إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في انتظار الرقمنة و"المواطن الرقيب" .. البيروقراطية تكبل الإدارة التونسية

تونس-الصباح

لا تقدّم دون رقمنة تطال جميع المرافق العمومية والخاصّة وفي جميع المجالات تسهم في القضاء على معضلة البيروقراطية لاسيما في المؤسسات العمومية.. شعار رٌفع في مناسبات عديدة لكن تفعيله على أرض الواقع مازال ضعيفا رغم المحاولات والجهود الرسمية على مدار السنوات الماضية لرقمنة الإدارة وتعصيرها مواكبة لمستجدات العصر ومحاولة للقضاء على الفساد على اعتبار أن الرقمنة ووفقا للخبراء والمختصين في المجال تؤشر إلى الحد من الفساد الإداري..

لكن رغم كل الجهود المبذولة سواء من المؤسسات الرسمية للدولة أو من منظمات وجمعيات المجتمع المدني بقيت مسألة الرقمنة وتعصير الإدارة وتطويرها من الملفات العسيرة على صناع القرار على اعتبار أن نسبة التقدم أو نسبة نجاحها في بعض المرافق تبقى ضئيلة ودون المطلوب.

من هذا المنطلق يعاني المواطن اليوم الويلات من بيروقراطية مقيتة تسهم في تعطيل مصالحه فالبعض يضطر إلى التنقل بين مصالح إدارية مختلفة في مناطق مختلفة من الجمهورية من أجل استخراج وثيقة ما والحال أن هذه الخدمة يمكن لها أن تنجز في حال في ظرف ثواني في حال كانت الرقمنة حاضرة... في حين تٌوجه بعض المرافق أصابع الاتهام إلى المواطن بعينه الذي لم يتمكن بعد من آليات الرقمنة (خاصة فيما يتعلق باستخلاص فواتير الكهرباء والغاز) على اعتبار أن هذه المرافق قد اعتمدت على الرقمنة غير أن الإشكاليات والعراقيل التي تواجهها تتمثل في كون المواطن لم يتفاعل مع المنظومة الرقمية الموضوعة على ذمته..

من جانب آخر وبعيدا عن المعاملات اليومية التي يعاني منها المواطن في بعض المؤسسات العمومية جدير بالذكر أن البيروقراطية أو عدم السعي إلى تفعيل الرقمنة كضرورة ملحة اليوم يحول دون تحقيق التنمية والاستثمار المنشود للنهوض بالمجال الاقتصادي على اعتبار أن المستثمرين قد ملوا وسئموا من التعقيدات الإدارية التي تكبل وتعيق سير عملهم حتى أن كثيرا منهم اضطر إلى إلغاء مشروعه جراء هذه الإشكاليات..

"الصباح" ومن خلال هذه المساحة فتحت ملف البيروقراطية الإدارية وأهمية التعويل على الرقمنة اليوم كخيار استراتيجي يٌسهم في الحد من الفساد أولا ويحقق التنمية المنشودة ثانيا خاصة وأن تونس احتضنت مؤخرا مؤتمرا لتعزيز الرقمنة والذكاء الاصطناعي... ولا نروم عبر هذه المساحة توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف بعينها بقدر ما نروم تسليط الضوء على مواطن الداء حتى يتسنى تجاوز كلّ العراقيل التي تحول دون تحقيق الرقمنة وتعصير الإدارة خاصة وأن الرقمنة تعتبر مفتاحا للتقدم والتطور لاسيما أن البعض يعتبر أنه لا حديث عن استثمارات دون توفير أرضية ملائمة لها قوامها إدارة متطورة وعصرية سواء كانت في القطاع العمومي أو الخاص.

ولعل السؤال الذي يطرح بإلحاح:"كيف لبعض المؤسسات والمرافق العمومية أن تلتحق بركب الرقمنة والحال أن مصالح وزارة الاتصال تعكف حاليا على إعداد الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي للسنوات العشر المقبلة بالتعاون مع مختلف الأطراف المتداخلة؟".

