إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الكاتبة الروائية والقصصية زهرة مراد لـ"الصباح": الكتابة حياة أخرى.. هي دواء من وجع الزمن الذي نعيشه

 

**المكان في الكتابة ليس مجرد جغرافيا. هو شخصية حية بذكرياته وتأثيراته على مكونات السرد.

**قصتي مراوغة ومشاكسة... تحمل في أعماقها الكثير لمن يحسن اقتناص المعنى.

**نعيش اليوم تدني الوعي بأهمية الكتاب والمطالعة، وقلة المجهودات المبذولة لترغيب الناس في القراءة.

**الحداثة في السّرد لم تقطع نهائيًا مع التقليدي. إنما أثرت فيه بتقنيات ورؤى ومواقف جديدة من الواقع.

**النقد له أناس مختصون... لكن ما يمكن أن يعاب هو المبالغة في المجاملات.

حوار محسن بن أحمد

اتفق النقاد على كونها كاتبة قصة مراوغة مشاكسة من خلال النهايات غير المتوقعة لقارئ نصوصها السردية. نهايات تحمل مفاجآت مثيرة، وهذا التوجه في كتاباتها السردية يمكن اعتباره من أسباب بروزها بخصوصيات تتقنها بمفردها في كتاباتها السردية.

هي الكاتبة زهرة مراد التي كسبت أحقية الحضور في المشهد الإبداعي التونسي عن جدارة، اعتبارًا لما تحمله كتاباتها من تشريح للواقع بدقة وبلغة سلسة ممتعة، ثرية بالأحداث والمواقف النابعة من الواقع والمعبرة عنه والكاشفة عن أسراره وغموضه.

في رصيد الكاتبة زهرة مراد على امتداد مسيرتها العديد من الإصدارات القصصية والروائية، منها على سبيل الذكر لا الحصر: "صديقي المشاكس" (مجموعة قصصية)، "على وقع ولادة" (نصوص)، "ليلة بيضاء" (رواية)، "أقدام على الرمل" (رواية).

ومع زهرة مراد كانت هذه الرحلة في ثنايا علاقتها بالرواية والقصة والنقد في تونس اليوم، وبعض من هواجسها الإبداعية وهذه الحصيلة:

*كيف اكتشفت موهبتك في الكتابة السردية؟

-كنتُ في المرحلة الابتدائية حين كان معلمو اللغة يثمنون كتاباتي وينشرونها في مجلة المدرسة. كان هذا الدعم بمثابة البذرة الأولى التي غرست في نفسي حب اللغة وشغف الكتابة. ثم تواصل هذا الشغف خلال المرحلة الثانوية بفضل تشجيع أساتذتي، وهنا أحيي كل من علمني منذ الابتدائي إلى الآن وأترحم على من رحل منهم إلى العالم الآخر. كما أن للمرحوم المنجي الشملي أثرًا كبيرًا في مسيرتي، وذلك بتشجيعه لي من خلال برنامجه "أدباء ناشئون" الذي كنت أراسله في ذلك الوقت (ثمانينات القرن الماضي). ولكنني مع انشغالي بتكوين أسرة وتربية الأبناء تأجل اهتمامي بالكتابة لفترة. وحين عدت، كانت البداية تلقائية من خلال فضاء التواصل الاجتماعي، حيث وجدت كتاباتي استحسان أصدقائي الكتاب الذين شجعني العديد منهم على نشر نصوصي في كتاب. هكذا رأى النور مولودي الأدبي البكر "على وقع ولادة" وهو مجموعة نصوص سردية. بعده توالت أربعة كتب أخرى هي: "مغانم الحزن"، "ليلة بيضاء"، "صديقي المشاكس"، و"أقدام على الرمل".

*أي تأثير للطفولة في نحت شخصيتك الإبداعية؟

-في طفولتي، كنتُ خجولة وقليلة الكلام، وما زلت كذلك إلى حد ما. لهذا السبب، وجدتُ في الكتابة وسيلة للتعبير عما يدور في ذهني وللبوح بما يخالجني من أفكار وتساؤلات، خاصة تلك المرتبطة بقضايا المجتمع والإنسان عمومًا. منذ كنت في مرحلة التعليم الثانوي، بدأت أراسل بعض الصحف، وحظيت بعض مقالاتي بالنشر خلال ثمانينات القرن الماضي. (والمقالة التي ما زلت أتذكرها ولن أنساها، نُشرت في إحدى الجرائد الوطنية، لكنني لا أذكر بالضبط اسمها لمرور الزمن. كانت عن عائلة معدمة في ريف القيروان تتغذى على أوراق الشجر، رأيت ذلك بعيني بعد أن حدَّثني عنها صديق. فكتبتُ عنها متسائلة عن دور الدولة في معاناة تلك الأسرة. ويوم نُشِر المقال، دقَّ بابَ منزلنا شخصٌ أرسله معتمد الجهة حيث أقطن آنذاك قائلاً إن المعتمد يريدني. كان هذا في عهد بورقيبة رحمه الله. فذُعرت وقتها صدقًا. وتساءلت عمّا يريده مني، وفكرت في أسوأ السيناريوهات، إذ لم يكن من السهل نقد أوضاع المجتمع صراحة. لكنني فوجئت بأن المعتمد كان يريد معرفة مكان تلك العائلة حتى يرسل إليهم مساعدة). كانت هذه التجربة بمثابة البوابة الأولى التي جعلتني أدرك قوة الكتابة كوسيلة للنقد وللتواصل مع العالم وإيصال أفكاري.

