تونس-الصباح
الشركة الوطنية للسكك الحديدية مؤسسة وطنية ساهمت منذ الاستقلال في النهوض بالاقتصاد الوطني من خلال نقل البضائع وخاصة نقل الفسفاط، بالإضافة إلى دورها الأساسي في نقل المسافرين. إلا أن هذه الشركة العريقة تشكو اليوم من عديد الهنات ما أثر على وضعها المالي حتى أنها باتت غير قادرة على توفير المعدات الضرورية من قطع غيار ومحركات ما جعلها تقوم بدورها بكثير من الصعوبات.
ضمن سلسلة ملفاتها تفتح "الصباح" في عدد اليوم ملف الشركة الوطنية للسكك الحديدية، للاطلاع على مشاكلها، من خلال أراء عدد من المواطنين إضافة إلى بعض إطاراتها، كما تحدثنا مع كاتب عام النقابة الخصوصية صلبها.
وحول وضع المؤسسة المالي وبرنامج الإصلاح وافتنا إدارة الشركة بجملة من المعطيات. أما فيما يخص سبل النهوض بها وبرنامج الإصلاح الممكن وطرق تنفيذه حاورت "الصباح" الباحث في الشؤون الجيوإستراتيجية واللوجستيك الشامل وسام الأسود.
ملف من إعداد: حنان قيراط
إلغاء خطوط وسفرات.. وخدمات رديئة
وخلال استطلاع "الصباح" لأراء عدد من المسافرين على متن قطار المنستير-تونس، عبروا عن غضبهم من عدم انتظام الرحلات وتأخرها المتواصل، حيث أفادنا (سيف) وهو موظف من ولاية سوسة أنه في كل مرة ودون سابق إعلام يتم إلغاء سفرات قطار سوسة - تونس ما يحتم عليه انتظار قطار المنستير ليصل إلى عمله بكثير من التأخير.
ومن جانبه كشف "احمد" وهو طالب أن رواد قطار سوسة قد امضوا على أكثر من عريضة احتجاجا على تكرر توقف رحلات قطار سوسة، عرائض الهدف منها، حسب تأكيده، إبلاغ أصواتهم لإدارة الشركة لإيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة المتكررة.
وعلى متن قطار صفاقس تونس أكدت السيدة (أمل) أنها لأول مرة تمتطي القطار وأنها لن تكرر هذه التجربة أبدا، لأن رحلتها من صفاقس في اتجاه العاصمة دامت أكثر من 9 ساعات، مشيرة إلى أن تأخر وصول القطار في الموعد جعلها تفوت موعدها الذي انتظرته لأشهر مع الطبيب.
ومن جانبه أفاد (ح. م) أحد إطارات الشركة أنه لم يتصور يوما أن تصل المؤسسة إلى ما هي عليه اليوم، مبينا أنه ابن الشركة أبا عن جد حيث جاب عديد المناطق أثناء رحلة عمله، إذ لاحظ أن العائلة الحديدية أنجبت الإطارات في كافة المجالات، وبين أن والده كان يحدثه عن الشركة حتى صارت جزءا من حياته، تعلم منها الانضباط واحترام أوقات العمل والحفاظ على سمعتها ومكتسباتها. وبين أنه اليوم وفي ظل انعدام الرقابة والضمير المهني باتت الشركة تفتقر لليد العاملة المختصة، حيث تم تقليص عدد العمال بنسبة كبيرة مقارنة بالموظفين الإداريين، بالإضافة إلى النقص الفادح في العربات الجارة والمجرورة، وخاصة في قطع الغيار ما تسبب في تقلص الأسطول وتراجع الخطوط والرحلات.
وكشف محدثنا أن اكبر معضلة هو الاعتماد على شركات خاصة لإنجاز عديد الأعمال كالصيانة والإصلاح مما يتسبب في خسائر كبيرة للشركة، في حين يمكن لأعوانها إنجازها بأقل من ذلك بكثير، مشددا على أن ما وصلت إليه "الشومينو" بسبب سوء تقدير المسؤولين للأمور أو محاولة التفصي من المسؤولية في ظل غياب الرقابة.
