المطالب التنموية من بنية تحتية وحق في الشغل وعدالة اجتماعية بين المواطنين والجهات، كانت الدافع وراء تحركات ثورة الحرية والكرامة التي اندلعت ذات 17 ديسمبر 2010، بمدينة سيدي بوزيد بالوسط التونسي. احتجاجات سرعان ما توسعت وشملت أغلب مدن وقرى البلاد.. وانتهت بسقوط النظام وانطلاق مسار ثوري مبني على مطالب جميع الفئات من التونسيين.
ويتفق أغلب المحللين والاقتصاديين وحتى السياسيين أن المسار الثوري قد وفق ولو نسبيا في تركيز أنظمة سياسية مختلفة بدساتير ضامنة للحقوق والحريات، لكنه لم يوفق في بناء نظام اقتصادي يستجيب للمطالب التنموية التي من أجلها جاء هذا التغيير. ويمر اليوم 14 عاما عن اندلاع ثورة الحرية والكرامة،ولم تتمكن خلالها أي من الحكومات المتعاقبة على العودة بالأرقام ولو إلى مستوى السنة المرجع 2010.
مطالب تشغيل مؤجلة وبوادر انفراج
تشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء إلى استقرار نسبة البطالة خلال الثلاثي الثالث من السنة الجارية في حدود الـ16% ليكون أدنى معدل بطالة خلال أكثر من سنة. وقد عرفت سنة 2021 أعلاها حين وصلت نسبة البطالة إلى حدود الـ18%، وبتقدم مقارنة بـ2019 بنحو النقطة عندما كانت في حدود الـ 14.9% وأكثر بثلاث نقاط عن النسبة المعلنة خلال 2010 والتي كانت في حدود الـ 13%.
وكانت هذه النسبة مضاعفة في صفوف العاطلين عن العمل من حاملي الشهائد وخريجي الجامعات التونسية. كما تفاوتت نسب وحجم البطالة بين ولايات الجمهورية، حيث تصدرت منطقة الوسط الغربي معدلات البطالة الوطنية، وسجلت نسب بطالة في حدود الـ28.6%، تلاها الجنوب الغربي بـ 26.9%، فالجنوب الشرقي بنسبة 24.8%، وكانت أدنى نسب البطالة في المنطقة الشمالية حيث تراوحت بين 17.3% و17.8%.
ويمكن القول أن التقليص من نسب البطالة وتوفير فرص عمل للتونسيين، كان من مطالب الثورة وأحد أبرز أسباب خروج التونسيين ومطالبتهم بإسقاط النظام القائم إلى غاية 14 جانفي 2011، إلا أن نسبة البطالة تفاقمت بعد الثورة بدل تراجعها. وتشبثت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بقرار غلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية، ليبقى ملف التشغيل والعمل الهش الملف الأثقل اجتماعيا، وقد سعت كل حكومة خلال عشرية ما بعد الثورة إلى تصديره إلى الحومة التي تليها.
كما أنه ورغم ما رافق ذلك من ملفات حارقة خلال نفس الفترة، على غرار ملفات عمال وعاملات الحضائر والمعلمين والأساتذة النواب مثلا، من اتفاقيات وبرامج تسوية لوضعياتهم المهنية، وما انتهت إليه بعض التحركات على غرار احتجاجات "الكامور" والحوض المنجمي والمكناسي من تعهدات ووعود، لم تشهد ملفات العمل الهش مثلا بوادر انفراج إلا منذ نحو السنتين حين تم الانطلاق فعليا في تسوية وضعيات عمال وعاملات الحضائر دون الـ 45 عاما. وانطلقت وزارة التربية في تسوية ملفات المعلمين والأساتذة النواب واعتماد نظام التسوية على دفعات وتم تسوية وضعيات عدد من العاملين ضمن آليات هشة منها الآلية 16 والآلية 20. ويواصل آخرون تحركاتهم ومنهم أعوان المخابر والمرشدين والقيمين وعمال البيئة والغراسة في قبلي وتطاوين والأعوان العرضيين في الشركات البترولية وذلك على أمل أن تنصفهم قرارات التسوية والقطع النهائي مع كل أشكال العمل الهش التي كانت محور أكثر من لقاء جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس حكومته كمال المدّوري.