اقتصاد رقمي

في هذا الخصوص وبالعودة إلى الجهود الرسمية للإصلاح الإداري ورقمنة الإدارة خاصة وأننا نعيش زمن الذكاء الاصطناعي، جدير بالذكر أن وزير تكنولوجيات الاتصال سفيان الهميسي كان قد أورد مؤخرا أن تونس ومن خلال عديد الإصلاحات وخاصة من خلال إستراتيجيتها الوطنية لتعزيز الجانب الرقمي تسعى إلى بناء اقتصاد رقمي تنافسي يساهم في تحقيق أهدافها الاجتماعية".

وأشار الهميسي في افتتاح أشغال الدورة العاشرة للمنتدى الدولي لمديري النظم المعلوماتية، المنتظم بالحمّامات من 7 إلى 9 نوفمبر 2024 إلى أنّ اللقاء، الذّي ينتظم تحت شعار «10 سنوات من التحول الرقمي وماذا بعد؟»، بمشاركة عديد المختصين من تونس من القطاعين العمومي والخاص ومن بلدان إفريقية يشكل فرصة لتبادل الخبرات وتدارس أحدث التطوّرات التكنولوجية لكسب تحدي الانتقال الرقمي بالنسبة لتونس ولإفريقيا وبناء مستقبل رقمي آمن ومزدهر.

عائق أمام التنمية والتقدم.

وأمام التحديات الراهنة التي يفرضها زحف الذكاء الاصطناعي تظل بعض المرافق العمومية كما الخاصة من إدارات عمومية ومؤسسات تشكل عائقا أمام التنمية والتقدم. وفي هذا السياق جدير بالذكر أن عديد من الخبراء كانوا قد أوردوا سابقا في معرض تصريحاتهم الإعلامية لـ"الصباح" أنه يتعين اليوم أخذ مسألة تعصير الإدارة وتطوير خدماتها رقميا وتكنولوجيا على محمل الجد إذا كنا فعلا نروم التقدم والالتحاق بمصاف الدول التي قطعت أشواطا هامة في مجال الرقمنة مشيرين إلى أنه لا يمكن الحديث عن استثمار أو مشاريع في ظل الإجراءات والتعقيدات الإدارية الموجودة.

تغيير للعقليات الرافضة للرقمنة

من جهة أخرى وفي نفس الاتجاه جدير بالذكر أن تونس قد انخرطت منذ سنوات في مسار الرقمنة والإصلاح الإداري لكن المواطن العادي لم يلمس فعلا هذه الرقمنة على اعتبار أن بعض الخدمات لا زالت تستوجب التنقل إلى الإدارة لقضائها. وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن عضو الجمعية التونسية للمراقبين العموميين شرف الدين اليعقوبي كان قد أورد في معرض تصريحاته الإعلامية أن ''الرقمنة تعني المستقبل'' بمعنى أنّ رقمنة الخدمات يجب أن تكون في قلب أي إصلاح إداري وأنّ الرقمنة يجب أن تكون إستراتيجية دولة ككلّ وخلق تصور جديد كامل في طريقة التعامل مع الإدارة لتصبح الرقمنة هي الأساس والوثائق هي الاستثناء ولتونس كفاءات وخبرات تمكّنها من تحقيق ذلك، مشيرا إلى أن الأهم من وجهة نظره هو كيفية تغيير العقلية الرافضة للرقمنة وذلك لا يكون إلاّ عبر تغيير القوانين وتعميم الرقمنة على كل الإدارات والمؤسسات وتطوير الأرضية التكنولوجية والعمل على بناء الثقة بين التونسي والرقمنة هذا بالتوازي مع تجميع الخدمات الالكترونية في موقع واحد مبسّط موضحا في الإطار نفسه أن اغلب الخدمات ما تزال تستوجب التنقل إلى الإدارة من جهة على اعتبار أن المواطن بدوره ثقته معدومة في الخدمات الالكتروني، إضافة إلى عدم توفّر الخدمات الالكترونية لجميع المواطنين بسبب عدم توفر الانترنت...

