إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. "نموذج الجولاني"

 

في الدراسة المستفيضة للواقع العربي اليوم، وقراءة في الأزمات المتوالية في المنطقة العربية، تبرز مفاهيم ونماذج تروِجها الدول الغربية وتحاول فرضها وغرسها وترسيخها وسط هذه الأمّة التي أنهكتها الحروب والانقسامات منذ عقود، ومن بين هذه المفاهيم نموذج «الجولاني»، الذي أصبح رمزا لاستخدام منهجي للفوارق المذهبية، وتعزيز التفكير المتطرِف، وتهشيم الهوية الوطنية والثقافية والتطبيع مع الإرهاب.

فالسياق الاستراتيجي لنموذج «الجولاني» لا ينفصل عن المحاولات المتكررة للغرب لإعادة هندسة المنطقة على مقاس مصالحه. من ذلك دعم الميليشيات المسلحة والمتطرفة، الترويج لحالات الانقسام المجتمعي، وزعزعة الاقتصادات المحلية. هذه الإستراتيجية تدمر الدول المستهدفة وفي المقابل تخدم أهدافًا للدول المحركة للعبة والتي أصبحت معروفة وتتحرك علنا.. وهذه الأهداف هي أساسا السيطرة على الموارد الطبيعية والجغرافية، واستدامة حالة التبعية السياسية والاقتصادية.

وكان الأمر شديد الوضوح خاصة في العراق واليمن وسوريا سابقا واليوم وهي أمثلة واضحة للتدمير المنهجي. ففي العراق، أطلق الغزو الأمريكي وما تبعه من فوضى سياسية وأمنية صراعات مذهبية، مما أدى إلى تهديم البنى التحتية للدولة والقضاء على الإرث التاريخي والحضاري لها، والسيطرة على مواردها النفطية بالكامل. تبع ذلك ظهور تنظيمات متطرفة، كالقاعدة وداعش، التي استفادت من هذا المناخ. أما اليمن فهو مثال آخر ضمن المنظومة والإستراتيجية التهديمية التي يحركها الغرب، حيث غذّت التدخلات الخارجية خلافات محلية وأدت إلى صراع مدمّر شمل البلاد بأسرها، مما سمح بتمدد الميليشيات المسلحة واستنزاف الموارد الاقتصادية والإنسانية.

وفي ليبيا، فقد دفعت التدخلات الغربية إلى إسقاط نظام معمر القذافي دون وجود أو إيجاد خطة لإعادة بناء الدولة، مما ترك فراغًا أمنيًا وسياسيًا رهيبا استغلته الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية للقضاء على ما تبقى من الدولة. أما في سوريا، ومنذ مارس 2011، استُخدمت الفصائل المسلحة كورقة ضغط في النزاع، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي وأدى إلى انقسام البلاد وتدمير البنية التحتية وتشريد الملايين لتنتهي فوضى الـ14 سنة تقريبا الى سقوط نظام الأسد وسيطرة المتطرفين بزعامة "الجولاني" على الحكم ومفاصل الدولة.

وعلى الرغم من نجاح هذا النموذج في بعض البلدان، إلا أنه فشل في تونس ومصر. ففي تونس، قاومت النخبة السياسية والمجتمع المدني محاولات تفكيك الهوية الوطنية، ونجحت في الحفاظ على مسار ديمقراطي رغم الصعوبات الاقتصادية. أما في مصر، فقد رفض الشعب المصري مشروع الفوضى عبر ثورته ضد حكم الإخوان المسلمين في 2013، مما أدى إلى استعادة الدولة سيطرتها على مفاصل البلاد.

والواضح أن مشروع «الجولاني» ليس مجرد خطة لتدمير الدول، بل هو إستراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى تفكيك الروابط الوطنية وإضعاف الشعوب عبر التفقير، التجهيل، والترهيب. ومع ذلك، فإن مقاومة هذا المشروع تتطلب تكاتف الشعوب وتعزيز الهوية الوطنية وإرساء أسس تنمية اقتصادية وسياسية مستقلة.

وفشل نموذج «الجولاني» في بعض الدول يظهر أن الشعوب العربية قادرة على مقاومة هذه المخططات إذا توفرت الإرادة السياسية والإدارة الحكيمة. وفي عالم يشهد تغيرات متسارعة، فإن الحفاظ على السيادة الوطنية أصبح ضرورة لا خيارًا.