وكشف محدثنا أن الوضع أدى إلى خسارة الشركة للعديد من عقود النقل لمواد مختلفة كالحديد والإسمنت والحبوب... مؤكدا أن ما زاد الطين بلة هو انعدام الدورات التكوينية والتربصات العلمية والنفسية للأعوان، وهو ما يتطلب تنقيح القانون الأساسي للشركة بهدف كسر الجمود في الترقيات وهذا من شأنه تحفيز الأعوان على مزيد البذل والعمل.
وأكد الإطار بالشركة الوطنية للسكك الحديدية أن من أوكد الإجراءات التي يتوجب على الإدارة اتخاذها الاعتماد على خبراء في التصرف والتخطيط من أجل رسم مستقبل الشركة عبر فتح آفاق جديدة لتنمية مواردها.
وفي ذات السياق تحدث الإطار بالمؤسسة ويدعى (هشام) لـ"الصباح" عن الاعتداءات المتكررة من قبل بعض التلاميذ والمراهقين على القطارات ما يتسبب في خسائر جمة وتعطل السفرات وخروج بعض القطارات عن الخدمة إلى حين القيام بعملية الإصلاح التي قد تتطلب وقتا إلى حين توفير قطع الغيار.
رئيس الجمهورية:خراب وفساد بالنقل الحديدي
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد أدّى منذ سنة وتحديدا خلال شهر نوفمبر من السنة 2023، زيارة إلى مستودع القطارات بنابل.
وقال إن "الخراب قد ضرب أهم مرفق من المرافق العمومية"، مشيرا إلى الخسائر الفادحة التي لحقت بالشركة التونسية للسكك الحديدية من خلال القطارات والعربات التي يتم الاحتفاظ بها في المستودعات دون أن تتم رسكلتها.
وتابع رئيس الجمهورية بالقول إن "عربات القطارات ملقاة على السكة وهذا إهدار للمال العام وضرب للمرفق العمومي للنقل.. ويني وزارة النقل؟ الدولة فلسوها."
كما أدى الرئيس أيضا زيارة غير معلنة إلى مستودع القطارات بجبل جلود ومحطة المترو الخفيف بتونس البحرية وكان ذلك خلال شهر مارس من العام الحالي،أين عاين حالة وسائل النقل وظروف صيانتها.
وشدّد رئيس الدولة على "ضرورة وضع حدّ للخراب والفساد الذي يشكوه هذا المرفق العمومي الأساسي"، مشيرا إلى أن أكثر العربات مُهملة وتحوّلت إلى ركام من الحديد الذي أصابه الصدأ ولم يعد صالحا للاستعمال في حين يعاني المواطنون من أجل التنقل.
وذكر الرئيس عديد الأمثلة عن الفساد الذي عرفه قطاع النقل منذ عقود من بينها السكة الحديدية للمترو الخفيف التي تم وضعها بعد أن خسرت المجموعة الوطنية آلاف المليارات ثم وقع ردمها في شارع "جان جوريس" وشارع "لوي براي" بتونس العاصمة نتيجة لتدخل المتنفذين آنذاك داخل السلطة، بالإضافة إلى اقتناء عربات مترو تُفتح أبوابها دون مستوى الرصيف داخل المحطات، أو اقتناء عربات عجلاتها لا تتناسب مع مقاييس السكة الحديدية.
كاتب عام النقابة الخصوصية للشركة الوطنية للسكك الحديدية لـ"الصباح": توفير قطع الغيار أكثر من عاجل.. ولابد من إرادة حقيقية للإصلاح
وللاطلاع أكثر على ما تعيش على وقعه الشركة الوطنية للسكك الحديدية حاورت "الصباح" كاتب عام النقابة الخصوصية للشركة نجيب الجلاصي الذي اعتبر أن المؤسسة تمر بأزمة كبيرة جدا متعددة الأوجه.
