مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : الطلاق معركة تغيب فيها كل القواعد القانونية والأخلاقية والإنسانية
مختص في القانون لـ"الصباح: الطلاق أصلح قرارا فرديا إنفعاليا متسرعا وغیر مدرک لعواقبه وتبعاته
تونس-الصباح
600 ألف طفل طلاق في الفترة الممتدة من جانفي 2023 الى غاية ديسمبر 2024 ، رقم صادم كشفت عنه مؤخرا الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام خلال مؤتمرها الثالث على لسان القاضية والباحثة في القانون روان بن رقية.
حالات كشفت أزمة لم تجد طريقها إلى الحل منذ سنوات إذ بلغت نسب الطلاق سنويا حسبما كشفه مؤخرا تقرير للمعهد الوطني للإحصاء 14الف حالة طلاق، هذه النسب المرتفعة تعكس أزمات الثنائي الزوجي في تونس والتي شهدت ارتفاعا في السنوات الأخيرة قدرت بآلاف حالات الطلاق في المقابل تراجع نسب الزواج.
ارتفاع نسب الطلاق تقف خلفه أسباب متداخلة آلت بواقع العلاقات الزوجية الى الهشاشة والانفصال.
"الصباح" تطرقت الى ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق في بلادنا مستنيرة بآراء مختصين في مجالات مختلفة.
صباح الشابي
نسب مرتفعة أكدتها مؤخرا مصادر رسمية إذ كشفت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري خلال افتتاحها لورشة عمل حول "الانطلاق في إعداد خطة وطنية حول التماسك الأسري" بأنه "تمّ حسب آخر الإحصائيات تسجيل تراجع في نسبة الزيجات من 02% سنة 2013 إلى 1.21% سنة 2021 وارتفاع معدل سن الزواج وتراجع معدل الخصوبة إلى 1.82 %، مقابل ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع التونسي".
رغم ان الوزيرة لم تقدم إحصائيات جديدة عن نسبة الطلاق التي تم تسجيلها خلال 2024 الا ان الإحصائيات التي كشف عنها تقرير المعهد الوطني للإحصاء لعام 2024 تؤكد ان هنالك" زيادة في حالات الطلاق إذ تسجل تونس سنويًا أكثر من 14 ألف حالة طلاق".
وارتفاع نسبة الطلاق في بلادنا ليس بالأمر الجديد ففي إحصائيات سابقة عن وزارة العدل كانت " الصباح" انفردت بنشرها كشفت عن ان نسبة الطلاق ما فتئت ترتفع سنة تلوى الأخرى.
وقد سبق وان كشفت إحصائيات قدمتها وزارة العدل، في بداية عام 2020، عن تسجيل 46 حالة طلاق يوميا في تونس و13 ألف قضية طلاق سنويا.
كما أشارت نفس الإحصائيات إلى ارتفاع عدد الحالات مقارنة بعام 2017 حيث كانت المحاكم لا تبت سوى في 41 حالة طلاق يوميا.
وتشهد المحاكم سنويا صدور أحكام في قضايا الطلاق بالآلاف، فقد سبق وان كشفت المكلفة بمأمورية بديوان وزيرة العدل، إيمان معاوية خلال يوم دراسي بعنوان "مؤسسة الزواج في تونس" سبل الدعم والحماية" كانت نظمته وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن خلال السنة الفارطة من ان "عدد الأحكام الصادرة في مادة الطلاق في تونس ارتفع خلال السنة القضائية 2021-2022 إلى 14706 حكم قضائي مقابل 12598 حكما قضائيا بالطلاق في السنة القضائية 2020-2021.
وسبق َان كشفت أيضا أن عدد الأحكام الصادرة بالطلاق بالتراضي في السنة القضائية 2021-2022 هو الأعلى من إجمالي عدد الأحكام، مشيرة الى تسجيل 5708 حكم بالتراضي في تلك السنة القضائية، تليها أحكام الطلاق إنشاء من الزوج التي بلغ عددها 4299 حكما مقابل 3399 حكما صادرا بالطلاق بموجب رغبة خاصة من الزوجة في نفس السنة القضائية.
أما العدد الأدنى لأحكام الطلاق فهو يتعلق بأحكام الطلاق للضرر والذي بلغ في مجملة 1300 حكم موزعة بين 667 حكم طلاق للضرر من الزوجة و633 حكم طلاق للضرر من الزوج.
