إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

شكلت أحد ركائز تكريس الدولة الاجتماعية .. اللامركزية لتحقيق التوازن والعدالة بين الجهات

 

 

وضعها رئيس الحكومة من بين الأهداف الإستراتيجية لتدعيمها بنسبة 40%

تونس – الصباح

 يبدو أن مُضي سياسة الدولة في تكريس اللامركزية على أرض الواقع، باعتبارها أحد العناوين الكبرى للجمهورية الجديدة، قد أدرك مرحلة متقدمة اليوم خاصة أن هذا التوجه يحظى باهتمام كبير من القائمين على السلطتين التنفيذية والتشريعية ومسار عملهما الموجه لتحويل اللامركزية، التي لطالما كانت شعار أنظمة وحكومات وبرامج حزبية وانتخابية، على امتداد عقود لكنها لم تنفذ على أرض الواقع بعد أن تعمقت الفجوة الجهوية بين المناطق لاسيما منها الداخلية في مستويات عديدة منها الصحة والنقل والتنمية وغيرها من الخدمات الأخرى.

 نزيهة الغضباني

وقد توفرت اليوم جملة من المبادرات والعوامل والبرامج الهادفة لتكريس هذا التوجه عمليا بما يوفر العدالة والتوازن الجهوي المنشود في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والخدمات بجميع أنواعها أيضا. لاسيما في ظل توجه المؤسسة التشريعية في نسختها الجديدة بغرفتين، ودور الغرفة النيابية الثانية الموجه بالأساس لخدمة هذا الجانب محليا وجهويا ومراعاة ميزانية الدولة لسنة 2025 لهذا التوجه للدولة.

إذ شكلت هذه المسألة محور لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة كمال المدّوري أول أمس بقصر قرطاج، بعد أن أكد رئيس الجمهورية على "أن مقاربة تونس اليوم خاصة للتنمية المحلية واللامركزية مقاربة جديدة، فالمحلي هو الذي يجب أن يبني المركز لأن اللامركزية واللامحورية أو المركزية التفويضية كما سادت لعقود أثبتت التجارب في عديد البلدان أنه حان الوقت لمراجعتها وقلب الساعة الرملية حتى يتحقق الاندماج المطلوب الذي تسعى إليه كل دولة"، وفق ما نشر على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.

وجاء هذا اللقاء بعد أن مثّل المدّوري رئيس الدولة في اجتماعات اللجنة الفنية للاتحاد الإفريقي المتخصصة في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والتنمية الحضرية واللامركزية التي انعقدت ببلادنا منذ يوم 16 إلى غاية 20 من الشهر الجاري، وشكلت اللامركزية والعناية بالمناطق الداخلية في البلدان المنتمية للاتحاد الإفريقي أحد محاور هذا الاجتماع رفيع المستوى.

 معطيات ومؤشرات

ولئن أكد رئيس الحكومة خلال إشرافه على الاجتماع الوزاري في نفس المناسبة، على أن الحكومة التونسية تعكف على متابعة تنفيذ عدد من المشاريع تهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية الموجهة للمواطن والمؤسسة على حد سواء، بما سيفضي على المدى المنظور إلى رقمنة الإجراءات الإدارية بنسبة 88% وتدعيم اللامركزية بنسبة 40%، فإن معطيات ومؤشرات عملية أخرى تراهن عليها السلطة القائمة اليوم بهدف بلورة هذا التوجه برامج وأنشطة ومشاريع شاملة لعدة قطاعات ومجالات، تتجاوز ما تبينه الأرقام والنسب تؤكد أن مساعي الدولة لتحويل اللامركزية إلى حقيقة في كامل ربوع الجمهورية هي الخط الذي يسطر عمل الحكومة ومهام المؤسسة التشريعية ودور المجالس المحلية والجهوية في ظل التقسيم الجديد للدولة إلى أقاليم وجهات خاصة أن الفصل 133 من دستور 2022 ينص على أنه "تمــارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـــّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون".

