إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. خَطْبٌ ما في مسار الدولة الاجتماعية!

 

المؤشرات السلبية للفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتردّي الخدمات العمومية من صحة ونقل وتعليم، تجهز، دائما على فكرة الدولة الاجتماعية وتقلَص مساحات حضورها في ذهن المواطنين وفي حياتهم اليومية.. إلى جانب المشاكل الأخرى التي تختلف باختلاف المجتمعات وخصوصياتها، وتونس منذ دولة الاستقلال لم تتخلّ عن فكرة الدولة الاجتماعية كركيزة أساسية في أية منظومة حكم عرفتها البلاد، ولكن هل نجحت أية منظومة حكم منذ الاستقلال إلى اليوم في إرساء مقومات حقيقية لدولة اجتماعية؟

الإجابة، قطعا لا، ففكرة الدولة الاجتماعية ظلّت فكرة غير مكتملة ومبتورة وبعيدة عن مفهومها الأساسي القائم على تدخّل الدولة لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن رغم كل الوعود والنوايا الحسنة..

اليوم ترفع الحكومة شعار »دعم مقوّمات الدولة الاجتماعية وسياسة التعويل على الذات «في إطار السياسات الجديدة للحكم التي ترتكز على ضرورة تخفيف العبء على الطبقات الهشة في إطار من العدالة الاجتماعية واحترام السيادة الوطنية وضرب مراكز النفوذ العابثة بالمقدّرات الوطنية في مختلف القطاعات، ولكن الواقع والنتائج لا يبدوان منسجمين تماما مع النوايا، وإذا كان هذا الأمر يبرّر بأن الوصول إلى فكرة دولة اجتماعية فاعلة ومؤثرة يتطلّب قبل ذلك قدرا من التضحيات والتحمّل وتقاسم الأعباء بين الحكومة والشعب، إلا أن هذا التبرير يطرح تساؤلات حول نجاعة الإجراءات والتشريعات المتخذة إلى حد الآن لترسيخ فكرة الدولة الاجتماعية..

 الواقع يشير إلى عدم وجود مؤشرات إيجابية بشأن حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فالأسعار غير مستقرّة وبعض المواد الغذائية بدورها غير مستقرّة في توزيعها وتوفّرها، ونسب البطالة والفقر مازالا مرتفعين وبعيدين عن المعدّلات المقبولة بالنسبة للمجتمعات النامية دون وجود برامج وطنية واضحة لمكافحة الفقر ورفع التهميش الاجتماعي وتحسين ظروف عيش الفئات الهشة والضعيفة اجتماعيا في المدن أو في المناطق الريفية باستثناء تلك الزيادة الطفيفة في المنح الاجتماعية أو إقرار منح استثنائية في مناسبات معينة كالعودة المدرسية أو الأعياد، وهي كلها حلول مؤقتة وتأثيرها الإيجابي مؤقت، ونفس الأمر ينطبق على نسب البطالة التي مازالت مرتفعة وخاصة في صفوف الشباب في ظل غياب مشاريع استثمارية وتنموية عملاقة قادرة على امتصاص تضخّم تلك النسبة بشكل سريع وفي غضون سنوات قليلة، والإجراءات المتخذة إلى الآن من خلال المراهنة على خيار دعم الاقتصاد الاجتماعي وعنوانه اليوم الشركات الأهلية، لا يمكن الجزم بأنها أفضل ما يمكن فعله..

ولعل أكثر ما يمسّ من فكرة الدولة الاجتماعية هو تردّي الخدمات العمومية من صحة ونقل وتعليم، فضعف الإمكانيات وانعدامها في الغالب انعكس سلبا على الخدمة الصحية في أغلب المستشفيات العمومية حيث تتكثّف معاناة المرضى وتتضاعف، ونفس الشيء يكاد ينطبق على خدمة النقل والتي تشهد تراجعا متواصلا منذ سنوات ودون حلول جذرية ولا استراتيجية واضحة للنهوض بهذه الخدمة بما يمنع معاناة المواطنين اليومية والمتكرّرة ويمنع خاصة الانتصاب العشوائي لتطبيقات النقل الخاصّ التي باتت محلّ استياء وتذمّر اجتماعي واسع وهو ما يفرض على وزارة النقل إيجاد حلول عاجلة ودون تأخير ..

وكما الصحة والنقل ما زال التعليم كخدمة عمومية دون المستوى المأمول وبعيدا عن هدف تحويل المدرسة إلى فضاء تربوي حقيقي منتج للمعرفة والقيم في مجتمع يقوم على العدالة الاجتماعية ولا يعيشها فقط كفكرة طموحة!