تعدد الطلاق والنتيجة واحدة..
طلاق بالتراضي، طلاق للضرر او طلاق انشاء تعددت أنواع الطلاق ولكن النتيجة واحدة انفصال الزوجين ونسب طلاق مرتفعة فضلا عن ان هناك ما يطلق عليه بالطلاق الصامت، زوجان يجمعهما نفس المنزل غير منفصلين أمام القانون ولكنهما فعليا منفصلين طلاق عن طريق القانون او الطلاق الصامت اختلفت المسميات ولكن المؤكد ان نسب الطلاق مرتفعة في بلادنا تكشف عن هشاشة العلاقات الزوجية وعدم صمودها أمام العديد من الأسباب اجتماعية، اقتصادية، ثقافية وغيرها من الأسباب الأخرى التي جعلت من مؤسسة الزواج مؤسسة بنيتها غير صلبة واية "ريح" عاتية يمكنها ان تعصف بها والضحايا دائما هم الأطفال.
تعددت الأسباب وتوحدت النتائج..
أسباب عديدة ومتعددة والمختصين في علم الاجتماع لديهم تفسيرات لسبب انهيار العلاقات الزوجية والانتهاء بها في أروقة المحاكم وفي بعض الأحيان تكون النهايات وراء القضبان.
إذ يرى الباحث والمختص في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد اننا لا نعرف كيف نتزوج ولا كيف نتعايش ولا حتى كيف نفترق بسلام؟
وأضاف خلال إفادته لـ"الصباح" ان الزواج يعتبر أعرق وأقدم المؤسسات الاجتماعية، وإذا نظرنا له من زاوية أخلاقية نقول إنه رباط مقدس، وإذا نظرنا له من وجهة نظر علم اجتماع نقول عنه إنه مؤسسة تجمع بين شخصين تربط بينهما علاقة وجدانية في إطار اجتماعي مقبول وشرعي،وإذا نظرنا له من وجهة نظر قانونية نقول أنه عقد تترتب عليه التزامات.والسؤال المطروح هو: ما الذي يجعل هذا الرباط وهذه المؤسسة وهذا العقد يعجز عن الاستمرار بحيث نصل إلى الطلاق وفض هذه الشراكة وبشكل عنيف؟ وما الذي تواجهه المرأة من صعوبات إذا أقدمت على هذه الخطوة؟
معركة ضارية..
برغم ما تتمتع به المرأة في تونس من ضمانات قانونية لتحصيل جميع حقوقها إلا أنها تعاني بشدة لتحصيل هذه الحقوق ويعود ذلك لأمرين أساسيين وهما تعقد الإجراءات من جهة وحتى تضاربها في بعض الأحيان (بين نصوص قديمة وجديدة) وكذلك سيطرة العقلية الذكورية في الإدارة والمجتمع والتي تعيق وتعقد بدورها تحصيل الحقوق، وغالبا ما تتحول في مجتمعنا حالات الفراق أو الطلاق من مجرد تجربة إنسانية واجتماعية فاشلة إلى معركة ضارية يراد بها تدمير الطرف الآخر وتحطيمه والتشفي منه وليس مجرد الانفصال عنه. معركة تغيب فيها كل القواعد القانونية والأخلاقية والإنسانية وتحضر محلها مفردات الكره والتباغض والإيذاء وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالآخر. فنحن لا نعرف كيف نتزوج ولا كيف نتعايش ولا حتى كيف نفترق بسلام، فالزواج مثله مثل الطلاق اليوم أصبح تجربة محفوفة بالمخاطر.ففي مجتمع استعراضي يقدس المظهر أكثر من الجوهر، ويعطي الأولوية للصورة أكثر من المشروع وتحكمه النزوة أكثر من الجدوى ليس غريبا أن تنهار مؤسسات الزواج بهذا الشكل المدوي.