نمو ضعيف مع توقعات ايجابية
وعلى الأغلب يجد عجز الحكومات المتعاقبة في خلق مواطن شغل جديدة، تفسيره في نسب النمو المسجلة خلال الـ14 عاما الماضية، حيث استقر الوضع الاقتصادي في نسب نمو سلبية أو في حدود الـ 1%. إذ سجلت الثلاثية الثالثة للسنة الجارية أعلاها وكانت في حدود الـ 1.8%، وذلك في مقابل نسبة نمو في حدود الـ 3% خلال السنة المرجعية 2010.
وتتفق حكومة المدّوري والبنك الدولي، في نقطة توجه تونس نحو تحقيق نسب نمو أفضل خلال السنة القادمة. ويتوقع البنك الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي لتونس بشكل معتدل ليبلغ معدل 2.3% خلال 2025 – 2026، وفق ما أظهره تقريره الصادر تحت عنوان "الإنصاف والفاعلية في النظام الجبائي التونسي". ويبقى ذلك مرتبطا حسب نفس التقرير بتوقعات تتضمن احتمالات تراجع هامة تتعلق بشروط التمويل والطلب الخارجي والجفاف. في المقابل قال رئيس الحكومة كمال المدّوري، "إن نسبة النمو التي رسمتها الحكومة لسنة 2025 مقدرة بـ3.2%"، واعتبر أنها نسبة طموحة تأخذ بعين الاعتبار حجم التحديات المرتبطة وإكراهات وضغوطات المالية العمومية وتوازناتها والمضي قدما في تكريس مبدأ التعويل على الذات وكذلك العوامل الخارجية ووقع التغيرات المناخية". واعتبر المدوري، في إطار مناقشة مشروعي ميزانية الدولة والميزان الاقتصادي لسنة 2025، أن هذه النسبة واقعية وفي دائرة الممكن استنادا لجملة العوامل المشجعة على تحقيقها. والتي من أهمها، حسب نفس التصريح، الاستقرار السياسي والمؤسساتي والتحسن المستمر للاقتصاد الوطني بالرجوع إلى أغلب المؤشرات الاقتصادية ومكافحة الفساد ومعالجة المشاكل المرتبطة بقطاع الفسفاط وحلحلة المشاريع العمومية المعطلة.
وأضاف، في هذا السياق، أنه تم العمل منذ فترة على تعزيز ديناميكية الاستثمار العمومي من خلال تتالي الإجراءات والتشريعات الرامية إلى حلحلة مشاريع كبرى معطلة تم جردها ليصل عددها إلى 1126 تمكنت اللجان الجهوية والقطاعية من تسوية عدد منها ويتم العمل على تسوية المشاريع الباقية.
وأردف في سياق متصل أنه تم، أيضا، إعداد مشاريع ذات طابع استراتيجي من خلال صدور الأمر عدد 497 لسنة 2024 الذي سيوفر الإطار الأمثل لتوخي النجاعة والمردودية في ما يتعلق باعتماد التعاقد في هذا المجال وانجاز مشاريع ذات طابع استراتيجي دون المرور بالإجراءات المقيدة لمنظومة الصفقات العمومية.
وتابع:"كما تم اتخاذ جملة من الإجراءات لفائدة مؤسسات الأشغال العمومية والمتعاملين مع الإدارة بالتوازي مع استكمال النظر في مشروع أمر تم استكمال إعداده يقضي بمراجعة منظومة الصفقات العمومية، سيمكن من تدعيم دور الصفقات العمومية في تحقيق أهداف التنمية وإضفاء مرونة أكبر على إجراء إبرام الصفقات وتنفيذها ومراقبتها قصد إضفاء النجاعة والفاعلية في مجال الشراءات العمومية".
وسيتيح، كذلك، وفق رئيس الحكومة "دعم النسيج الاقتصادي خاصة من خلال دعم الحرفيين والشركات الأهلية والمؤسسات الصغرى والمتوسطة والمؤسسات الناشئة وتفعيل مبدأ المنتجات الوطنية."