الكفاءة المطلوبة

 من جانب آخر وتفاعلا مع الإشكاليات التي تحول دون تعصير الإدارة ورقمنتها يشير الأستاذ السابق بالمدرسة القومية للإدارة محمد الضيفي في تصريح لـ"الصباح" أنه وقبل الخوض في مسألة الرقمنة وتعصير الإدارة لا بد أولا من أن يحظى جميع الأعوان والموظفين بالكفاءة اللازمة وأن تكون لديهم صلة بجميع الأدوات والوسائل العصرية مشددا على أن الكفاءة من العناصر الضرورية للتعامل مع جميع التقنيات والوسائل العصرية. وفسر محدثنا في هذا الإطار أنه لا بد أن يحظى العنصر البشري بالتكوين الضروري في مجال الرقمنة موضحا أن عدم تشبيب الإدارة وغلق باب الانتدابات أشّر إلى عدم امتلاك الأعوان لآليات الرقمنة. واعتبر الأستاذ السابق بالمدرسة القومية للإدارة من جانب آخر أن الرقمنة تتطلب إمكانيات واعتمادات ضخمة وبالتالي وإزاء غياب الإمكانيات المادية لدى المؤسسات خاصة العمومية منها لإدخال التقنيات العصرية في مختلف الفرق الإدارية إلى جانب غياب التكوين في المجال الرقمي جميعها أساب حالت دون تعصير الإدارة ومواكبتها لمستجدات العصر.

من جانب آخر وفي السياق ذاته تطرق محدثنا إلى عقلية المواطن التونسي التي لم تتطوّر بعد لتدرك ما هو أهم وما هو عصري، مشيرا إلى أن المواطن التونسي تعتبر فئة منه غير قادرة وغير متمكنة من مختلف آليات الرقمنة. وفسر الضيفي أن عدم تمكن المواطن وإلمامه بالآليات التقنية نلمسه خاصة من خلال التعاطي مع خلاص فواتير الكهرباء والغاز .

واعتبر محدثنا من جانب آخر أنه قد تكون هنالك بعض الغايات لعدم سعي بعض المرافق إلى تعصير إدارتها خاصة وأن الرّقمنة تحول دون الفساد ودون تسرب الممارسات غير النزيهة إلى الإدارة التونسية. ليخلص محدثنا إلى القول بان الإصلاح الإداري المقترن بالرقمنة يظل ملفا متشابكا ومتداخلا على اعتبار أنه يرزح بين فئة من المواطنين تظل غير متمكنة من الرقمنة وبين غياب الإرادة لدى بعض المرافق لتعصير فرقها الإدارية لاسيما في بعض القطاعات على غرار المجال البنكي. ليشير الضيفي في هذا الإطار إلى أن القطاع البنكي الخاص يوفر خدمات يفتقر إليها القطاع العمومي على التحويل المالي.

المواطن الرقيب

أما بخصوص المواطن الرقيب الذي يعود إحداثه إلى سنة 1993صلب رئاسة الحكومة في إطار رؤية تهدف إلى تحسين علاقة الإدارة بالمواطن ومزيد الإصغاء إلى مشاغله والرفع من جودة الخدمات الإدارية المسداة إليه أورد محدثنا أنه يعتبر آلية هامة جدا بما أنه يتولى مهمة المراقبة في مختلف المصالح الإدارية من خلال القيام بعمليات حقيقية كطلب وثيقة أو خدمة كسائر المواطنين لدى المصالح العمومية قصد معاينة جودة خدماتها الإدارية وظروف إسدائها وملاحظة سلوك الأعوان العموميين وكيفية أدائهم لمهامهم.

وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن التقرير السنوي الثلاثين حول نشاط فريق المواطن الرقيب لسنة 2023، بين أن من أبرز الملاحظات التي تمخضت عن الزيارات الميدانية لفريق المواطن الرقيب أن بعض المصالح العمومية خاصة بالجهات الداخلية، ما تزال تفتقر إلى بعض مقومات الاستقبال ويحتاج الأعوان المكلفون بوظيفة الاستقبال إلى مزيد التأهيل وتنمية مهاراتهم الاتصالية والسلوكية لتأمين القبول الحسن لطالبي الخدمات. كما ورد بالتقرير أيضا أن فريق المواطن الرقيب في نفس السياق، سجل سلبيات عديدة مثل "طول الانتظار وتواصل حالات الاكتظاظ خاصة خلال فترات الذروة، وعدم احترام آجال إسداء الخدمة، ووجود تعقيدات على مستوى الإجراءات وتعدد الوثائق المطلوبة لتكوين الملفات الإدارية، وتشعب المسالك المتشعبة للحصول على الخدمة، إضافة إلى النقص في تفاعل بعض الوزارات والهياكل العمومية مع مشاغل المواطنين عبر التراسل الالكتروني وبواسطة الهاتف. إلى جانب "البطء الملحوظ في اتخاذ بعض القرارات من المستوى المركزي إلى الجهوي والمحلي وهي جميعها عوامل أثرت على نوعية الخدمة الإدارية العمومية ودرجة رضا المواطنين وأحدثت انطباعا سلبيا لديهم..".