ففي القطاع الصحي تعمل الدولة على تشجيع التمركز الصحي في المناطق الداخلية بالعمل على توفير بيئة مناسبة للأطباء والمختصين في جميع الاختصاصات للبقاء والعمل، واستجابة أفضل للاحتياجات المحلية عبر تطوير البنية التحتية الصحية بناءً على احتياجات السكان في كل منطقة، وفق ما تعمل على تكريسه وزارة الصحة وسبق أن أكده وزير الصحة مصطفى الفرجاني في عديد المناسبات وذلك في سياق تجسيد توجه الدولة الاجتماعي وتقريب الخدمات من المواطنين في كل مناطق الجمهورية وضمان التمركز الصحي في المناطق الداخلية.

والأمر نفسه تقريبا ما انفكت تعمل على تكريسه وزارة النقل خلال المرحلة الأخيرة، رغم الصعوبات ومحدودية الإمكانيات اللوجيستية، وذلك من أجل فك عزلة بعض الجهات والمناطق وتوفير القدر الأدنى من خدمات النقل المدرسي أو غيرها لأبناء عديد المناطق فضلا عن العمل على ضبط مشاريع النهوض بقطاع النقل بجميع أنواعه الحديدي أو غيره والعمل من أجل تعزيز أساطيل النقل وتفعيل بعض المشاريع المعطلة في الغرض، لعل من أبرزها تأكيد وزير النقل رشيد العامري مؤخرا، أنه تم مؤخرا عقد اجتماع للنظر في تسريع انطلاق مشروع مترو صفاقس في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

كما أفاد المدّوري في تطرقه لنفس المسألة أنه في تونس "يتم العمل أيضا على تقريب الخدمات الإدارية من المتعاملين مع الإدارة وتحسين النفاذ إليها من خلال إحداث دور خدمات إدارية موزعة على كامل تراب الجمهورية، وأنّه يتمّ الاشتغال حاليا على تجربة هي الأولى من نوعها في تونس تتمثل في تركز دور خدمات رقمية تهدف إلى تقريب الخدمات الإدارية من المواطنين خاصة بالمناطق الداخلية بما يمثل تكريسا جديدا للتكامل بين مساري اللامركزية والتحول الرقمي للإدارة". خاصة أن التوجهات الإستراتيجية للدولة في نفس الإطار تمحورت حول الإدماج الرقمي والمالي لتحقيق الإدماج الاجتماعي وذلك من خلال تطوير معدل النفاذ إلى شبكات الاتصال بمختلف الجهات والعمل على تطوير وتنويع وسائل الدفع الالكتروني بما يساهم في تيسير الوصول إلى الخدمات الالكترونية جهويا ومحليا، وفق تأكيد رئيس الحكومة.

 ديناميكية شاملة

 وقد قدمت حكومة المدّوري إلى حد الآن عديد المبادرات العملية، وذلك في تناغم مع المبادرات التشريعية وتوجه المجلس الوطني للجهات والأقاليم وعمل ونشاط المجالس المحلية والجهوية، التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الجهات والعمل على الحد من التفاوت الذي كان قائما بينها منذ عقود. الأمر الذي من شأنه أن يخلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية خاصة في ظل وجود توجهات وقرارات تهدف للقضاء على التشغيل الهش مقابل تيسير بعث المبادرات والمشاريع الاستثمارية داخل الجهات حسب خصوصية كل جهة والتي تترجمها الشركات الأهلية في توجه للبناء والإصلاح القاعدي وضمان مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والاستثمار والتنمية بين مختلف مناطق وجهات الجهورية. يأتي ذلك في إطار سياسة إصلاحية شاملة تهدف لتحقيق العدالة بين مختلف مناطق الجمهورية خاصة أن السياسة الإصلاحية التي انطلقت الحكومة في تنفيذها مبنية بالأساس على ما هو اجتماعي من ناحية وتعصير التصرف في رأس المال البشري والإدارة من ناحية ثانية. فضلا عن البرامج التي أعدتها وزارات أخرى في إطار تعميم السكن الاجتماعي والسكن اللائق في كامل جهات الجمهورية وخلق مواطن التنمية والاستثمار وتطوير البنية التحتية والعناية بالبيئة والاستثمار في القطاع الفلاحي والطاقي وغيرها.

وهو ما من شأنه أن يفسح المجال للكفاءات التي تزخر بها بلادنا في مختلف المجالات للانخراط في مشروع إعادة البناء للدولة وفق مقاييس اللامركزية وتحقيق العدالة والتوازن بين جميع الجهات بما يساهم في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية سيكون المواطن التونسي المستفيد الأول منها.

