إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. لعبة "الثلاثي الإمبراطوري" في الشرق الأوسط

بقلم نزار مقني

بعد أن بدأ غبار المعركة في سوريا بالانحسار، أخذت خريطة الشرق الأوسط تتشكل من جديد، لتعطينا صراعا جديدا بعناصر قديمة، وبلاعبين إقليميين خرجوا فائزين من جولة الحرب السورية وسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.إن التأمل في خريطة الصراع الجديدة في "الهلال الخصيب" في الشرق الأوسط، والذي تحول على امتداد سنوات إلى "هلال إيراني"، خرج من محيطه الحيوي والتقليدي، بعد الحرب الأمريكية على العراق والقضاء على نظام البعث العراقي في بغداد، وتوسع نفوذه من جنوب بلاد الرافدين –حيث تتمركز الأغلبية الشيعية العراقية- إلى سوريا وإلى جنوب لبنان، إلى أن أضحى اللاعب الأقوى في الشرق الأوسط، حيث استفاد كثيرا من المغامرة الرابحة في الحفاظ على نظام بشار الأسد بعد بداية الحرب الأهلية السورية، طوال 13 عاما، ودعم مواقعه هناك لكن بتكلفة غالية كثيرا، كانت أبرز الأسباب انسحابه من "المعركة الأخيرة" مع قوات "هيئة تحرير الشام" التي سيطرت على دمشق في 10 أيام فقط من بداية هجوم انطلق من إدلب وانتهى في دمشق.ولعل ما حدث في "معركة إسقاط" الأسد، سمح لتركيا بأن تمد من جديد نفوذها ليكون في أقصى تقدير ممكن موجودا على مقربة من درعا جنوب سوريا على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي أدنى تقدير المتحكمة الأولى بشمال سوريا، بالتعاون مع قوات "الجيش الوطني السوري" وهي قوة تدعمها تركيا، واعتمدت عليها حتى في حروب أخرى خارج سوريا، وخصوصا في ليبيا، وتتمركز أساسا في "المنطقتين الآمنتين" التي تسيطر عليهما أنقرة في شمال سوريا على جانبي نهر الفرات.وفي هذه المرحلة فإن أنقرة تطمح اليوم، للحفاظ على مكسب استراتيجي متقدم وصلت إليه من دون تكلفة عالية تكتيكيا، في سوريا، بطرح إشكاليات جديدة وعناوين أخرى للاستمرار تحكمها بخيط اللعبة في سوريا، ولا تجد غير "الخطر الكردي" كطرح "أخلاقي واستراتيجي" للحفاظ على موطئ قدم في اللعبة الجديدة التي أخذت ترسم قواعدها في سوريا ولكن بلاعبين جدد.تركيا، التي أخذت منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تحاول الاستفادة من موقعها الاستراتجي، للتموضع ضمن خارطة الصراع الدولي، وفق ما يخدم أجندتها الداخلية، لإعادة رسم إمبراطورية جديدة، كتلك التي كنت سابقا قبل إسقاطها بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن بأدوات سيطرة ونفوذ جديدين، مع عدم إمكانية ممارسة لعبة السيطرة المباشرة على الأرض، فإن إستراتيجية التفريق وكسر الجغرافيا، هي من وفر للعقل الاستراتيجي التركي مسارا للوصول لذلك.ولعل نفس التوجه التركي، والعقل الاستراتيجي هو الذي يقود الكيان الصهيوني، الذي يحلم يمينه المتطرف بإسرائيل الكبرى، والتي يبدو أن مقدراته العسكرية العملياتية لن تمكنه من ذلك، فكان التوجه، نحو الاستفادة من الفراغ الذي سيطر على سوريا، للتموضع في مواقع جدية في الأراضي السورية، وخصوصا ضمن المنطقة العازلة في الجولان المحتل، والاستعداد لأي حرب جديدة في سوريا، للتصرف على أساس تحالفات ممكنة إما مع الأقلية الدرزية الموجودة في جنوب سوريا كالسويداء، أو حتى مع الأكراد السوريين الذين يحتفظون باتصال مع تل أبيب، خصوصا وأنهم حلفاء مباشرين لواشنطن في إطار الحرب على تنظيم "داعش" الذي مازال يحتفظ بمواطئ قدم في البادية السورية.هذا التنظيم الذي تستغل أمريكا وجوده في المنطقة لمواصلة حضورها العسكري في التنف، وبالتالي مواصلة دعم الأكراد كخنجر متقدم في الخاصرة التركية الجنوبية، خصوصا مع مواصلة التواجد الروسي في سوريا، في ظل تواصل علاقة التنافر والتقارب بين موسكو وأنقرة، وهي علاقة تقلق الولايات المتحدة، وتريد من أنقرة حسمها، في وقت أن هذه العلاقة هي العلاقة الطبيعية التي تحكم تركيا بروسيا،  وتركيا بإيران وإيران بروسيا، منذ زمن الإمبراطوريات القديمة، وحتى هذا العصر الجديد الذي نشهد فيه تغيرات جيوسياسية جديدة، بدأت ترسم ملامح صراع دولي جديد، عناصره الفاعلة لم تتوضح بعد.

