إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رسالة كاراكاس.. فنزويلا.. "لعنة النفط" والبحث عن الخلاص

من مبعوث "دار الصباح" إلى كاراكاس نزار مقني

في وقت بدأ العالم يشهد تغييرات على مستوى الصراع الدولي وتغييرات عميقة في السياسة الدولية، مع تعالي الأصوات المطالبة بتعدد أقطاب العالم، وعدم اقتصاره على أحادية حكمت العالم منذ 34 عاما، أخذت فنزويلا تلتمس طريقها وسط هذا "الزحام" لتتموقع وفق هذه التغييرات الدولية ضمن مقاربة للعلاقات الدولية ورثها الرئيس الحالي نيكولاس مكادورو عن سابقه هوغو تشافيز.

فنزويلا، البلاد العائمة على بحر من النفط (تمتلك اليوم أكبر احتياطي مؤكد للنفط)، كانت "لعناته" على البلاد كبيرة وفرضت على الشعب الفنزويلي أن يكون ضحية لعقوبات أمريكية حاصرت البلاد منذ سنوات، وجرتها إلى سنوات من التضخم المفرط أثر على كل مناحي الحياة، وأدى إلى سقوط عملة البوليفار إلى الحضيض.

 لعنة النفط والجغرافيا

ولعل قصة فنزويلا مع ثلاثي الاقتصاد والسياسة والولايات المتحدة، لا يجمع بينهما إلا محوران أساسيان وهما النفط، والجغرافيا:

*فأما اﻷول، فقد اكتشف منذ سنة 1917، ومثل اكتشافه فرصة لتمدد شركات النفط الأمريكية والبريطانية لاستغلاله، وكان النفط هو الذي قاد إلى ثورة أطاحت بديكتاتورية سنة 1958، وأتت بحكم مدني، على أساس أنه ديمقراطي وتعددي، ولكنه كان أشبه بتبادل للأدوار بين 3 أحزاب، تتقاسم أدوار الحكم، تخدم مصالحها، على حساب مصالح الشعب، وهو ما أدى في اﻷخير، إلى محاولة انقلابية فاشلة قادها الرئيس السابق هوغو تشافيز عندما كان ضابط في الجيش، ونجح في افتكاك الحكم بعدها بـ6 سنوات، ويعلن معها انتهاء عهد السيطرة الأمريكية على القرار السياسي في فنزويلا، والدخول في ثورة جديدة سميت بـ"الثورة البوليفارية" (نسبة إلى سيمون ديبوليفار محرر دول أمريكا اللاتنية من الاستعمار الاسباني)، وعهدا من التحكم الأمريكي في صناعة النفط، باعتباره المساهم الأكبر في الإنتاج والمشتري اﻷول للنفط الفنزويلي، وفي القرار الفنزويلي.

*وأمام المحور الثاني، فإن موقع فنزويلا الجغرافي، حتم عليها ألا تحاول الخروج من الفلك الأمريكي طيلة الحرب الباردة، باعتبارها موجودة ضمن "الحديقة الخلفية" الامريكية، وهو ما قاد واشنطن الى دعم حركة الإطاحة بالديكتاتورية في سنة 1958 ودخول لعبة الديمقراطية في فنزويلا والتحكم في إيقاعاتها مع تعاقب 3 أحزاب على الحكم، في إطار ممارسة ديمقراطية لم تحفظ إلا مصالح بعض من النخبة مقابل إهمال الشعب، الذي كان نصفه يرزح تحت خط الفقر، وكانت مدن القصدير تحيط بالعاصمة كاراكاس.

وكانت تلك أولى لعنات النفط، فدعم واشنطن للنخبة الحاكمة منذ الخمسينات حصر الثروة بيد أقلية من أوليغارشيا النفط والسياسية التي أهملت مصالح الشعب، وهو ما كان منطلق شافيز الذي غير بوصلة فنزويلا، من الدوران حول الفلك الأمريكي، إلى البحث عن طريق أخرى، وجدها في محرر فنزويلا وأغلب دول أمريكا اللاتينية من الاستعمار الاسباني، وأضحى يعمل على وحدة اﻷراضي اللاتينية، وتعزيز التعاون بينها، وهو ما وفر البذرة الأولى لوصول اليسار للحكم في أغلب دول أمريكا الجنوبية.

لقد كان هذا الطريق يزعج واشنطن، وبدأت اﻷخيرة تستثمر أكثر في الأزمة في فنزويلا، وتحاول رسم حدود للقوة الجديدة التي تشكلت في "حديقتها الخلفية" خوفا من انتشارها خارج السيطرة وخصوصا إلى دول أخرى مثل كولومبيا، حتى لحظة تأميم مشاريع النفط العملاقة في سنة 2007، بات الصدام بين الطرفين واضحا، وبدأت واشنطن سلسلة من العقوبات على الاقتصاد الفنزويلي الذي يعتمد على النفط كرافد أساسي لترسانة المشاريع الاجتماعية التي أرساها شافيز منذ انتخابه في سنة 1998، وهو ما كان أحد أسباب الأزمة الاقتصادية.

فبعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008 ومع تهاوي أسعار النفط، وتتالي العقوبات الأمريكية بحجج سياسية ومنها، قمع المعارضة، أخذت مداخيل الدولة تتقلص ولكن دون أن تذهب لتقليص الإنفاق الحكومي على المشاريع الاجتماعية، وهو ما تسبب في بداية الدخول في نفق التضخم، مع ركون الدولة، مع بداية حكم الرئيس نيكولاس مادورو إلى طبع العملة، وهنا هوت قيمة العملة الفنزويلية البوليفار، وعدم التمكن من استيراد الأدوية والمواد الأساسية، وتتالي العقوبات الأمريكية، مما جعل الاستثمار في الداخل الفنزويلي وخصوصا في صناعات الطاقة صعبا جدا، خاصة وأن فنزويلا منعت من نظام التحويلات المالية "السويفت".

طريق "الخلاص"

ورغم هذه الضغوطات، فإن المقاومة التي أبدتها فنزويلا، كانت لافتة للأمر، خصوصا وأن الحكومة الفنزويلية ذهبت إلى محاولة بداية إيجاد حلول للأزمة النقدية، بدأت بتغيير العملة للامتصاص بعض من التضخم، وأخذت تفكر بطرق جديدة لتوفير النقود، ومنها الارتكان إلى "دولرة" غير معلنة للاقتصاد، والتعامل بالعملات الأجنبية في التجارة الداخلية، ومحاولة تنويع مصادر الدخل، وخصوصا الاستثمار في العلاقات مع الدول الراغبة في تغيير شكل النظام الدولي من أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب وفتح يديها لبيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار، ومنها الإيوان الصيني والروبل الروسي.

كما يبدو، ومن خلال ملاحظات "الصباح"، في أسواق العاصمة كاراكاس، فإن الحكومة الفنزويلية قد تذهب إلى تنويع مصادر الدخل، ومحاولة جذب الاستثمارات الخارجية لتوفير مصادر دخل للعملات الأجنبية.

ويبدو أن طريق فنزويلا للخلاص من هذه الأزمة لن يمر إلا من خلال تنويع مصادر دخلها، وعدم تعويلها إلا على النفط خصوصا وأن لها مميزات اقتصادية جيدة للغاية سواء في الفلاحة وتربية الماشية والدواجن (كانت تربية الدواجن قاطرة قادت تطور الاقتصاد البرازيلي)، أو في السياحة.

رسالة كاراكاس..   فنزويلا.. "لعنة النفط" والبحث عن الخلاص

من مبعوث "دار الصباح" إلى كاراكاس نزار مقني

في وقت بدأ العالم يشهد تغييرات على مستوى الصراع الدولي وتغييرات عميقة في السياسة الدولية، مع تعالي الأصوات المطالبة بتعدد أقطاب العالم، وعدم اقتصاره على أحادية حكمت العالم منذ 34 عاما، أخذت فنزويلا تلتمس طريقها وسط هذا "الزحام" لتتموقع وفق هذه التغييرات الدولية ضمن مقاربة للعلاقات الدولية ورثها الرئيس الحالي نيكولاس مكادورو عن سابقه هوغو تشافيز.

فنزويلا، البلاد العائمة على بحر من النفط (تمتلك اليوم أكبر احتياطي مؤكد للنفط)، كانت "لعناته" على البلاد كبيرة وفرضت على الشعب الفنزويلي أن يكون ضحية لعقوبات أمريكية حاصرت البلاد منذ سنوات، وجرتها إلى سنوات من التضخم المفرط أثر على كل مناحي الحياة، وأدى إلى سقوط عملة البوليفار إلى الحضيض.

 لعنة النفط والجغرافيا

ولعل قصة فنزويلا مع ثلاثي الاقتصاد والسياسة والولايات المتحدة، لا يجمع بينهما إلا محوران أساسيان وهما النفط، والجغرافيا:

*فأما اﻷول، فقد اكتشف منذ سنة 1917، ومثل اكتشافه فرصة لتمدد شركات النفط الأمريكية والبريطانية لاستغلاله، وكان النفط هو الذي قاد إلى ثورة أطاحت بديكتاتورية سنة 1958، وأتت بحكم مدني، على أساس أنه ديمقراطي وتعددي، ولكنه كان أشبه بتبادل للأدوار بين 3 أحزاب، تتقاسم أدوار الحكم، تخدم مصالحها، على حساب مصالح الشعب، وهو ما أدى في اﻷخير، إلى محاولة انقلابية فاشلة قادها الرئيس السابق هوغو تشافيز عندما كان ضابط في الجيش، ونجح في افتكاك الحكم بعدها بـ6 سنوات، ويعلن معها انتهاء عهد السيطرة الأمريكية على القرار السياسي في فنزويلا، والدخول في ثورة جديدة سميت بـ"الثورة البوليفارية" (نسبة إلى سيمون ديبوليفار محرر دول أمريكا اللاتنية من الاستعمار الاسباني)، وعهدا من التحكم الأمريكي في صناعة النفط، باعتباره المساهم الأكبر في الإنتاج والمشتري اﻷول للنفط الفنزويلي، وفي القرار الفنزويلي.