 

 

 

شكلت أحد ركائز تكريس الدولة الاجتماعية .. اللامركزية لتحقيق التوازن والعدالة بين الجهات

 

 

وضعها رئيس الحكومة من بين الأهداف الإستراتيجية لتدعيمها بنسبة 40%

تونس – الصباح

 يبدو أن مُضي سياسة الدولة في تكريس اللامركزية على أرض الواقع، باعتبارها أحد العناوين الكبرى للجمهورية الجديدة، قد أدرك مرحلة متقدمة اليوم خاصة أن هذا التوجه يحظى باهتمام كبير من القائمين على السلطتين التنفيذية والتشريعية ومسار عملهما الموجه لتحويل اللامركزية، التي لطالما كانت شعار أنظمة وحكومات وبرامج حزبية وانتخابية، على امتداد عقود لكنها لم تنفذ على أرض الواقع بعد أن تعمقت الفجوة الجهوية بين المناطق لاسيما منها الداخلية في مستويات عديدة منها الصحة والنقل والتنمية وغيرها من الخدمات الأخرى.

 نزيهة الغضباني

وقد توفرت اليوم جملة من المبادرات والعوامل والبرامج الهادفة لتكريس هذا التوجه عمليا بما يوفر العدالة والتوازن الجهوي المنشود في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والخدمات بجميع أنواعها أيضا. لاسيما في ظل توجه المؤسسة التشريعية في نسختها الجديدة بغرفتين، ودور الغرفة النيابية الثانية الموجه بالأساس لخدمة هذا الجانب محليا وجهويا ومراعاة ميزانية الدولة لسنة 2025 لهذا التوجه للدولة.

إذ شكلت هذه المسألة محور لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة كمال المدّوري أول أمس بقصر قرطاج، بعد أن أكد رئيس الجمهورية على "أن مقاربة تونس اليوم خاصة للتنمية المحلية واللامركزية مقاربة جديدة، فالمحلي هو الذي يجب أن يبني المركز لأن اللامركزية واللامحورية أو المركزية التفويضية كما سادت لعقود أثبتت التجارب في عديد البلدان أنه حان الوقت لمراجعتها وقلب الساعة الرملية حتى يتحقق الاندماج المطلوب الذي تسعى إليه كل دولة"، وفق ما نشر على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.

وجاء هذا اللقاء بعد أن مثّل المدّوري رئيس الدولة في اجتماعات اللجنة الفنية للاتحاد الإفريقي المتخصصة في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والتنمية الحضرية واللامركزية التي انعقدت ببلادنا منذ يوم 16 إلى غاية 20 من الشهر الجاري، وشكلت اللامركزية والعناية بالمناطق الداخلية في البلدان المنتمية للاتحاد الإفريقي أحد محاور هذا الاجتماع رفيع المستوى.

 معطيات ومؤشرات

ولئن أكد رئيس الحكومة خلال إشرافه على الاجتماع الوزاري في نفس المناسبة، على أن الحكومة التونسية تعكف على متابعة تنفيذ عدد من المشاريع تهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية الموجهة للمواطن والمؤسسة على حد سواء، بما سيفضي على المدى المنظور إلى رقمنة الإجراءات الإدارية بنسبة 88% وتدعيم اللامركزية بنسبة 40%، فإن معطيات ومؤشرات عملية أخرى تراهن عليها السلطة القائمة اليوم بهدف بلورة هذا التوجه برامج وأنشطة ومشاريع شاملة لعدة قطاعات ومجالات، تتجاوز ما تبينه الأرقام والنسب تؤكد أن مساعي الدولة لتحويل اللامركزية إلى حقيقة في كامل ربوع الجمهورية هي الخط الذي يسطر عمل الحكومة ومهام المؤسسة التشريعية ودور المجالس المحلية والجهوية في ظل التقسيم الجديد للدولة إلى أقاليم وجهات خاصة أن الفصل 133 من دستور 2022 ينص على أنه "تمــارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـــّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون".