وأكد المدّوري في ما يهم قطاع الفسفاط، أن كسب رهان الرفع من نسق الإنتاج وحلحلة إشكال النقل والمغاسل يعتبر من أوكد أولويات الدولة، مثمنا رفع الاعتصام بمغسلة الرديف والذي سيمكن من الاستعادة التدريجية لنسق الإنتاج. ولفت في هذا الصدد، إلى أنه سيتم الحرص على متابعة مشاريع التأهيل البيئي للوحدات الصناعية والشروع في تأهيل المغاسل إلى جانب توفير الاعتمادات لتعصير وسائل الإنتاج وتعهد واقتناء معدات نقل الفسفاط بحوالي 93 مليون دينار لسنة 2024 .
وأضاف أنه قد تم إعداد برنامج عمل لشركة فسفاط قفصة لسنة 2030-2025، لاستئناف نشاط مصنع المظيلة 2 وأشغال مغسلة أم الخشب وبرمجة خط إنتاج ثان في هذه المغسلة بطاقة إنتاج 1,6مليون طن سنويا.
في نفس الوقت، تبقى نسبة التضخم بعيدة عما بلغته في 2010 فبعد أن كانت في حدود الـ 3.3%، وصلت إلى الـ 9.3% في موفى أوت 2023 لتعاود التراجع سنة 2024 وتسجل نزولا متواصلا وتستقر في حدود الـ 6.6% خلال شهر نوفمبر بعد أن كانت في حدود 6,7% خلال شهر أكتوبر.
وحسب المعهد الوطني للإحصاء، يعود هذا بالأساس إلى انخفاض نسق تطور أسعار مجموعة المواد الغذائية (8.5% خلال شهر نوفمبر مقابل 9.3% في شهر أكتوبر). في مقابل شهدت أسعار مجموعة «المطاعم، المقاهي والفنادق» تسارعًا في نسق الزيادة، حيث ارتفعت بنسبة 11.1% في شهر أكتوبر مقابل 11.8% في شهر نوفمبر 2024.
فقر ولا مساواة بين الجهات
حسب آخر إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، سجلت نسبة الفقر في تونس ارتفاعا خلال سنوات ما بعد الثورة، ويُعتبر فقيراً كل شخص لم يتجاوز إنفاقه الاستهلاكي السنوي 2536 ديناراً. وعليه، بلغت نسبة الفقر 16.6% سنة 2021، مقابل 15.2% سنة 2015، 20.5% سنة 2010 و23.1% سنة 2005. واستقرّت نسبة الفقر المدقع خلال نفس الفترة، حيث قدّرت بـ 2.9%، وهي نفس نسبة سنة 2015. وتعكس قراءة النتائج حسب الجهات زيادة في نسبة الفقر في أغلب الأقاليم بين سنتي 2015 و2021، وذلك باستثناء إقليمي تونس الكبرى والشمال الغربي، حيث سجل هذا الأخير انخفاضا ملحوظا في نسبة الفقر (من 28.4% في سنة 2015 إلى 22.5% في سنة2021). ولا يزال الوسط الغربي الإقليم الأكثر فقرا في تونس حيث سجلت نسبة الفقر فيه 37% سنة 2021 مقابل 30.8% سنة 2015، وبالتالي تبقى الفجوة بينه وبين أقاليم الشريط الساحلي في مستويات مرتفعة.
وفوارق نسب الفقر بين الجهات، يكون لها انعكاسها الواضح على البنية التحتية ونسب انجاز المشاريع، وعلى نوعية الخدمات العمومية المقدمة ووضعية قطاع الصحة والنقل.
فتكشف تقارير حول قطاع الصحة في تونس، انه يعيش صعوبات عميقة تشمل البنية التحتية ووضعية المستشفيات ونقص حاد في الإطارات الطبية وشبه الطبية وهو أمر مطروح منذ ما قبل الثورة. ويبدو أنه لم يتم السعي جيدا إلى تدارك تلك النقائص أو إيجاد الحلول دون مزيد ترديها. وعلى امتداد السنوات الماضية كانت حكومات ما بعد الثورة تخص قطاع الصحة بميزانيات ضعيفة للغاية تتقلص من عام إلى آخر ولا تتجاوز نسبتها الـ 5% في الوقت الذي دعت منظمات المجتمع المدني إلى ترفيعها على الأقل إلى نسبة الـ 11%. مع العلم أن سنة 2023 وبصفة استثنائية عرفت الميزانية ارتفاعا بنحو 13% وكانت في حدود الـ 5.5% من حجم ميزانية الدولة. وحسب قانون المالية لسنة 2025 بلغت ميزانية وزارة الصحة 4 آلاف مليون دينار.