وقدم التقرير عددا من التوصيات، من أهمها "تبسيط الإجراءات والمسالك الإدارية والحد من التعقيدات والحرص على متابعة تنفيذها"، و"تحيين أدلة الإجراءات وتعميمها لتوحيد طرق العمل وتفادي الاجتهادات والتأويلات الخاطئة"، و"تقريب الخدمات الإدارية من المواطنين وخاصة بالجهات الداخلية من خلال تعميم دور الخدمات العمومية ونقاط الإدارة السريعة تكريسا لمبدأ المساواة أمام المرفق العام".

كما أوصى فريق المواطن الرقيب بـ"تحسين ظروف العمل بالمصالح العمومية وتوفير الوسائل الضرورية واستغلال ما تتيحه التقنيات الحديثة للاتصالات من إمكانيات لمعالجة المطالب بالسرعة والنجاعة والتقليص قدر الإمكان من تردد المواطنين على المصالح العمومية لإيداع ملفاتهم ومتابعة مآلها".

كما دعا إلى "وضع المزيد من الخدمات الإدارية على الخط والتعريف بها لتقريبها من المواطن وتجنيبه عناء التنقل والانتظار وتطوير مواقع الواب العمومية والحرص على تحيينها الدوري وإدراج المعطيات الضرورية بها تطبيقا للتراتيب الجاري بها العمل وتقييم محتواها والرد على المراسلات الالكترونية للمواطنين في الآجال القانونية في إطار التفاعل الايجابي مع مشاغل المواطنين والرد على مختلف تساؤلاتهم".

لا بد من تدعيم شبكة الانترنات

في هذا الخضم وبالعودة إلى أهمية أن تواكب اليوم مختلف المؤسسات والمرافق العمومية التحولات الرقمية وأن تعتمد على الرقمنة كخيار يقطع مع جميع التعقيدات الإدارية ضمانا لحسن وجودة خدماتها تشير بعض الأطراف إلى أن الرقمنة لن تنجح دون توفير أرضية ملائمة لها. وهذا يستوجب العمل على تطوير شبكة الانترنات والترفيع من سرعة تدفقها لاسيما في المناطق الداخلية التي تفتقر الكثير منها اليوم إلى تغطية جيدة.

تجدر الإشارة إلى أن لجنة تنظيم الإدارة وتطويرها والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد صلب البرلمان تعمل على مراجعة بعض القوانين بما يسمح بتسيير المعاملات الإدارية والتقليص من الشكليات لكن من الضروري أن يكون الإصلاح مبنيا على رقمنة مع القطع كليا مع منظومة الوثائق والأوراق المستخرجة من الإدارات وبعض المكاتب.

يذكر أن رئيس لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان رضا الدلاعي كان قد أورد على هامش تصريحاته الإعلامية أن «الإصلاح الإداري بدأ منذ سنة 2015 ومازال في خطواته الأولى وتوقف لفترة طويلة في ظل تعدد الحكومات، وبعد 25 جويلية تحررت الإدارة نسبيا ولذلك تشتغل الحكومة الآن بوتيرة متقدمة، مشيرا في السياق ذاته إلى أن التصور للإصلاح الإداري أصبح واضحا اليوم في محور الرقمنة، حيث سيتم إصدار أمر حكومي لتيسير المعاملات الإدارية والحد من الوثائق في مجال المناظرات، وسيخول لكل من وزارة التربية والتشغيل والتكوين المهني والتعليم العالي وضع منظومة رقمية للشهائد العلمية المتاحة لتفادي التزوير، مضيفا أن هذا يعتبر ثورة في اتجاه الحد من اعتماد الوثائق ومكافحة التزوير والفساد في تعاطي المواطن مع الإدارة معتبرا أن »تونس متأخرة في هذا الجانب لذلك يجب الذهاب إلى مشاريع تعصير الإدارة وتوفير الأدوات الحقيقية للقضاء على الفساد من خلال دراسة التجارب المقارنة".