سفيان رجب

 

في الدراسة المستفيضة للواقع العربي اليوم، وقراءة في الأزمات المتوالية في المنطقة العربية، تبرز مفاهيم ونماذج تروِجها الدول الغربية وتحاول فرضها وغرسها وترسيخها وسط هذه الأمّة التي أنهكتها الحروب والانقسامات منذ عقود، ومن بين هذه المفاهيم نموذج «الجولاني»، الذي أصبح رمزا لاستخدام منهجي للفوارق المذهبية، وتعزيز التفكير المتطرِف، وتهشيم الهوية الوطنية والثقافية والتطبيع مع الإرهاب.

فالسياق الاستراتيجي لنموذج «الجولاني» لا ينفصل عن المحاولات المتكررة للغرب لإعادة هندسة المنطقة على مقاس مصالحه. من ذلك دعم الميليشيات المسلحة والمتطرفة، الترويج لحالات الانقسام المجتمعي، وزعزعة الاقتصادات المحلية. هذه الإستراتيجية تدمر الدول المستهدفة وفي المقابل تخدم أهدافًا للدول المحركة للعبة والتي أصبحت معروفة وتتحرك علنا.. وهذه الأهداف هي أساسا السيطرة على الموارد الطبيعية والجغرافية، واستدامة حالة التبعية السياسية والاقتصادية.

وكان الأمر شديد الوضوح خاصة في العراق واليمن وسوريا سابقا واليوم وهي أمثلة واضحة للتدمير المنهجي. ففي العراق، أطلق الغزو الأمريكي وما تبعه من فوضى سياسية وأمنية صراعات مذهبية، مما أدى إلى تهديم البنى التحتية للدولة والقضاء على الإرث التاريخي والحضاري لها، والسيطرة على مواردها النفطية بالكامل. تبع ذلك ظهور تنظيمات متطرفة، كالقاعدة وداعش، التي استفادت من هذا المناخ. أما اليمن فهو مثال آخر ضمن المنظومة والإستراتيجية التهديمية التي يحركها الغرب، حيث غذّت التدخلات الخارجية خلافات محلية وأدت إلى صراع مدمّر شمل البلاد بأسرها، مما سمح بتمدد الميليشيات المسلحة واستنزاف الموارد الاقتصادية والإنسانية.

وفي ليبيا، فقد دفعت التدخلات الغربية إلى إسقاط نظام معمر القذافي دون وجود أو إيجاد خطة لإعادة بناء الدولة، مما ترك فراغًا أمنيًا وسياسيًا رهيبا استغلته الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية للقضاء على ما تبقى من الدولة. أما في سوريا، ومنذ مارس 2011، استُخدمت الفصائل المسلحة كورقة ضغط في النزاع، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي وأدى إلى انقسام البلاد وتدمير البنية التحتية وتشريد الملايين لتنتهي فوضى الـ14 سنة تقريبا الى سقوط نظام الأسد وسيطرة المتطرفين بزعامة "الجولاني" على الحكم ومفاصل الدولة.

وعلى الرغم من نجاح هذا النموذج في بعض البلدان، إلا أنه فشل في تونس ومصر. ففي تونس، قاومت النخبة السياسية والمجتمع المدني محاولات تفكيك الهوية الوطنية، ونجحت في الحفاظ على مسار ديمقراطي رغم الصعوبات الاقتصادية. أما في مصر، فقد رفض الشعب المصري مشروع الفوضى عبر ثورته ضد حكم الإخوان المسلمين في 2013، مما أدى إلى استعادة الدولة سيطرتها على مفاصل البلاد.

والواضح أن مشروع «الجولاني» ليس مجرد خطة لتدمير الدول، بل هو إستراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى تفكيك الروابط الوطنية وإضعاف الشعوب عبر التفقير، التجهيل، والترهيب. ومع ذلك، فإن مقاومة هذا المشروع تتطلب تكاتف الشعوب وتعزيز الهوية الوطنية وإرساء أسس تنمية اقتصادية وسياسية مستقلة.

وفشل نموذج «الجولاني» في بعض الدول يظهر أن الشعوب العربية قادرة على مقاومة هذه المخططات إذا توفرت الإرادة السياسية والإدارة الحكيمة. وفي عالم يشهد تغيرات متسارعة، فإن الحفاظ على السيادة الوطنية أصبح ضرورة لا خيارًا.

سفيان رجب