أما بالنسبة لقطاع النقل العمومي، فلا يختلف اثنان في تونس، أن الأسطول يشكو نقصا وحالة من العطالة المفرطة، خلف اكتظاظ وترديا في الخدمات.. وانه في كل مرة يكون خبر تحسين المواقيت ومزيد ضبطها من الأخبار غير القابلة للتحقيق. وحسب مرصد المجلس لا تمثل نفقات الاستثمار إلا 1% من حجم الميزانية المرصودة لوزارة النقل واللوجستيك سنة 2021. وهي نسبة لم تتحسن خلال السنتين الماضيتين. بل بالعكس تفيد تقارير وزارة النقل أن حجم الأسطول تراجع أكثر وأن النقل الحديدي في وضع كارثي. نقطة الضوء الوحيدة هي دخول قطار النقل السريع حيز التشغيل خلال شهر مارس 2023.
وتبقى عديد القرى والتجمعات السكنية في تونس، معزولة بسبب تردي وضعية البنية التحتية وتغافل مختلف المسؤولين المحليين والجهويين عن أولوية ربطها بالطريق العام وتمكين مواطنيها من حقهم في النقل والتنقل. فلا يتم إدراجها ضمن برامج التنمية المحلية ولا تكون ضمن مشاريع مد الطرقات أو حتى تهيئة المسالك الفلاحية.
لذلك تتجه الأنظار إلى تغير الدولة في سياستها خلال المرحلة القادمة خاصة في ظل تشديد رئيس الجمهورية في عديد المناسبات على ضرورة إيلاء المطالب الاجتماعية وتكريس العدالة في التنمية بين الجهات الأولوية في عمل السلطة التنفيذية، وانطلاق وزراء حكومة المدوري في العمل على إيجاد حلول لهذه النقائص خاصة أن مجلسي النواب والجهات والأقاليم يوجهان اهتمام عملها نحو تكريس الدولة الاجتماعية بما من شأنه أن يمكن من تحريك عامل التنمية في كامل جهات الجمهورية.
ريم سوودي
تونس- الصباح
المطالب التنموية من بنية تحتية وحق في الشغل وعدالة اجتماعية بين المواطنين والجهات، كانت الدافع وراء تحركات ثورة الحرية والكرامة التي اندلعت ذات 17 ديسمبر 2010، بمدينة سيدي بوزيد بالوسط التونسي. احتجاجات سرعان ما توسعت وشملت أغلب مدن وقرى البلاد.. وانتهت بسقوط النظام وانطلاق مسار ثوري مبني على مطالب جميع الفئات من التونسيين.
ويتفق أغلب المحللين والاقتصاديين وحتى السياسيين أن المسار الثوري قد وفق ولو نسبيا في تركيز أنظمة سياسية مختلفة بدساتير ضامنة للحقوق والحريات، لكنه لم يوفق في بناء نظام اقتصادي يستجيب للمطالب التنموية التي من أجلها جاء هذا التغيير. ويمر اليوم 14 عاما عن اندلاع ثورة الحرية والكرامة،ولم تتمكن خلالها أي من الحكومات المتعاقبة على العودة بالأرقام ولو إلى مستوى السنة المرجع 2010.
مطالب تشغيل مؤجلة وبوادر انفراج
تشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء إلى استقرار نسبة البطالة خلال الثلاثي الثالث من السنة الجارية في حدود الـ16% ليكون أدنى معدل بطالة خلال أكثر من سنة. وقد عرفت سنة 2021 أعلاها حين وصلت نسبة البطالة إلى حدود الـ18%، وبتقدم مقارنة بـ2019 بنحو النقطة عندما كانت في حدود الـ 14.9% وأكثر بثلاث نقاط عن النسبة المعلنة خلال 2010 والتي كانت في حدود الـ 13%.
وكانت هذه النسبة مضاعفة في صفوف العاطلين عن العمل من حاملي الشهائد وخريجي الجامعات التونسية. كما تفاوتت نسب وحجم البطالة بين ولايات الجمهورية، حيث تصدرت منطقة الوسط الغربي معدلات البطالة الوطنية، وسجلت نسب بطالة في حدود الـ28.6%، تلاها الجنوب الغربي بـ 26.9%، فالجنوب الشرقي بنسبة 24.8%، وكانت أدنى نسب البطالة في المنطقة الشمالية حيث تراوحت بين 17.3% و17.8%.