*هل كان بالإمكان أن تكوني شاعرة؟

-القصة القصيرة هي التي تستحوذ على اهتمامي أكثر من الشعر أو الرواية، على أن الكتابة مهمة مهما كان جنسها. لكنني أكتب نصوصًا شعرية، وظَّفتُ بعضها في عدد من النصوص السردية. كما أكتب الشعر بالعامية، منه ما هو صالح للتلحين. وقد لُحِّنَت كلمات "يا أحرار تونس ما تهونش للنار" إبَّان 2011 من قبل المعهد النموذجي للموسيقى في قليبية، وغنَّاها أحد رواده.

*ما هي أولوياتك في كل نص سردي تبوحين به؟

-لحظة الكتابة أو لحظة البوح كما سمَّيتَها، يسبقها مخاض ذهني يتشكل خلالها النص في صورته الأولية. أثناء الكتابة، يتركز كل اهتمامي على صياغة النص كما تشكل، وفي مرحلة ثانية يكون التركيز على اللغة والأسلوب والقفلة. النص كالطفل، يولد فنوليه اهتمامًا وعناية حتى ينضج.

*كيف تعيشين لحظة الانصهار الكلي في الكتابة؟

-لحظة الكتابة تبدأ بقادح ذاتي أحيانًا وموضوعي أحيانًا أخرى. تقدح الفكرة فأتركها، كما سبق وذكرت، تتشكل في ذهني: أحاورها، أناقشها وأقلّبها إلى أن تجهز وتتبلور معالمها فتتشكّل نصًا أوليًّا، ساعتها أجلس لأكتب.

*ماذا تريد زهرة مراد من الكتابة القصصية؟

-الكتابة حياة أخرى وعالم له طعم فريد. قد تكون أحيانًا تداوٍ من وجع الزمن الذي نعيش، وقد تكون عزاء في لحظات الشدة. وهي تساعدنا على استكشاف ذواتنا وفهم واستيعاب التعقيدات التي تحيط بالعالم من حولنا. ثم هي جسر بيني وبين الآخر الذي قد يجد في كتاباتي صدى لتجاربه الخاصة أو نافذة تفتح على ما هو مختلف عنه. الكتابة ذاكرة كذلك، فهي تلتقط تفاصيل صغيرة وكبيرة لتكون شاهدًا على عصر بأسره. الكتابة فعل مؤثر في الواقع ولو بعد حين.

*هل بالإمكان الحديث عن خصوصيات تنفردين بها في علاقتك بالكتابة القصصية؟

-يقول البعض إنني قاصة مراوغة، كثيرًا ما أفاجئ القارئ بنهايات لم يفكر فيها.

*أي حضور للقارئ لحظة الانصهار في الكتابة؟

-حين أنغمس في الكتابة، لا أظنني أستحضر القارئ بشكل مباشر، لأن فعل الكتابة يستحوذ على الذات ويتحكم فيها إلى أن يولد النص. لكن ربما في مرحلة المراجعة والتعديل، يمرّ بذهني القارئ وأتساءل كيف سيتلقَّى نصّي، أو أتخيَّله وهو يفاجأ بخاتمته؟

*إلى أي مدى تتفاعلين ككاتبة للقصة مع تيّارات الحداثة؟

-الحداثة وما بعد الحداثة أساسًا هي تيّارات مبنيّة على التّغيير والتّجدّد. وللحداثة جذور تمتدّ إلى القرن التّاسع عشر مع ما شهده العالم من تحوّلات على مستوى الاكتشافات العلميّة، الثورة الصناعيّة، التقدّم التكنولوجيّ والتحوّلات الاقتصاديّة المرتبطة بظهور مجتمعات الاستهلاك. من هناك تغيّر وضع الذات البشريّة، فأصبح الإنسان يعيش أزمة وجوديّة ما زالت مستمرّة إلى اليوم.

الحداثة في السّرد لم تقطع نهائيًا مع التقليديّ، وإنما أثرته بتقنيات ورؤى ومواقف جديدة من الواقع، باعتبار أن كلّ مرحلة تاريخيّة لها خصوصيّاتها سواء على المستوى السياسيّ أو الاجتماعيّ والاقتصاديّ وغيره. في اعتقادي، الكاتب بوصفه ابن عصره يتأثّر بكلّ ما حوله ويتفاعل معه من خلال ما يكتب، لأنّه جزء من العالم. ابتعد الأدب عن الشخصيّات النموذجيّة واتّجه إلى اختيار شخصيّات أكثر تعقيدًا، واعتمد السّرد المتقطّع أو المشتّت أو غير الخطّي، وصار التّركيز على الإنسان في علاقته بذاته وبتفاصيل اليوميّ، وعلى تقنية النّصوص المفتوحة على أكثر من تأويل والعديد من التقنيات الأخرى المختلفة عن المألوف. وأظنّني انخرطت إلى حدّ ما في شيء من هذا في ما كتبت في الرواية كما في القصة.

