إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

دورتها التاسعة انتظمت في بيت الحكمة.. مهرجان القيروان للشعر العربي ينبش في تاريخ الشعر العربي ويهتم بالبدايات

دعوة إلى ترميم كل شيء تجاوزه الزمن، بما في ذلك الشعر

"ترنيمة الشمس"... أول نص شعري عربي في النصف الأول من القرن الثاني للميلاد

محسن بن أحمد

تونس - الصباح

القيروان، مدينة فجر الإسلام في شمال إفريقيا بتاريخها التليد وزخمها الحضاري والعلمي، كانت على امتداد يومي 20 و21 ديسمبر الجاري ضيفةً مبجّلة في رحاب "بيت الحكمة" بالضاحية الشمالية للعاصمة، من خلال الدورة التاسعة لمهرجانها الدولي للشعر العربي، بتنظيم من بيت الشعر القيرواني وبرعاية من دائرة الثقافة في إمارة الشارقة.

دورة مثلت إضافة هامة في المشهد الإبداعي الوطني والعربي على حد سواء، حيث كان للشعر حضوره المبهر من خلال العديد من الأصوات التي شدت بأروع قصائد عشق كل جميل في الوجود، والانتصار للغة العربية والوطن والإرادة الحرة.

وفي كلمتها الافتتاحية، توقفت جميلة الماجري، مديرة بيت الشعر القيرواني ومؤسسة المهرجان والمشرفة عليه، عند إنجازات البيت لفائدة الإبداع الشعري العربي بدرجة أولى، وعند خصوصيات بيت الشعر العربي الذي تحول إلى "برلمان" شعري حيث تلتقي فيه الأصوات الشعرية بمختلف توجهاتها ومشاربها، ودون إقصاء لأي توجه شريطة توفر عنصر الجودة والإضافة. ولاغرابة أن يكسب هذا البيت الرهان، على اعتبار أنه نجح في استضافة أكثر من 1000 مشارك بين شعراء ومحاضرين وباحثين على امتداد مسيرته. ووجهت تحية تقدير وعرفان إلى إدارة الثقافة بإمارة الشارقة، الداعمة لهذا البيت الذي تم بعثه إلى جانب 6 بيوت شعر أخرى في عدد من الدول العربية، تجسيدًا لمبادرة حاكم الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، ببعث بيوت شعر في مدن عديدة على امتداد الوطن العربي.

هذه الدورة التي انتظمت بالتعاون مع وزارة الثقافة في تونس شهدت حضور الأستاذ عبدالله العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، والدكتور خالد كشير، مدير عام المكتبة الوطنية ممثلًا عن وزيرة الشؤون الثقافية التونسية أمينة الصرارفي، وهالة الورتاني، مديرة بيت الحكمة، وكوكبة من الأدباء والأكاديميين والمهتمين بالشعر.

وفي كلمته في حفل الافتتاح، أشاد الأستاذ محمد القصير، مدير إدارة الثقافة بإمارة الشارقة، بعمق العلاقات الأخوية التي تجمع الإمارات وتونس، وأكد: "إنّ وصول المهرجان إلى دورته التاسعة يؤكد الرؤية الثقافية المشتركة التي تعزز حضورها في الفعاليات المتواصلة على مدى العام، فقد أراد حاكم الشارقة، بإطلاقه مشروع بيوت الشعر، أن يستعيد الشعر العربيُّ حضوره في كلّ أرجاء الوطن العربيّ، فوجّه بإنشاء بيوت الشعر العربيّ في الدول العربية".

عدّد المتحدث مبادرات بيت شعر القيروان في السنوات الماضية، حيث أصبح البيت فضاءً إبداعيًا يحتضن المبدعين من كافة الحقول الأدبية.

وأبرز الأستاذ خالد كشير، المدير العام لدار الكتب الوطنية، "أهمية المهرجان الذي يواظب على استمرار انعقاده، مرتقيًا بالذائقة العربية من الشارقة إلى القيروان، مرورًا بالضيوف من الجزائر وطرابلس، وهذا دليل على حرص دائرة الثقافة في الشارقة ووزارة الشؤون الثقافية في تونس على إيلاء الشعر المنزلة التي يستحق، بوصفه مظهرًا ومرآة للمشاعر والأحاسيس والصور الرقيقة".