ويمكن القول أن التقليص من نسب البطالة وتوفير فرص عمل للتونسيين، كان من مطالب الثورة وأحد أبرز أسباب خروج التونسيين ومطالبتهم بإسقاط النظام القائم إلى غاية 14 جانفي 2011، إلا أن نسبة البطالة تفاقمت بعد الثورة بدل تراجعها. وتشبثت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بقرار غلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية، ليبقى ملف التشغيل والعمل الهش الملف الأثقل اجتماعيا، وقد سعت كل حكومة خلال عشرية ما بعد الثورة إلى تصديره إلى الحومة التي تليها.
كما أنه ورغم ما رافق ذلك من ملفات حارقة خلال نفس الفترة، على غرار ملفات عمال وعاملات الحضائر والمعلمين والأساتذة النواب مثلا، من اتفاقيات وبرامج تسوية لوضعياتهم المهنية، وما انتهت إليه بعض التحركات على غرار احتجاجات "الكامور" والحوض المنجمي والمكناسي من تعهدات ووعود، لم تشهد ملفات العمل الهش مثلا بوادر انفراج إلا منذ نحو السنتين حين تم الانطلاق فعليا في تسوية وضعيات عمال وعاملات الحضائر دون الـ 45 عاما. وانطلقت وزارة التربية في تسوية ملفات المعلمين والأساتذة النواب واعتماد نظام التسوية على دفعات وتم تسوية وضعيات عدد من العاملين ضمن آليات هشة منها الآلية 16 والآلية 20. ويواصل آخرون تحركاتهم ومنهم أعوان المخابر والمرشدين والقيمين وعمال البيئة والغراسة في قبلي وتطاوين والأعوان العرضيين في الشركات البترولية وذلك على أمل أن تنصفهم قرارات التسوية والقطع النهائي مع كل أشكال العمل الهش التي كانت محور أكثر من لقاء جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس حكومته كمال المدّوري.
نمو ضعيف مع توقعات ايجابية
وعلى الأغلب يجد عجز الحكومات المتعاقبة في خلق مواطن شغل جديدة، تفسيره في نسب النمو المسجلة خلال الـ14 عاما الماضية، حيث استقر الوضع الاقتصادي في نسب نمو سلبية أو في حدود الـ 1%. إذ سجلت الثلاثية الثالثة للسنة الجارية أعلاها وكانت في حدود الـ 1.8%، وذلك في مقابل نسبة نمو في حدود الـ 3% خلال السنة المرجعية 2010.
وتتفق حكومة المدّوري والبنك الدولي، في نقطة توجه تونس نحو تحقيق نسب نمو أفضل خلال السنة القادمة. ويتوقع البنك الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي لتونس بشكل معتدل ليبلغ معدل 2.3% خلال 2025 – 2026، وفق ما أظهره تقريره الصادر تحت عنوان "الإنصاف والفاعلية في النظام الجبائي التونسي". ويبقى ذلك مرتبطا حسب نفس التقرير بتوقعات تتضمن احتمالات تراجع هامة تتعلق بشروط التمويل والطلب الخارجي والجفاف. في المقابل قال رئيس الحكومة كمال المدّوري، "إن نسبة النمو التي رسمتها الحكومة لسنة 2025 مقدرة بـ3.2%"، واعتبر أنها نسبة طموحة تأخذ بعين الاعتبار حجم التحديات المرتبطة وإكراهات وضغوطات المالية العمومية وتوازناتها والمضي قدما في تكريس مبدأ التعويل على الذات وكذلك العوامل الخارجية ووقع التغيرات المناخية". واعتبر المدوري، في إطار مناقشة مشروعي ميزانية الدولة والميزان الاقتصادي لسنة 2025، أن هذه النسبة واقعية وفي دائرة الممكن استنادا لجملة العوامل المشجعة على تحقيقها. والتي من أهمها، حسب نفس التصريح، الاستقرار السياسي والمؤسساتي والتحسن المستمر للاقتصاد الوطني بالرجوع إلى أغلب المؤشرات الاقتصادية ومكافحة الفساد ومعالجة المشاكل المرتبطة بقطاع الفسفاط وحلحلة المشاريع العمومية المعطلة.