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

 

المؤشرات السلبية للفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتردّي الخدمات العمومية من صحة ونقل وتعليم، تجهز، دائما على فكرة الدولة الاجتماعية وتقلَص مساحات حضورها في ذهن المواطنين وفي حياتهم اليومية.. إلى جانب المشاكل الأخرى التي تختلف باختلاف المجتمعات وخصوصياتها، وتونس منذ دولة الاستقلال لم تتخلّ عن فكرة الدولة الاجتماعية كركيزة أساسية في أية منظومة حكم عرفتها البلاد، ولكن هل نجحت أية منظومة حكم منذ الاستقلال إلى اليوم في إرساء مقومات حقيقية لدولة اجتماعية؟

الإجابة، قطعا لا، ففكرة الدولة الاجتماعية ظلّت فكرة غير مكتملة ومبتورة وبعيدة عن مفهومها الأساسي القائم على تدخّل الدولة لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن رغم كل الوعود والنوايا الحسنة..

اليوم ترفع الحكومة شعار »دعم مقوّمات الدولة الاجتماعية وسياسة التعويل على الذات «في إطار السياسات الجديدة للحكم التي ترتكز على ضرورة تخفيف العبء على الطبقات الهشة في إطار من العدالة الاجتماعية واحترام السيادة الوطنية وضرب مراكز النفوذ العابثة بالمقدّرات الوطنية في مختلف القطاعات، ولكن الواقع والنتائج لا يبدوان منسجمين تماما مع النوايا، وإذا كان هذا الأمر يبرّر بأن الوصول إلى فكرة دولة اجتماعية فاعلة ومؤثرة يتطلّب قبل ذلك قدرا من التضحيات والتحمّل وتقاسم الأعباء بين الحكومة والشعب، إلا أن هذا التبرير يطرح تساؤلات حول نجاعة الإجراءات والتشريعات المتخذة إلى حد الآن لترسيخ فكرة الدولة الاجتماعية..

 الواقع يشير إلى عدم وجود مؤشرات إيجابية بشأن حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فالأسعار غير مستقرّة وبعض المواد الغذائية بدورها غير مستقرّة في توزيعها وتوفّرها، ونسب البطالة والفقر مازالا مرتفعين وبعيدين عن المعدّلات المقبولة بالنسبة للمجتمعات النامية دون وجود برامج وطنية واضحة لمكافحة الفقر ورفع التهميش الاجتماعي وتحسين ظروف عيش الفئات الهشة والضعيفة اجتماعيا في المدن أو في المناطق الريفية باستثناء تلك الزيادة الطفيفة في المنح الاجتماعية أو إقرار منح استثنائية في مناسبات معينة كالعودة المدرسية أو الأعياد، وهي كلها حلول مؤقتة وتأثيرها الإيجابي مؤقت، ونفس الأمر ينطبق على نسب البطالة التي مازالت مرتفعة وخاصة في صفوف الشباب في ظل غياب مشاريع استثمارية وتنموية عملاقة قادرة على امتصاص تضخّم تلك النسبة بشكل سريع وفي غضون سنوات قليلة، والإجراءات المتخذة إلى الآن من خلال المراهنة على خيار دعم الاقتصاد الاجتماعي وعنوانه اليوم الشركات الأهلية، لا يمكن الجزم بأنها أفضل ما يمكن فعله..

ولعل أكثر ما يمسّ من فكرة الدولة الاجتماعية هو تردّي الخدمات العمومية من صحة ونقل وتعليم، فضعف الإمكانيات وانعدامها في الغالب انعكس سلبا على الخدمة الصحية في أغلب المستشفيات العمومية حيث تتكثّف معاناة المرضى وتتضاعف، ونفس الشيء يكاد ينطبق على خدمة النقل والتي تشهد تراجعا متواصلا منذ سنوات ودون حلول جذرية ولا استراتيجية واضحة للنهوض بهذه الخدمة بما يمنع معاناة المواطنين اليومية والمتكرّرة ويمنع خاصة الانتصاب العشوائي لتطبيقات النقل الخاصّ التي باتت محلّ استياء وتذمّر اجتماعي واسع وهو ما يفرض على وزارة النقل إيجاد حلول عاجلة ودون تأخير ..

وكما الصحة والنقل ما زال التعليم كخدمة عمومية دون المستوى المأمول وبعيدا عن هدف تحويل المدرسة إلى فضاء تربوي حقيقي منتج للمعرفة والقيم في مجتمع يقوم على العدالة الاجتماعية ولا يعيشها فقط كفكرة طموحة!

منية العرفاوي