"بدايات الشعر"

"الملف الاستثنائي"

الجانب الفكري في هذه الدورة كان حاضرًا من خلال فتح ملف "استثنائي" هو الأول من نوعه في المهرجانات الشعرية والمتعلق بـ"بدايات الشعر العربي". ملف حارق راهنت عليه هذه الدورة من خلال مداخلتين للدكتورين المنصف الوهايبي والمنصف بن عبد الجليل، وقد شدتا الاهتمام على اعتبار دقة وخصوصية المعلومات والحقائق التاريخية التي تم كشفها في هذا اللقاء الفكري الذي أدارته باقتدار الدكتورة سماح حمدي.

وأكد الدكتور المنصف الوهايبي في بداية مداخلته على ضرورة الحاجة اليوم إلى ترميم كل شيء تجاوزه الزمن، من ذلك الشعر. وانطلق بعد ذلك من نص منقوش، لافتًا أنه قد يكون من أقدم ما دوّنه العرب من شعر يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، مؤكدًا "على أن الذين حققوا هذا الشعر أو رمموه من مستشرقين وحتى من العرب، وهذا الشعر جاء في نقش في صحراء النقب في جنوب فلسطين".

وأشار الوهايبي إلى أن الشعر جاء منقوشًا على خمسة أشطر (وليس أسطر أو سطور كما ذكر في بعض الدراسات)، موضحًا: "كتب الأول والثاني والثالث والسادس وهو توقيع، بالآرامية، وأما الرابع والخامس فكتبا باللغة العربية النبطية، مبينًا أن الخط العربي الخالي من النقط والإعجام مشتق من الخط النبطي، وأن العرب كتبوا به قبل الإسلام بقرون".

من ناحيته، تطرّق الدكتور المنصف بن عبد الجليل إلى مسألة بواكير الشعر العربي على ضوء نقشين يمنيّين قديمين هما: "أنشودة إلى كهل" تحت رمز و"ترنيمة الشمس" التي اكتشفها الباحث اليمني يوسف عبد الله.

واستعرض الدكتور المنصف بن عبد الجليل في القسم الأول من مداخلته صيغة النصين وتاريخهما المرجّح، وهو النصف الأول من القرن الثاني للميلاد، وناقش في قسمها الثاني اختلاف المؤرخين في تأويل النصين، ليخلص إلى اعتبار "الترنيمة" أول نص شعري عربي

 دورتها التاسعة انتظمت في بيت الحكمة..   مهرجان القيروان للشعر العربي ينبش في تاريخ الشعر العربي ويهتم بالبدايات

دعوة إلى ترميم كل شيء تجاوزه الزمن، بما في ذلك الشعر

"ترنيمة الشمس"... أول نص شعري عربي في النصف الأول من القرن الثاني للميلاد

محسن بن أحمد

تونس - الصباح

القيروان، مدينة فجر الإسلام في شمال إفريقيا بتاريخها التليد وزخمها الحضاري والعلمي، كانت على امتداد يومي 20 و21 ديسمبر الجاري ضيفةً مبجّلة في رحاب "بيت الحكمة" بالضاحية الشمالية للعاصمة، من خلال الدورة التاسعة لمهرجانها الدولي للشعر العربي، بتنظيم من بيت الشعر القيرواني وبرعاية من دائرة الثقافة في إمارة الشارقة.

دورة مثلت إضافة هامة في المشهد الإبداعي الوطني والعربي على حد سواء، حيث كان للشعر حضوره المبهر من خلال العديد من الأصوات التي شدت بأروع قصائد عشق كل جميل في الوجود، والانتصار للغة العربية والوطن والإرادة الحرة.

وفي كلمتها الافتتاحية، توقفت جميلة الماجري، مديرة بيت الشعر القيرواني ومؤسسة المهرجان والمشرفة عليه، عند إنجازات البيت لفائدة الإبداع الشعري العربي بدرجة أولى، وعند خصوصيات بيت الشعر العربي الذي تحول إلى "برلمان" شعري حيث تلتقي فيه الأصوات الشعرية بمختلف توجهاتها ومشاربها، ودون إقصاء لأي توجه شريطة توفر عنصر الجودة والإضافة. ولاغرابة أن يكسب هذا البيت الرهان، على اعتبار أنه نجح في استضافة أكثر من 1000 مشارك بين شعراء ومحاضرين وباحثين على امتداد مسيرته. ووجهت تحية تقدير وعرفان إلى إدارة الثقافة بإمارة الشارقة، الداعمة لهذا البيت الذي تم بعثه إلى جانب 6 بيوت شعر أخرى في عدد من الدول العربية، تجسيدًا لمبادرة حاكم الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، ببعث بيوت شعر في مدن عديدة على امتداد الوطن العربي.

