إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تحليل اخباري.. بين سوريا وليبيا.. سيناريوهات متشابهة مع اختلاف المواقيت.. وتعددّ اللاعبين الإقليميين

بقلم: سفيان رجب

تونس-الصباح

على مدار العقد الماضي، كانت كل من سوريا وليبيا شاهدتين على تطورات دراماتيكية عميقة أثرت على استقرار الدولتين وعلى مستقبل المنطقة العربية بأسرها من شمال المتوسط الى الشرق الاوسط. ورغم الاختلافات الظاهرة بين الحالتين، فإن التشابهات اللافتة في الأسباب والتداعيات تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: لماذا تمر الدول العربية دون غيرها بهذه الأزمات؟ وكيف ساهمت الأطراف الإقليمية في تشكيل هذه المسارات المأساوية؟

البداية.. احتجاجات شعبية ومسارات معقدة

بعد الثورة التونسية التي انطلقت يوم 17 ديسمبر 2010 وانتهت بفرار الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد، انطلقت شرارة الربيع العربي في عدد من الدول العربية الأخرى منها مصر واليمن وليبيا وسوريا حيث انطلقت الأحداث جميعها في 2011 من احتجاجات شعبية تطالب بالحرية والكرامة في ظل أنظمة استبدادية قمعية استمرت لعقود، لكن المسار الذي اتخذته الأمور في كل بلد كان مختلفًا.

نقط التشابه عديدة خاصة بين ما جرى في ليبيا وسوريا سابقا حيث أدى التدخل العسكري بقيادة "الناتو" إلى إسقاط نظام معمر القذافي، ما ترك البلاد في حالة فراغ سياسي وأمني استغلته الميليشيات والجماعات المتطرفة. أما في سوريا، فقد سيطر النظام مرحليا على الثورة رغم خسارته لبعض المناطق والمدن التي سيطر عليها الثوار ودول، مما فتح المجال أمام حرب إقليمية ودولية بالوكالة.

دول إقليمية محرك للصراع أم وسيط للسلام؟

في ليبيا وسوريا، لعبت الدول الإقليمية دورًا محوريًا في تأجيج النزاعات في كلا البلدين، لكن طبيعة تدخلاتها اختلفت.

ففي ليبيا كانت الدول الإقليمية، مثل الإمارات ومصر، داعمةً للقوى التي تمثل الاستقرار العسكري (خليفة حفتر)، بينما دعمت دول أخرى، مثل تركيا وقطر، حكومة الوفاق الوطني في طرابلس. هذه التدخلات عززت الانقسام الداخلي، وأدت إلى استدامة الصراع بدلاً من حله.

أما سوريا، فقد أصبحت ساحة مواجهة إقليمية ودولية. دعمت إيران وروسيا النظام السوري بعتاد عسكري ودعم سياسي، في حين دعمت تركيا ودول الخليج وبعض الدول الغربية فصائل المعارضة.هذه التدخلات الإقليمية لم تكن محايدة؛ بل سعت كل دولة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، مما أدى إلى تعقيد النزاع وإطالة أمده.

لماذا الدول العربية؟

المتأمل فيما يجري في العقد الأخير وحتى قبله، يلاحظ أن الأزمات السياسية الكبرى التي تمر بها الدول العربية تحمل سمات مشتركة تجعلها أكثر عرضة للتحول إلى نزاعات طويلة الأمد من ذلك ضعف المؤسسات حيث أن معظم الأنظمة العربية ركزت على تعزيز سلطة الفرد على حساب بناء مؤسسات قوية ومستقلة. وبالتالي فعند سقوط النظام، يصبح انهيار الدولة أمرًا حتميًا. كذلك غياب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة حيث مثلت الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي محاولة نادرة لتغيير الوضع القائم، لكن غياب آليات ديمقراطية لإدارة التغيير يحوّل هذه المحاولات إلى صراعات مسلحة. هذا دون أن ننسى التدخلات الخارجية، فالموقع الجيوسياسي للدول العربية وثرواتها الطبيعية جعلها عرضة لتدخلات وأطماع القوى الكبرى والإقليمية، التي غالبًا ما تضع مصالحها فوق استقرار المنطقة. يضاف الى ذلك التركيبة الاجتماعية والقبلية لمعظم الدول العربية حيث الانقسامات العرقية والطائفية والقبلية تعزز الصراعات الداخلية، وتجعل من السهل استغلالها من قبل أطراف داخلية وخارجية.

تداعيات التدخلات الإقليمية

وبالعودة الى التدخل الخارجي وتأثيره في التوترات والتنازع الداخلي في كلا البلدين، يمكن القول أن التنافس الإقليمي في ليبيا، أدى إلى تعميق الانقسام بين الشرق والغرب، مما أعاق الجهود الرامية لتوحيد البلاد. وعلى الرغم من وجود مبادرات دولية لحل النزاع، إلا أن تباين مصالح الأطراف الإقليمية ساهم في إبطاء أي تقدم ملموس.