فعادة ما يسبق حالات العنف بين الأزواج فترة تسمى بالطلاق الصامت الذي سرعان ما ينفجر في شكل عنف عندما يبلغ مداه والطلاق الصامت هو نوع من الطلاق غير المعلن يبقى بموجبه عقد الزواج ساريا شكليا بين الزوجين لكن كل منهما يعيش بمعزل عن الآخر في جميع مناحي حياته.انه نهاية غير رسمية وغير معلنة للعلاقة الزوجية يقع التعايش معه إما حفاظا عن الصورة الاجتماعية أو رغبة في الحفاظ على استقرار الأبناء أو خوفا من صفة مطلق أو مطلقة في المجتمع. وهذه الظاهرة لا تقل حجما عن الطلاق الناجز بل تؤسس فيما بعد لحالات فراق وطلاق أكثر عنفا وعدوانية تغيب فيها ثقافة الطلاق الآمن الذي يضع نهاية لعلاقة زوجية وليس نهاية لعلاقة إنسانية يترافق ذلك مع بروز ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتنتشر وهي ثقافة التشفي والمحسوبية التي يقف القانون عاجزا أمامها فالقانون يستفيد منه القوي وليس الضعيف.
ويمثل العنف الأسري ومشاهده اعتداء بشعا على وجدان الأطفال وحرمتهم ومصادرة لحقهم في العيش في مناخ سليم يساعدهم على النمو النفسي والبدني الطبيعي والعادي نلمس ذلك عندما نرصد آثاره على توازنهم النفسي، فقد أثبتت الملاحظات العلمية والدراسات الاجتماعية والنفسية (في تونس وخارجها) أن هذا السلوك يدمر البنية النفسية الهشة للطفل ويغير حتى من إيقاع حياته. وتتراوح ردود فعل الأطفال تجاه هذا العنف بين الخوف والانسحاب والعزلة والانطواء والاكتئاب والتوتر والعصبية....كل حسب تركيبته وقدرته على التحمل ونوعية محيطه الأسري والاجتماعي. كما يحدث أن تتغير سلوكياتهم وعاداتهم الغذائية والحياتية لتتراوح بين فقدان الشهية وقلة النوم والكوابيس أو ظهور أعراض العدوان والعنف والتمرد كتعبير عن عدم السواء والتوازن أو كنوع من المحاكاة لصور المعتدين.
نظرة المجتمع للمرأة المطلقة: القانون يحمي والمجتمع يدين.
وان كان المجتمع التونسي يبدو في الظاهر مجتمعا حداثيا ومتسامحا ومنفتحا، فانه رغم ذلك يختزن بعض المواقف والاتجاهات الثقافية والنفسية القديمة والعنصرية تجاه المرأة. فالمجتمع التونسي اليوم يبدو أكثر تسامحا مع الرجل المطلق أكثر منه تجاه المرأة المطلقة. فالبعض ينظر إلى المرأة المطلقة بعين الرّيبة والشكّ، ويحمّلها المسؤوليَّة وحدها دون الرَّجل، ويفترض أن من ّ واجبها وحدها أن تتحمَّل المشاكل الّتي تواجهها وتحافظ على تماسك الأسرة مهما كانت الظروف والصعوبات والمشاكل وينظرون إلى الطلاق وكأنه نوع من الإعاقة أو العار الذي يلحق بالمرأة وعائلتها وأبنائها. ويفضل المجتمع أحياناً أن تعشن المرأة حياة صعبة مع زوجها ، وأن يخضع للظروف القاسية، على أن تقدم على الطلاق تجنبا لما يمكن أن تعانيه هذه المرأة من تبعات تلقى على كاهلها، في مجتمع يحمّل النّساء مسؤولية الطلاق أكثر مما يحملها للرجال. وحتى إذا ما أراد أحدهم أن يرتبط بامرأة مطلّقة، اجتمع الأهل والأقارب على ثنيه عن هذه الخطوة، وكأنّ الارتباط بها هو أمر لا يليق به، ويقلّل من شأنه ومكانته وشرفه في المجتمع.
النظرة إلى المطلقة..
وفي بعض الأحيان ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة مختلفة عن مثيلاتها من النساء بسبب الطلاق ويتعاملون معها على أنها امرأة سهلة المنال وتفتقد إلى الحماية الاجتماعية أو ينظر إليها كفريسة سهلة تبحث عن إشباع غرائزها نظرا لغياب العنصر الرجالي من حياتها بعد طلاقها ولا ينظرون إليها على أنها إنسان أقدم على خطوة في حياته بعدما ما استحال الاستمرار والانخراط في مؤسسة الزواج.
مما لا شك فيه ووفق الإحصائيات السابقة والحالية فان نسبة الطلاق في ارتفاع وآلاف القضايا منشورة أمام المحاكم. البعض منها تم فصله والبعض الآخر لا يزال على بساط النشر حتى ان المختصين في القانون لم ينفوا ارتفاع نسب الطلاق.