اهتراء البنية التحتية والأسطول
أكد الجلاصي أن من أبرز أوجه الأزمة إهتراء البنية التحتية وعدم توفر قطع الغيار، إلى جانب تقادم الأسطول سواء بالنسبة للقاطرات أو عربات نقل المسافرين أو البضائع. مبينا أنه وبالنسبة لنقل الفسفاط تم شراء 10 قاطرات جديدة خلال 2018 بالإضافة إلى شراء 10 قاطرات أخرى مع بداية 2019، وهي قاطرات تشتغل على الخط 13 الرابط بين صفاقس-قفصة وصفاقس-قابس وقفصة -قابس وهي قاطرات خاصة بنقل الفسفاط فقط وهذه القطارات بدورها في حاجة لقطع الغيار حتى تواصل عملها في أفضل حالاتها، وكشف أن حل أزمة قطع غيار قاطرات الفسفاط من شأنه أن يعيد نقل الفسفاط إلى ما تحقق خلال 2010 .
وشدد كاتب عام النقابة الخصوصية أن سلطة الإشراف غير منكبة على ملف إصلاح الشركة والنهوض بها، مؤكدا أن المؤسسة قادرة في غضون 7 أشهر فقط على تغطية تكلفة شراء قطع الغيار لإصلاح القاطرات القديمة وعربات نقل البضائع وخاصة الفسفاط، لاسيما وأن رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد أكد في أكثر من مناسبة على أهمية النهوض بنقل الفسفاط الذي يمثل ثروة وطنية ورافعة اقتصادية، كما تم تناول هذا الملف خلال مجلس للأمن القومي ترأسه رئيس الجمهورية ما يؤكد أهمية ملف نقل الفسفاط لأعلى هرم السلطة.
قاطرات لنقل المسافرين عمرها أكثر من 40 سنة
وشدد مصدرنا أن توفير كل الإمكانيات المالية لشراء قطع الغيار يعد مطلبا عاجلا، ومن شأنه لا فقط دعم نقل الفسفاط بل وأيضا إنعاش قطاع نقل المسافرين، مشيرا إلى أن هناك قاطرات لنقل المسافرين عمرها أكثر من 40 سنة.
واعتبر أن توفير قطع الغيار حجر أساس التغيير الكلي لأداء الشركة الوطنية للسكك الحديدية.
وعن الإجراءات والخطوات الآجلة فقد اعتبر مصدرنا أنه من الضروري تدعيم الأسطول بقاطرات وعربات جديدة، ومبادرة سلطة الإشراف بإطلاق طلب عروض في أقرب وقت ممكن لأن الشراءات تأخذ الكثير من الوقت.
وأشار كاتب عام النقابة الخصوصية للشركة الوطنية للسكك الحديدية نجيب الجلاصي إلى أن "برنامج إنعاش المؤسسة واضح إلا أنه لا وجود لإرادة حقيقية للنهوض بهذا المرفق الوطني الحيوي، إذ الوعود كثيرة إلا أن تكريسها على أرض الواقع لم يتم إلى اليوم رغم توصيات رئيس الجمهورية للنهوض بهذا المرفق العمومي الحيوي."
واعتبر محدثنا أن أكبر دليل على تهميش سلطة الإشراف للشركة هو عدم وجود ممثل عنها صلب مجلس إدارة الشركة وفي المقابل أيضا لا وجود لممثل عن الشركة لدى الوزارة.
الأمر 1039 أكبر مكبل للمؤسسات الوطنية
وشدد الجلاصي أن الأمر عدد 1039 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية يعد أكبر مكبل للمؤسسات العمومية الوطنية كونه يعيق الشراءات العاجلة بسبب طول مدة الإجراءات وتشعبها، في حين أنه من المهم، وفق قوله، الاتصال مباشرة بمصنع القاطرات والعربات والحصول على قطع الغيار دون إطلاق طلب عروض على اعتبار انه، وفي الغالب، يعود المزود الوسيط، الذي رست عليه الصفقة، للمصنع لتوفير القطع المطلوبة لكن بسعر مرتفع، مستدركا بالقول إن اتجاه الشركة مباشرة نحو المصنع سيوفر الكثير من الوقت والموارد ويمكن من إصلاح الاعطاب في وقت قياسي.
وواصل مصدرنا مؤكدا على أن الحل يكمن في منح الأذون اللازمة للشركة للقيام بالاقتناءات المباشرة من الشركة المصنعة نظرا لخصوصية الشركة الوطنية للسكك الحديدية خاصة وأن أسعار قطع الغيار في ارتفاع مستمر والتأخير من شأنه أن يزيد في إثقال كاهل الشركة بخسائر أكبر لاسيما مع توقف عمل العديد من الخطوط.
