تطوير السياسات القطاعية وتعصير البنية الأساسية في عدد من القطاعات مثل الصناعة والمناجم والسياحة والتكنولوجيا والطرقات والجسور والنقل ودفع الاستثمار الخاص وتحسين مناخ الأعمال، هي بعض من الرؤية الاقتصادية التي سترتكز عليها برامج الحكومة لسنة 2025 والتي تم على أساسها صيغة قانون المالية للسنة المقبلة.
وفي نفس الإطار تندرج كلمة رئيس الحكومة، كمال المدوري أمام مجلس نواب الشعب منذ أسابيع حين قال "إن نسبة النمو التي رسمتها الحكومة لسنة 2025 والمقدرة بـ3.2 بالمائة، نسبة طموحة تأخذ بعين الاعتبار حجم التحديات المرتبطة بإكراهات وضغوطات المالية العمومية وتوازناتها وبالمضي قدما في تكريس مبدأ التعويل على الذات وكذلك العوامل الخارجية ووقع التغيرات المناخية".
واعتبر المدوري "أن هذه النسبة واقعية وفي دائرة الممكن استنادا لجملة العوامل المشجعة على تحقيقها".
في حين يشير تقرير البنك الدولي الأخير حول الاقتصاد التونسي، الى توقع نسبة نمو خلال 2025 تصل نحو 2.3 بالمائة.
هذا التفاؤل وإن كان متباينا بين الحكومة والبنك الدولي، الا انه يعكس على ارض الواقع مؤشرات تفيد بتعافي الاقتصاد التونسي بعد تحقيق شوط مهم في تقليص قيمة القروض الخارجية، مقابل التعويل على الاقتراض الداخلي وهي سياسة يبدو أن الحكومة الحالية ستواصل انتهاجها في 2025.
قروض البنوك العمومية لفائدة الاقتصاد الوطني
وقد بلغ قائم قروض البنوك العمومية (لفائدة الاقتصاد الوطني)، منذ بداية السنة والى حدود شهر سبتمبر 2024 ما يناهز 35 مليار دينار، حسب معطيات نشرتها هيئة السوق المالية حول المؤسسات المدرجة في بورصة تونس.
ويتضح من خلال هذه الأرقام أن قائم قروض البنوك العمومية، قد سجل شبه استقرار (تراجع بنسبة 0,8 بالمائة) مقارنة بالفترة ذاتها من السنة المنقضية في وقت أشار فيه البنك المركزي الى تراجع هام لنسق تطور قائم القروض الموجهة للاقتصاد خلال سنة 2023 لتبلغ نسبته 2,7 بالمائة مقابل 7,7 بالمائة خلال سنة 2022.
وتتكفل البنوك العمومية بحصة مهمة في تمويل منشآت عمومية كبرى وقطاعات إستراتيجية حساسة وهو ما يندرج ضمن مهامها الأساسية كذراع مالي للدولة، ولكن نسب تطور تمويل هذه البنوك للاقتصاد الوطني قد عرف تباينا مهما.
النفاذ المباشر لتمويل البنك المركزي
كما تعتزم السلطات المالية خلال السنة القادمة مواصلة اللجوء للاقتراض الداخلي والنفاذ المباشر لتمويل البنك المركزي للحصول على تمويلات لفائدة الخزينة، إذ أقر مجلس نواب الشعب مؤخرا فصلا ضمن قانون المالية لسنة 2025 يتيح للبنك المركزي التونسي منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد في حدود مبلغ أقصاه 7 مليار دينار تُمنح دون فائدة موظفة، وتُسدد على 15 سنة منها 3 سنوات إمهال.
وقالت وزيرة المالية، سهام بوغديري نمصية، في مداخلة أمام البرلمان أن تونس ستحتاج خلال عام 2025 إلى تمويلات بقيمة 28,3 مليار دينار لتعبئة حاجيات الميزانية والإيفاء بالتزاماتها في توفير نفقات التصرف والأجور وسداد أقساط الديون الداخلية والخارجية. ووفق وزيرة المالية، ستسدد تونس خلال العام القادم ديوناً بقيمة 24,6 مليار دينار.