*عن تجربتك الروائيّة. ما المختلف الذي رغبتِ في إضافته إليها؟

-تبقى الكتابة تجربة خاصّة في بداياتها، إذ تكون تلقائيّة أكثر منها مدروسة أو تخضع لنظريّات سبق للكاتب أن فكّر فيها. ولكنّ التجربة تنضج مع الوقت ومع التمرّس أكثر بالكتابة واكتساب معارف جديدة. وسيكون القادم مختلفًا.

*هل من الممكن أن تكون القصة بلا بطل؟

-إذا تحدّثنا عن بطل تقليديّ، نعم يمكن أن تكون القصة أو الرواية بلا بطل. لكنّ مفهوم البطل قد تغيّر، وصار يمكن أن يكون فكرةً أو مجموعة أفكار. هناك روايات البطل فيها فكرة مثل "النّسيان" مثلا، أو "الأرق" أو "الغيرة" أو "التّشظّي". مثلًا، رواية أمبرتو إيكو "اسم الوردة" الفكرة المحوريّة فيها هي الحقيقة والبحث عنها، ورواية "الغيرة" للفرنسيّ ألان روب-غرييه، محورها الغيرة، وغيرها كثير.

*كيف تصفين قصّتك القصيرة؟

-مراوغة ومشاكسة. لكنّها تحمل في أعماقها الكثير لمن يحسن اقتناص المعنى.

*أيّ حضور للمكان في كتاباتك، سواء القصة القصيرة أو الرواية؟

-المكان في الكتابة ليس مجرّد جغرافيا، هو في حدّ ذاته شخصيّة حيّة باعتبار ما يتضمّنه من ذكريات وما يحتويه من تأثيرات على مكوّنات السّرد وما يبثّه من انفعالات في نفوس الشخصيّات وفي الكاتب نفسه. المكان في كتاباتي كائن حيّ يتفاعل مع كلّ مكوّنات القصّ.

*هل أنصف النّقد تجربتك القصصيّة؟

-النقد مرآة يرى الكاتب من خلالها نصوصه بعيون الآخرين، لكنّه قد يكون أحيانًا انعكاسًا غير مكتمل. وهذا يتوقّف على طبيعة ما إذا كان نقدًا علميًّا أم انطباعيًّا. النقد العلميّ يقوم به الأكاديميون، ولا أعتقد أنّهم قادرون على الاهتمام بكلّ ما يصدر من كتب. تجربتي لم تجد لحدّ الآن اهتمامًا نقديًّا يعتمد على أسس منهجيّة وتحليل أكاديمي عميق. ربّما يحدث ذلك مستقبلا، فلكلّ شيء وقت. وعلى كلّ حال، النّص الأدبيّ هو كائن حيّ يتفاعل مع القارئ والنّقاد بطرق مختلفة. وإنصافه لا يأتي فقط من كلمات النقّاد، بل أيضًا من الأثر الذي يتركه في نفوس القرّاء. لهذا، أرى أن النقد، مهما كان، هو جزء من مسيرة الكاتب، ولكنه لا يختصر التجربة بأكملها.

*ما هي رسالة الكاتب اليوم التي من الواجب تحمّلها؟

-الكتابة تؤثّر في لا وعي المتلقّي. والكاتب من وجهة نظري، تقع عليه مسؤوليّة جسيمة نحو مجتمعه. فهو يساهم بنسبة كبيرة في بنائه من خلال ما يمرّره في كتاباته. لذلك يجب أن تكون له رؤية واضحة وسليمة تساعد على البناء وليس على التّهديم. غير أنّ هذا مرتبط بوضع الكتاب أساسًا، إذ أن الكتاب لا يصل إلى شريحة كبيرة من القرّاء حتى نستطيع الحديث عن تأثير ذلك. أمّا الأسباب فعديدة ومتداخلة، منها تدنّي الوعي بأهمية الكتاب والمطالعة لدى الجموع وضعف المجهودات المبذولة لترغيب الناس في القراءة وتشجيعهم عليها باعتبارها قيمة لها دور في بناء الشخصية وتربية الوعي.

*أي نظرة لك اليوم لعلاقة القارئ بالكتاب؟

-كما أشرت سابقًا، عدد القرّاء في مجتمعنا يبقى ضئيلا مهما ازداد. نحن في مجتمع أغلبه لا يتذوّق الكتابة، لا يستمتع بالقراءة. لا أحد ينكر الأنشطة الثقافيّة المنتشرة في كلّ المدن ولا أحد ينكر المجهودات التي تبذلها النوادي الثقافية على اختلافها للتّعريف بالكتب وبأصحابها. حتى المكتبات العموميّة قد انخرطت في ترغيب النشء في القراءة وربط الصلة بين القارئ والكاتب من خلال لقاءات مباشرة. ولكن ثقافة المطالعة لا تزال حكراً على فئة قليلة من المجتمع. لاحظ مثلا الحضور في ملاعب كرة القدم أو أيّ رياضة أخرى، أو في حفلات الموسيقى والغناء والرّقص. هناك فرق واضح حين تدخل ندوة أو لقاء أدبيّا، إذ بإمكانك أن تعدّ الحاضرين في لحظة.