صيانة السكة
وأبرز نجيب الجلاصي أن سكة القطارات قد تقادمت وتتطلب التغيير إلا أن وضع الشركة المالي لا يسمح بذلك في الوقت الراهن، ما يجعل هذه الخطوة من الخطوات الآجلة، في حين أن الخطوة العاجلة هو صيانة السكة ووضع العوارض التي تمكن القطارات من السير وعبور التقاطعات بسرعة.
توفير قطع الغيار ينعش الشركة بنسبة 70%
واعتبر مصدرنا أن توفير قطع الغيار في أقرب وقت مع صيانة السكة من شأنه ضخ دماء جديدة في الشركة وإنعاشها بنسبة تقارب 70%، وهو ما يتطلب الإسراع بإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
مبينا أن إصلاح عربات نقل الفسفاط سيوفر السيولة اللازمة للشركة لتنفيذ برنامج إصلاح شامل وعميق يعيد لها بريقها، علما وأن توفير قطع الغيار سيمكن من إعادة استغلال أكثر من 300 عربة، حسب تأكيد محدثنا.
وعن عودة الحياة لقطارات نقل المسافرين بين كاتب عام النقابة الخصوصية أن الأمر يتطلب شراء حوالي 30 محركا على الأقل ما سيضمن انتظام سير جزء كبير من قطارات الخطوط البعيدة.
الشركة الوطنية للسكك الحديدية لـ"الصباح": شراءات لتعزيز الأسطول.. ونحو نقل 4.5 ملايين طن من الفسفاط سنة 2025
وسعيا منا للوقوف على حقيقة الوضع بالشركة بعد بسط عديد الأطراف، التي تحدثنا إليها، المشاكل التي تعاني منها الشركة، اتصلنا بإدارة الشركة التي أفادتنا بجملة من المعطيات تتعلق ببرنامج الشراءات والصيانة، ومساعي النهوض بنقل الفسفاط والوضع المالي للمؤسسة، كما كشفت عن حقيقة وجود مشروع أو برنامج إصلاح لتجاوز الصعوبات.
61 قطارا لنقل المسافرين على كل الخطوط
وعن الدور الأساسي للشركة وهو نقل المسافرين أفادتنا الشركة الوطنية للسكك الحديدية أن عدد قطارات خط الضاحية الجنوبية لتونس الرابط بين (تونس/الرياض) يبلغ 15 قطارا.
وبالنسبة لخطي الضاحية الغربية الرابطان بين تونس/بوقطفة-سيدي حسين وبين تونس/القباعة المبرمج تدشينه قريبا، والذي مازال في مرحلة التجارب، وضع على ذمتهما 28 قطارا، وقد كشف وزير النقل رشيد عمري أن العمل متواصل بشكل مكثف لاستكمال التجارب للاستغلال التدريجي للخط (D)من الشبكة الحديدية السريعة، الرابط بين تونس والقباعة عبر باردو، على أن يدخل هذا الخط حيز الاستغلال قبل موفى السنة الحالية لتأمين نقل ما لا يقل عن 20 ألف مسافر يوميا في مرحلة أولى، وهو ما يعادل وفق تعبيره طاقة استيعاب 50 حافلة أو 600 سيارة خاصة.
أما بالنسبة لخط أحواز الساحل الرابط بين كل من سوسة باب الجديد/المنستير/المهدية فقد أكدت مصالح الشركة لـ"الصباح" أنه قد تم وضع 6 قطارات على ذمة المسافرين.
في حين أن عدد قطارات الخطوط البعيدة في حدود 12 قطارا، وفق ذات المصدر.
تجديد شبكة نقل الفسفاط
وعن نقل الفسفاط فقد أفادتنا الشركة أن عدد قطارات نقل المادة كان يبلغ خلال سنة 2023 عدد 4 قطارات في اليوم، في حين أن هذا العدد قد ارتفع خلال سنة 2024 يبلغ معدل 5 قطارات فسفاط في اليوم.