أما في سوريا، فقد أصبح الصراع أكثر تعقيدًا بسبب كثرة اللاعبين وتضارب مصالحهم. فالدعم الإيراني للنظام السوري، الذي ينبع من مصالح جيوسياسية وعقائدية، ساهم في تثبيت النظام. في المقابل، حاولت تركيا تحقيق مكاسب استراتيجية في الشمال السوري، خاصة في المناطق ذات الأغلبية الكردية. هذا دون أن ننسى تحويل سوريا الى ورقة ابتزاز بين الولايات المتحدة وروسيا ربما انتهت بصفقة رأس بشار مقابل رأس زيلنسكي وسوريا مقابل أوكرانيا.

وفي كل ذلك يبقى اللاعب الأكبر هو الكيان الصهيوني الذي تدور حوله وحول مصالحه كل تجاذبات العالم وخاصة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

استمرار النزيف

المشهد الحالي في ليبيا التي يبدو انها تسير في طريق التعافي وسوريا التي دخلت للتو مرحلة جديدة كلها غموض وخطر هو تقريبا اعادة تجسيد للمشهد بعد 14 سنة تقريبا. فما جرى في ليبيا في 2011 يجري اليوم في سوريا مع اختلاف بسيط وهو نجاة الرئيس بشار الأسد من مصير العقيد معمر القذافي..

اليوم وبعد حوالي 14 سنة من الثورة الليبية، تعيش ليبيا بوادر المصالحة في ظل جهود دولية لإعادة توحيد المؤسسات، حيث تبدو ليبيا أقرب إلى التعافي، على الرغم من استمرار العقبات السياسية والأمنية. أما سوريا فقد دخلت للتو مرحلة صراع معقد، حيث سيطرت جماعات إسلامية متطرفة على البلاد التي من المنتظر أن تعيش أياما وربما سنوات صعبة.

ما حدث ويحدث في ليبيا وسوريا يعكس طبيعة الأزمات التي تمر بها الدول العربية، حيث يؤدي التمسك بالسلطة وانعدام الديمقراطية وضعف البنية السياسية والاجتماعية إلى جعلها ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية. والتحدي الأكبر اليوم يكمن في كيفية بناء دول قادرة على تحقيق الاستقرار الداخلي عبر مؤسسات قوية وآليات ديمقراطية تحترم تطلعات الشعوب. حتى ذلك الحين، تظل أزمات مثل سوريا وليبيا دروسًا قاسية للعالم العربي حول تكلفة غياب التوافق الداخلي والتوازن الإقليمي.

 

 

تحليل اخباري.. بين سوريا وليبيا.. سيناريوهات متشابهة مع اختلاف المواقيت.. وتعددّ اللاعبين الإقليميين

بقلم: سفيان رجب

تونس-الصباح

على مدار العقد الماضي، كانت كل من سوريا وليبيا شاهدتين على تطورات دراماتيكية عميقة أثرت على استقرار الدولتين وعلى مستقبل المنطقة العربية بأسرها من شمال المتوسط الى الشرق الاوسط. ورغم الاختلافات الظاهرة بين الحالتين، فإن التشابهات اللافتة في الأسباب والتداعيات تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: لماذا تمر الدول العربية دون غيرها بهذه الأزمات؟ وكيف ساهمت الأطراف الإقليمية في تشكيل هذه المسارات المأساوية؟

البداية.. احتجاجات شعبية ومسارات معقدة

بعد الثورة التونسية التي انطلقت يوم 17 ديسمبر 2010 وانتهت بفرار الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد، انطلقت شرارة الربيع العربي في عدد من الدول العربية الأخرى منها مصر واليمن وليبيا وسوريا حيث انطلقت الأحداث جميعها في 2011 من احتجاجات شعبية تطالب بالحرية والكرامة في ظل أنظمة استبدادية قمعية استمرت لعقود، لكن المسار الذي اتخذته الأمور في كل بلد كان مختلفًا.

نقط التشابه عديدة خاصة بين ما جرى في ليبيا وسوريا سابقا حيث أدى التدخل العسكري بقيادة "الناتو" إلى إسقاط نظام معمر القذافي، ما ترك البلاد في حالة فراغ سياسي وأمني استغلته الميليشيات والجماعات المتطرفة. أما في سوريا، فقد سيطر النظام مرحليا على الثورة رغم خسارته لبعض المناطق والمدن التي سيطر عليها الثوار ودول، مما فتح المجال أمام حرب إقليمية ودولية بالوكالة.

دول إقليمية محرك للصراع أم وسيط للسلام؟

في ليبيا وسوريا، لعبت الدول الإقليمية دورًا محوريًا في تأجيج النزاعات في كلا البلدين، لكن طبيعة تدخلاتها اختلفت.

ففي ليبيا كانت الدول الإقليمية، مثل الإمارات ومصر، داعمةً للقوى التي تمثل الاستقرار العسكري (خليفة حفتر)، بينما دعمت دول أخرى، مثل تركيا وقطر، حكومة الوفاق الوطني في طرابلس. هذه التدخلات عززت الانقسام الداخلي، وأدت إلى استدامة الصراع بدلاً من حله.