*كيف تقرئين ظاهرة نشر الإبداع سردًا كان أو شعرًا على وسائل التواصل الاجتماعي؟

-مواقع التواصل الاجتماعي سهّلت النشر والانتشار وعرّفت بالكثيرين. ولكن لها جوانب سلبيّة إذ اختلط فيها الغثّ بالسّمين. وكثرت المجاملات والمغالطات التي يقوم بها البعض في تعليقهم على النصوص التي تُنشر. أحيانًا يكون النصّ ضعيفًا جدًا ورغم ذلك يحظى باهتمام كبير ممّا يضلّل صاحبه ويغالطه. كما أنّ السرقات كثرت ولا رقيب.

*برزت ظاهرة الإقبال على الشعر بشكل لافت. هل في ذلك تهديد للرواية في وجودها؟

-كلّ الأجناس الأدبيّة تجد حظّها، غير أن لكلّ جنس جمهوره الخاص. بالنسبة للرواية، أعتقد أنها الجنس الوحيد الأكثر سلطوية والذي يمكنه ابتلاع ما يجاوره من أجناس. وهذا دأبها منذ العصور القديمة. فهي كما يصفها بيير شارتيه Pierre Chartier متسلّطة بطبعها. يمكنها أن تضمّ إليها الأجناس الأخرى وتذيبها داخلها. "لا شيء يمنعها من أن تستخدم الوصف والسّرد القصصيّ والدّراما والشّرح والحوار الذّاتيّ والتّفكير الفلسفيّ والقصيدة والخطبة لأهدافها الخاصة". لذلك لا خوف على السّرد، قصة ورواية.

*هل تتابعين الإصدارات القصصيّة والرّوائيّة التّونسيّة اليوم وماذا تقولين بشأنها؟

-نعم أتابع الإصدارات التّونسيّة في الرواية والقصة، وهي متعدّدة وغزيرة وتستحقّ أن تقرأ.

*المشهد الثقافيّ والأدبي في تونس اليوم، ما له وما عليه من وجهة نظرك؟

-النوادي الثقافيّة نشيطة على مستوى دور الثقافة والمكتبات العموميّة وكذلك داخل المؤسّسات الأكاديميّة بما تنظمه من أنشطة وندوات علميّة. وهذا محمود طبعا. لكن ما يمكن أن يعاب هو المبالغة في المجاملات. هناك مثلا نصوص سواء في السّرد أو الشعر، يرفع من شأنها البعض في قراءاتهم النقديّة مجاملة لأصحابها. وهذا بدوره يعود إلى ما نراه من استسهال للنقد من قبل البعض الذين يجدون الشجاعة لاقتحام هذا المجال بأدواتهم الخاصة وتكون قراءاتهم انطباعيّة بعيدة عمّا يجب أن تكون عليه الكتابة النقديّة العلميّة. أعتقد أنّ لكلّ مجال أهله. النقد له أناس مختصّون. وما يفعله هؤلاء يخلّ بوظيفة النقد الأدبيّ ويرفع بعض النصوص التي لا تستحقّ ويسيء أحيانًا إلى نصوص تستحق عناية أكبر.

*ما نوع الدعم الذي يحتاجه المبدع المثقّف في الوقت الراهن؟

-إنّ تقدّم المجتمعات لا يتمّ إلّا في إطار الوعي بأهمية القراءة وأهمية الكتاب. ومجتمعاتنا لا تقرأ للأسف، رغم أنّ تونس في مرتبة متقدّمة على مستوى الإصدارات ولنا إدارة خاصّة بالتّرغيب في المطالعة. أسباب عدم الإقبال على الكتاب وعلى المطالعة كثيرة ومتداخلة ولا يسمح المجال للخوض فيها هنا. أعتقد أنّه من الضروريّ النظر في الطرق المعتمدة حاليًّا لتشجيع الناس على المطالعة. من الضروري تنويع الأنشطة ومضاعفتها على أن ينخرط الإعلام خاصّة المرئيّ في تنظيم مسابقات ليحفّز الناس. وهذا من شأنه أن يحفّز المبدع لأنّ هذه الأنشطة إذا تعمّمت سوف تلامس أكثر ما يمكن من الإنتاج الأدبي التّونسيّ. وطبعا دعم المبدع بطريقة أخرى تتمثّل في إعادة دور وزارة الثقافة إلى ما كان عليه في السابق فتقتني الإصدارات الجديدة مباشرة من المبدع. هذا يحفّزه أكثر بطبيعة الحال. الكاتب في أغلب الأحيان يدفع من جيبه لينشر كتابًا لا يجني من ورائه لا الكثير ولا القليل. نحن نكتب ولكن النشر مكلف جدًا.