كما كشف ذات المصدر عن وجود مشروع تجديد السكة وتقويتها على شبكة نقل الفسفاط بالجنوب، على أن ينطلق هذا المشروع، أي تجديد الجزء الأول من الشبكة الحديدية لنقل الفسفاط بالجنوب على طول (190 كم)، سنة 2025 بقيمة 166 مليون دولار.
عودة قطار نابل
كما أعلنت الشركة عن استئناف نشاط خط تونس- نابل ابتداء من يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 على أن يعود برنامج السفرات رسميا يوم الأربعاء 18 ديسمبر، وأرجعت الشركة أن سبب توقف قطار نابل منذ حوالي 6 أشهر يعود بالأساس لعدم توفر المعدات التي ما إن توفرت حتى عاد استغلال هذا الخط.
وضعية مالية صعبة
وأكد ذات المصدر لـ"الصباح" أن الوضعية المالية للشركة صعبة نظرا لاهتراء الأسطول وتقادمه وعدم الاستثمار في القطاع سواء في المعدات أو البنية التحتية منذ ما يزيد عن 10 سنوات، فضلا عن تدني جاهزية الأسطول إذ يتجاوز معدل عمر القاطرات والعربات على الخطوط البعيدة 35 سنة.
وكان الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية للسكك الحديدية قد صرح في حوار للإذاعة الوطنية خلال شهر جوان 2024 أن من بين 4 آلاف قاطرة لنقل الفسفاط 300 فقط منها صالحة للاستغلال، بعد أن كانت 140 قاطرة فقط.
وأفاد بأن باقي القطارات تستوجب صيانة كبيرة وأن الشركة تمر بوضعية مالية صعبة، لافتا إلى أن شراء قطع الغيار من الخارج يتطلب إمكانيات مالية كبيرة.
وتابع بالقول إن "الصيانة مرتبطة بتوفير الحد الأدنى من الإمكانيات المالية لتوفير قطع الغيار"، مضيفا أن "مديونية الشركة كبيرة تتراوح بين 900 وألف مليار ".
وعبر المدير العام السابق للشركة عن آماله بتحسن الوضعية المالية للشركة مع عودة إنتاج الفسفاط، مشيرا إلى أنهم سيتقدمون ببعض المطالب للدولة بخصوص توفير قطع الغيار، مؤكدا أن المشاريع الجديدة تستوجب توفير عدد أكبر من القطارات الجديدة لنقل الفسفاط أو المسافرين.
الشراءات المستقبلية
في المقابل وبشأن برنامج النهوض بالمؤسسة أكدت المعطيات التي تحصلت عليها "الصباح" أنه وبالإضافة إلى وجود برنامج سنوي لصيانة السكة وهو برنامج يضبط بالميزانية السنوية للشركة ويخص كامل الشبكة، فقد تمت برمجة اقتناء 110 عربات لنقل المسافرين على الخطوط البعيدة، إلى جانب اقتناء 6 قاطرات جر للخطوط البعيدة. ومن المبرمج كذلك اقتناء 400 عربة لنقل الفسفاط ومشتقاته.
ماذا عن برنامج الإصلاح؟
ووفق ذات المصدر فقد وقع إعداد برنامج أول لإصلاح الشركة الوطنية للسكك الحديدية، إلا أن البرنامج لم يحظ بالموافقة ما جعل إدارة الشركة تنكب على إعداد برنامج ثان مع البحث عن التمويلات اللازمة فضلا عن تحيين التقديرات.
جهود لتدعيم نقل الفسفاط..
وقد شهد نقل الفسفاط تطورا من سنة إلى أخرى حيث تم نقل 1.534.540 طنا من الفسفاط خلال 11 شهرا من سنة 2023، وقد عرفت هذه الكمية زيادة طفيفة خلال نفس الفترة من العام الحالي 2024 لتبلغ 1.541.336 طنا من المادة وذلك بسبب توقف الشحن بمنجم كاف الدور نتيجة الأمطار التي تهاطلت من 10 إلى 30 نوفمبر 2024، بالإضافة إلى التوقفات المتكررة لنشاط معمل تيفارت.
ووفق توقعات الشركة من المنتظر أن يصل حجم الفسفاط المنقول بواسطة القطارات خلال العام الحالي 2024 حوالي 1730000 طن.