بقلم نزار مقني

بعد أن بدأ غبار المعركة في سوريا بالانحسار، أخذت خريطة الشرق الأوسط تتشكل من جديد، لتعطينا صراعا جديدا بعناصر قديمة، وبلاعبين إقليميين خرجوا فائزين من جولة الحرب السورية وسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.إن التأمل في خريطة الصراع الجديدة في "الهلال الخصيب" في الشرق الأوسط، والذي تحول على امتداد سنوات إلى "هلال إيراني"، خرج من محيطه الحيوي والتقليدي، بعد الحرب الأمريكية على العراق والقضاء على نظام البعث العراقي في بغداد، وتوسع نفوذه من جنوب بلاد الرافدين –حيث تتمركز الأغلبية الشيعية العراقية- إلى سوريا وإلى جنوب لبنان، إلى أن أضحى اللاعب الأقوى في الشرق الأوسط، حيث استفاد كثيرا من المغامرة الرابحة في الحفاظ على نظام بشار الأسد بعد بداية الحرب الأهلية السورية، طوال 13 عاما، ودعم مواقعه هناك لكن بتكلفة غالية كثيرا، كانت أبرز الأسباب انسحابه من "المعركة الأخيرة" مع قوات "هيئة تحرير الشام" التي سيطرت على دمشق في 10 أيام فقط من بداية هجوم انطلق من إدلب وانتهى في دمشق.ولعل ما حدث في "معركة إسقاط" الأسد، سمح لتركيا بأن تمد من جديد نفوذها ليكون في أقصى تقدير ممكن موجودا على مقربة من درعا جنوب سوريا على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي أدنى تقدير المتحكمة الأولى بشمال سوريا، بالتعاون مع قوات "الجيش الوطني السوري" وهي قوة تدعمها تركيا، واعتمدت عليها حتى في حروب أخرى خارج سوريا، وخصوصا في ليبيا، وتتمركز أساسا في "المنطقتين الآمنتين" التي تسيطر عليهما أنقرة في شمال سوريا على جانبي نهر الفرات.وفي هذه المرحلة فإن أنقرة تطمح اليوم، للحفاظ على مكسب استراتيجي متقدم وصلت إليه من دون تكلفة عالية تكتيكيا، في سوريا، بطرح إشكاليات جديدة وعناوين أخرى للاستمرار تحكمها بخيط اللعبة في سوريا، ولا تجد غير "الخطر الكردي" كطرح "أخلاقي واستراتيجي" للحفاظ على موطئ قدم في اللعبة الجديدة التي أخذت ترسم قواعدها في سوريا ولكن بلاعبين جدد.تركيا، التي أخذت منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تحاول الاستفادة من موقعها الاستراتجي، للتموضع ضمن خارطة الصراع الدولي، وفق ما يخدم أجندتها الداخلية، لإعادة رسم إمبراطورية جديدة، كتلك التي كنت سابقا قبل إسقاطها بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن بأدوات سيطرة ونفوذ جديدين، مع عدم إمكانية ممارسة لعبة السيطرة المباشرة على الأرض، فإن إستراتيجية التفريق وكسر الجغرافيا، هي من وفر للعقل الاستراتيجي التركي مسارا للوصول لذلك.ولعل نفس التوجه التركي، والعقل الاستراتيجي هو الذي يقود الكيان الصهيوني، الذي يحلم يمينه المتطرف بإسرائيل الكبرى، والتي يبدو أن مقدراته العسكرية العملياتية لن تمكنه من ذلك، فكان التوجه، نحو الاستفادة من الفراغ الذي سيطر على سوريا، للتموضع في مواقع جدية في الأراضي السورية، وخصوصا ضمن المنطقة العازلة في الجولان المحتل، والاستعداد لأي حرب جديدة في سوريا، للتصرف على أساس تحالفات ممكنة إما مع الأقلية الدرزية الموجودة في جنوب سوريا كالسويداء، أو حتى مع الأكراد السوريين الذين يحتفظون باتصال مع تل أبيب، خصوصا وأنهم حلفاء مباشرين لواشنطن في إطار الحرب على تنظيم "داعش" الذي مازال يحتفظ بمواطئ قدم في البادية السورية.هذا التنظيم الذي تستغل أمريكا وجوده في المنطقة لمواصلة حضورها العسكري في التنف، وبالتالي مواصلة دعم الأكراد كخنجر متقدم في الخاصرة التركية الجنوبية، خصوصا مع مواصلة التواجد الروسي في سوريا، في ظل تواصل علاقة التنافر والتقارب بين موسكو وأنقرة، وهي علاقة تقلق الولايات المتحدة، وتريد من أنقرة حسمها، في وقت أن هذه العلاقة هي العلاقة الطبيعية التي تحكم تركيا بروسيا،  وتركيا بإيران وإيران بروسيا، منذ زمن الإمبراطوريات القديمة، وحتى هذا العصر الجديد الذي نشهد فيه تغيرات جيوسياسية جديدة، بدأت ترسم ملامح صراع دولي جديد، عناصره الفاعلة لم تتوضح بعد.