أفاد الخبير الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية، محمد صالح العياري بأن الأطراف السياسية التي حكمت بعد 2011 لم تأت بتصورات اقتصادية بل انشغلت بالصراعات من أجل الاستقطاب والتموقع مقابل إهمال كل ما هو اقتصادي واجتماعي ومن هذا المنطلق حمّل كثير من التونسيين النخبة السياسية التي حكمت عشرية ما بعد الثورة ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد من انهيار للعملة وتفقير الطبقة الوسطى وتعطل أبرز القطاعات التي يرتكز عليها لاقتصاد الوطني كإنتاج الفسفاط والسياحة.
وشدد العياري على أن جل السياسات الاقتصادية كانت خاطئة طيلة السنوات التي تلت الثورة، في المقابل الشعب هو من دفع ضريبة تلك السياسات، معتبرا أن خروج عموم التونسيين في 25 جويلية 2012 كان عفويا وناتجا عن الإحساس بالغبن والحرمان، لأن الأحزاب التي حكمت طيلة عشر سنوات هي طبقة انتهازية جاءت لخدمة مصالحها السياسية والبقاء في السلطة مهما كانت الكلفة الاقتصادية.
قرارات سياسية ذات أبعاد اقتصادية
وأكد العياري أنه بعد 25 جويلية هناك نوع من الاستقرار السياسي الذي سيدفع في اتجاه تحقيق تعاف اقتصادي، هذا الى جانب تعهد رئيس الجمهورية قيس سعيد، بمواصلة تطهير البلاد من الفساد في أول رد فعل له فور الإعلان عن التقديرات الأولية لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقال سعيد من مقر حملته الانتخابية وسط أنصاره، إنه سيعمل على تطهير البلاد من المفسدين ومن المتآمرين وأن الدولة ستستمر.
وأكد العياري أن هذا عامل إيجابي للنهوض بالبلاد وبناء اقتصاد وطني على أسس سليمة وهذا التمشي بدأ يتجسد من خلال اتخاذ قرارات سياسية ذات أبعاد اقتصادية سيكون لها أثر هام على مناخ الاستثمار مثل إلغاء الرخص وهذا تجسد في كلمة رئيس الحكومة أمام مجلس نواب الشعب حين تحدث عن تعزيز الاستثمارات خلال سنة 2025 والرفع من جاذبية الوجهة التونسية باعتبار أن الاستثمار هو المحرك الرئيسي للنموّ والقاطرة لتطوير هيكلة الاقتصاد وتحسين تنافسيته وذلك من خلال مراجعة المنظومة التشريعيّة للاستثمار لإزالة العوائق التي تحول دون تحفيز المبادرة الخاصة واستقطاب الباعثين في الأنشطة الواعدة والمجالات الإستراتيجية، وذلك ضمن نصّ قانوني جامع وموحّد وأفقي إلى جانب ما تضمّنه مشروع تنقيح مجلّة الصرف من امتيازات تفتح آفاقا واعدة لتحرير الطاقات، وخاصّة الشبابية منها.
حوكمة إنجاز المشاريع العمومية
ومن بين القرارات التي ثمنها الخبير في الجباية هو إقرار حوكمة جديدة لمتابعة إنجاز الاستثمارات العمومية والخاصة التي تشكو صعوبات وإيجاد الحلول المناسبة، وذلك لإيمان الحكومة بضرورة تحسين الوضع الاقتصادي واستحثاث نسق الاستثمار العمومي والخاصّ.
وفي هذا الإطار تم إحدث "لجنة المشاريع الكبرى" بمقتضى الأمر عدد497 لسنة 2024 يترأسها رئيس الحكومة لضبط الصيغ والإجراءات الخاصة بإنجاز المشاريع العمومية الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي وتسريع انجاز المشاريع العمومية المعطلة.
وتشير الأرقام الى تحسن في جلب الاستثمارات الخارجية حيث تم استقطاب استثمارات خارجية بقيمة 2125.9 مليون دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024 وفق ارقام وكالة النهوض بالاستثمار الخارجية التي كشفت عن تطورت الاستثمارات الخارجية بنسبة 14.4 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023.
وتعتزم تونس في سنة 2025 استقطاب استثمارات خارجية بقيمة 3400 مليون دينار على أن يصل هذا الرقم الى 4000 مليون دينار في سنة 2026.
