارات الميدانية المكثفة استئناسا بخيار الرئيس قيس سعيد الذي يواصل زياراته لعدد من الجهات والمناطق والقطاعات.
هشاشة المشهد الحزبي
لا يمكن الحديث عن الحصاد السياسي دون التطرق إلى المشهد السياسي العام والمشهد الحزبي خصوصا في ظل شبه قناعة بدأت تتأكد مفادها هشاشة الحياة الحزبية واستمرار الرئيس قيس سعيد في نهجه الرافض لكل الأجسام الوسيطة.
وعموما بدا المشهد الحزبي على قدر من الفتور مع تواصل الانقسامات صلب المعارضة التي لم تتجاوز خلافاتها رغم ما تقره من جسامة التحديات المطروحة أمامها.
وعمليا شهدت الساحة الحزبية خلال شهر فيفري انتخاب عبيد البريكي، أمينا عاما لحزب "حركة تونس إلى الأمام" لفترة نيابية بخمس سنوات في اختتام أعمال المؤتمر الأول للحزب الذي انعقد من 9 إلى 11 فيفري 2024، تحت شعار "تجذيرا لخيار التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي"، والمصادقة على الهيكلة الجديدة للحركة والتي تضم المكتب السياسي والمجلس المركزي والمجلس الوطني.
كما تم في 25 فيفري الفارط، انتخاب القيادي السابق بحركة النهضة والوزير الأسبق، عبد اللطيف المكي، أمينا عاما لحزب "العمل والانجاز" في ختام المؤتمر الأول للحزب المنعقد يومي 24 و25 فيفري 2024، تحت شعار "الثبات والبناء".
حيث أكد المكي في تصريح لوكالة "وات" إن الحزب يعمل ضمن تحالف "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة لمسار 25 جويلية ولن يغير توجهاته.
وتعتبر الانقسامات صلب المعارضة السمة الأهم التي لم تتوحد حتى في خيار "التصدي للرئيس سعيد" الذي رفعته عندما خيّرت أحزاب وشخصيات سياسية التمترس وراء خيار المقاطعة بينها اختار آخرون المشاركة لاسيما في الاستحقاق الرئاسي .
والملاحظ أن الأحزاب بدت في مجملها عاجزة على التعاطي مع الواقع السياسي الراهن وعن تقديم البدائل وتراجع بشكل ملحوظ نشاطها سواء بإصدار البيانات أو الدعوة لتحركات.
ومع مفتتح السنة الجديدة ستكون الانتخابات البلدية محط الأنظار والانتظارات على اعتبارها الاستحقاق السياسي الأبرز خلال السنة الجارية في حين تظل التساؤلات مطروحة بخصوص مصير المحكمة الدستورية.