إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الناقد المسرحي حاتم التليلي المحمودي لـ"لصباح": نسبة عالية من الأعمال المسرحية يقودها جيل جديد وهذا دليل على التواصل بين أجيال المسرح

حوار: محسن بن أحمد

أشرف الناقد المسرحي حاتم التليلي المحمودي على تنظيم الندوة الفكرية الكبرى الخاصة بـ "المسرح التونسي ورهاناته الإبداعية الجديدة" ضمن فعاليات الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع".

هذه الندوة التي انتظمت يومي السبت 9 والأحد 10 نوفمبر بفضاء الفن الرابع بالعاصمة، وشهدت حضورًا لافتًا من جمهور ومسرحيين، كانت منطلق حوارنا مع هذا الناقد الذي توقفنا معه عند عديد الإشكاليات التي لها علاقة بالعملية الإبداعية المسرحية في تونس اليوم، فكانت هذه الحصيلة.

*ماذا عن مخرجات ندوة "المسرح التونسي ورهاناته الإبداعية الجديدة" التي انتظمت في إطار الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع"؟

-من مخرجات هذه الندوة الهامة في المهرجان الوطني للمسرح التونسي أن كل المداخلات سيتم جمعها ونشرها في كتاب، مساهمة منا في التوثيق وأرشفة مختلف القضايا والأنشطة الفكرية التي يهتم بها المسرحيون في تونس. وسنعمل أن يكون هذا الكتاب جاهزًا ومتوفّرًا في أقرب وقت ممكن. وأحيي بهذه المناسبة الدكتور معز مرابط، المدير العام للمسرح الوطني، الذي كان متحمسًا، بل أقول إنه كان المبادر بهذا التوجه تجاوبًا مع كل الطلبات، سواء من المشاركين أو الجمهور العريض الذي واكب الندوة أو حتى الذين فاتهم حضورها.

*بعين الناقد والمتابع، كيف يبدو لك اليوم المشهد المسرحي من خلال المهرجان؟

-في البداية، أقول شكراً للمسرح الوطني الذي أعد ونظم وأشرف على هذه التظاهرة المسرحية التونسية، التي جعلتنا من خلال متابعتها نشاهد ونحضر ونتابع عديد العروض المسرحية ثم مناقشتها كل ليلة بإدارة الدكتور عبد الحليم المسعودي والناقد المسرحي والإعلامي لطفي العربي السنوسي. بل أقول مهدت لنا وسهلت لنا تشخيص الحالة المسرحية الراهنة.

وما يشد الانتباه في هذه التظاهرة أنها كشفت عن نقاط قوة هامة، منها الجيل المسرحي الجديد. ولا أخفي سرًا إذا قلت إن ما يناهز الـ 80 بالمائة من الأعمال المسرحية الموجودة حاليًا يقودها جيل جديد سواء من الباحثين أو المسرحيين أو الكتاب، وفي هذا الأمر هناك تواصل بين الأجيال في العملية الإبداعية المسرحية.

نقطة قوية أخرى يجب التوقف عندها تتمثل في أن هذا الجيل المسرحي الجديد يعمد من خلال النقاشات إلى التوقف عند القضايا التي لها علاقة بالإنتاج والإنتاجية والقضايا الأخرى التي تعكس وتكشف العديد من الهنات، وهو ما يطرح إشكالية هامة لا بد من الحسم فيها نهائيًا، وهي تتعلق بالقوانين التشريعية التي لها علاقة بالمسرح بمختلف تفرعاته، لتحسين شروط البنية التحتية التي من خلالها يمكن أن نمر إلى الجانب الفكري والجمالي للمشهد المسرحي في تونس.

*تتفق معي أنه إلى جانب نقاط القوة في المسرح التونسي هناك هنات لا بد من التوقف عندها وتلافيها؟

-من خلال متابعتي للعديد من الأعمال المسرحية، برزت العديد من الهنات في التصورات الفكرية والجمالية، ولا أريد في هذا المجال التركيز على عرض دون آخر.