الطلاق قرار فردي انفعالي متسرع ..
المختص في القانون المحامي انيس الزرقوني بدوره يعتبر ان حالات الطلاق في ازدياد مضيفا في تصريح لـ"الصباح" حول انواع الطلاق مبينا أن هنالك حالات الطلاق الکلاسیکیی وهي حالات تحدث عنها الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصیة وتتمثل اولا في الطلاق بالتراضي الذي يستوجب إتفاق الزوجین علی الطلاق واثاره.
ثانیا الطلاق للضرر وثالثا الطلاق إنشاء الذي یکون بإرادة منفردة من احد الزوجین .
اما حالات الطلاق الاستثناٸيه فتتضمن الطلاق للغيبه أي بتجاوز مدة غیاب وکذلک الطلاق بسبب الإعسار اي الإفلاس والتي تضمنها الفصل 39 من نفس المجلة وفي حالة الغیبه أو الإعسار یتم الطلاق.
أما النوعیة التي تٶدي إلی "الطلاق بالثلاثة" و التي یجهلها الکثیر لأن الشاكي لم یطلب الطلاق لکنه رفع دعوی في "نفي النسب" حیث نص الفصل 76 من مجلة الأحوال الشخصیة أنه: ''إذا أثبت الحاکم نفي الأبوة طبق أحکام الفصل السابق فإنه يحکم بقطع النسب والفراق الأبدي بین الزوجین".
وتطرق المتحدث إلى الحديث عن الأسباب وقال انها عديدة اولها الوضع الصحي والنفسي للزوجین فمن الجانب ألصحيي فإن تغذیة الزوجین فی الغالب تتأسس علی مواد من صنف مستحضر غذاٸي مضرة بالصحة وبالعلاقة الجنسیة وکذلک بالقدرة علی الإنجاب..کذلک مخلفات تلاقیح کورونا والتی أضرت بالزوجین علی حد سواء.
اما السبب الثاني فيتمثل في اختلاف المستوی المادي بین الزوجین مقارنة بتاریخ إبرام الزواج أو رغبة إنتقال الزوجة للشغل خارج البلاد ویکون الزوج مرسما او موظفا بالتراب التونسي.فرفض الزوج فراق زوجته واستقالته من وظیفته إرضاء لسفر زوجته للشغل تکون تتیجته في النهایه الطلاق.
والثالث الخیانة الإلکترونیة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على غرار " المیسنجر" أو الواتساب"... والتي اعتبرتها محکمة التعقیب حدیثا موجبة للطلاق للضرر. والعديد من الأسباب الأخرى.
واعتبر أن العوامل التکنولوجیة والاتصال والوضع الصحی والغذاٸي والضغط النفسي الحاد الذي مر به التونسیون أدی إلی ارتفاع غیر معتاد لمطالب الطلاق، کما أن الرغبة فی الطلاق کان فی زمن التسعینات وحتی زمن قریب كان رغبة عاٸلیة ويتخذ القرار على مستوی الأسرة بعد مشاورات تدوم لأشهر فی محاولات إصلاح العلاقة الزوجية.
وختم بأنه حالیا الطلاق عبارة عن قرار فردي انفعالي متسرع لا مسٶول وغیر مدرک لعواقبه وتبعاته.
الإحصائيات المفزعة التي أعلنت عنها الباحثة في القانون روان بن رقية عن عدد أطفال الطلاق في تونس خلال الفترة الممتدة من جانفي 2023 الى حدود ديسمبر 2024.
كذلك الإحصائيات التي قدمها مؤخرا المعهد الوطني للإحصاء عن عدد حالات الطلاق سنويا أزمة مثلما بينا لا تزال تبحث عن حل وإحصائيات مفزعة تشير حسب بن رقية إلى عمق استفحال هذا الإشكال المجتمعي في الواقع المعاصر، والذي يستوجب مقاربة مجتمعية ونفسية وتربوية جديدة تبحث في أسباب تنامي ظاهرة الطلاق بشكل لافت". واعتبرت الباحثة، أنّه آن الأوان لاعتماد مقاربة جديدة تقوم على فلسفة متكاملة تجمع تصورا مشتركا بين الجهات الفاعلة ذات العلاقة المباشرة بهذا الإشكال، والتي حدّدتها في مُرّبع العائلة والمدرسة والدولة والدين.
