إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالمناسبة.. التونسي ومفهوم "الملك العام"

 

جاء في بلاغ لرئاسة الجمهورية أنه في لقائه مؤخرا مع عدد من الوزراء وبحضور رئيس الحكومة، كمال المدوري، "أسدى رئيس الجمهورية تعليماته باتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على ملك الدولة العام والخاص، وتحميل المسؤولية كاملة لكل من ثبت تقصيره أو تورّطه في التفريط في أملاك الشعب التونسي".

وكما يعلم الجميع تأتي هذه اللقاءات والتوصيات في سياق زيارات رئيس الجمهورية الأخيرة لعدد من الضيعات الفلاحية على ملك الدولة (هنشير الشعال وهنشير النفيضة) وما تم الوقوف عليه من تهاون واستهتار وفساد في التعاطي مع أملاك الدولة، وما هذه إلا نماذج من حالة عامة تنخر هذه الدولة منذ عقود وتتعمق بمرور الوقت حتى تكاد تتحول إلى "عقيدة".

لنتفق أولا أن علاقة التونسي عموما وفي كل المواقع سواء من يتعامل مع الملك العام من داخل أجهزة الدولة، موظفا كان أو مسؤولا أو عاملا بسيطا، ومن خارجها كطالب خدمة ما أو مواطن، تقوم على قاعدة المفهوم الراسخ لـ"رزق البيليك" التي تعني بالضرورة في الوعي العام التعاطي اللامسؤول مع كل ما هو عمومي، ملك عام أو ملك الدولة.

والوعي العام للأسف لا يعتبر ملك الدولة هو ملك الشعب، وبلوغ درجة الوعي بذلك مرتبطة بمدى الشعور بالانتماء الى هذا الوطن وهي معضلة أخرى تحتاج إلى دراسة وتعمق. لا سيما وأن بعض بوادر انفجار الشعور بالانتماء والوطنية العالية كان مباشرة إثر حلم الثورة ولحظة 17 ديسمبر وما تلاها لفترة قصيرة لكن سرعان ما تبدد وعاد الاقتصار على الشعور بالانتماء والوطنية وحب الراية الى مدارج الرياضة وبالتحديد أكثر الى كرة القدم، وقف انتهى.

إن رزق البيليك هو ذلك المفهوم الذي يشرع به التونسي بشكل من الأشكال إلى استباحة ملك الدولة العام في كل تجلياته. بداية من تخريب وتهشيم والاعتداء على الحدائق العمومية والمساحات الخضراء ومقاعد القطارات وبلور الحافلات وأجهزة المستشفيات وطاولات المدارس وصولا إلى سوء التصرف في المؤسسات والهياكل العمومية والمال العام والفساد في "البتات" والصفقات العمومية وغيرها..

وقطعا ينتج عن استباحة رزق الدولة وإضفاء الشرعية والحق فيه، كل أصناف التحيل و"التمكميك" والفساد في إدارة أملاك الدولة والتصرف فيها والتعامل معها من داخل هذه المنشآت، أي من قبل العاملين والموظفين فيها أو من خارجها، ممن لهم مصالح وتعاملات معها.

وبالتالي يرفع الحرج على الإقدام على التخريب والعبث والاستغلال دون وجه حق وتحصيل المنافع الشخصية بطرق غير مشروعة وعلى حساب المصلحة العامة.

ويصبح من يؤتمن على إدارة أو تسيير مرفق أو منشأة أو أي شي له علاقة بالدولة حتى وإن كانت سيارة وظيفية يعمل على استغلالها لصالحه بأي طريقة كانت.

دون أن نغفل الوجه الآخر للتعاطي مع رزق "البيليك" المتمثل في حالات الاستهتار بالحفاظ على الملك العام دون أدنى شعور بالمسؤولية وتأنيب الضمير.

فتجد مياه "الصوناد" تنهمر في الطرقات لساعات وربما لأيام إثر عطب ما، وتُترك الأضواء مشتعلة نهارا في الشوارع.. إلى غير ذلك من الممارسات اليومية الدالة على حالة وعي عام لا تعتبر ملك الدولة ملك الشعب والمواطن.

في بلدان الغرب يحرصون ويحرسون أملاكهم العامة من أبسط محاولات الاستهتار والعبث حتى وإن تعلق الأمر بإلقاء قارورة في الشارع على اعتباره سلوكا مدانا يتطلب إبلاغ السلطات إن اقتضى الأمر.. فأين نحن من هذا الوعي الجمعي الغائب للأسف.

هناك إرث نفسي متوارث نتيجة عدم إحساس المواطن بمواطنته وعنصر الانتماء والثقة المفقودتين في علاقة مع الدولة. وهنا ودون شك تحتاج الدولة لاسترجاع الثقة فيها وفي عدالتها عبر تحقيق نتائج ملموسة في احترام مواطنة الفرد والسهر على خدمته وتحسين واقعه المعيشي اليومي وفي محاربتها للفساد والفاسدين وفي حسن اختيار المسؤولين على قاعدة الكفاءة ونظافة اليد.

كما لا خلاص لنا إلا بتغيير المفاهيم والممارسات وتربية النشء على مفاهيم الانتماء وحب الوطن والصالح العام واعتبار ملك الدولة ملكي وملكك وملك الأجيال القادمة..