ففي القطاع الصحي تعمل الدولة على تشجيع التمركز الصحي في المناطق الداخلية بالعمل على توفير بيئة مناسبة للأطباء والمختصين في جميع الاختصاصات للبقاء والعمل، واستجابة أفضل للاحتياجات المحلية عبر تطوير البنية التحتية الصحية بناءً على احتياجات السكان في كل منطقة، وفق ما تعمل على تكريسه وزارة الصحة وسبق أن أكده وزير الصحة مصطفى الفرجاني في عديد المناسبات وذلك في سياق تجسيد توجه الدولة الاجتماعي وتقريب الخدمات من المواطنين في كل مناطق الجمهورية وضمان التمركز الصحي في المناطق الداخلية.

والأمر نفسه تقريبا ما انفكت تعمل على تكريسه وزارة النقل خلال المرحلة الأخيرة، رغم الصعوبات ومحدودية الإمكانيات اللوجيستية، وذلك من أجل فك عزلة بعض الجهات والمناطق وتوفير القدر الأدنى من خدمات النقل المدرسي أو غيرها لأبناء عديد المناطق فضلا عن العمل على ضبط مشاريع النهوض بقطاع النقل بجميع أنواعه الحديدي أو غيره والعمل من أجل تعزيز أساطيل النقل وتفعيل بعض المشاريع المعطلة في الغرض، لعل من أبرزها تأكيد وزير النقل رشيد العامري مؤخرا، أنه تم مؤخرا عقد اجتماع للنظر في تسريع انطلاق مشروع مترو صفاقس في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

كما أفاد المدّوري في تطرقه لنفس المسألة أنه في تونس "يتم العمل أيضا على تقريب الخدمات الإدارية من المتعاملين مع الإدارة وتحسين النفاذ إليها من خلال إحداث دور خدمات إدارية موزعة على كامل تراب الجمهورية، وأنّه يتمّ الاشتغال حاليا على تجربة هي الأولى من نوعها في تونس تتمثل في تركز دور خدمات رقمية تهدف إلى تقريب الخدمات الإدارية من المواطنين خاصة بالمناطق الداخلية بما يمثل تكريسا جديدا للتكامل بين مساري اللامركزية والتحول الرقمي للإدارة". خاصة أن التوجهات الإستراتيجية للدولة في نفس الإطار تمحورت حول الإدماج الرقمي والمالي لتحقيق الإدماج الاجتماعي وذلك من خلال تطوير معدل النفاذ إلى شبكات الاتصال بمختلف الجهات والعمل على تطوير وتنويع وسائل الدفع الالكتروني بما يساهم في تيسير الوصول إلى الخدمات الالكترونية جهويا ومحليا، وفق تأكيد رئيس الحكومة.

 ديناميكية شاملة

 وقد قدمت حكومة المدّوري إلى حد الآن عديد المبادرات العملية، وذلك في تناغم مع المبادرات التشريعية وتوجه المجلس الوطني للجهات والأقاليم وعمل ونشاط المجالس المحلية والجهوية، التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الجهات والعمل على الحد من التفاوت الذي كان قائما بينها منذ عقود. الأمر الذي من شأنه أن يخلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية خاصة في ظل وجود توجهات وقرارات تهدف للقضاء على التشغيل الهش مقابل تيسير بعث المبادرات والمشاريع الاستثمارية داخل الجهات حسب خصوصية كل جهة والتي تترجمها الشركات الأهلية في توجه للبناء والإصلاح القاعدي وضمان مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والاستثمار والتنمية بين مختلف مناطق وجهات الجهورية. يأتي ذلك في إطار سياسة إصلاحية شاملة تهدف لتحقيق العدالة بين مختلف مناطق الجمهورية خاصة أن السياسة الإصلاحية التي انطلقت الحكومة في تنفيذها مبنية بالأساس على ما هو اجتماعي من ناحية وتعصير التصرف في رأس المال البشري والإدارة من ناحية ثانية. فضلا عن البرامج التي أعدتها وزارات أخرى في إطار تعميم السكن الاجتماعي والسكن اللائق في كامل جهات الجمهورية وخلق مواطن التنمية والاستثمار وتطوير البنية التحتية والعناية بالبيئة والاستثمار في القطاع الفلاحي والطاقي وغيرها.

وهو ما من شأنه أن يفسح المجال للكفاءات التي تزخر بها بلادنا في مختلف المجالات للانخراط في مشروع إعادة البناء للدولة وفق مقاييس اللامركزية وتحقيق العدالة والتوازن بين جميع الجهات بما يساهم في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية سيكون المواطن التونسي المستفيد الأول منها.