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : الطلاق معركة تغيب فيها كل القواعد القانونية والأخلاقية والإنسانية
مختص في القانون لـ"الصباح: الطلاق أصلح قرارا فرديا إنفعاليا متسرعا وغیر مدرک لعواقبه وتبعاته
تونس-الصباح
600 ألف طفل طلاق في الفترة الممتدة من جانفي 2023 الى غاية ديسمبر 2024 ، رقم صادم كشفت عنه مؤخرا الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام خلال مؤتمرها الثالث على لسان القاضية والباحثة في القانون روان بن رقية.
حالات كشفت أزمة لم تجد طريقها إلى الحل منذ سنوات إذ بلغت نسب الطلاق سنويا حسبما كشفه مؤخرا تقرير للمعهد الوطني للإحصاء 14الف حالة طلاق، هذه النسب المرتفعة تعكس أزمات الثنائي الزوجي في تونس والتي شهدت ارتفاعا في السنوات الأخيرة قدرت بآلاف حالات الطلاق في المقابل تراجع نسب الزواج.
ارتفاع نسب الطلاق تقف خلفه أسباب متداخلة آلت بواقع العلاقات الزوجية الى الهشاشة والانفصال.
"الصباح" تطرقت الى ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق في بلادنا مستنيرة بآراء مختصين في مجالات مختلفة.
صباح الشابي
نسب مرتفعة أكدتها مؤخرا مصادر رسمية إذ كشفت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري خلال افتتاحها لورشة عمل حول "الانطلاق في إعداد خطة وطنية حول التماسك الأسري" بأنه "تمّ حسب آخر الإحصائيات تسجيل تراجع في نسبة الزيجات من 02% سنة 2013 إلى 1.21% سنة 2021 وارتفاع معدل سن الزواج وتراجع معدل الخصوبة إلى 1.82 %، مقابل ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع التونسي".
رغم ان الوزيرة لم تقدم إحصائيات جديدة عن نسبة الطلاق التي تم تسجيلها خلال 2024 الا ان الإحصائيات التي كشف عنها تقرير المعهد الوطني للإحصاء لعام 2024 تؤكد ان هنالك" زيادة في حالات الطلاق إذ تسجل تونس سنويًا أكثر من 14 ألف حالة طلاق".
وارتفاع نسبة الطلاق في بلادنا ليس بالأمر الجديد ففي إحصائيات سابقة عن وزارة العدل كانت " الصباح" انفردت بنشرها كشفت عن ان نسبة الطلاق ما فتئت ترتفع سنة تلوى الأخرى.
وقد سبق وان كشفت إحصائيات قدمتها وزارة العدل، في بداية عام 2020، عن تسجيل 46 حالة طلاق يوميا في تونس و13 ألف قضية طلاق سنويا.
كما أشارت نفس الإحصائيات إلى ارتفاع عدد الحالات مقارنة بعام 2017 حيث كانت المحاكم لا تبت سوى في 41 حالة طلاق يوميا.
وتشهد المحاكم سنويا صدور أحكام في قضايا الطلاق بالآلاف، فقد سبق وان كشفت المكلفة بمأمورية بديوان وزيرة العدل، إيمان معاوية خلال يوم دراسي بعنوان "مؤسسة الزواج في تونس" سبل الدعم والحماية" كانت نظمته وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن خلال السنة الفارطة من ان "عدد الأحكام الصادرة في مادة الطلاق في تونس ارتفع خلال السنة القضائية 2021-2022 إلى 14706 حكم قضائي مقابل 12598 حكما قضائيا بالطلاق في السنة القضائية 2020-2021.
وسبق َان كشفت أيضا أن عدد الأحكام الصادرة بالطلاق بالتراضي في السنة القضائية 2021-2022 هو الأعلى من إجمالي عدد الأحكام، مشيرة الى تسجيل 5708 حكم بالتراضي في تلك السنة القضائية، تليها أحكام الطلاق إنشاء من الزوج التي بلغ عددها 4299 حكما مقابل 3399 حكما صادرا بالطلاق بموجب رغبة خاصة من الزوجة في نفس السنة القضائية.
أما العدد الأدنى لأحكام الطلاق فهو يتعلق بأحكام الطلاق للضرر والذي بلغ في مجملة 1300 حكم موزعة بين 667 حكم طلاق للضرر من الزوجة و633 حكم طلاق للضرر من الزوج.