م.ي

 

 

 

 

 

جاء في بلاغ لرئاسة الجمهورية أنه في لقائه مؤخرا مع عدد من الوزراء وبحضور رئيس الحكومة، كمال المدوري، "أسدى رئيس الجمهورية تعليماته باتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على ملك الدولة العام والخاص، وتحميل المسؤولية كاملة لكل من ثبت تقصيره أو تورّطه في التفريط في أملاك الشعب التونسي".

وكما يعلم الجميع تأتي هذه اللقاءات والتوصيات في سياق زيارات رئيس الجمهورية الأخيرة لعدد من الضيعات الفلاحية على ملك الدولة (هنشير الشعال وهنشير النفيضة) وما تم الوقوف عليه من تهاون واستهتار وفساد في التعاطي مع أملاك الدولة، وما هذه إلا نماذج من حالة عامة تنخر هذه الدولة منذ عقود وتتعمق بمرور الوقت حتى تكاد تتحول إلى "عقيدة".

لنتفق أولا أن علاقة التونسي عموما وفي كل المواقع سواء من يتعامل مع الملك العام من داخل أجهزة الدولة، موظفا كان أو مسؤولا أو عاملا بسيطا، ومن خارجها كطالب خدمة ما أو مواطن، تقوم على قاعدة المفهوم الراسخ لـ"رزق البيليك" التي تعني بالضرورة في الوعي العام التعاطي اللامسؤول مع كل ما هو عمومي، ملك عام أو ملك الدولة.

والوعي العام للأسف لا يعتبر ملك الدولة هو ملك الشعب، وبلوغ درجة الوعي بذلك مرتبطة بمدى الشعور بالانتماء الى هذا الوطن وهي معضلة أخرى تحتاج إلى دراسة وتعمق. لا سيما وأن بعض بوادر انفجار الشعور بالانتماء والوطنية العالية كان مباشرة إثر حلم الثورة ولحظة 17 ديسمبر وما تلاها لفترة قصيرة لكن سرعان ما تبدد وعاد الاقتصار على الشعور بالانتماء والوطنية وحب الراية الى مدارج الرياضة وبالتحديد أكثر الى كرة القدم، وقف انتهى.

إن رزق البيليك هو ذلك المفهوم الذي يشرع به التونسي بشكل من الأشكال إلى استباحة ملك الدولة العام في كل تجلياته. بداية من تخريب وتهشيم والاعتداء على الحدائق العمومية والمساحات الخضراء ومقاعد القطارات وبلور الحافلات وأجهزة المستشفيات وطاولات المدارس وصولا إلى سوء التصرف في المؤسسات والهياكل العمومية والمال العام والفساد في "البتات" والصفقات العمومية وغيرها..

وقطعا ينتج عن استباحة رزق الدولة وإضفاء الشرعية والحق فيه، كل أصناف التحيل و"التمكميك" والفساد في إدارة أملاك الدولة والتصرف فيها والتعامل معها من داخل هذه المنشآت، أي من قبل العاملين والموظفين فيها أو من خارجها، ممن لهم مصالح وتعاملات معها.

وبالتالي يرفع الحرج على الإقدام على التخريب والعبث والاستغلال دون وجه حق وتحصيل المنافع الشخصية بطرق غير مشروعة وعلى حساب المصلحة العامة.

ويصبح من يؤتمن على إدارة أو تسيير مرفق أو منشأة أو أي شي له علاقة بالدولة حتى وإن كانت سيارة وظيفية يعمل على استغلالها لصالحه بأي طريقة كانت.

دون أن نغفل الوجه الآخر للتعاطي مع رزق "البيليك" المتمثل في حالات الاستهتار بالحفاظ على الملك العام دون أدنى شعور بالمسؤولية وتأنيب الضمير.

فتجد مياه "الصوناد" تنهمر في الطرقات لساعات وربما لأيام إثر عطب ما، وتُترك الأضواء مشتعلة نهارا في الشوارع.. إلى غير ذلك من الممارسات اليومية الدالة على حالة وعي عام لا تعتبر ملك الدولة ملك الشعب والمواطن.

في بلدان الغرب يحرصون ويحرسون أملاكهم العامة من أبسط محاولات الاستهتار والعبث حتى وإن تعلق الأمر بإلقاء قارورة في الشارع على اعتباره سلوكا مدانا يتطلب إبلاغ السلطات إن اقتضى الأمر.. فأين نحن من هذا الوعي الجمعي الغائب للأسف.

هناك إرث نفسي متوارث نتيجة عدم إحساس المواطن بمواطنته وعنصر الانتماء والثقة المفقودتين في علاقة مع الدولة. وهنا ودون شك تحتاج الدولة لاسترجاع الثقة فيها وفي عدالتها عبر تحقيق نتائج ملموسة في احترام مواطنة الفرد والسهر على خدمته وتحسين واقعه المعيشي اليومي وفي محاربتها للفساد والفاسدين وفي حسن اختيار المسؤولين على قاعدة الكفاءة ونظافة اليد.

كما لا خلاص لنا إلا بتغيير المفاهيم والممارسات وتربية النشء على مفاهيم الانتماء وحب الوطن والصالح العام واعتبار ملك الدولة ملكي وملكك وملك الأجيال القادمة..

م.ي