الكاتبة الروائية والقصصية زهرة مراد لـ"الصباح":   الكتابة حياة أخرى.. هي دواء من وجع الزمن الذي نعيشه

 

**المكان في الكتابة ليس مجرد جغرافيا. هو شخصية حية بذكرياته وتأثيراته على مكونات السرد.

**قصتي مراوغة ومشاكسة... تحمل في أعماقها الكثير لمن يحسن اقتناص المعنى.

**نعيش اليوم تدني الوعي بأهمية الكتاب والمطالعة، وقلة المجهودات المبذولة لترغيب الناس في القراءة.

**الحداثة في السّرد لم تقطع نهائيًا مع التقليدي. إنما أثرت فيه بتقنيات ورؤى ومواقف جديدة من الواقع.

**النقد له أناس مختصون... لكن ما يمكن أن يعاب هو المبالغة في المجاملات.

حوار محسن بن أحمد

اتفق النقاد على كونها كاتبة قصة مراوغة مشاكسة من خلال النهايات غير المتوقعة لقارئ نصوصها السردية. نهايات تحمل مفاجآت مثيرة، وهذا التوجه في كتاباتها السردية يمكن اعتباره من أسباب بروزها بخصوصيات تتقنها بمفردها في كتاباتها السردية.

هي الكاتبة زهرة مراد التي كسبت أحقية الحضور في المشهد الإبداعي التونسي عن جدارة، اعتبارًا لما تحمله كتاباتها من تشريح للواقع بدقة وبلغة سلسة ممتعة، ثرية بالأحداث والمواقف النابعة من الواقع والمعبرة عنه والكاشفة عن أسراره وغموضه.

في رصيد الكاتبة زهرة مراد على امتداد مسيرتها العديد من الإصدارات القصصية والروائية، منها على سبيل الذكر لا الحصر: "صديقي المشاكس" (مجموعة قصصية)، "على وقع ولادة" (نصوص)، "ليلة بيضاء" (رواية)، "أقدام على الرمل" (رواية).

ومع زهرة مراد كانت هذه الرحلة في ثنايا علاقتها بالرواية والقصة والنقد في تونس اليوم، وبعض من هواجسها الإبداعية وهذه الحصيلة:

*كيف اكتشفت موهبتك في الكتابة السردية؟

-كنتُ في المرحلة الابتدائية حين كان معلمو اللغة يثمنون كتاباتي وينشرونها في مجلة المدرسة. كان هذا الدعم بمثابة البذرة الأولى التي غرست في نفسي حب اللغة وشغف الكتابة. ثم تواصل هذا الشغف خلال المرحلة الثانوية بفضل تشجيع أساتذتي، وهنا أحيي كل من علمني منذ الابتدائي إلى الآن وأترحم على من رحل منهم إلى العالم الآخر. كما أن للمرحوم المنجي الشملي أثرًا كبيرًا في مسيرتي، وذلك بتشجيعه لي من خلال برنامجه "أدباء ناشئون" الذي كنت أراسله في ذلك الوقت (ثمانينات القرن الماضي). ولكنني مع انشغالي بتكوين أسرة وتربية الأبناء تأجل اهتمامي بالكتابة لفترة. وحين عدت، كانت البداية تلقائية من خلال فضاء التواصل الاجتماعي، حيث وجدت كتاباتي استحسان أصدقائي الكتاب الذين شجعني العديد منهم على نشر نصوصي في كتاب. هكذا رأى النور مولودي الأدبي البكر "على وقع ولادة" وهو مجموعة نصوص سردية. بعده توالت أربعة كتب أخرى هي: "مغانم الحزن"، "ليلة بيضاء"، "صديقي المشاكس"، و"أقدام على الرمل".

*أي تأثير للطفولة في نحت شخصيتك الإبداعية؟

-في طفولتي، كنتُ خجولة وقليلة الكلام، وما زلت كذلك إلى حد ما. لهذا السبب، وجدتُ في الكتابة وسيلة للتعبير عما يدور في ذهني وللبوح بما يخالجني من أفكار وتساؤلات، خاصة تلك المرتبطة بقضايا المجتمع والإنسان عمومًا. منذ كنت في مرحلة التعليم الثانوي، بدأت أراسل بعض الصحف، وحظيت بعض مقالاتي بالنشر خلال ثمانينات القرن الماضي. (والمقالة التي ما زلت أتذكرها ولن أنساها، نُشرت في إحدى الجرائد الوطنية، لكنني لا أذكر بالضبط اسمها لمرور الزمن. كانت عن عائلة معدمة في ريف القيروان تتغذى على أوراق الشجر، رأيت ذلك بعيني بعد أن حدَّثني عنها صديق. فكتبتُ عنها متسائلة عن دور الدولة في معاناة تلك الأسرة. ويوم نُشِر المقال، دقَّ بابَ منزلنا شخصٌ أرسله معتمد الجهة حيث أقطن آنذاك قائلاً إن المعتمد يريدني. كان هذا في عهد بورقيبة رحمه الله. فذُعرت وقتها صدقًا. وتساءلت عمّا يريده مني، وفكرت في أسوأ السيناريوهات، إذ لم يكن من السهل نقد أوضاع المجتمع صراحة. لكنني فوجئت بأن المعتمد كان يريد معرفة مكان تلك العائلة حتى يرسل إليهم مساعدة). كانت هذه التجربة بمثابة البوابة الأولى التي جعلتني أدرك قوة الكتابة كوسيلة للنقد وللتواصل مع العالم وإيصال أفكاري.