وأشار العياري الى أن القطاع السياحي شهد انتعاشة خلال السنتين الأخيرتين بعد تسجيل ارتفاع في العائدات حيث تمكنت تونس من استقطاب حوالي 8.6 مليون سائح خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية ما أدى إلى تحقيق عائدات بلغت 6.2 مليار دينار، وتأتي هذه الأرقام مدفوعة بزيادة نسبتها 8.6 بالمائة في عدد السياح مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية إلى جانب ارتفاع العائدات بنسبة 6 بالمائة، مضيفا أن هناك مساعي لاستقطاب 9 مليون سائح خلال السنة القادمة.
وفي السياق نفسه اعتبر العياري أن تحويلات التونسيين بالخارج خلال التسعة أشهر الأولى من السنة الجارية والتي بلغت حوالي 7 مليار دينار هي احد مؤشرات عودة الثقة في الاقتصاد الوطني، بالإضافة الى عودة التحكم في العجز التجاري.
واعتبر أن توجه الحكومة الحالية لإرساء سياسة التعويل على الذات هو الخيار الأفضل خاصة وأنه لأكثر من سنتين تم تعليق التعامل مع صندوق النقد الدولي في المقابل نجحت الدولة في الإيفاء بتعهداتها وخلاص كل الديون الخارجية وقد أكدت ذلك وزيرة المالية حين تحدثت عن التحكم التدريجي في نسبة عجز الميزانية والإيفاء بكل التزامات الدولة وخاصة تسديد ديونها الداخلية والخارجية وتأمين نفقاتها وذلك في إطار تكريس سياسة التعويل على الذات من خلال حوكمة تعبئة موارد الميزانية ومواصلة ترشيد النفقات العمومية وتأمين السيولة الضرورية لتأدية النفقات بفضل وضع الآليات التي تمكن من متابعة السيولة وتقديرها وحسن التصرف فيها، غير أن الضغوط والإكراهات مازالت متواصلة مما يتطلب مواجهة التحديات لضمان التوازنات المالية والمحافظة على استدامة المالية العمومية.
تخفيض عجز الميزانية
وتسعى الحكومة إلى تخفيض عجز الميزانية إلى 5.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، سنة 2025، وفي هذا السياق أكدت وزيرة المالية أن الحكومة تسعى لجعل تونس وجهة آمنة ومستقرة للاستثمار وقد ساهمت جهود الحوكمة في استقرار ميزان الدفوعات واحتياطي العملة، مضيفة أن مشروع ميزانية 2025 يتطلب التزامات كبيرة من المالية العمومية لدعم القدرة الشرائية وتقليص الفوارق الاقتصادية .
وبينت أن المحافظة على استدامة المالية العمومية من خلال التحكم في عجز ميزانية الدولة وتفادي الانزلاقات المتعلقة بالمالية العمومية أهم رهانات هذه المرحلة حيث تعمل مهمة المالية على تنفيذ برامج متعددة تساهم في تعزيز استخلاص موارد الدولة وترشيد النفقات العمومية بما يمكن من التقليص التدريجي في عجز الميزانية ونسبة التداين وضبطها في مستويات معقولة ومستدامة، وفق تعبيرها.
كما تندرج إستراتجية وزارة المالية في إطار الحرص على مواصلة تكثيف المجهودات بهدف تفعيل الأولويات والبرامج التي تم ضبطها ضمن المحاور الإستراتجية المتمثلة في المحافظة على استدامة المالية العمومية واستعادة التوازنات المالية واسترجاع نسق النمو وتكريس أسس الدولة الاجتماعية وتدعيم الحوكمة وتعزيز المنظومة الإعلامية والتحول الرقمي وإدماج الاقتصاد الموازي ومقاومة التهرّب الجبائي والتهريب ومقاومة الفساد.
وفي تقدير عضو المجلس الوطني للجباية فإن لغة الأرقام تشير الى أن الاقتصاد التونسي في طريقه الى التعافي خاصة بعد تسجيل استقرار على رأس وزارة المالية مما أعطى للوزيرة الحالية إمكانية كبرى لتنفيذ برامجها ورؤيتها.
كما أشار العياري الى أن مراجعة جدول الضريبة على الدخل بالتخفيض في نسب الضريبة على الدخل أو الخصم من المورد معتبرا أن ذلك مهم ومساعد لهذه الشرائح وهو ما يعني أيضا أن الأجور ستزيد بصفة آلية بداية من شهر جانفي 2025.