تعدد الطلاق والنتيجة واحدة..
طلاق بالتراضي، طلاق للضرر او طلاق انشاء تعددت أنواع الطلاق ولكن النتيجة واحدة انفصال الزوجين ونسب طلاق مرتفعة فضلا عن ان هناك ما يطلق عليه بالطلاق الصامت، زوجان يجمعهما نفس المنزل غير منفصلين أمام القانون ولكنهما فعليا منفصلين طلاق عن طريق القانون او الطلاق الصامت اختلفت المسميات ولكن المؤكد ان نسب الطلاق مرتفعة في بلادنا تكشف عن هشاشة العلاقات الزوجية وعدم صمودها أمام العديد من الأسباب اجتماعية، اقتصادية، ثقافية وغيرها من الأسباب الأخرى التي جعلت من مؤسسة الزواج مؤسسة بنيتها غير صلبة واية "ريح" عاتية يمكنها ان تعصف بها والضحايا دائما هم الأطفال.
تعددت الأسباب وتوحدت النتائج..
أسباب عديدة ومتعددة والمختصين في علم الاجتماع لديهم تفسيرات لسبب انهيار العلاقات الزوجية والانتهاء بها في أروقة المحاكم وفي بعض الأحيان تكون النهايات وراء القضبان.
إذ يرى الباحث والمختص في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد اننا لا نعرف كيف نتزوج ولا كيف نتعايش ولا حتى كيف نفترق بسلام؟
وأضاف خلال إفادته لـ"الصباح" ان الزواج يعتبر أعرق وأقدم المؤسسات الاجتماعية، وإذا نظرنا له من زاوية أخلاقية نقول إنه رباط مقدس، وإذا نظرنا له من وجهة نظر علم اجتماع نقول عنه إنه مؤسسة تجمع بين شخصين تربط بينهما علاقة وجدانية في إطار اجتماعي مقبول وشرعي،وإذا نظرنا له من وجهة نظر قانونية نقول أنه عقد تترتب عليه التزامات.والسؤال المطروح هو: ما الذي يجعل هذا الرباط وهذه المؤسسة وهذا العقد يعجز عن الاستمرار بحيث نصل إلى الطلاق وفض هذه الشراكة وبشكل عنيف؟ وما الذي تواجهه المرأة من صعوبات إذا أقدمت على هذه الخطوة؟
معركة ضارية..
برغم ما تتمتع به المرأة في تونس من ضمانات قانونية لتحصيل جميع حقوقها إلا أنها تعاني بشدة لتحصيل هذه الحقوق ويعود ذلك لأمرين أساسيين وهما تعقد الإجراءات من جهة وحتى تضاربها في بعض الأحيان (بين نصوص قديمة وجديدة) وكذلك سيطرة العقلية الذكورية في الإدارة والمجتمع والتي تعيق وتعقد بدورها تحصيل الحقوق، وغالبا ما تتحول في مجتمعنا حالات الفراق أو الطلاق من مجرد تجربة إنسانية واجتماعية فاشلة إلى معركة ضارية يراد بها تدمير الطرف الآخر وتحطيمه والتشفي منه وليس مجرد الانفصال عنه. معركة تغيب فيها كل القواعد القانونية والأخلاقية والإنسانية وتحضر محلها مفردات الكره والتباغض والإيذاء وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالآخر. فنحن لا نعرف كيف نتزوج ولا كيف نتعايش ولا حتى كيف نفترق بسلام، فالزواج مثله مثل الطلاق اليوم أصبح تجربة محفوفة بالمخاطر.ففي مجتمع استعراضي يقدس المظهر أكثر من الجوهر، ويعطي الأولوية للصورة أكثر من المشروع وتحكمه النزوة أكثر من الجدوى ليس غريبا أن تنهار مؤسسات الزواج بهذا الشكل المدوي.