وتوقعت ذات المصادر نقل 4.5 ملايين طن من الفسفاط بعد إصلاح أسطول العربات وتوفير قطع الغيار، علما أنه وفي سنة 2023 بلغ عدد القاطرات في الخدمة 16 قاطرة و408 عربات، وقد ارتفع هذا العدد سنة 2024 إلى 18 قاطرة و469 عربة، مع العلم أن هناك مشروعا لاقتناء 400 عربة جديد لنقل المادة.
نحو تحسين أداء الشركة
ومن المبرمج خلال العام القادم 2025 صيانة الأسطول وتأهيله حيث سيقع تدعيم نشاط نقل الفسفاط بالتنسيق بين الشركة ومختلف شركائها في المجال.
كما تعمل الشركة جاهدة بالتنسيق مع سلطة الإشراف ورئاسة الحكومة على تدارك وضعية الشركة وتحسين مستوى خدماتها عموما، وفق ما أفادتنا به مصادر عن إدارة المؤسسة.
باحث في الشؤون الجيوإستراتيجية واللوجستيك الشامل لـ"الصباح": تونس قادرة على تحقيق نمو يصل إلى 6% بفضل تجديد الشبكة والأسطول
للنهوض بأي قطاع لا غنى عن أراء المختصين والخبراء وفي هذا الإطار يتنزل اتصال "الصباح" بالباحث في الشؤون الجيوإستراتيجية واللوجستيك الشامل وسام الأسود الذي شرح بشكل تقني هنات الشركة الوطنية للسكك الحديدية حيث بين أن الشبكة الحديدية في تونس تقوم على التباعد المتري ما يعني أن الشبكة تستخدم بشكل أساسي التباعد المتري (1000ملم)، مما يحد من التوافق مع الشبكات الحديدية الدولية الأخرى التي تستخدم عادة التباعد النموذجي (standard 1435ملم).
واعتبر الباحث أنه من الجيد أن تتميز البنية التحتية بالتكامل حيث تقوم بوظيفة مزدوجة إذ تدير الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية مهمتين هما نقل الركاب والبضائع، مما يجعلها تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد، لاسيما في نقل المنتجات الزراعية والصناعية، إلا انه استدرك قائلا إن هذه البنية تؤدي عادة، ومن خلال استخدام نفس المسارات، إلى تسجيل تأخير في أوقات السفرات بالإضافة إلى وجود خطر التصادم.
ومن أبرز النقائص التي قدمها مصدرنا هي أن الشبكة الوطنية الحديدية تغطي بشكل أساسي المدن الكبرى الشمالية والساحلية وبعض المناطق الصناعية، في حين أن المناطق الداخلية تفتقر لهذه الخدمة الحيوية، مستعرضا المثال الأبرز ألا وهو تغطية الشركة الوطنية للسكك الحديدية لعدد من ضواحي تونس الكبرى مما يسهل التنقل اليومي بين المناطق الحضرية وشبه الحضرية، في حين أن هذه الخدمات غائبة تمامًا عن مدن أخرى، وخاصة الولايات والمدن الداخلية.
وبين الباحث في الشؤون الجيوإستراتيجية واللوجستيك أن الشركة تتكبد خسائر بسبب محدودية خدماتها على اعتبار أن برامج السفرات لا تتماشى دائمًا مع احتياجات المستخدمين، مما يثنيهم عن استخدام القطار مقابل التوجه نحو استخدام وسائل النقل الأخرى.
وشدد محدثنا على أن الخدمات الحالية للشركة الوطنية للسكك الحديدية لا تلبي بالكامل احتياجات المستخدمين سواء المسافرين أو المؤسسات الاقتصادية وذلك في ظل وجود عديد العيوب على رأسها تآكل البنية التحتية مما يؤثر على سلامة القطارات وانتظامها، مؤكدا حاجة العديد من الخطوط والمحطات إلى التجديد.
وقد أشار في ذات السياق إلى إهتراء أسطول القاطرات والعربات ما يجعله في حاجة متكررة للإصلاحات ما يكبد الشركة مصاريف مرتفعة، لاسيما في ظل نقص الاستثمارات لتحديث وصيانة الشبكة الحديدية وتدعيم الأسطول بقاطرات وعربات جديدة.