جهاد الكلبوسي
تونس- الصباح
تطوير السياسات القطاعية وتعصير البنية الأساسية في عدد من القطاعات مثل الصناعة والمناجم والسياحة والتكنولوجيا والطرقات والجسور والنقل ودفع الاستثمار الخاص وتحسين مناخ الأعمال، هي بعض من الرؤية الاقتصادية التي سترتكز عليها برامج الحكومة لسنة 2025 والتي تم على أساسها صيغة قانون المالية للسنة المقبلة.
وفي نفس الإطار تندرج كلمة رئيس الحكومة، كمال المدوري أمام مجلس نواب الشعب منذ أسابيع حين قال "إن نسبة النمو التي رسمتها الحكومة لسنة 2025 والمقدرة بـ3.2 بالمائة، نسبة طموحة تأخذ بعين الاعتبار حجم التحديات المرتبطة بإكراهات وضغوطات المالية العمومية وتوازناتها وبالمضي قدما في تكريس مبدأ التعويل على الذات وكذلك العوامل الخارجية ووقع التغيرات المناخية".
واعتبر المدوري "أن هذه النسبة واقعية وفي دائرة الممكن استنادا لجملة العوامل المشجعة على تحقيقها".
في حين يشير تقرير البنك الدولي الأخير حول الاقتصاد التونسي، الى توقع نسبة نمو خلال 2025 تصل نحو 2.3 بالمائة.
هذا التفاؤل وإن كان متباينا بين الحكومة والبنك الدولي، الا انه يعكس على ارض الواقع مؤشرات تفيد بتعافي الاقتصاد التونسي بعد تحقيق شوط مهم في تقليص قيمة القروض الخارجية، مقابل التعويل على الاقتراض الداخلي وهي سياسة يبدو أن الحكومة الحالية ستواصل انتهاجها في 2025.
قروض البنوك العمومية لفائدة الاقتصاد الوطني
وقد بلغ قائم قروض البنوك العمومية (لفائدة الاقتصاد الوطني)، منذ بداية السنة والى حدود شهر سبتمبر 2024 ما يناهز 35 مليار دينار، حسب معطيات نشرتها هيئة السوق المالية حول المؤسسات المدرجة في بورصة تونس.
ويتضح من خلال هذه الأرقام أن قائم قروض البنوك العمومية، قد سجل شبه استقرار (تراجع بنسبة 0,8 بالمائة) مقارنة بالفترة ذاتها من السنة المنقضية في وقت أشار فيه البنك المركزي الى تراجع هام لنسق تطور قائم القروض الموجهة للاقتصاد خلال سنة 2023 لتبلغ نسبته 2,7 بالمائة مقابل 7,7 بالمائة خلال سنة 2022.
وتتكفل البنوك العمومية بحصة مهمة في تمويل منشآت عمومية كبرى وقطاعات إستراتيجية حساسة وهو ما يندرج ضمن مهامها الأساسية كذراع مالي للدولة، ولكن نسب تطور تمويل هذه البنوك للاقتصاد الوطني قد عرف تباينا مهما.
النفاذ المباشر لتمويل البنك المركزي
كما تعتزم السلطات المالية خلال السنة القادمة مواصلة اللجوء للاقتراض الداخلي والنفاذ المباشر لتمويل البنك المركزي للحصول على تمويلات لفائدة الخزينة، إذ أقر مجلس نواب الشعب مؤخرا فصلا ضمن قانون المالية لسنة 2025 يتيح للبنك المركزي التونسي منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد في حدود مبلغ أقصاه 7 مليار دينار تُمنح دون فائدة موظفة، وتُسدد على 15 سنة منها 3 سنوات إمهال.
وقالت وزيرة المالية، سهام بوغديري نمصية، في مداخلة أمام البرلمان أن تونس ستحتاج خلال عام 2025 إلى تمويلات بقيمة 28,3 مليار دينار لتعبئة حاجيات الميزانية والإيفاء بالتزاماتها في توفير نفقات التصرف والأجور وسداد أقساط الديون الداخلية والخارجية. ووفق وزيرة المالية، ستسدد تونس خلال العام القادم ديوناً بقيمة 24,6 مليار دينار.