نفتقر اليوم إلى عروض تطرح قضايا فكرية وجمالية، من خلالها يمكن أن نقول إن هناك في مسرحنا توجهات وتصورات فكرية وجمالية مهمة جدًا. تقريبًا أغلب الأعمال المسرحية سقطت في السطحية، وهذا يعكس غيابًا واضحًا وتامًا لمسألتين مهمتين: الأولى تتعلق بالإخراج، حيث لا وجود لرؤية إخراجية للأعمال المسرحية، والثانية تتعلق بغياب الكتاب المختصين في المسرح.

*غياب النصوص المسرحية واحدة من أهم المشاكل التي يعيشها المسرح التونسي اليوم؟

-فعلًا، إنها إشكالية كبيرة ولا أعتقد في المقابل أنها تعني أننا نفتقر لكتاب مسرحيين، فسر غياب الكتاب المختصين قد يعود إلى المخرجين الذين يتولون كتابة نصوصهم بأنفسهم. قد يكون الأمر في هذا التوجه على علاقة بالإنتاج، فالمقابل المالي الذي من المفترض أن يذهب للكاتب، وفي ظل تكفل المخرج بإعداد النص، يذهب له (أي للمخرج).

ومن هذا المنطلق أقول إنه من الهنات الأخرى التي يعاني منها المسرح في تونس هو غياب النص المسرحي، وبالمقابل فإن على مستوى الأداء والتمثيل لدينا طاقات مهمة جدًا يمكن استثمارها.

*تكفل المخرج بكل شيء في العملية المسرحية، أليس في ذلك إشارة إلى "نهاية" النص؟

-أريد أن أروي لك طرفة، فكلمة "نهاية النص" في المسرح قدمت إلينا من المدارس البنيوية التي قالت بـ "نهاية النص" و"نهاية المؤلف"، لكن هذا لا يعني الاستغناء عن النص. وأشير في هذا المجال أن "أنطوان أرطو" هو أكثر من هاجم النص المسرحي، وفي المقابل دعا إلى تغيير مصائر الكلمات لا تغيير الكلمات،  وفي حقيقة الأمر، أنا من النقاد المهتمين بالشأن المسرحي وأدافع عن حضور النص المسرحي، لكنني في ذات الوقت أدافع عن مركزية النص. النص هو الذي يتضمن الفكرة، يتضمن النقاط البصرية للعرض، هو الذي يتضمن فلسفة العرض.. النص هو الذي يطرح القضايا الفكرية الكبرى، ومن خلاله يمكننا إعادة لحم "من اللحام" النص المنطوق بلحم الفرجة. هذه المسألة يمكن أن نشخصها في غياب "الدراماتورج" داخل العملية الإبداعية من أجل زراعة النص في لحم الفرجة، حتى لا يبقى النص أدبيًا بل نصًا قائمًا على الكتابة المسرحية والركحية تمامًا.

*ما فتئ المسرحي الكبير حمادي المزي يشير في كل حواراته الصحفية إلى أن من أبرز هنات المسرح في تونس غياب ما أسماه بـ "النص البكر"؟

-في حقيقة الأمر لم أفهم ما المقصود بـ "النص البكر".

*هو النص التونسي الأصيل كتابة ومضامين بعيدا عن الاقتباس أو إعادة الكتابة لنصوص عالمية؟

-لا أختلف كثيرًا في هذا الأمر مع المسرحي حمادي المزي، وهو أمر يدفع بالمخرجين إلى البحث عن نصوص عالمية لاقتباسها أو إعادة كتابتها ركحيًا. غير أن الإشكال الكبير يتعلق بغياب الكتاب المختصين في كتابة النص المسرحي "البكر"، لكن الإشكال أيضًا هل كل نص "بكر" هو نص قابل "للمسرحة" أمام القضايا الفكرية والجمالية المطروحة على المسرح اليوم؟ لا أعتقد ذلك. هناك نصوص أرى مكانها في المتاحف لأنها تتكلم بهوية جاهزة، على اعتبار أن كل نص بهوية جاهزة يصبح نصًا مقدسًا، وكل ما هو مقدس يقودنا إلى "الدغمائية".

في اعتقادي يتمثل الحل في تقريب الكتاب لكتابة نصوص مسرحية تظل خاضعة للشطب أو الزيادة والنقصان وفق ما تقتضيه العملية "الدراماتورجية" للعرض.