إدارة غير فاعلة
وبين وسام الأسود أنه وفي ظل غياب إستراتيجية واضحة للنهوض بالشركة، فإن أداءها يبقى دون المأمول وهو ما عمق الهوة بين الشركة وأعوانها من جهة، والشركة وحرفائها من جهة أخرى، إذ توجهوا وبسبب إلغاء السفرات وعدم انتظام الرحلات وسوء الخدمات- خاصة وأن أغلب القطارات مهترئة ومهددة بحصول اعطاب خلال القيام بالسفرات- نحو استعمال وسائل نقل أخرى وهو ما أثر على سمعة الشركة.
وبين أن نقص الشفافية بالشركة مع وجود قوانين ولوائح لا تتماشى والاحتياجات الحالية قد حد من القدرة على الابتكار والاستثمار وهذا من شأنه أيضا التأثير على صورة الشركة وعلى جهود تحديثها وتطويرها.
برنامج للتطوير باعتماد شراكات وازنة
وأكد الباحث في الشؤون الجيوإستراتيجية واللوجستيك الشامل وسام الأسود أن الشركة الوطنية للسكك الحديدية قادرة وباعتماد التعاون الثنائي بين تونس والصين على تحديث الشبكة الحديدية، مشيرا إلى أن اقتراحه للصين بالذات مبني على عدة ركائز وهي أساسا ما تتميز به الصين من خبرة ومعرفة في مجال النقل الحديدي كونها نفذت العديد من مشاريع السكة الحديدية في إفريقيا والعالم، ولديها من الخبرة ما يجعلها قادرة على إحداث خطوط عالية السرعة وأنظمة متكاملة للشبكة الحديدية الحديثة.
وقد أشاد الأسود بما تقدمه الشركات الصينية من أسعار تنافسية، مما يمكن تونس من تقليص التكلفة الإجمالية لمشروع تجديد السكة وتوسيع مسارها، مؤكدا بالقول "غالبًا ما تأتي التمويلات الصينية بشروط ميسرة ولا تمس بسيادة الدولة، وهو ما يجعلها من أبرز الشركاء المحتملين للقيام بهذا المشروع."
وبين أن الصين حريصة على تأسيس شراكات متوازنة من خلال انتهاجها لنهج استباقي لإقامة شراكات طويلة الأجل، وغالبًا ما تندمج في مشاريع تنمية شاملة تصب في مصلحة النقل الحديدي وكل القطاعات الاقتصادية ما سيمثل دفعا للاقتصاد الوطني إجمالا.
واعتبر أن الصين قادرة على أن تكون كشريك فاعل لتنفيذ مشروع تجديد الشبكة الحديدية وذلك من خلال سهولة الحصول على التمويل حيث تقدم المؤسسات المالية الصينية على غرار "بنك التنمية الصيني" قروضًا للبنية التحتية بشروط ميسرة، وهذا من شأنه أن يسهل تمويل مشاريع البنية في تونس.
وشدد على أن تونس ستستفيد بفضل هذا التعاون من نقل التكنولوجيا حيث يمكن أن يتيح هذا التعاون الوصول إلى تقنيات متقدمة في مجال سكك الحديد والاستفادة من التدريب للكفاءات التونسية، ما سيساهم في استدامة المشروع.
وبين أن الصين أشرفت على تشييد العديد من مشاريع السكك الحديدية في إفريقيا، مما يمنحها معرفة بالواقع والتحديات في المنطقة على غرار مشروع "تنزانيا-زامبيا" (TAZARA) على مسافة 1860 كيلومترًا، بالإضافة لإعادة تأهيل الخط الحديدي بين "ليفينغستون ولوساكا" بزمبيا بتكلفة أولية بلغت حوالي 300 مليون دولار، بدعم مالي صيني كبير، إلى جانب إحداثها للقطار السريع الإقليمي (TER) بالسنغال بتكلفة بلغت حوالي 1.2 مليار دولار وهو مشروع ربط "داكار بمطار بليز دياني الدولي"، والذي تم افتتاحه في عام 2019.