منال حرزي

 

 

 

 

 

 

 

في انتظار الرقمنة و"المواطن الرقيب" ..  البيروقراطية تكبل الإدارة التونسية

تونس-الصباح

لا تقدّم دون رقمنة تطال جميع المرافق العمومية والخاصّة وفي جميع المجالات تسهم في القضاء على معضلة البيروقراطية لاسيما في المؤسسات العمومية.. شعار رٌفع في مناسبات عديدة لكن تفعيله على أرض الواقع مازال ضعيفا رغم المحاولات والجهود الرسمية على مدار السنوات الماضية لرقمنة الإدارة وتعصيرها مواكبة لمستجدات العصر ومحاولة للقضاء على الفساد على اعتبار أن الرقمنة ووفقا للخبراء والمختصين في المجال تؤشر إلى الحد من الفساد الإداري..

لكن رغم كل الجهود المبذولة سواء من المؤسسات الرسمية للدولة أو من منظمات وجمعيات المجتمع المدني بقيت مسألة الرقمنة وتعصير الإدارة وتطويرها من الملفات العسيرة على صناع القرار على اعتبار أن نسبة التقدم أو نسبة نجاحها في بعض المرافق تبقى ضئيلة ودون المطلوب.

من هذا المنطلق يعاني المواطن اليوم الويلات من بيروقراطية مقيتة تسهم في تعطيل مصالحه فالبعض يضطر إلى التنقل بين مصالح إدارية مختلفة في مناطق مختلفة من الجمهورية من أجل استخراج وثيقة ما والحال أن هذه الخدمة يمكن لها أن تنجز في حال في ظرف ثواني في حال كانت الرقمنة حاضرة... في حين تٌوجه بعض المرافق أصابع الاتهام إلى المواطن بعينه الذي لم يتمكن بعد من آليات الرقمنة (خاصة فيما يتعلق باستخلاص فواتير الكهرباء والغاز) على اعتبار أن هذه المرافق قد اعتمدت على الرقمنة غير أن الإشكاليات والعراقيل التي تواجهها تتمثل في كون المواطن لم يتفاعل مع المنظومة الرقمية الموضوعة على ذمته..

من جانب آخر وبعيدا عن المعاملات اليومية التي يعاني منها المواطن في بعض المؤسسات العمومية جدير بالذكر أن البيروقراطية أو عدم السعي إلى تفعيل الرقمنة كضرورة ملحة اليوم يحول دون تحقيق التنمية والاستثمار المنشود للنهوض بالمجال الاقتصادي على اعتبار أن المستثمرين قد ملوا وسئموا من التعقيدات الإدارية التي تكبل وتعيق سير عملهم حتى أن كثيرا منهم اضطر إلى إلغاء مشروعه جراء هذه الإشكاليات..

"الصباح" ومن خلال هذه المساحة فتحت ملف البيروقراطية الإدارية وأهمية التعويل على الرقمنة اليوم كخيار استراتيجي يٌسهم في الحد من الفساد أولا ويحقق التنمية المنشودة ثانيا خاصة وأن تونس احتضنت مؤخرا مؤتمرا لتعزيز الرقمنة والذكاء الاصطناعي... ولا نروم عبر هذه المساحة توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف بعينها بقدر ما نروم تسليط الضوء على مواطن الداء حتى يتسنى تجاوز كلّ العراقيل التي تحول دون تحقيق الرقمنة وتعصير الإدارة خاصة وأن الرقمنة تعتبر مفتاحا للتقدم والتطور لاسيما أن البعض يعتبر أنه لا حديث عن استثمارات دون توفير أرضية ملائمة لها قوامها إدارة متطورة وعصرية سواء كانت في القطاع العمومي أو الخاص.

ولعل السؤال الذي يطرح بإلحاح:"كيف لبعض المؤسسات والمرافق العمومية أن تلتحق بركب الرقمنة والحال أن مصالح وزارة الاتصال تعكف حاليا على إعداد الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي للسنوات العشر المقبلة بالتعاون مع مختلف الأطراف المتداخلة؟".