أما سوريا، فقد أصبحت ساحة مواجهة إقليمية ودولية. دعمت إيران وروسيا النظام السوري بعتاد عسكري ودعم سياسي، في حين دعمت تركيا ودول الخليج وبعض الدول الغربية فصائل المعارضة.هذه التدخلات الإقليمية لم تكن محايدة؛ بل سعت كل دولة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، مما أدى إلى تعقيد النزاع وإطالة أمده.

لماذا الدول العربية؟

المتأمل فيما يجري في العقد الأخير وحتى قبله، يلاحظ أن الأزمات السياسية الكبرى التي تمر بها الدول العربية تحمل سمات مشتركة تجعلها أكثر عرضة للتحول إلى نزاعات طويلة الأمد من ذلك ضعف المؤسسات حيث أن معظم الأنظمة العربية ركزت على تعزيز سلطة الفرد على حساب بناء مؤسسات قوية ومستقلة. وبالتالي فعند سقوط النظام، يصبح انهيار الدولة أمرًا حتميًا. كذلك غياب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة حيث مثلت الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي محاولة نادرة لتغيير الوضع القائم، لكن غياب آليات ديمقراطية لإدارة التغيير يحوّل هذه المحاولات إلى صراعات مسلحة. هذا دون أن ننسى التدخلات الخارجية، فالموقع الجيوسياسي للدول العربية وثرواتها الطبيعية جعلها عرضة لتدخلات وأطماع القوى الكبرى والإقليمية، التي غالبًا ما تضع مصالحها فوق استقرار المنطقة. يضاف الى ذلك التركيبة الاجتماعية والقبلية لمعظم الدول العربية حيث الانقسامات العرقية والطائفية والقبلية تعزز الصراعات الداخلية، وتجعل من السهل استغلالها من قبل أطراف داخلية وخارجية.

تداعيات التدخلات الإقليمية

وبالعودة الى التدخل الخارجي وتأثيره في التوترات والتنازع الداخلي في كلا البلدين، يمكن القول أن التنافس الإقليمي في ليبيا، أدى إلى تعميق الانقسام بين الشرق والغرب، مما أعاق الجهود الرامية لتوحيد البلاد. وعلى الرغم من وجود مبادرات دولية لحل النزاع، إلا أن تباين مصالح الأطراف الإقليمية ساهم في إبطاء أي تقدم ملموس.

أما في سوريا، فقد أصبح الصراع أكثر تعقيدًا بسبب كثرة اللاعبين وتضارب مصالحهم. فالدعم الإيراني للنظام السوري، الذي ينبع من مصالح جيوسياسية وعقائدية، ساهم في تثبيت النظام. في المقابل، حاولت تركيا تحقيق مكاسب استراتيجية في الشمال السوري، خاصة في المناطق ذات الأغلبية الكردية. هذا دون أن ننسى تحويل سوريا الى ورقة ابتزاز بين الولايات المتحدة وروسيا ربما انتهت بصفقة رأس بشار مقابل رأس زيلنسكي وسوريا مقابل أوكرانيا.

وفي كل ذلك يبقى اللاعب الأكبر هو الكيان الصهيوني الذي تدور حوله وحول مصالحه كل تجاذبات العالم وخاصة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

استمرار النزيف

المشهد الحالي في ليبيا التي يبدو انها تسير في طريق التعافي وسوريا التي دخلت للتو مرحلة جديدة كلها غموض وخطر هو تقريبا اعادة تجسيد للمشهد بعد 14 سنة تقريبا. فما جرى في ليبيا في 2011 يجري اليوم في سوريا مع اختلاف بسيط وهو نجاة الرئيس بشار الأسد من مصير العقيد معمر القذافي..

اليوم وبعد حوالي 14 سنة من الثورة الليبية، تعيش ليبيا بوادر المصالحة في ظل جهود دولية لإعادة توحيد المؤسسات، حيث تبدو ليبيا أقرب إلى التعافي، على الرغم من استمرار العقبات السياسية والأمنية. أما سوريا فقد دخلت للتو مرحلة صراع معقد، حيث سيطرت جماعات إسلامية متطرفة على البلاد التي من المنتظر أن تعيش أياما وربما سنوات صعبة.

ما حدث ويحدث في ليبيا وسوريا يعكس طبيعة الأزمات التي تمر بها الدول العربية، حيث يؤدي التمسك بالسلطة وانعدام الديمقراطية وضعف البنية السياسية والاجتماعية إلى جعلها ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية. والتحدي الأكبر اليوم يكمن في كيفية بناء دول قادرة على تحقيق الاستقرار الداخلي عبر مؤسسات قوية وآليات ديمقراطية تحترم تطلعات الشعوب. حتى ذلك الحين، تظل أزمات مثل سوريا وليبيا دروسًا قاسية للعالم العربي حول تكلفة غياب التوافق الداخلي والتوازن الإقليمي.