*تحدثت بإعجاب عن الجيل المسرحي الجديد في تونس اليوم. في اعتقادك، هل كسب هذا الجيل رهان تجاوز نجاحات مسرح ما زلنا نعيش على أطلاله؟

-من وجهة نظري، كل جيل هو امتداد لتجربة سابقة. هناك صدى كبير لما يقدمه الجيل الحالي، لكن في المقابل لا أدعي أن ما يقدمه يفوق ما قدمه الجيل الذي سبقه.

الجيل المسرحي الحالي في حاجة إلى متابعة نقدية ورعاية وتكوين ودعم مادي ومعنوي. إن ترك هذا الجيل بمفرده دون مساندة قد يضيع. المهمة الكبرى اليوم هي للنقاد والإعلام والمؤسسات الحاضنة لهذا الجيل لدفعه إلى الأمام. علينا اليوم أن لا نكتفي بالحديث عن الماضي والحاضر، علينا أن نفكر بجدية في كيفية اختراع المستقبل. هذا الجيل هو جيل المستقبل.

*كأني بك تشير إلى غياب تجربة نقدية رائدة في المسرح؟

-يمكن أن أفكر بشكل "دغمائي" بخصوص هذه المسألة وأقول إنه في كل سنة لدينا ما يقارب الـ 150 عملاً مسرحيًا جديدًا، وهو عدد مهول جدًا يقابله في ذلك 4 مقالات نقدية وكتاب.. التجربة النقدية هنا يفسرها البعض من النقاد في غياب فضاءات للنشر، وهنا نتساءل كـ نقاد: هل نواجه هذا النقص بالصمت أو مقاطعة متابعة العروض في انتظار أن تمنّ علينا الدولة بفضاء؟ وهنا أتساءل:

لماذا لا نرى في النقد رهانًا ذاتيًا وتجربة وجودية وانتماءً للمسرح التونسي، وبذلك يصبح النقد المسرحي تجربة ذاتية؟

لماذا لا يبادر الناقد بعقد اتفاق مع إحدى دور النشر لإصدار كتاب يضمن فيه قراءاته النقدية للأعمال المسرحية التي شاهدها أو يطرح في هذا الكتاب إحدى الإشكاليات التي لها علاقة بالعملية الإبداعية المسرحية؟

المخرج اليوم يلقى اللوم على النقاد ليبرر فشل عمله، والناقد يبرر فشله بأن الدولة لم توفر له الفضاء المناسب لممارسة النقد، فلماذا لا تكون هناك مبادرات شخصية لإصدار منجز نقدي؟

*كيف تقرأ الرأي الذي يرى في جمهور المسرح أنه "مناسباتي"؟

-الجمهور التونسي لا يعوّض وهو يفوق بأشواط الجماهير العربية الأخرى بدرجة أولى. الجمهور التونسي يقبل على العروض بكثافة ولديه رأي نقدي ورؤى جمالية وفكرية يعبر عنها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال متابعته حلقات النقاش للعروض. لدينا جمهور في تونس هو مكسب للمسرح التونسي. أجمل ما في المسرح التونسي زخم جمهوره.

*كيف تنظر اليوم إلى تجربة مراكز الفنون الدرامية والركحية كناقد مسرحي؟

-لا أنظر إلى هذه التجربة على اعتبار أن هناك من له دراية بوضعها المأساوي لغياب قانون منظم لها.

تساؤلي حول هذه المراكز والمشرفين عليها: هل لدينا في كل ولاية تحتضن هذه المراكز الموارد البشرية التي تحركها؟ وعلينا أن نعرف ما هو الدور الحقيقي لهذه المراكز؟ وأرى أن الأولوية - التي لا مجال للتغاضي عنها - تكون للتكوين، ثم يأتي الحديث عن المراكز الدرامية.

*يتفق أغلب المسرحيين أن قرار حل الفرق الجهوية المحترفة كان له التأثير السلبي على الحركة المسرحية في تونس. إلى أي حد أنت مع هذا الرأي؟

-لا يمكن لي الخوض في هذا الأمر على اعتبار أنني لم أعش ولم أواكب تجربة الفرق الجهوية المسرحية المحترفة.