اقتصاد رقمي

في هذا الخصوص وبالعودة إلى الجهود الرسمية للإصلاح الإداري ورقمنة الإدارة خاصة وأننا نعيش زمن الذكاء الاصطناعي، جدير بالذكر أن وزير تكنولوجيات الاتصال سفيان الهميسي كان قد أورد مؤخرا أن تونس ومن خلال عديد الإصلاحات وخاصة من خلال إستراتيجيتها الوطنية لتعزيز الجانب الرقمي تسعى إلى بناء اقتصاد رقمي تنافسي يساهم في تحقيق أهدافها الاجتماعية".

وأشار الهميسي في افتتاح أشغال الدورة العاشرة للمنتدى الدولي لمديري النظم المعلوماتية، المنتظم بالحمّامات من 7 إلى 9 نوفمبر 2024 إلى أنّ اللقاء، الذّي ينتظم تحت شعار «10 سنوات من التحول الرقمي وماذا بعد؟»، بمشاركة عديد المختصين من تونس من القطاعين العمومي والخاص ومن بلدان إفريقية يشكل فرصة لتبادل الخبرات وتدارس أحدث التطوّرات التكنولوجية لكسب تحدي الانتقال الرقمي بالنسبة لتونس ولإفريقيا وبناء مستقبل رقمي آمن ومزدهر.

عائق أمام التنمية والتقدم.

وأمام التحديات الراهنة التي يفرضها زحف الذكاء الاصطناعي تظل بعض المرافق العمومية كما الخاصة من إدارات عمومية ومؤسسات تشكل عائقا أمام التنمية والتقدم. وفي هذا السياق جدير بالذكر أن عديد من الخبراء كانوا قد أوردوا سابقا في معرض تصريحاتهم الإعلامية لـ"الصباح" أنه يتعين اليوم أخذ مسألة تعصير الإدارة وتطوير خدماتها رقميا وتكنولوجيا على محمل الجد إذا كنا فعلا نروم التقدم والالتحاق بمصاف الدول التي قطعت أشواطا هامة في مجال الرقمنة مشيرين إلى أنه لا يمكن الحديث عن استثمار أو مشاريع في ظل الإجراءات والتعقيدات الإدارية الموجودة.

تغيير للعقليات الرافضة للرقمنة

من جهة أخرى وفي نفس الاتجاه جدير بالذكر أن تونس قد انخرطت منذ سنوات في مسار الرقمنة والإصلاح الإداري لكن المواطن العادي لم يلمس فعلا هذه الرقمنة على اعتبار أن بعض الخدمات لا زالت تستوجب التنقل إلى الإدارة لقضائها. وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن عضو الجمعية التونسية للمراقبين العموميين شرف الدين اليعقوبي كان قد أورد في معرض تصريحاته الإعلامية أن ''الرقمنة تعني المستقبل'' بمعنى أنّ رقمنة الخدمات يجب أن تكون في قلب أي إصلاح إداري وأنّ الرقمنة يجب أن تكون إستراتيجية دولة ككلّ وخلق تصور جديد كامل في طريقة التعامل مع الإدارة لتصبح الرقمنة هي الأساس والوثائق هي الاستثناء ولتونس كفاءات وخبرات تمكّنها من تحقيق ذلك، مشيرا إلى أن الأهم من وجهة نظره هو كيفية تغيير العقلية الرافضة للرقمنة وذلك لا يكون إلاّ عبر تغيير القوانين وتعميم الرقمنة على كل الإدارات والمؤسسات وتطوير الأرضية التكنولوجية والعمل على بناء الثقة بين التونسي والرقمنة هذا بالتوازي مع تجميع الخدمات الالكترونية في موقع واحد مبسّط موضحا في الإطار نفسه أن اغلب الخدمات ما تزال تستوجب التنقل إلى الإدارة من جهة على اعتبار أن المواطن بدوره ثقته معدومة في الخدمات الالكتروني، إضافة إلى عدم توفّر الخدمات الالكترونية لجميع المواطنين بسبب عدم توفر الانترنت...