وأضاف، في هذا السياق، أنه تم العمل منذ فترة على تعزيز ديناميكية الاستثمار العمومي من خلال تتالي الإجراءات والتشريعات الرامية إلى حلحلة مشاريع كبرى معطلة تم جردها ليصل عددها إلى 1126 تمكنت اللجان الجهوية والقطاعية من تسوية عدد منها ويتم العمل على تسوية المشاريع الباقية.
وأردف في سياق متصل أنه تم، أيضا، إعداد مشاريع ذات طابع استراتيجي من خلال صدور الأمر عدد 497 لسنة 2024 الذي سيوفر الإطار الأمثل لتوخي النجاعة والمردودية في ما يتعلق باعتماد التعاقد في هذا المجال وانجاز مشاريع ذات طابع استراتيجي دون المرور بالإجراءات المقيدة لمنظومة الصفقات العمومية.
وتابع:"كما تم اتخاذ جملة من الإجراءات لفائدة مؤسسات الأشغال العمومية والمتعاملين مع الإدارة بالتوازي مع استكمال النظر في مشروع أمر تم استكمال إعداده يقضي بمراجعة منظومة الصفقات العمومية، سيمكن من تدعيم دور الصفقات العمومية في تحقيق أهداف التنمية وإضفاء مرونة أكبر على إجراء إبرام الصفقات وتنفيذها ومراقبتها قصد إضفاء النجاعة والفاعلية في مجال الشراءات العمومية".
وسيتيح، كذلك، وفق رئيس الحكومة "دعم النسيج الاقتصادي خاصة من خلال دعم الحرفيين والشركات الأهلية والمؤسسات الصغرى والمتوسطة والمؤسسات الناشئة وتفعيل مبدأ المنتجات الوطنية."
وأكد المدّوري في ما يهم قطاع الفسفاط، أن كسب رهان الرفع من نسق الإنتاج وحلحلة إشكال النقل والمغاسل يعتبر من أوكد أولويات الدولة، مثمنا رفع الاعتصام بمغسلة الرديف والذي سيمكن من الاستعادة التدريجية لنسق الإنتاج. ولفت في هذا الصدد، إلى أنه سيتم الحرص على متابعة مشاريع التأهيل البيئي للوحدات الصناعية والشروع في تأهيل المغاسل إلى جانب توفير الاعتمادات لتعصير وسائل الإنتاج وتعهد واقتناء معدات نقل الفسفاط بحوالي 93 مليون دينار لسنة 2024 .
وأضاف أنه قد تم إعداد برنامج عمل لشركة فسفاط قفصة لسنة 2030-2025، لاستئناف نشاط مصنع المظيلة 2 وأشغال مغسلة أم الخشب وبرمجة خط إنتاج ثان في هذه المغسلة بطاقة إنتاج 1,6مليون طن سنويا.
في نفس الوقت، تبقى نسبة التضخم بعيدة عما بلغته في 2010 فبعد أن كانت في حدود الـ 3.3%، وصلت إلى الـ 9.3% في موفى أوت 2023 لتعاود التراجع سنة 2024 وتسجل نزولا متواصلا وتستقر في حدود الـ 6.6% خلال شهر نوفمبر بعد أن كانت في حدود 6,7% خلال شهر أكتوبر.
وحسب المعهد الوطني للإحصاء، يعود هذا بالأساس إلى انخفاض نسق تطور أسعار مجموعة المواد الغذائية (8.5% خلال شهر نوفمبر مقابل 9.3% في شهر أكتوبر). في مقابل شهدت أسعار مجموعة «المطاعم، المقاهي والفنادق» تسارعًا في نسق الزيادة، حيث ارتفعت بنسبة 11.1% في شهر أكتوبر مقابل 11.8% في شهر نوفمبر 2024.