فعادة ما يسبق حالات العنف بين الأزواج فترة تسمى بالطلاق الصامت الذي سرعان ما ينفجر في شكل عنف عندما يبلغ مداه والطلاق الصامت هو نوع من الطلاق غير المعلن يبقى بموجبه عقد الزواج ساريا شكليا بين الزوجين لكن كل منهما يعيش بمعزل عن الآخر في جميع مناحي حياته.انه نهاية غير رسمية وغير معلنة للعلاقة الزوجية يقع التعايش معه إما حفاظا عن الصورة الاجتماعية أو رغبة في الحفاظ على استقرار الأبناء أو خوفا من صفة مطلق أو مطلقة في المجتمع. وهذه الظاهرة لا تقل حجما عن الطلاق الناجز بل تؤسس فيما بعد لحالات فراق وطلاق أكثر عنفا وعدوانية تغيب فيها ثقافة الطلاق الآمن الذي يضع نهاية لعلاقة زوجية وليس نهاية لعلاقة إنسانية يترافق ذلك مع بروز ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتنتشر وهي ثقافة التشفي والمحسوبية التي يقف القانون عاجزا أمامها فالقانون يستفيد منه القوي وليس الضعيف.
ويمثل العنف الأسري ومشاهده اعتداء بشعا على وجدان الأطفال وحرمتهم ومصادرة لحقهم في العيش في مناخ سليم يساعدهم على النمو النفسي والبدني الطبيعي والعادي نلمس ذلك عندما نرصد آثاره على توازنهم النفسي، فقد أثبتت الملاحظات العلمية والدراسات الاجتماعية والنفسية (في تونس وخارجها) أن هذا السلوك يدمر البنية النفسية الهشة للطفل ويغير حتى من إيقاع حياته. وتتراوح ردود فعل الأطفال تجاه هذا العنف بين الخوف والانسحاب والعزلة والانطواء والاكتئاب والتوتر والعصبية....كل حسب تركيبته وقدرته على التحمل ونوعية محيطه الأسري والاجتماعي. كما يحدث أن تتغير سلوكياتهم وعاداتهم الغذائية والحياتية لتتراوح بين فقدان الشهية وقلة النوم والكوابيس أو ظهور أعراض العدوان والعنف والتمرد كتعبير عن عدم السواء والتوازن أو كنوع من المحاكاة لصور المعتدين.
نظرة المجتمع للمرأة المطلقة: القانون يحمي والمجتمع يدين.
وان كان المجتمع التونسي يبدو في الظاهر مجتمعا حداثيا ومتسامحا ومنفتحا، فانه رغم ذلك يختزن بعض المواقف والاتجاهات الثقافية والنفسية القديمة والعنصرية تجاه المرأة. فالمجتمع التونسي اليوم يبدو أكثر تسامحا مع الرجل المطلق أكثر منه تجاه المرأة المطلقة. فالبعض ينظر إلى المرأة المطلقة بعين الرّيبة والشكّ، ويحمّلها المسؤوليَّة وحدها دون الرَّجل، ويفترض أن من ّ واجبها وحدها أن تتحمَّل المشاكل الّتي تواجهها وتحافظ على تماسك الأسرة مهما كانت الظروف والصعوبات والمشاكل وينظرون إلى الطلاق وكأنه نوع من الإعاقة أو العار الذي يلحق بالمرأة وعائلتها وأبنائها. ويفضل المجتمع أحياناً أن تعشن المرأة حياة صعبة مع زوجها ، وأن يخضع للظروف القاسية، على أن تقدم على الطلاق تجنبا لما يمكن أن تعانيه هذه المرأة من تبعات تلقى على كاهلها، في مجتمع يحمّل النّساء مسؤولية الطلاق أكثر مما يحملها للرجال. وحتى إذا ما أراد أحدهم أن يرتبط بامرأة مطلّقة، اجتمع الأهل والأقارب على ثنيه عن هذه الخطوة، وكأنّ الارتباط بها هو أمر لا يليق به، ويقلّل من شأنه ومكانته وشرفه في المجتمع.
النظرة إلى المطلقة..
وفي بعض الأحيان ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة مختلفة عن مثيلاتها من النساء بسبب الطلاق ويتعاملون معها على أنها امرأة سهلة المنال وتفتقد إلى الحماية الاجتماعية أو ينظر إليها كفريسة سهلة تبحث عن إشباع غرائزها نظرا لغياب العنصر الرجالي من حياتها بعد طلاقها ولا ينظرون إليها على أنها إنسان أقدم على خطوة في حياته بعدما ما استحال الاستمرار والانخراط في مؤسسة الزواج.
مما لا شك فيه ووفق الإحصائيات السابقة والحالية فان نسبة الطلاق في ارتفاع وآلاف القضايا منشورة أمام المحاكم. البعض منها تم فصله والبعض الآخر لا يزال على بساط النشر حتى ان المختصين في القانون لم ينفوا ارتفاع نسب الطلاق.