الكفاءة المطلوبة

 من جانب آخر وتفاعلا مع الإشكاليات التي تحول دون تعصير الإدارة ورقمنتها يشير الأستاذ السابق بالمدرسة القومية للإدارة محمد الضيفي في تصريح لـ"الصباح" أنه وقبل الخوض في مسألة الرقمنة وتعصير الإدارة لا بد أولا من أن يحظى جميع الأعوان والموظفين بالكفاءة اللازمة وأن تكون لديهم صلة بجميع الأدوات والوسائل العصرية مشددا على أن الكفاءة من العناصر الضرورية للتعامل مع جميع التقنيات والوسائل العصرية. وفسر محدثنا في هذا الإطار أنه لا بد أن يحظى العنصر البشري بالتكوين الضروري في مجال الرقمنة موضحا أن عدم تشبيب الإدارة وغلق باب الانتدابات أشّر إلى عدم امتلاك الأعوان لآليات الرقمنة. واعتبر الأستاذ السابق بالمدرسة القومية للإدارة من جانب آخر أن الرقمنة تتطلب إمكانيات واعتمادات ضخمة وبالتالي وإزاء غياب الإمكانيات المادية لدى المؤسسات خاصة العمومية منها لإدخال التقنيات العصرية في مختلف الفرق الإدارية إلى جانب غياب التكوين في المجال الرقمي جميعها أساب حالت دون تعصير الإدارة ومواكبتها لمستجدات العصر.

من جانب آخر وفي السياق ذاته تطرق محدثنا إلى عقلية المواطن التونسي التي لم تتطوّر بعد لتدرك ما هو أهم وما هو عصري، مشيرا إلى أن المواطن التونسي تعتبر فئة منه غير قادرة وغير متمكنة من مختلف آليات الرقمنة. وفسر الضيفي أن عدم تمكن المواطن وإلمامه بالآليات التقنية نلمسه خاصة من خلال التعاطي مع خلاص فواتير الكهرباء والغاز .

واعتبر محدثنا من جانب آخر أنه قد تكون هنالك بعض الغايات لعدم سعي بعض المرافق إلى تعصير إدارتها خاصة وأن الرّقمنة تحول دون الفساد ودون تسرب الممارسات غير النزيهة إلى الإدارة التونسية. ليخلص محدثنا إلى القول بان الإصلاح الإداري المقترن بالرقمنة يظل ملفا متشابكا ومتداخلا على اعتبار أنه يرزح بين فئة من المواطنين تظل غير متمكنة من الرقمنة وبين غياب الإرادة لدى بعض المرافق لتعصير فرقها الإدارية لاسيما في بعض القطاعات على غرار المجال البنكي. ليشير الضيفي في هذا الإطار إلى أن القطاع البنكي الخاص يوفر خدمات يفتقر إليها القطاع العمومي على التحويل المالي.

المواطن الرقيب

أما بخصوص المواطن الرقيب الذي يعود إحداثه إلى سنة 1993صلب رئاسة الحكومة في إطار رؤية تهدف إلى تحسين علاقة الإدارة بالمواطن ومزيد الإصغاء إلى مشاغله والرفع من جودة الخدمات الإدارية المسداة إليه أورد محدثنا أنه يعتبر آلية هامة جدا بما أنه يتولى مهمة المراقبة في مختلف المصالح الإدارية من خلال القيام بعمليات حقيقية كطلب وثيقة أو خدمة كسائر المواطنين لدى المصالح العمومية قصد معاينة جودة خدماتها الإدارية وظروف إسدائها وملاحظة سلوك الأعوان العموميين وكيفية أدائهم لمهامهم.

وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن التقرير السنوي الثلاثين حول نشاط فريق المواطن الرقيب لسنة 2023، بين أن من أبرز الملاحظات التي تمخضت عن الزيارات الميدانية لفريق المواطن الرقيب أن بعض المصالح العمومية خاصة بالجهات الداخلية، ما تزال تفتقر إلى بعض مقومات الاستقبال ويحتاج الأعوان المكلفون بوظيفة الاستقبال إلى مزيد التأهيل وتنمية مهاراتهم الاتصالية والسلوكية لتأمين القبول الحسن لطالبي الخدمات. كما ورد بالتقرير أيضا أن فريق المواطن الرقيب في نفس السياق، سجل سلبيات عديدة مثل "طول الانتظار وتواصل حالات الاكتظاظ خاصة خلال فترات الذروة، وعدم احترام آجال إسداء الخدمة، ووجود تعقيدات على مستوى الإجراءات وتعدد الوثائق المطلوبة لتكوين الملفات الإدارية، وتشعب المسالك المتشعبة للحصول على الخدمة، إضافة إلى النقص في تفاعل بعض الوزارات والهياكل العمومية مع مشاغل المواطنين عبر التراسل الالكتروني وبواسطة الهاتف. إلى جانب "البطء الملحوظ في اتخاذ بعض القرارات من المستوى المركزي إلى الجهوي والمحلي وهي جميعها عوامل أثرت على نوعية الخدمة الإدارية العمومية ودرجة رضا المواطنين وأحدثت انطباعا سلبيا لديهم..".