نقل الفسفاط عبر الأنابيب
ومن بين المقترحات التي قدمها الباحث لـ"الصباح" في ما يخص نقل الفسفاط، مقترح نقل الفسفاط عبر الأنابيب الهيدروليكية، مشيرا إلى أن هذا المقترح كان قد تقدم به سنة 2012 للمدير العام السابق لشركة فسفاط قفصة وأيضا لوزير الطاقة والمناجم السابق، مؤكدا أن المقترح لم يجد أي صدى.
وشرح أن نقل الفسفاط عبر الأنابيب الهيدروليكية تم اعتماده في استراليا منذ سنة 1967، كما اعتمد المغرب نفس التقنية لنقل الفسفاط الخام منذ سنة 2014 .
وأردف مبينا أن "Slurry Pipeline" تعد أنجع وسيلة لنقل الفسفاط في تونس حيث يمكن توفير حوالي 90% من التكلفة اللوجستية (نقل الحديدي) و30% من المياه المستعملة في المغاسل، مع خفض تكلفه العمالة والصيانة إلى 60% كما تمكن أيضا من التقليص من المضار البيئية كالتلوث الذي ينتج عن نقل الفسفاط عبر الوسائل التقليدية، مشيرا إلى أن المغرب يضخ عبر الأنابيب حوالي 38 مليون طن سنويا من الفسفاط الخام بعد أن كان يصدر حوالي 8 ملايين طن باستخدام القطارات .
وكشف وسام الأسود انه وبفضل تركيز تونس على تجديد قطاع لوجستي واحد وهو النقل الحديدي عبر إحداث شبكة نقل حديدي متوسط الحداثة- حتى لا نقول متطورة- تربط المناطق الداخلية بأريافها ومناطقها الجبلية بأهم المدن الشمالية والساحلية على طول 3000 كلم مع إنشاء أربعة محولات لوجستية اثنان في الشمال واثنان في الوسط والجنوب، ستحقق نموا اقتصاديا بمعدل يتراوح بين 4 و6% دون اعتبار مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى، واعتبر أن احد شروط تحقيق هذه النسبة هو أن تربط هذه الشبكة الحديدية بين جميع الموانئ البحرية والمطارات لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير.
النقل الحديدي من أوكد أولويات عمل وزار ة النقل
وللنهوض بالشركة الوطنية للسكك الحديدية ترأس وزير النّقل رشيد عامري مساء الاثنين 16 ديسمبر الحالي 2024 جلسة عمل خصصت لمتابعة المشاريع طور الانجاز والمستقبليّة للشركة الوطنيّة للسّكك الحديدية التونسيّة من حيث البنية التحتية والمعدات وذلك في إطار إستراتيجية الوزارة في النهوض بمنظومة النقل الحديدي الحضري وبين المدن وبمجاليه المتعلقين بنقل الأشخاص والبضائع وتحديدا نقل الفسفاط.
مشاريع الشركة
وتتضمن هذه المشاريع الشبكة الحديدية السريعة والخطوط الحضرية والخطوط البعيدة، حيث دعا وزير النقل إلى التسريع في تحيين الدراسات المتعلقة بالقسط الثاني من الشبكة الحديدية السريعة واستكمال الدراسات ذات الصلة بالخطوط الداخلية البعيدة لإحكام الربط بين مختلف الأقاليم والجهات بالبلاد من حيث الجدوى والتمويلات المتاحة، ومن بين هذه الخطوط:
- الخط الحديدي رقم 22 الرابط بين المكنين والمهدية.
- الخط الحديدي رقم 6 الرابط بين تونس والقلعة الخصبة.
- الخط الحديدي المتعلق بنقل الفسفاط.
وأسدى الوزير تعليماته بالتسريع في الإعلان عن طلبات العروض المتعلقة باقتناء المعدات الضرورية لتحسين جاهزيتها ومردوديتها والشروع الفوري في إنجاز المشاريع المنتهية دراستها.
ربط الموانئ بالسكة الحديدية
وبهدف إدماج مختلف أنماط النقل التي يكون فيها النقل الحديدي عنصرا أساسيا باعتبار مزاياه التفاضلية، وباعتبار القيمة المضافة التي يوفرها خدمة للاقتصاد الوطني، أوصى الوزير بالإسراع بربط المواني البحرية التجارية بالسكة الحديدية لتأمين نقل الحبوب وغيرها من البضائع.