الطلاق قرار فردي انفعالي متسرع ..
المختص في القانون المحامي انيس الزرقوني بدوره يعتبر ان حالات الطلاق في ازدياد مضيفا في تصريح لـ"الصباح" حول انواع الطلاق مبينا أن هنالك حالات الطلاق الکلاسیکیی وهي حالات تحدث عنها الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصیة وتتمثل اولا في الطلاق بالتراضي الذي يستوجب إتفاق الزوجین علی الطلاق واثاره.
ثانیا الطلاق للضرر وثالثا الطلاق إنشاء الذي یکون بإرادة منفردة من احد الزوجین .
اما حالات الطلاق الاستثناٸيه فتتضمن الطلاق للغيبه أي بتجاوز مدة غیاب وکذلک الطلاق بسبب الإعسار اي الإفلاس والتي تضمنها الفصل 39 من نفس المجلة وفي حالة الغیبه أو الإعسار یتم الطلاق.
أما النوعیة التي تٶدي إلی "الطلاق بالثلاثة" و التي یجهلها الکثیر لأن الشاكي لم یطلب الطلاق لکنه رفع دعوی في "نفي النسب" حیث نص الفصل 76 من مجلة الأحوال الشخصیة أنه: ''إذا أثبت الحاکم نفي الأبوة طبق أحکام الفصل السابق فإنه يحکم بقطع النسب والفراق الأبدي بین الزوجین".
وتطرق المتحدث إلى الحديث عن الأسباب وقال انها عديدة اولها الوضع الصحي والنفسي للزوجین فمن الجانب ألصحيي فإن تغذیة الزوجین فی الغالب تتأسس علی مواد من صنف مستحضر غذاٸي مضرة بالصحة وبالعلاقة الجنسیة وکذلک بالقدرة علی الإنجاب..کذلک مخلفات تلاقیح کورونا والتی أضرت بالزوجین علی حد سواء.
اما السبب الثاني فيتمثل في اختلاف المستوی المادي بین الزوجین مقارنة بتاریخ إبرام الزواج أو رغبة إنتقال الزوجة للشغل خارج البلاد ویکون الزوج مرسما او موظفا بالتراب التونسي.فرفض الزوج فراق زوجته واستقالته من وظیفته إرضاء لسفر زوجته للشغل تکون تتیجته في النهایه الطلاق.
والثالث الخیانة الإلکترونیة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على غرار " المیسنجر" أو الواتساب"... والتي اعتبرتها محکمة التعقیب حدیثا موجبة للطلاق للضرر. والعديد من الأسباب الأخرى.
واعتبر أن العوامل التکنولوجیة والاتصال والوضع الصحی والغذاٸي والضغط النفسي الحاد الذي مر به التونسیون أدی إلی ارتفاع غیر معتاد لمطالب الطلاق، کما أن الرغبة فی الطلاق کان فی زمن التسعینات وحتی زمن قریب كان رغبة عاٸلیة ويتخذ القرار على مستوی الأسرة بعد مشاورات تدوم لأشهر فی محاولات إصلاح العلاقة الزوجية.
وختم بأنه حالیا الطلاق عبارة عن قرار فردي انفعالي متسرع لا مسٶول وغیر مدرک لعواقبه وتبعاته.
الإحصائيات المفزعة التي أعلنت عنها الباحثة في القانون روان بن رقية عن عدد أطفال الطلاق في تونس خلال الفترة الممتدة من جانفي 2023 الى حدود ديسمبر 2024.
كذلك الإحصائيات التي قدمها مؤخرا المعهد الوطني للإحصاء عن عدد حالات الطلاق سنويا أزمة مثلما بينا لا تزال تبحث عن حل وإحصائيات مفزعة تشير حسب بن رقية إلى عمق استفحال هذا الإشكال المجتمعي في الواقع المعاصر، والذي يستوجب مقاربة مجتمعية ونفسية وتربوية جديدة تبحث في أسباب تنامي ظاهرة الطلاق بشكل لافت". واعتبرت الباحثة، أنّه آن الأوان لاعتماد مقاربة جديدة تقوم على فلسفة متكاملة تجمع تصورا مشتركا بين الجهات الفاعلة ذات العلاقة المباشرة بهذا الإشكال، والتي حدّدتها في مُرّبع العائلة والمدرسة والدولة والدين.