أفاد الخبير الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية، محمد صالح العياري بأن الأطراف السياسية التي حكمت بعد 2011 لم تأت بتصورات اقتصادية بل انشغلت بالصراعات من أجل الاستقطاب والتموقع مقابل إهمال كل ما هو اقتصادي واجتماعي ومن هذا المنطلق حمّل كثير من التونسيين النخبة السياسية التي حكمت عشرية ما بعد الثورة ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد من انهيار للعملة وتفقير الطبقة الوسطى وتعطل أبرز القطاعات التي يرتكز عليها لاقتصاد الوطني كإنتاج الفسفاط والسياحة.
وشدد العياري على أن جل السياسات الاقتصادية كانت خاطئة طيلة السنوات التي تلت الثورة، في المقابل الشعب هو من دفع ضريبة تلك السياسات، معتبرا أن خروج عموم التونسيين في 25 جويلية 2012 كان عفويا وناتجا عن الإحساس بالغبن والحرمان، لأن الأحزاب التي حكمت طيلة عشر سنوات هي طبقة انتهازية جاءت لخدمة مصالحها السياسية والبقاء في السلطة مهما كانت الكلفة الاقتصادية.
قرارات سياسية ذات أبعاد اقتصادية
وأكد العياري أنه بعد 25 جويلية هناك نوع من الاستقرار السياسي الذي سيدفع في اتجاه تحقيق تعاف اقتصادي، هذا الى جانب تعهد رئيس الجمهورية قيس سعيد، بمواصلة تطهير البلاد من الفساد في أول رد فعل له فور الإعلان عن التقديرات الأولية لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقال سعيد من مقر حملته الانتخابية وسط أنصاره، إنه سيعمل على تطهير البلاد من المفسدين ومن المتآمرين وأن الدولة ستستمر.
وأكد العياري أن هذا عامل إيجابي للنهوض بالبلاد وبناء اقتصاد وطني على أسس سليمة وهذا التمشي بدأ يتجسد من خلال اتخاذ قرارات سياسية ذات أبعاد اقتصادية سيكون لها أثر هام على مناخ الاستثمار مثل إلغاء الرخص وهذا تجسد في كلمة رئيس الحكومة أمام مجلس نواب الشعب حين تحدث عن تعزيز الاستثمارات خلال سنة 2025 والرفع من جاذبية الوجهة التونسية باعتبار أن الاستثمار هو المحرك الرئيسي للنموّ والقاطرة لتطوير هيكلة الاقتصاد وتحسين تنافسيته وذلك من خلال مراجعة المنظومة التشريعيّة للاستثمار لإزالة العوائق التي تحول دون تحفيز المبادرة الخاصة واستقطاب الباعثين في الأنشطة الواعدة والمجالات الإستراتيجية، وذلك ضمن نصّ قانوني جامع وموحّد وأفقي إلى جانب ما تضمّنه مشروع تنقيح مجلّة الصرف من امتيازات تفتح آفاقا واعدة لتحرير الطاقات، وخاصّة الشبابية منها.
حوكمة إنجاز المشاريع العمومية
ومن بين القرارات التي ثمنها الخبير في الجباية هو إقرار حوكمة جديدة لمتابعة إنجاز الاستثمارات العمومية والخاصة التي تشكو صعوبات وإيجاد الحلول المناسبة، وذلك لإيمان الحكومة بضرورة تحسين الوضع الاقتصادي واستحثاث نسق الاستثمار العمومي والخاصّ.
وفي هذا الإطار تم إحدث "لجنة المشاريع الكبرى" بمقتضى الأمر عدد497 لسنة 2024 يترأسها رئيس الحكومة لضبط الصيغ والإجراءات الخاصة بإنجاز المشاريع العمومية الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي وتسريع انجاز المشاريع العمومية المعطلة.
وتشير الأرقام الى تحسن في جلب الاستثمارات الخارجية حيث تم استقطاب استثمارات خارجية بقيمة 2125.9 مليون دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024 وفق ارقام وكالة النهوض بالاستثمار الخارجية التي كشفت عن تطورت الاستثمارات الخارجية بنسبة 14.4 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023.
وتعتزم تونس في سنة 2025 استقطاب استثمارات خارجية بقيمة 3400 مليون دينار على أن يصل هذا الرقم الى 4000 مليون دينار في سنة 2026.