*ماذا عن تكوين المسرحيين في المعاهد المختصة من وجهة نظرك؟

-تتوفر بلادنا على معهدين للتكوين والدراسة المسرحية، هما المعهد العالي للفن المسرحي بتونس ومعهد الموسيقى والمسرح بالكاف، إلى جانب عدد من الفضاءات الخاصة.

بالنسبة للمعاهد، لاحظنا على امتداد السنوات القليلة الماضية صحوة هامة من خلال تنظيم ندوات كبرى وتربصات هامة. المعهد العالي للفن المسرحي يضم نخبة من الأكاديميين الأفذاذ. ينقص ذلك لفتة من وزارة الإشراف لمنحه خصوصيته الفنية وبعث مخابر بحث ودراسات لمزيد تأطير خريجيه.

بالنسبة للفضاءات الخاصة، أرى أنها كسبت رهان استقطاب جمهور عريض لمتابعة العروض المسرحية ومناقشتها وإبداء الرأي بخصوصها.

*كناقد مسرحي، ماذا تبحث في أي عمل تشاهده؟

-لا أدخل المسرح بمسلمات وانتظارات مسبقة. أبحث في العمل عن ما سيقدمه من طرح جمالي وفكري، ثم أسأل نفسي كيف لي أن أتفاعل مع هذا الطرح الفكري والجمالي الذي يقدمه هذا العمل، لأن الدخول بمسلمات يعني أننا أقمنا جدارًا مع العمل.

وتراني أركز على الجمهور ومدى تفاعله مع العمل وأنتظر الثورة المدهشة التي يمكن أن يقدمها الممثل، لإيماني الراسخ أن الممثل هو الكنز والحامض النووي للمسرح.

*الم تغازلك الكتابة للمسرح وأنت من متابعيه ونقاده؟

-سبق لي أن كتبت العديد من النصوص المسرحية قبل أن يتغير الاهتمام إلى البحوث، وقد أعود إلى الكتابة في أي لحظة.

الناقد المسرحي حاتم التليلي المحمودي لـ"لصباح":   نسبة عالية من الأعمال المسرحية يقودها جيل جديد وهذا دليل على التواصل بين أجيال المسرح

حوار: محسن بن أحمد

أشرف الناقد المسرحي حاتم التليلي المحمودي على تنظيم الندوة الفكرية الكبرى الخاصة بـ "المسرح التونسي ورهاناته الإبداعية الجديدة" ضمن فعاليات الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع".

هذه الندوة التي انتظمت يومي السبت 9 والأحد 10 نوفمبر بفضاء الفن الرابع بالعاصمة، وشهدت حضورًا لافتًا من جمهور ومسرحيين، كانت منطلق حوارنا مع هذا الناقد الذي توقفنا معه عند عديد الإشكاليات التي لها علاقة بالعملية الإبداعية المسرحية في تونس اليوم، فكانت هذه الحصيلة.

*ماذا عن مخرجات ندوة "المسرح التونسي ورهاناته الإبداعية الجديدة" التي انتظمت في إطار الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع"؟

-من مخرجات هذه الندوة الهامة في المهرجان الوطني للمسرح التونسي أن كل المداخلات سيتم جمعها ونشرها في كتاب، مساهمة منا في التوثيق وأرشفة مختلف القضايا والأنشطة الفكرية التي يهتم بها المسرحيون في تونس. وسنعمل أن يكون هذا الكتاب جاهزًا ومتوفّرًا في أقرب وقت ممكن. وأحيي بهذه المناسبة الدكتور معز مرابط، المدير العام للمسرح الوطني، الذي كان متحمسًا، بل أقول إنه كان المبادر بهذا التوجه تجاوبًا مع كل الطلبات، سواء من المشاركين أو الجمهور العريض الذي واكب الندوة أو حتى الذين فاتهم حضورها.

