إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هذا الأحد في قاعات السينما التونسية.. "قنطرة" .. مشهدية كوميدية ساخرة عن انكسارات الشباب ومجتمع زائف يحكمه المال

 

معادلة صعبة أجاد نسج خيوطها وليد مطار

تونس - الصباح

يبدو أن تجربة وليد مطار السينمائية الأحدث "قنطرة" مغامرة فنية كما هي مغامرة لأبطال العمل في أحداث سريعة كوميدية عن مجتمع ينخره الفساد، شبابه في مهب واقع مزري بملامح زائفة. يقول المخرج وليد مطار لـ"الصباح" إنه رغب في إنجاز فيلم للجمهور، وهي معادلة صعبة نسبياً لمخرج تربى في الجامعة التونسية لنوادي السينما وينتمي لسينما المؤلف. وصفة الجمهور تختلف في بهاراتها عن سينما وليد مطار، ومع ذلك يقدم "قنطرة" رؤيته الخاصة لسينما تشبه التونسيين ... فؤاد، "تيتا" وصفاء ثلاثة شباب نشاهدهم يومياً في شوارعنا على غرار معظم شخصيات "قنطرة". يكتب وليد مطار من روح الحياة، لا يزيف المشهد الحقيقي وإنما يضفي عليه مسحة من الدعابة والسخرية بتوقيع الفنان المخرج دون حكم أو رغبة في الموعظة. هو متعاطف ومتفهم لشخصياته، يكتبها وكأنها بيننا بأحلامها وانكساراتها. لسنا أمام مخرج "شرش" ونحن نشاهد "قنطرة"، لعل بعضنا يحب الروائي الطويل الأول لوليد مطار ويعتبره أنضج أعماله بعد تجربة سنوات في السينما الروائية والوثائقية القصيرة. وقد نرى في "قنطرة" الروائي الطويل الثاني في مسيرته أضعف فنياً مقارنة بـ"شرش"، ومع ذلك لا ننكر شجاعة المخرج التونسي في صناعة فيلم خارج مساحته المريحة والآمنة. يتقن وليد مطار شفرات السينما التجارية دون التنازل عن معايير الجودة الفكرية والجمالية. الرسالة لا تحتاج لعناوين مكثفة في "قنطرة"، نحن هنا في تونس اليوم، بلد شبابه يعاني التهميش، يبحث عن بديل ولا يجد السند في مجتمع تحكمه المادة والمظاهر الزائفة. الجميع يحلم بحياة "بابلو إسكوبار". هنا تكمن روح السخرية والدعابة، فالفيلم يجيد تقديم الوصفة الكوميدية لسينما واقعية اجتماعية دون ابتذال.

تتقن كاميرا وليد مطار التسلل في خفايا المجتمع الشبابي في بلادنا، تتماهى مع أوجاع هذه الفئة العمرية، ويشخصها مطار بدقة في أحداث الفيلم. "قنطرة" المحمل بالرمزية بداية من عنوانه إلى نهايات شخصياته الثلاث يرسم صورة عن تونس بتناقضاتها، يكشف الفيلم عن تأثير الطبقية على أحلام الشباب، وانعكاسات الأزمة الاقتصادية والثقافات الغربية على رؤية أبطاله للعالم. من مشاهد الفيلم الأولى يأخذنا وليد مطار لمكمن الداء، مخرج شاب يدعى "فؤاد" يأمل في استكمال تصوير فيلمه عن الكلاب الضالة في شوارع تونس، يحاول مساعدة صديقه مغني الراب "تيتا" في تصوير فيديو "هيب هوب"، ويستعين بفتاة من الأنستغرام "صفاء"، طالبة جامعية قادمة من الريف، تحلم بتغيير واقعها عن طريق بيع إكسسوارات من تصميمها وتصوير ومضات رخيصة الثمن. فيديو كليب على الطريقة الأمريكية: سيارة فارهة حمراء، فتاة أشبه بالسلعة، ومغني راب يردد عبارات على وتيرة واحدة. هم ثلاثة شباب يبحثون عن بديل لحياة الفقر والمشقة عن طريق الفن أو الشهرة أو السوشيال ميديا، لتغير عبوة مخدرات في البحر مجرى حياتهم ويتطلعون بعد إيجادها إلى الثراء الفاحش ببيع الممنوعات. الجسر أو "قنطرة رادس" ليلاً هي بطلنا الرابع في فيلم وليد مطار. بين ضاحيتي العاصمة الجنوبية والشمالية تظهر الاختلافات والتناقضات والحياة المزدوجة للجميع.

لا تغيب مفردات وليد مطار الجمالية والمكانية عن فيلمه الروائي الطويل الثاني "قنطرة": حياة الليل، البحر، انكسارات الشباب، ومسحة الكوميديا الساخرة في تشريح فني وجمالي متقن لراهن تونسي موجع.

يجسد أدوار "قنطرة" محمد أمين الحمزاوي، سيف عمران، سارة الحناشي، زهرة الشتيوي. وكان العرض العالمي الأول للفيلم ضمن فعاليات الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وتحديداً في مسابقة "آفاق السينما العربية"، ويشارك حالياً في أيام قرطاج السينمائية في منافسات المسابقة الوطنية. ومن المنتظر أن يطرح الأحد 22 ديسمبر في قاعات السينما التونسية.