وأشار العياري الى أن القطاع السياحي شهد انتعاشة خلال السنتين الأخيرتين بعد تسجيل ارتفاع في العائدات حيث تمكنت تونس من استقطاب حوالي 8.6 مليون سائح خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية ما أدى إلى تحقيق عائدات بلغت 6.2 مليار دينار، وتأتي هذه الأرقام مدفوعة بزيادة نسبتها 8.6 بالمائة في عدد السياح مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية إلى جانب ارتفاع العائدات بنسبة 6 بالمائة، مضيفا أن هناك مساعي لاستقطاب 9 مليون سائح خلال السنة القادمة.
وفي السياق نفسه اعتبر العياري أن تحويلات التونسيين بالخارج خلال التسعة أشهر الأولى من السنة الجارية والتي بلغت حوالي 7 مليار دينار هي احد مؤشرات عودة الثقة في الاقتصاد الوطني، بالإضافة الى عودة التحكم في العجز التجاري.
واعتبر أن توجه الحكومة الحالية لإرساء سياسة التعويل على الذات هو الخيار الأفضل خاصة وأنه لأكثر من سنتين تم تعليق التعامل مع صندوق النقد الدولي في المقابل نجحت الدولة في الإيفاء بتعهداتها وخلاص كل الديون الخارجية وقد أكدت ذلك وزيرة المالية حين تحدثت عن التحكم التدريجي في نسبة عجز الميزانية والإيفاء بكل التزامات الدولة وخاصة تسديد ديونها الداخلية والخارجية وتأمين نفقاتها وذلك في إطار تكريس سياسة التعويل على الذات من خلال حوكمة تعبئة موارد الميزانية ومواصلة ترشيد النفقات العمومية وتأمين السيولة الضرورية لتأدية النفقات بفضل وضع الآليات التي تمكن من متابعة السيولة وتقديرها وحسن التصرف فيها، غير أن الضغوط والإكراهات مازالت متواصلة مما يتطلب مواجهة التحديات لضمان التوازنات المالية والمحافظة على استدامة المالية العمومية.
تخفيض عجز الميزانية
وتسعى الحكومة إلى تخفيض عجز الميزانية إلى 5.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، سنة 2025، وفي هذا السياق أكدت وزيرة المالية أن الحكومة تسعى لجعل تونس وجهة آمنة ومستقرة للاستثمار وقد ساهمت جهود الحوكمة في استقرار ميزان الدفوعات واحتياطي العملة، مضيفة أن مشروع ميزانية 2025 يتطلب التزامات كبيرة من المالية العمومية لدعم القدرة الشرائية وتقليص الفوارق الاقتصادية .
وبينت أن المحافظة على استدامة المالية العمومية من خلال التحكم في عجز ميزانية الدولة وتفادي الانزلاقات المتعلقة بالمالية العمومية أهم رهانات هذه المرحلة حيث تعمل مهمة المالية على تنفيذ برامج متعددة تساهم في تعزيز استخلاص موارد الدولة وترشيد النفقات العمومية بما يمكن من التقليص التدريجي في عجز الميزانية ونسبة التداين وضبطها في مستويات معقولة ومستدامة، وفق تعبيرها.
كما تندرج إستراتجية وزارة المالية في إطار الحرص على مواصلة تكثيف المجهودات بهدف تفعيل الأولويات والبرامج التي تم ضبطها ضمن المحاور الإستراتجية المتمثلة في المحافظة على استدامة المالية العمومية واستعادة التوازنات المالية واسترجاع نسق النمو وتكريس أسس الدولة الاجتماعية وتدعيم الحوكمة وتعزيز المنظومة الإعلامية والتحول الرقمي وإدماج الاقتصاد الموازي ومقاومة التهرّب الجبائي والتهريب ومقاومة الفساد.
وفي تقدير عضو المجلس الوطني للجباية فإن لغة الأرقام تشير الى أن الاقتصاد التونسي في طريقه الى التعافي خاصة بعد تسجيل استقرار على رأس وزارة المالية مما أعطى للوزيرة الحالية إمكانية كبرى لتنفيذ برامجها ورؤيتها.
كما أشار العياري الى أن مراجعة جدول الضريبة على الدخل بالتخفيض في نسب الضريبة على الدخل أو الخصم من المورد معتبرا أن ذلك مهم ومساعد لهذه الشرائح وهو ما يعني أيضا أن الأجور ستزيد بصفة آلية بداية من شهر جانفي 2025.