*بعين الناقد والمتابع، كيف يبدو لك اليوم المشهد المسرحي من خلال المهرجان؟

-في البداية، أقول شكراً للمسرح الوطني الذي أعد ونظم وأشرف على هذه التظاهرة المسرحية التونسية، التي جعلتنا من خلال متابعتها نشاهد ونحضر ونتابع عديد العروض المسرحية ثم مناقشتها كل ليلة بإدارة الدكتور عبد الحليم المسعودي والناقد المسرحي والإعلامي لطفي العربي السنوسي. بل أقول مهدت لنا وسهلت لنا تشخيص الحالة المسرحية الراهنة.

وما يشد الانتباه في هذه التظاهرة أنها كشفت عن نقاط قوة هامة، منها الجيل المسرحي الجديد. ولا أخفي سرًا إذا قلت إن ما يناهز الـ 80 بالمائة من الأعمال المسرحية الموجودة حاليًا يقودها جيل جديد سواء من الباحثين أو المسرحيين أو الكتاب، وفي هذا الأمر هناك تواصل بين الأجيال في العملية الإبداعية المسرحية.

نقطة قوية أخرى يجب التوقف عندها تتمثل في أن هذا الجيل المسرحي الجديد يعمد من خلال النقاشات إلى التوقف عند القضايا التي لها علاقة بالإنتاج والإنتاجية والقضايا الأخرى التي تعكس وتكشف العديد من الهنات، وهو ما يطرح إشكالية هامة لا بد من الحسم فيها نهائيًا، وهي تتعلق بالقوانين التشريعية التي لها علاقة بالمسرح بمختلف تفرعاته، لتحسين شروط البنية التحتية التي من خلالها يمكن أن نمر إلى الجانب الفكري والجمالي للمشهد المسرحي في تونس.

*تتفق معي أنه إلى جانب نقاط القوة في المسرح التونسي هناك هنات لا بد من التوقف عندها وتلافيها؟

-من خلال متابعتي للعديد من الأعمال المسرحية، برزت العديد من الهنات في التصورات الفكرية والجمالية، ولا أريد في هذا المجال التركيز على عرض دون آخر.

نفتقر اليوم إلى عروض تطرح قضايا فكرية وجمالية، من خلالها يمكن أن نقول إن هناك في مسرحنا توجهات وتصورات فكرية وجمالية مهمة جدًا. تقريبًا أغلب الأعمال المسرحية سقطت في السطحية، وهذا يعكس غيابًا واضحًا وتامًا لمسألتين مهمتين: الأولى تتعلق بالإخراج، حيث لا وجود لرؤية إخراجية للأعمال المسرحية، والثانية تتعلق بغياب الكتاب المختصين في المسرح.

*غياب النصوص المسرحية واحدة من أهم المشاكل التي يعيشها المسرح التونسي اليوم؟

-فعلًا، إنها إشكالية كبيرة ولا أعتقد في المقابل أنها تعني أننا نفتقر لكتاب مسرحيين، فسر غياب الكتاب المختصين قد يعود إلى المخرجين الذين يتولون كتابة نصوصهم بأنفسهم. قد يكون الأمر في هذا التوجه على علاقة بالإنتاج، فالمقابل المالي الذي من المفترض أن يذهب للكاتب، وفي ظل تكفل المخرج بإعداد النص، يذهب له (أي للمخرج).

ومن هذا المنطلق أقول إنه من الهنات الأخرى التي يعاني منها المسرح في تونس هو غياب النص المسرحي، وبالمقابل فإن على مستوى الأداء والتمثيل لدينا طاقات مهمة جدًا يمكن استثمارها.