*وأمام المحور الثاني، فإن موقع فنزويلا الجغرافي، حتم عليها ألا تحاول الخروج من الفلك الأمريكي طيلة الحرب الباردة، باعتبارها موجودة ضمن "الحديقة الخلفية" الامريكية، وهو ما قاد واشنطن الى دعم حركة الإطاحة بالديكتاتورية في سنة 1958 ودخول لعبة الديمقراطية في فنزويلا والتحكم في إيقاعاتها مع تعاقب 3 أحزاب على الحكم، في إطار ممارسة ديمقراطية لم تحفظ إلا مصالح بعض من النخبة مقابل إهمال الشعب، الذي كان نصفه يرزح تحت خط الفقر، وكانت مدن القصدير تحيط بالعاصمة كاراكاس.

وكانت تلك أولى لعنات النفط، فدعم واشنطن للنخبة الحاكمة منذ الخمسينات حصر الثروة بيد أقلية من أوليغارشيا النفط والسياسية التي أهملت مصالح الشعب، وهو ما كان منطلق شافيز الذي غير بوصلة فنزويلا، من الدوران حول الفلك الأمريكي، إلى البحث عن طريق أخرى، وجدها في محرر فنزويلا وأغلب دول أمريكا اللاتينية من الاستعمار الاسباني، وأضحى يعمل على وحدة اﻷراضي اللاتينية، وتعزيز التعاون بينها، وهو ما وفر البذرة الأولى لوصول اليسار للحكم في أغلب دول أمريكا الجنوبية.

لقد كان هذا الطريق يزعج واشنطن، وبدأت اﻷخيرة تستثمر أكثر في الأزمة في فنزويلا، وتحاول رسم حدود للقوة الجديدة التي تشكلت في "حديقتها الخلفية" خوفا من انتشارها خارج السيطرة وخصوصا إلى دول أخرى مثل كولومبيا، حتى لحظة تأميم مشاريع النفط العملاقة في سنة 2007، بات الصدام بين الطرفين واضحا، وبدأت واشنطن سلسلة من العقوبات على الاقتصاد الفنزويلي الذي يعتمد على النفط كرافد أساسي لترسانة المشاريع الاجتماعية التي أرساها شافيز منذ انتخابه في سنة 1998، وهو ما كان أحد أسباب الأزمة الاقتصادية.

فبعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008 ومع تهاوي أسعار النفط، وتتالي العقوبات الأمريكية بحجج سياسية ومنها، قمع المعارضة، أخذت مداخيل الدولة تتقلص ولكن دون أن تذهب لتقليص الإنفاق الحكومي على المشاريع الاجتماعية، وهو ما تسبب في بداية الدخول في نفق التضخم، مع ركون الدولة، مع بداية حكم الرئيس نيكولاس مادورو إلى طبع العملة، وهنا هوت قيمة العملة الفنزويلية البوليفار، وعدم التمكن من استيراد الأدوية والمواد الأساسية، وتتالي العقوبات الأمريكية، مما جعل الاستثمار في الداخل الفنزويلي وخصوصا في صناعات الطاقة صعبا جدا، خاصة وأن فنزويلا منعت من نظام التحويلات المالية "السويفت".

طريق "الخلاص"

ورغم هذه الضغوطات، فإن المقاومة التي أبدتها فنزويلا، كانت لافتة للأمر، خصوصا وأن الحكومة الفنزويلية ذهبت إلى محاولة بداية إيجاد حلول للأزمة النقدية، بدأت بتغيير العملة للامتصاص بعض من التضخم، وأخذت تفكر بطرق جديدة لتوفير النقود، ومنها الارتكان إلى "دولرة" غير معلنة للاقتصاد، والتعامل بالعملات الأجنبية في التجارة الداخلية، ومحاولة تنويع مصادر الدخل، وخصوصا الاستثمار في العلاقات مع الدول الراغبة في تغيير شكل النظام الدولي من أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب وفتح يديها لبيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار، ومنها الإيوان الصيني والروبل الروسي.

كما يبدو، ومن خلال ملاحظات "الصباح"، في أسواق العاصمة كاراكاس، فإن الحكومة الفنزويلية قد تذهب إلى تنويع مصادر الدخل، ومحاولة جذب الاستثمارات الخارجية لتوفير مصادر دخل للعملات الأجنبية.

ويبدو أن طريق فنزويلا للخلاص من هذه الأزمة لن يمر إلا من خلال تنويع مصادر دخلها، وعدم تعويلها إلا على النفط خصوصا وأن لها مميزات اقتصادية جيدة للغاية سواء في الفلاحة وتربية الماشية والدواجن (كانت تربية الدواجن قاطرة قادت تطور الاقتصاد البرازيلي)، أو في السياحة.