*هل كان بالإمكان أن تكوني شاعرة؟

-القصة القصيرة هي التي تستحوذ على اهتمامي أكثر من الشعر أو الرواية، على أن الكتابة مهمة مهما كان جنسها. لكنني أكتب نصوصًا شعرية، وظَّفتُ بعضها في عدد من النصوص السردية. كما أكتب الشعر بالعامية، منه ما هو صالح للتلحين. وقد لُحِّنَت كلمات "يا أحرار تونس ما تهونش للنار" إبَّان 2011 من قبل المعهد النموذجي للموسيقى في قليبية، وغنَّاها أحد رواده.

*ما هي أولوياتك في كل نص سردي تبوحين به؟

-لحظة الكتابة أو لحظة البوح كما سمَّيتَها، يسبقها مخاض ذهني يتشكل خلالها النص في صورته الأولية. أثناء الكتابة، يتركز كل اهتمامي على صياغة النص كما تشكل، وفي مرحلة ثانية يكون التركيز على اللغة والأسلوب والقفلة. النص كالطفل، يولد فنوليه اهتمامًا وعناية حتى ينضج.

*كيف تعيشين لحظة الانصهار الكلي في الكتابة؟

-لحظة الكتابة تبدأ بقادح ذاتي أحيانًا وموضوعي أحيانًا أخرى. تقدح الفكرة فأتركها، كما سبق وذكرت، تتشكل في ذهني: أحاورها، أناقشها وأقلّبها إلى أن تجهز وتتبلور معالمها فتتشكّل نصًا أوليًّا، ساعتها أجلس لأكتب.

*ماذا تريد زهرة مراد من الكتابة القصصية؟

-الكتابة حياة أخرى وعالم له طعم فريد. قد تكون أحيانًا تداوٍ من وجع الزمن الذي نعيش، وقد تكون عزاء في لحظات الشدة. وهي تساعدنا على استكشاف ذواتنا وفهم واستيعاب التعقيدات التي تحيط بالعالم من حولنا. ثم هي جسر بيني وبين الآخر الذي قد يجد في كتاباتي صدى لتجاربه الخاصة أو نافذة تفتح على ما هو مختلف عنه. الكتابة ذاكرة كذلك، فهي تلتقط تفاصيل صغيرة وكبيرة لتكون شاهدًا على عصر بأسره. الكتابة فعل مؤثر في الواقع ولو بعد حين.

*هل بالإمكان الحديث عن خصوصيات تنفردين بها في علاقتك بالكتابة القصصية؟

-يقول البعض إنني قاصة مراوغة، كثيرًا ما أفاجئ القارئ بنهايات لم يفكر فيها.

*أي حضور للقارئ لحظة الانصهار في الكتابة؟

-حين أنغمس في الكتابة، لا أظنني أستحضر القارئ بشكل مباشر، لأن فعل الكتابة يستحوذ على الذات ويتحكم فيها إلى أن يولد النص. لكن ربما في مرحلة المراجعة والتعديل، يمرّ بذهني القارئ وأتساءل كيف سيتلقَّى نصّي، أو أتخيَّله وهو يفاجأ بخاتمته؟

*إلى أي مدى تتفاعلين ككاتبة للقصة مع تيّارات الحداثة؟

-الحداثة وما بعد الحداثة أساسًا هي تيّارات مبنيّة على التّغيير والتّجدّد. وللحداثة جذور تمتدّ إلى القرن التّاسع عشر مع ما شهده العالم من تحوّلات على مستوى الاكتشافات العلميّة، الثورة الصناعيّة، التقدّم التكنولوجيّ والتحوّلات الاقتصاديّة المرتبطة بظهور مجتمعات الاستهلاك. من هناك تغيّر وضع الذات البشريّة، فأصبح الإنسان يعيش أزمة وجوديّة ما زالت مستمرّة إلى اليوم.

الحداثة في السّرد لم تقطع نهائيًا مع التقليديّ، وإنما أثرته بتقنيات ورؤى ومواقف جديدة من الواقع، باعتبار أن كلّ مرحلة تاريخيّة لها خصوصيّاتها سواء على المستوى السياسيّ أو الاجتماعيّ والاقتصاديّ وغيره. في اعتقادي، الكاتب بوصفه ابن عصره يتأثّر بكلّ ما حوله ويتفاعل معه من خلال ما يكتب، لأنّه جزء من العالم. ابتعد الأدب عن الشخصيّات النموذجيّة واتّجه إلى اختيار شخصيّات أكثر تعقيدًا، واعتمد السّرد المتقطّع أو المشتّت أو غير الخطّي، وصار التّركيز على الإنسان في علاقته بذاته وبتفاصيل اليوميّ، وعلى تقنية النّصوص المفتوحة على أكثر من تأويل والعديد من التقنيات الأخرى المختلفة عن المألوف. وأظنّني انخرطت إلى حدّ ما في شيء من هذا في ما كتبت في الرواية كما في القصة.