*تكفل المخرج بكل شيء في العملية المسرحية، أليس في ذلك إشارة إلى "نهاية" النص؟

-أريد أن أروي لك طرفة، فكلمة "نهاية النص" في المسرح قدمت إلينا من المدارس البنيوية التي قالت بـ "نهاية النص" و"نهاية المؤلف"، لكن هذا لا يعني الاستغناء عن النص. وأشير في هذا المجال أن "أنطوان أرطو" هو أكثر من هاجم النص المسرحي، وفي المقابل دعا إلى تغيير مصائر الكلمات لا تغيير الكلمات،  وفي حقيقة الأمر، أنا من النقاد المهتمين بالشأن المسرحي وأدافع عن حضور النص المسرحي، لكنني في ذات الوقت أدافع عن مركزية النص. النص هو الذي يتضمن الفكرة، يتضمن النقاط البصرية للعرض، هو الذي يتضمن فلسفة العرض.. النص هو الذي يطرح القضايا الفكرية الكبرى، ومن خلاله يمكننا إعادة لحم "من اللحام" النص المنطوق بلحم الفرجة. هذه المسألة يمكن أن نشخصها في غياب "الدراماتورج" داخل العملية الإبداعية من أجل زراعة النص في لحم الفرجة، حتى لا يبقى النص أدبيًا بل نصًا قائمًا على الكتابة المسرحية والركحية تمامًا.

*ما فتئ المسرحي الكبير حمادي المزي يشير في كل حواراته الصحفية إلى أن من أبرز هنات المسرح في تونس غياب ما أسماه بـ "النص البكر"؟

-في حقيقة الأمر لم أفهم ما المقصود بـ "النص البكر".

*هو النص التونسي الأصيل كتابة ومضامين بعيدا عن الاقتباس أو إعادة الكتابة لنصوص عالمية؟

-لا أختلف كثيرًا في هذا الأمر مع المسرحي حمادي المزي، وهو أمر يدفع بالمخرجين إلى البحث عن نصوص عالمية لاقتباسها أو إعادة كتابتها ركحيًا. غير أن الإشكال الكبير يتعلق بغياب الكتاب المختصين في كتابة النص المسرحي "البكر"، لكن الإشكال أيضًا هل كل نص "بكر" هو نص قابل "للمسرحة" أمام القضايا الفكرية والجمالية المطروحة على المسرح اليوم؟ لا أعتقد ذلك. هناك نصوص أرى مكانها في المتاحف لأنها تتكلم بهوية جاهزة، على اعتبار أن كل نص بهوية جاهزة يصبح نصًا مقدسًا، وكل ما هو مقدس يقودنا إلى "الدغمائية".

في اعتقادي يتمثل الحل في تقريب الكتاب لكتابة نصوص مسرحية تظل خاضعة للشطب أو الزيادة والنقصان وفق ما تقتضيه العملية "الدراماتورجية" للعرض.

*تحدثت بإعجاب عن الجيل المسرحي الجديد في تونس اليوم. في اعتقادك، هل كسب هذا الجيل رهان تجاوز نجاحات مسرح ما زلنا نعيش على أطلاله؟

-من وجهة نظري، كل جيل هو امتداد لتجربة سابقة. هناك صدى كبير لما يقدمه الجيل الحالي، لكن في المقابل لا أدعي أن ما يقدمه يفوق ما قدمه الجيل الذي سبقه.

الجيل المسرحي الحالي في حاجة إلى متابعة نقدية ورعاية وتكوين ودعم مادي ومعنوي. إن ترك هذا الجيل بمفرده دون مساندة قد يضيع. المهمة الكبرى اليوم هي للنقاد والإعلام والمؤسسات الحاضنة لهذا الجيل لدفعه إلى الأمام. علينا اليوم أن لا نكتفي بالحديث عن الماضي والحاضر، علينا أن نفكر بجدية في كيفية اختراع المستقبل. هذا الجيل هو جيل المستقبل.

*كأني بك تشير إلى غياب تجربة نقدية رائدة في المسرح؟

-يمكن أن أفكر بشكل "دغمائي" بخصوص هذه المسألة وأقول إنه في كل سنة لدينا ما يقارب الـ 150 عملاً مسرحيًا جديدًا، وهو عدد مهول جدًا يقابله في ذلك 4 مقالات نقدية وكتاب.. التجربة النقدية هنا يفسرها البعض من النقاد في غياب فضاءات للنشر، وهنا نتساءل كـ نقاد: هل نواجه هذا النقص بالصمت أو مقاطعة متابعة العروض في انتظار أن تمنّ علينا الدولة بفضاء؟ وهنا أتساءل:

لماذا لا نرى في النقد رهانًا ذاتيًا وتجربة وجودية وانتماءً للمسرح التونسي، وبذلك يصبح النقد المسرحي تجربة ذاتية؟