هذه الدورة التي انتظمت بالتعاون مع وزارة الثقافة في تونس شهدت حضور الأستاذ عبدالله العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، والدكتور خالد كشير، مدير عام المكتبة الوطنية ممثلًا عن وزيرة الشؤون الثقافية التونسية أمينة الصرارفي، وهالة الورتاني، مديرة بيت الحكمة، وكوكبة من الأدباء والأكاديميين والمهتمين بالشعر.

وفي كلمته في حفل الافتتاح، أشاد الأستاذ محمد القصير، مدير إدارة الثقافة بإمارة الشارقة، بعمق العلاقات الأخوية التي تجمع الإمارات وتونس، وأكد: "إنّ وصول المهرجان إلى دورته التاسعة يؤكد الرؤية الثقافية المشتركة التي تعزز حضورها في الفعاليات المتواصلة على مدى العام، فقد أراد حاكم الشارقة، بإطلاقه مشروع بيوت الشعر، أن يستعيد الشعر العربيُّ حضوره في كلّ أرجاء الوطن العربيّ، فوجّه بإنشاء بيوت الشعر العربيّ في الدول العربية".

عدّد المتحدث مبادرات بيت شعر القيروان في السنوات الماضية، حيث أصبح البيت فضاءً إبداعيًا يحتضن المبدعين من كافة الحقول الأدبية.

وأبرز الأستاذ خالد كشير، المدير العام لدار الكتب الوطنية، "أهمية المهرجان الذي يواظب على استمرار انعقاده، مرتقيًا بالذائقة العربية من الشارقة إلى القيروان، مرورًا بالضيوف من الجزائر وطرابلس، وهذا دليل على حرص دائرة الثقافة في الشارقة ووزارة الشؤون الثقافية في تونس على إيلاء الشعر المنزلة التي يستحق، بوصفه مظهرًا ومرآة للمشاعر والأحاسيس والصور الرقيقة".

"بدايات الشعر"

"الملف الاستثنائي"

الجانب الفكري في هذه الدورة كان حاضرًا من خلال فتح ملف "استثنائي" هو الأول من نوعه في المهرجانات الشعرية والمتعلق بـ"بدايات الشعر العربي". ملف حارق راهنت عليه هذه الدورة من خلال مداخلتين للدكتورين المنصف الوهايبي والمنصف بن عبد الجليل، وقد شدتا الاهتمام على اعتبار دقة وخصوصية المعلومات والحقائق التاريخية التي تم كشفها في هذا اللقاء الفكري الذي أدارته باقتدار الدكتورة سماح حمدي.

وأكد الدكتور المنصف الوهايبي في بداية مداخلته على ضرورة الحاجة اليوم إلى ترميم كل شيء تجاوزه الزمن، من ذلك الشعر. وانطلق بعد ذلك من نص منقوش، لافتًا أنه قد يكون من أقدم ما دوّنه العرب من شعر يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، مؤكدًا "على أن الذين حققوا هذا الشعر أو رمموه من مستشرقين وحتى من العرب، وهذا الشعر جاء في نقش في صحراء النقب في جنوب فلسطين".

وأشار الوهايبي إلى أن الشعر جاء منقوشًا على خمسة أشطر (وليس أسطر أو سطور كما ذكر في بعض الدراسات)، موضحًا: "كتب الأول والثاني والثالث والسادس وهو توقيع، بالآرامية، وأما الرابع والخامس فكتبا باللغة العربية النبطية، مبينًا أن الخط العربي الخالي من النقط والإعجام مشتق من الخط النبطي، وأن العرب كتبوا به قبل الإسلام بقرون".

من ناحيته، تطرّق الدكتور المنصف بن عبد الجليل إلى مسألة بواكير الشعر العربي على ضوء نقشين يمنيّين قديمين هما: "أنشودة إلى كهل" تحت رمز و"ترنيمة الشمس" التي اكتشفها الباحث اليمني يوسف عبد الله.

واستعرض الدكتور المنصف بن عبد الجليل في القسم الأول من مداخلته صيغة النصين وتاريخهما المرجّح، وهو النصف الأول من القرن الثاني للميلاد، وناقش في قسمها الثاني اختلاف المؤرخين في تأويل النصين، ليخلص إلى اعتبار "الترنيمة" أول نص شعري عربي