إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح.. "وصم" التمويل الأجنبي

من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي هو المسؤولية الفردية عن الجرائم، بمعنى عدم جواز معاقبة أي شخص عن جريمة لم يرتكبها، أو تعميم جريمته بشكل مسبق ودون إدانة مبنية على مؤيدات وأدلة قاطعة على كل من يتقاطع معه في النشاط أو المهام.

إلا أنه وبعد فتح ملف تمويل الجمعيات وخاصة التمويل الأجنبي المشبوه أصبحت كل الجمعيات محلّ شكّ وملاحقة بوصم التمويل المشبوه في ذهن المجتمع، وهذا الحكم يبدو قاسيا وغير عادل، فليست كل الجمعيات مشبوهة ولا كلها أنشطتها مريبة ومثيرة للشكوك، ولا كلها موّلت الإرهاب واقترفت أفعالا غير قانونية، حتى يصبح التأثيم جماعيا!

لا جدال في أن هناك جمعيات اقترفت تجاوزات واخلالات وخرقت القانون أو حادت عن نشاطها الأصلي أو تورّطت في جرائم خطيرة، ولكن ذلك لا ينفي حقيقة أن بعض الجمعيات الأخرى بذلت مجهودات خارقة للدفاع عن بعض الفئات الهشة وحماية حقوقها وتحسين عدّة أوضاع مزرية ودعم الحرّيات، وساهمت بقوّة في بناء الوعي المجتمعي في عدّة قضايا، ولئن كانت هناك جمعيات أخلّت بدورها كما يضبطه القانون أو تم توظيفها لغايات معينة، فإن ذلك لا يبرّر عملية التجريم الجماعي ولا الوصم الذي يمكن أن يجهز على كل نشاط مدني، ويمكن أن يغذّي تيار شيطنة النشطاء في المجتمع المدني الذي يبقى دائما إحدى أهم الركائز التي تنهض من خلالها المجتمعات وتتقدّم. وقد رأينا الدور الكبير الذي لعبه المجتمع المدني من خلال المنظمات والجمعيات في الدفاع عن قيم الجمهورية وفي مؤازرة مجهود الدولة في الأزمات والكوارث وفي تحسين حياة الناس في المناطق المهمّشة والمنسية!.

ولا جدال أيضا أن من تورّط في تلقي تمويلات مشبوهة لمأرب معين بهدف تحقيق أهداف ترتقي إلى أفعال مجرّمة بالقانون يتحمّل مسؤوليته كاملة أمام القضاء في محاكمة عادلة، إلا أن ارتكاب البعض لتجاوزات لا يجب أن يكون مطية للتأثيم الجماعي خاصة أن مسألة تلقي تمويلات أجنبية ليس تجاوزا بحدّ ذاته وفق منطوق المرسوم 88  المنظّم لعمل الجمعيات والذي كرّس نظام التصريح لتأسيس الجمعيات ومنحها حقّ قبول التبرّعات والهبات والوصايا من دول أجنبية ومؤسسات ومنظمات وهيئات إقليمية ودولية باعتماد أساليب مختلفة مثل الدعم والتمويل المباشر لمشاريع وبرامج هذه الجمعيات أو في إطار اتفاقيات تعاون مبرمة بين تونس والجهات المانحة لتمويل أنشطة ذات صبغة مدنية..

وإذا كانت هناك جمعيات وأفراد أساؤوا استخدام الحق في التمويل الأجنبي وتورّطوا في أعمال منافية للقانون، فذلك لا يعني بالضرورة أن الجميع قد فعل ذلك وأن كل الجمعيات التي تلقت تمويلات أجنبية خرقت القانون واستعملتها في أنشطة مشبوهة !

وحتى التقارير الرقابية التي تم انجازها في الغرض أدانت عديد الجمعيات والمنظمات ولكن ليست كلها، بما في ذلك محكمة المحاسبات التي ذكرت أن 566 جمعية لم تلتزم بإعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر، بما يعني ضمنيا أن هناك جمعيات كانت تُخضع نفسها للرقابة والتي يجب الاعتراف اليوم أنها لم تكن رقابة محكمة رغم مجهودات لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي، وهو ما يستدعي اليوم في التعديلات المقترحة لتنقيح مرسوم الجمعيات أن تتم الموازنة بين حرية العمل الجمعياتي وتشجيع الجمعيات الجادّة والرقابة على تمويلاتها ونظمها المالية بما يعزّز دور الجمعيات في تحقيق التنمية وبثّ الوعي وحماية الفئات الهشّة.