وقدم التقرير عددا من التوصيات، من أهمها "تبسيط الإجراءات والمسالك الإدارية والحد من التعقيدات والحرص على متابعة تنفيذها"، و"تحيين أدلة الإجراءات وتعميمها لتوحيد طرق العمل وتفادي الاجتهادات والتأويلات الخاطئة"، و"تقريب الخدمات الإدارية من المواطنين وخاصة بالجهات الداخلية من خلال تعميم دور الخدمات العمومية ونقاط الإدارة السريعة تكريسا لمبدأ المساواة أمام المرفق العام".

كما أوصى فريق المواطن الرقيب بـ"تحسين ظروف العمل بالمصالح العمومية وتوفير الوسائل الضرورية واستغلال ما تتيحه التقنيات الحديثة للاتصالات من إمكانيات لمعالجة المطالب بالسرعة والنجاعة والتقليص قدر الإمكان من تردد المواطنين على المصالح العمومية لإيداع ملفاتهم ومتابعة مآلها".

كما دعا إلى "وضع المزيد من الخدمات الإدارية على الخط والتعريف بها لتقريبها من المواطن وتجنيبه عناء التنقل والانتظار وتطوير مواقع الواب العمومية والحرص على تحيينها الدوري وإدراج المعطيات الضرورية بها تطبيقا للتراتيب الجاري بها العمل وتقييم محتواها والرد على المراسلات الالكترونية للمواطنين في الآجال القانونية في إطار التفاعل الايجابي مع مشاغل المواطنين والرد على مختلف تساؤلاتهم".

لا بد من تدعيم شبكة الانترنات

في هذا الخضم وبالعودة إلى أهمية أن تواكب اليوم مختلف المؤسسات والمرافق العمومية التحولات الرقمية وأن تعتمد على الرقمنة كخيار يقطع مع جميع التعقيدات الإدارية ضمانا لحسن وجودة خدماتها تشير بعض الأطراف إلى أن الرقمنة لن تنجح دون توفير أرضية ملائمة لها. وهذا يستوجب العمل على تطوير شبكة الانترنات والترفيع من سرعة تدفقها لاسيما في المناطق الداخلية التي تفتقر الكثير منها اليوم إلى تغطية جيدة.

تجدر الإشارة إلى أن لجنة تنظيم الإدارة وتطويرها والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد صلب البرلمان تعمل على مراجعة بعض القوانين بما يسمح بتسيير المعاملات الإدارية والتقليص من الشكليات لكن من الضروري أن يكون الإصلاح مبنيا على رقمنة مع القطع كليا مع منظومة الوثائق والأوراق المستخرجة من الإدارات وبعض المكاتب.

يذكر أن رئيس لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان رضا الدلاعي كان قد أورد على هامش تصريحاته الإعلامية أن «الإصلاح الإداري بدأ منذ سنة 2015 ومازال في خطواته الأولى وتوقف لفترة طويلة في ظل تعدد الحكومات، وبعد 25 جويلية تحررت الإدارة نسبيا ولذلك تشتغل الحكومة الآن بوتيرة متقدمة، مشيرا في السياق ذاته إلى أن التصور للإصلاح الإداري أصبح واضحا اليوم في محور الرقمنة، حيث سيتم إصدار أمر حكومي لتيسير المعاملات الإدارية والحد من الوثائق في مجال المناظرات، وسيخول لكل من وزارة التربية والتشغيل والتكوين المهني والتعليم العالي وضع منظومة رقمية للشهائد العلمية المتاحة لتفادي التزوير، مضيفا أن هذا يعتبر ثورة في اتجاه الحد من اعتماد الوثائق ومكافحة التزوير والفساد في تعاطي المواطن مع الإدارة معتبرا أن »تونس متأخرة في هذا الجانب لذلك يجب الذهاب إلى مشاريع تعصير الإدارة وتوفير الأدوات الحقيقية للقضاء على الفساد من خلال دراسة التجارب المقارنة".

منال حرزي