نجلاء قموع

هذا الأحد في قاعات السينما التونسية..   "قنطرة" .. مشهدية كوميدية ساخرة عن انكسارات الشباب ومجتمع زائف يحكمه المال

 

معادلة صعبة أجاد نسج خيوطها وليد مطار

تونس - الصباح

يبدو أن تجربة وليد مطار السينمائية الأحدث "قنطرة" مغامرة فنية كما هي مغامرة لأبطال العمل في أحداث سريعة كوميدية عن مجتمع ينخره الفساد، شبابه في مهب واقع مزري بملامح زائفة. يقول المخرج وليد مطار لـ"الصباح" إنه رغب في إنجاز فيلم للجمهور، وهي معادلة صعبة نسبياً لمخرج تربى في الجامعة التونسية لنوادي السينما وينتمي لسينما المؤلف. وصفة الجمهور تختلف في بهاراتها عن سينما وليد مطار، ومع ذلك يقدم "قنطرة" رؤيته الخاصة لسينما تشبه التونسيين ... فؤاد، "تيتا" وصفاء ثلاثة شباب نشاهدهم يومياً في شوارعنا على غرار معظم شخصيات "قنطرة". يكتب وليد مطار من روح الحياة، لا يزيف المشهد الحقيقي وإنما يضفي عليه مسحة من الدعابة والسخرية بتوقيع الفنان المخرج دون حكم أو رغبة في الموعظة. هو متعاطف ومتفهم لشخصياته، يكتبها وكأنها بيننا بأحلامها وانكساراتها. لسنا أمام مخرج "شرش" ونحن نشاهد "قنطرة"، لعل بعضنا يحب الروائي الطويل الأول لوليد مطار ويعتبره أنضج أعماله بعد تجربة سنوات في السينما الروائية والوثائقية القصيرة. وقد نرى في "قنطرة" الروائي الطويل الثاني في مسيرته أضعف فنياً مقارنة بـ"شرش"، ومع ذلك لا ننكر شجاعة المخرج التونسي في صناعة فيلم خارج مساحته المريحة والآمنة. يتقن وليد مطار شفرات السينما التجارية دون التنازل عن معايير الجودة الفكرية والجمالية. الرسالة لا تحتاج لعناوين مكثفة في "قنطرة"، نحن هنا في تونس اليوم، بلد شبابه يعاني التهميش، يبحث عن بديل ولا يجد السند في مجتمع تحكمه المادة والمظاهر الزائفة. الجميع يحلم بحياة "بابلو إسكوبار". هنا تكمن روح السخرية والدعابة، فالفيلم يجيد تقديم الوصفة الكوميدية لسينما واقعية اجتماعية دون ابتذال.

تتقن كاميرا وليد مطار التسلل في خفايا المجتمع الشبابي في بلادنا، تتماهى مع أوجاع هذه الفئة العمرية، ويشخصها مطار بدقة في أحداث الفيلم. "قنطرة" المحمل بالرمزية بداية من عنوانه إلى نهايات شخصياته الثلاث يرسم صورة عن تونس بتناقضاتها، يكشف الفيلم عن تأثير الطبقية على أحلام الشباب، وانعكاسات الأزمة الاقتصادية والثقافات الغربية على رؤية أبطاله للعالم. من مشاهد الفيلم الأولى يأخذنا وليد مطار لمكمن الداء، مخرج شاب يدعى "فؤاد" يأمل في استكمال تصوير فيلمه عن الكلاب الضالة في شوارع تونس، يحاول مساعدة صديقه مغني الراب "تيتا" في تصوير فيديو "هيب هوب"، ويستعين بفتاة من الأنستغرام "صفاء"، طالبة جامعية قادمة من الريف، تحلم بتغيير واقعها عن طريق بيع إكسسوارات من تصميمها وتصوير ومضات رخيصة الثمن. فيديو كليب على الطريقة الأمريكية: سيارة فارهة حمراء، فتاة أشبه بالسلعة، ومغني راب يردد عبارات على وتيرة واحدة. هم ثلاثة شباب يبحثون عن بديل لحياة الفقر والمشقة عن طريق الفن أو الشهرة أو السوشيال ميديا، لتغير عبوة مخدرات في البحر مجرى حياتهم ويتطلعون بعد إيجادها إلى الثراء الفاحش ببيع الممنوعات. الجسر أو "قنطرة رادس" ليلاً هي بطلنا الرابع في فيلم وليد مطار. بين ضاحيتي العاصمة الجنوبية والشمالية تظهر الاختلافات والتناقضات والحياة المزدوجة للجميع.

لا تغيب مفردات وليد مطار الجمالية والمكانية عن فيلمه الروائي الطويل الثاني "قنطرة": حياة الليل، البحر، انكسارات الشباب، ومسحة الكوميديا الساخرة في تشريح فني وجمالي متقن لراهن تونسي موجع.

يجسد أدوار "قنطرة" محمد أمين الحمزاوي، سيف عمران، سارة الحناشي، زهرة الشتيوي. وكان العرض العالمي الأول للفيلم ضمن فعاليات الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وتحديداً في مسابقة "آفاق السينما العربية"، ويشارك حالياً في أيام قرطاج السينمائية في منافسات المسابقة الوطنية. ومن المنتظر أن يطرح الأحد 22 ديسمبر في قاعات السينما التونسية.

نجلاء قموع