*عن تجربتك الروائيّة. ما المختلف الذي رغبتِ في إضافته إليها؟

-تبقى الكتابة تجربة خاصّة في بداياتها، إذ تكون تلقائيّة أكثر منها مدروسة أو تخضع لنظريّات سبق للكاتب أن فكّر فيها. ولكنّ التجربة تنضج مع الوقت ومع التمرّس أكثر بالكتابة واكتساب معارف جديدة. وسيكون القادم مختلفًا.

*هل من الممكن أن تكون القصة بلا بطل؟

-إذا تحدّثنا عن بطل تقليديّ، نعم يمكن أن تكون القصة أو الرواية بلا بطل. لكنّ مفهوم البطل قد تغيّر، وصار يمكن أن يكون فكرةً أو مجموعة أفكار. هناك روايات البطل فيها فكرة مثل "النّسيان" مثلا، أو "الأرق" أو "الغيرة" أو "التّشظّي". مثلًا، رواية أمبرتو إيكو "اسم الوردة" الفكرة المحوريّة فيها هي الحقيقة والبحث عنها، ورواية "الغيرة" للفرنسيّ ألان روب-غرييه، محورها الغيرة، وغيرها كثير.

*كيف تصفين قصّتك القصيرة؟

-مراوغة ومشاكسة. لكنّها تحمل في أعماقها الكثير لمن يحسن اقتناص المعنى.

*أيّ حضور للمكان في كتاباتك، سواء القصة القصيرة أو الرواية؟

-المكان في الكتابة ليس مجرّد جغرافيا، هو في حدّ ذاته شخصيّة حيّة باعتبار ما يتضمّنه من ذكريات وما يحتويه من تأثيرات على مكوّنات السّرد وما يبثّه من انفعالات في نفوس الشخصيّات وفي الكاتب نفسه. المكان في كتاباتي كائن حيّ يتفاعل مع كلّ مكوّنات القصّ.

*هل أنصف النّقد تجربتك القصصيّة؟

-النقد مرآة يرى الكاتب من خلالها نصوصه بعيون الآخرين، لكنّه قد يكون أحيانًا انعكاسًا غير مكتمل. وهذا يتوقّف على طبيعة ما إذا كان نقدًا علميًّا أم انطباعيًّا. النقد العلميّ يقوم به الأكاديميون، ولا أعتقد أنّهم قادرون على الاهتمام بكلّ ما يصدر من كتب. تجربتي لم تجد لحدّ الآن اهتمامًا نقديًّا يعتمد على أسس منهجيّة وتحليل أكاديمي عميق. ربّما يحدث ذلك مستقبلا، فلكلّ شيء وقت. وعلى كلّ حال، النّص الأدبيّ هو كائن حيّ يتفاعل مع القارئ والنّقاد بطرق مختلفة. وإنصافه لا يأتي فقط من كلمات النقّاد، بل أيضًا من الأثر الذي يتركه في نفوس القرّاء. لهذا، أرى أن النقد، مهما كان، هو جزء من مسيرة الكاتب، ولكنه لا يختصر التجربة بأكملها.

*ما هي رسالة الكاتب اليوم التي من الواجب تحمّلها؟

-الكتابة تؤثّر في لا وعي المتلقّي. والكاتب من وجهة نظري، تقع عليه مسؤوليّة جسيمة نحو مجتمعه. فهو يساهم بنسبة كبيرة في بنائه من خلال ما يمرّره في كتاباته. لذلك يجب أن تكون له رؤية واضحة وسليمة تساعد على البناء وليس على التّهديم. غير أنّ هذا مرتبط بوضع الكتاب أساسًا، إذ أن الكتاب لا يصل إلى شريحة كبيرة من القرّاء حتى نستطيع الحديث عن تأثير ذلك. أمّا الأسباب فعديدة ومتداخلة، منها تدنّي الوعي بأهمية الكتاب والمطالعة لدى الجموع وضعف المجهودات المبذولة لترغيب الناس في القراءة وتشجيعهم عليها باعتبارها قيمة لها دور في بناء الشخصية وتربية الوعي.

*أي نظرة لك اليوم لعلاقة القارئ بالكتاب؟

-كما أشرت سابقًا، عدد القرّاء في مجتمعنا يبقى ضئيلا مهما ازداد. نحن في مجتمع أغلبه لا يتذوّق الكتابة، لا يستمتع بالقراءة. لا أحد ينكر الأنشطة الثقافيّة المنتشرة في كلّ المدن ولا أحد ينكر المجهودات التي تبذلها النوادي الثقافية على اختلافها للتّعريف بالكتب وبأصحابها. حتى المكتبات العموميّة قد انخرطت في ترغيب النشء في القراءة وربط الصلة بين القارئ والكاتب من خلال لقاءات مباشرة. ولكن ثقافة المطالعة لا تزال حكراً على فئة قليلة من المجتمع. لاحظ مثلا الحضور في ملاعب كرة القدم أو أيّ رياضة أخرى، أو في حفلات الموسيقى والغناء والرّقص. هناك فرق واضح حين تدخل ندوة أو لقاء أدبيّا، إذ بإمكانك أن تعدّ الحاضرين في لحظة.