فقر ولا مساواة بين الجهات
حسب آخر إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، سجلت نسبة الفقر في تونس ارتفاعا خلال سنوات ما بعد الثورة، ويُعتبر فقيراً كل شخص لم يتجاوز إنفاقه الاستهلاكي السنوي 2536 ديناراً. وعليه، بلغت نسبة الفقر 16.6% سنة 2021، مقابل 15.2% سنة 2015، 20.5% سنة 2010 و23.1% سنة 2005. واستقرّت نسبة الفقر المدقع خلال نفس الفترة، حيث قدّرت بـ 2.9%، وهي نفس نسبة سنة 2015. وتعكس قراءة النتائج حسب الجهات زيادة في نسبة الفقر في أغلب الأقاليم بين سنتي 2015 و2021، وذلك باستثناء إقليمي تونس الكبرى والشمال الغربي، حيث سجل هذا الأخير انخفاضا ملحوظا في نسبة الفقر (من 28.4% في سنة 2015 إلى 22.5% في سنة2021). ولا يزال الوسط الغربي الإقليم الأكثر فقرا في تونس حيث سجلت نسبة الفقر فيه 37% سنة 2021 مقابل 30.8% سنة 2015، وبالتالي تبقى الفجوة بينه وبين أقاليم الشريط الساحلي في مستويات مرتفعة.
وفوارق نسب الفقر بين الجهات، يكون لها انعكاسها الواضح على البنية التحتية ونسب انجاز المشاريع، وعلى نوعية الخدمات العمومية المقدمة ووضعية قطاع الصحة والنقل.
فتكشف تقارير حول قطاع الصحة في تونس، انه يعيش صعوبات عميقة تشمل البنية التحتية ووضعية المستشفيات ونقص حاد في الإطارات الطبية وشبه الطبية وهو أمر مطروح منذ ما قبل الثورة. ويبدو أنه لم يتم السعي جيدا إلى تدارك تلك النقائص أو إيجاد الحلول دون مزيد ترديها. وعلى امتداد السنوات الماضية كانت حكومات ما بعد الثورة تخص قطاع الصحة بميزانيات ضعيفة للغاية تتقلص من عام إلى آخر ولا تتجاوز نسبتها الـ 5% في الوقت الذي دعت منظمات المجتمع المدني إلى ترفيعها على الأقل إلى نسبة الـ 11%. مع العلم أن سنة 2023 وبصفة استثنائية عرفت الميزانية ارتفاعا بنحو 13% وكانت في حدود الـ 5.5% من حجم ميزانية الدولة. وحسب قانون المالية لسنة 2025 بلغت ميزانية وزارة الصحة 4 آلاف مليون دينار.
أما بالنسبة لقطاع النقل العمومي، فلا يختلف اثنان في تونس، أن الأسطول يشكو نقصا وحالة من العطالة المفرطة، خلف اكتظاظ وترديا في الخدمات.. وانه في كل مرة يكون خبر تحسين المواقيت ومزيد ضبطها من الأخبار غير القابلة للتحقيق. وحسب مرصد المجلس لا تمثل نفقات الاستثمار إلا 1% من حجم الميزانية المرصودة لوزارة النقل واللوجستيك سنة 2021. وهي نسبة لم تتحسن خلال السنتين الماضيتين. بل بالعكس تفيد تقارير وزارة النقل أن حجم الأسطول تراجع أكثر وأن النقل الحديدي في وضع كارثي. نقطة الضوء الوحيدة هي دخول قطار النقل السريع حيز التشغيل خلال شهر مارس 2023.
وتبقى عديد القرى والتجمعات السكنية في تونس، معزولة بسبب تردي وضعية البنية التحتية وتغافل مختلف المسؤولين المحليين والجهويين عن أولوية ربطها بالطريق العام وتمكين مواطنيها من حقهم في النقل والتنقل. فلا يتم إدراجها ضمن برامج التنمية المحلية ولا تكون ضمن مشاريع مد الطرقات أو حتى تهيئة المسالك الفلاحية.
لذلك تتجه الأنظار إلى تغير الدولة في سياستها خلال المرحلة القادمة خاصة في ظل تشديد رئيس الجمهورية في عديد المناسبات على ضرورة إيلاء المطالب الاجتماعية وتكريس العدالة في التنمية بين الجهات الأولوية في عمل السلطة التنفيذية، وانطلاق وزراء حكومة المدوري في العمل على إيجاد حلول لهذه النقائص خاصة أن مجلسي النواب والجهات والأقاليم يوجهان اهتمام عملها نحو تكريس الدولة الاجتماعية بما من شأنه أن يمكن من تحريك عامل التنمية في كامل جهات الجمهورية.