لماذا لا يبادر الناقد بعقد اتفاق مع إحدى دور النشر لإصدار كتاب يضمن فيه قراءاته النقدية للأعمال المسرحية التي شاهدها أو يطرح في هذا الكتاب إحدى الإشكاليات التي لها علاقة بالعملية الإبداعية المسرحية؟

المخرج اليوم يلقى اللوم على النقاد ليبرر فشل عمله، والناقد يبرر فشله بأن الدولة لم توفر له الفضاء المناسب لممارسة النقد، فلماذا لا تكون هناك مبادرات شخصية لإصدار منجز نقدي؟

*كيف تقرأ الرأي الذي يرى في جمهور المسرح أنه "مناسباتي"؟

-الجمهور التونسي لا يعوّض وهو يفوق بأشواط الجماهير العربية الأخرى بدرجة أولى. الجمهور التونسي يقبل على العروض بكثافة ولديه رأي نقدي ورؤى جمالية وفكرية يعبر عنها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال متابعته حلقات النقاش للعروض. لدينا جمهور في تونس هو مكسب للمسرح التونسي. أجمل ما في المسرح التونسي زخم جمهوره.

*كيف تنظر اليوم إلى تجربة مراكز الفنون الدرامية والركحية كناقد مسرحي؟

-لا أنظر إلى هذه التجربة على اعتبار أن هناك من له دراية بوضعها المأساوي لغياب قانون منظم لها.

تساؤلي حول هذه المراكز والمشرفين عليها: هل لدينا في كل ولاية تحتضن هذه المراكز الموارد البشرية التي تحركها؟ وعلينا أن نعرف ما هو الدور الحقيقي لهذه المراكز؟ وأرى أن الأولوية - التي لا مجال للتغاضي عنها - تكون للتكوين، ثم يأتي الحديث عن المراكز الدرامية.

*يتفق أغلب المسرحيين أن قرار حل الفرق الجهوية المحترفة كان له التأثير السلبي على الحركة المسرحية في تونس. إلى أي حد أنت مع هذا الرأي؟

-لا يمكن لي الخوض في هذا الأمر على اعتبار أنني لم أعش ولم أواكب تجربة الفرق الجهوية المسرحية المحترفة.

*ماذا عن تكوين المسرحيين في المعاهد المختصة من وجهة نظرك؟

-تتوفر بلادنا على معهدين للتكوين والدراسة المسرحية، هما المعهد العالي للفن المسرحي بتونس ومعهد الموسيقى والمسرح بالكاف، إلى جانب عدد من الفضاءات الخاصة.

بالنسبة للمعاهد، لاحظنا على امتداد السنوات القليلة الماضية صحوة هامة من خلال تنظيم ندوات كبرى وتربصات هامة. المعهد العالي للفن المسرحي يضم نخبة من الأكاديميين الأفذاذ. ينقص ذلك لفتة من وزارة الإشراف لمنحه خصوصيته الفنية وبعث مخابر بحث ودراسات لمزيد تأطير خريجيه.

بالنسبة للفضاءات الخاصة، أرى أنها كسبت رهان استقطاب جمهور عريض لمتابعة العروض المسرحية ومناقشتها وإبداء الرأي بخصوصها.

*كناقد مسرحي، ماذا تبحث في أي عمل تشاهده؟

-لا أدخل المسرح بمسلمات وانتظارات مسبقة. أبحث في العمل عن ما سيقدمه من طرح جمالي وفكري، ثم أسأل نفسي كيف لي أن أتفاعل مع هذا الطرح الفكري والجمالي الذي يقدمه هذا العمل، لأن الدخول بمسلمات يعني أننا أقمنا جدارًا مع العمل.

وتراني أركز على الجمهور ومدى تفاعله مع العمل وأنتظر الثورة المدهشة التي يمكن أن يقدمها الممثل، لإيماني الراسخ أن الممثل هو الكنز والحامض النووي للمسرح.

*الم تغازلك الكتابة للمسرح وأنت من متابعيه ونقاده؟

-سبق لي أن كتبت العديد من النصوص المسرحية قبل أن يتغير الاهتمام إلى البحوث، وقد أعود إلى الكتابة في أي لحظة.