*كيف تقرئين ظاهرة نشر الإبداع سردًا كان أو شعرًا على وسائل التواصل الاجتماعي؟

-مواقع التواصل الاجتماعي سهّلت النشر والانتشار وعرّفت بالكثيرين. ولكن لها جوانب سلبيّة إذ اختلط فيها الغثّ بالسّمين. وكثرت المجاملات والمغالطات التي يقوم بها البعض في تعليقهم على النصوص التي تُنشر. أحيانًا يكون النصّ ضعيفًا جدًا ورغم ذلك يحظى باهتمام كبير ممّا يضلّل صاحبه ويغالطه. كما أنّ السرقات كثرت ولا رقيب.

*برزت ظاهرة الإقبال على الشعر بشكل لافت. هل في ذلك تهديد للرواية في وجودها؟

-كلّ الأجناس الأدبيّة تجد حظّها، غير أن لكلّ جنس جمهوره الخاص. بالنسبة للرواية، أعتقد أنها الجنس الوحيد الأكثر سلطوية والذي يمكنه ابتلاع ما يجاوره من أجناس. وهذا دأبها منذ العصور القديمة. فهي كما يصفها بيير شارتيه Pierre Chartier متسلّطة بطبعها. يمكنها أن تضمّ إليها الأجناس الأخرى وتذيبها داخلها. "لا شيء يمنعها من أن تستخدم الوصف والسّرد القصصيّ والدّراما والشّرح والحوار الذّاتيّ والتّفكير الفلسفيّ والقصيدة والخطبة لأهدافها الخاصة". لذلك لا خوف على السّرد، قصة ورواية.

*هل تتابعين الإصدارات القصصيّة والرّوائيّة التّونسيّة اليوم وماذا تقولين بشأنها؟

-نعم أتابع الإصدارات التّونسيّة في الرواية والقصة، وهي متعدّدة وغزيرة وتستحقّ أن تقرأ.

*المشهد الثقافيّ والأدبي في تونس اليوم، ما له وما عليه من وجهة نظرك؟

-النوادي الثقافيّة نشيطة على مستوى دور الثقافة والمكتبات العموميّة وكذلك داخل المؤسّسات الأكاديميّة بما تنظمه من أنشطة وندوات علميّة. وهذا محمود طبعا. لكن ما يمكن أن يعاب هو المبالغة في المجاملات. هناك مثلا نصوص سواء في السّرد أو الشعر، يرفع من شأنها البعض في قراءاتهم النقديّة مجاملة لأصحابها. وهذا بدوره يعود إلى ما نراه من استسهال للنقد من قبل البعض الذين يجدون الشجاعة لاقتحام هذا المجال بأدواتهم الخاصة وتكون قراءاتهم انطباعيّة بعيدة عمّا يجب أن تكون عليه الكتابة النقديّة العلميّة. أعتقد أنّ لكلّ مجال أهله. النقد له أناس مختصّون. وما يفعله هؤلاء يخلّ بوظيفة النقد الأدبيّ ويرفع بعض النصوص التي لا تستحقّ ويسيء أحيانًا إلى نصوص تستحق عناية أكبر.

*ما نوع الدعم الذي يحتاجه المبدع المثقّف في الوقت الراهن؟

-إنّ تقدّم المجتمعات لا يتمّ إلّا في إطار الوعي بأهمية القراءة وأهمية الكتاب. ومجتمعاتنا لا تقرأ للأسف، رغم أنّ تونس في مرتبة متقدّمة على مستوى الإصدارات ولنا إدارة خاصّة بالتّرغيب في المطالعة. أسباب عدم الإقبال على الكتاب وعلى المطالعة كثيرة ومتداخلة ولا يسمح المجال للخوض فيها هنا. أعتقد أنّه من الضروريّ النظر في الطرق المعتمدة حاليًّا لتشجيع الناس على المطالعة. من الضروري تنويع الأنشطة ومضاعفتها على أن ينخرط الإعلام خاصّة المرئيّ في تنظيم مسابقات ليحفّز الناس. وهذا من شأنه أن يحفّز المبدع لأنّ هذه الأنشطة إذا تعمّمت سوف تلامس أكثر ما يمكن من الإنتاج الأدبي التّونسيّ. وطبعا دعم المبدع بطريقة أخرى تتمثّل في إعادة دور وزارة الثقافة إلى ما كان عليه في السابق فتقتني الإصدارات الجديدة مباشرة من المبدع. هذا يحفّزه أكثر بطبيعة الحال. الكاتب في أغلب الأحيان يدفع من جيبه لينشر كتابًا لا يجني من ورائه لا الكثير ولا القليل. نحن نكتب ولكن النشر مكلف جدًا.