منية العرفاوي

من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي هو المسؤولية الفردية عن الجرائم، بمعنى عدم جواز معاقبة أي شخص عن جريمة لم يرتكبها، أو تعميم جريمته بشكل مسبق ودون إدانة مبنية على مؤيدات وأدلة قاطعة على كل من يتقاطع معه في النشاط أو المهام.

إلا أنه وبعد فتح ملف تمويل الجمعيات وخاصة التمويل الأجنبي المشبوه أصبحت كل الجمعيات محلّ شكّ وملاحقة بوصم التمويل المشبوه في ذهن المجتمع، وهذا الحكم يبدو قاسيا وغير عادل، فليست كل الجمعيات مشبوهة ولا كلها أنشطتها مريبة ومثيرة للشكوك، ولا كلها موّلت الإرهاب واقترفت أفعالا غير قانونية، حتى يصبح التأثيم جماعيا!

لا جدال في أن هناك جمعيات اقترفت تجاوزات واخلالات وخرقت القانون أو حادت عن نشاطها الأصلي أو تورّطت في جرائم خطيرة، ولكن ذلك لا ينفي حقيقة أن بعض الجمعيات الأخرى بذلت مجهودات خارقة للدفاع عن بعض الفئات الهشة وحماية حقوقها وتحسين عدّة أوضاع مزرية ودعم الحرّيات، وساهمت بقوّة في بناء الوعي المجتمعي في عدّة قضايا، ولئن كانت هناك جمعيات أخلّت بدورها كما يضبطه القانون أو تم توظيفها لغايات معينة، فإن ذلك لا يبرّر عملية التجريم الجماعي ولا الوصم الذي يمكن أن يجهز على كل نشاط مدني، ويمكن أن يغذّي تيار شيطنة النشطاء في المجتمع المدني الذي يبقى دائما إحدى أهم الركائز التي تنهض من خلالها المجتمعات وتتقدّم. وقد رأينا الدور الكبير الذي لعبه المجتمع المدني من خلال المنظمات والجمعيات في الدفاع عن قيم الجمهورية وفي مؤازرة مجهود الدولة في الأزمات والكوارث وفي تحسين حياة الناس في المناطق المهمّشة والمنسية!.

ولا جدال أيضا أن من تورّط في تلقي تمويلات مشبوهة لمأرب معين بهدف تحقيق أهداف ترتقي إلى أفعال مجرّمة بالقانون يتحمّل مسؤوليته كاملة أمام القضاء في محاكمة عادلة، إلا أن ارتكاب البعض لتجاوزات لا يجب أن يكون مطية للتأثيم الجماعي خاصة أن مسألة تلقي تمويلات أجنبية ليس تجاوزا بحدّ ذاته وفق منطوق المرسوم 88  المنظّم لعمل الجمعيات والذي كرّس نظام التصريح لتأسيس الجمعيات ومنحها حقّ قبول التبرّعات والهبات والوصايا من دول أجنبية ومؤسسات ومنظمات وهيئات إقليمية ودولية باعتماد أساليب مختلفة مثل الدعم والتمويل المباشر لمشاريع وبرامج هذه الجمعيات أو في إطار اتفاقيات تعاون مبرمة بين تونس والجهات المانحة لتمويل أنشطة ذات صبغة مدنية..

وإذا كانت هناك جمعيات وأفراد أساؤوا استخدام الحق في التمويل الأجنبي وتورّطوا في أعمال منافية للقانون، فذلك لا يعني بالضرورة أن الجميع قد فعل ذلك وأن كل الجمعيات التي تلقت تمويلات أجنبية خرقت القانون واستعملتها في أنشطة مشبوهة !

وحتى التقارير الرقابية التي تم انجازها في الغرض أدانت عديد الجمعيات والمنظمات ولكن ليست كلها، بما في ذلك محكمة المحاسبات التي ذكرت أن 566 جمعية لم تلتزم بإعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر، بما يعني ضمنيا أن هناك جمعيات كانت تُخضع نفسها للرقابة والتي يجب الاعتراف اليوم أنها لم تكن رقابة محكمة رغم مجهودات لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي، وهو ما يستدعي اليوم في التعديلات المقترحة لتنقيح مرسوم الجمعيات أن تتم الموازنة بين حرية العمل الجمعياتي وتشجيع الجمعيات الجادّة والرقابة على تمويلاتها ونظمها المالية بما يعزّز دور الجمعيات في تحقيق التنمية وبثّ الوعي وحماية الفئات الهشّة.

منية العرفاوي