إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الفنان التشكيلي طارق عبيد لـ"الصباح": تلقائية الحركة التشكيلية في الخط العربي نتاج بحث معمق وتطور التجربة

تونس-الصباح

استطاع المبدع طارق عبيد، صاحب الكفاءة في البحث في الفنون التشكيلية والخطية، أن يتفرّد في عالم الخط العربي وان يمنح الحروفيات مجالا أرحب وأوسع من حيث المساحة التشكيلية والمضامين الفنية.. وليس بالأمر الهين أن تجمع بين اللغة (تراكم الحروف) والحرص على منظومة تشكيلية متكاملة.. وبما أنّ الفنان طارق عبيد كان وفيا لإيصال تلك العلاقة التكاملية اللامتناهية طيلة سنوات، كان من الصعب ألا ينبهر المتأمل بسحر أعماله الفنية منذ الوهلة الأولى على مستوى الشكل واستعمال الألوان بتنوعها التي تمثل المزج بين الماضي والحاضر.. الماضي الذاكرة من خلال جمالية الحروف العربية والحاضر عبر تطويعه الى رسوم تشكيلية من شأنها أن تحقق أبعادا جمالية متميزة تختلف عن الأنماط الأخرى، جعلته من أبرز الفنون التشكيلية نظرا لتمتعه بالتجريد والاستقلالية..

الفنان طارق عبيد الذي ساهم في تكوين اجيال متعاقبة في المعاهد الثانوية والمعاهد العليا لتكوين المعلمين بقربة وبتونس وبالجامعات الحرة وبالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس ونابل وبالمركز الوطني لفنون الخط بتونس بيّن ل"الصباح " أنّ تفوقه في مجال الخط العربي منذ نعومة أظفاره سهل له رسم ملامح مشواره الفني، باعتبار أنه يؤمن بأنّ الخط العربي منبع الإبداع انطلاقا من الخطوط الكلاسيكية..

تجربة عقود اثمرت الكثير من الأعمال التشكيلية التي كانت حاضرة في معارض فردية كما المعارض الجماعية في تونس وخارجها على حد السواء.. وبما أن الفنان طارق عبيد فنان تشكيلي بالأساس متعمق في عالم الألوان والرسم والتراكيب، وهو من خريجي المعهد العالي للفنون الجميلة، عمد الى استغلال العنصر الأول وهو التقنية والقماشة ليبدأ في انتاج أعمال تعكس تكوينه الأكاديمي من جهة وشغفه اللاّمحدود بالحروفيات لتنطلق التجربة في إدماج الحرف العربي في اللون وإدماج اللون في الحرف العربي.. وهي عبارة عن "مخاتلة" بين اللون والحرف في عتبة ما بينهما.. كيف يمكن للحرف أن يصبح لونا وكيف للون أن يصبح حرفا.. وفيما يتعلق بهذه العلاقة الجدلية يقول طارق عبيد: " فكريا وفلسفيا هو موضوع للطرح، حيث عمدت الى طرح تلك الإشكالية من خلال أعمالي التي كانت مزدوجة أحيانا باعتبار أن الحروف يمكن أن تبني أعمالا تشكيلية، فضلا عن اعمالي النابعة من تكويني الاكاديمي من حيث الألوان والاشكال واستغلال فضاء الألوان وإرباحها بنص صغير يمكن أن يكون من الشعر أو القرٱن أو الحكم والمواعظ .. إلى أن تطوّرت التجربة واصبحت أعمل على تلقائية الحركة التشكيلية في الخط العربي، بدليل أن أعمالي الأخيرة جسدت رقصات صوفية وهي عبارة عن حركات نابعة من الراقص الصوفي..رقصة تحمل تجليا وبعدا روحيا مما يعكس تلقائية انسجم معها الخط العربي.. دون التقيد بضوابطه لتصبح قيمته الفنية في انسيابه والتعبير عن الحركة وما يمكن أن تعبر تلك الرقصة من معاني سامية.."

هكذا تحدث طارق عبيد عن عصرنة الخط وإخضاعه وخاصة الخط الديواني الذي اختص فيه، حيث قام بتكوينات خطية معاصرة وإدماجها في القماشة من خلال اشكال هندسية دائرية أو مربعة أو مثلثة أو هرمية .. طبعا الخطوط كلاسيكية لكن بروح جديدة ونفس معاصر ..

والى جانب الخط الديواني الذي اختص فيه الفنان التشكيلي طارق عبيد اهتم كذلك بالخطوط المغاربية مثل الخط المغربي والخط القيرواني الذي درسه اكثر من ثلاثين لإبراز طابع الهوية العربية الإسلامية والتونسية الأصيلة، وهو يتمنى حسب حديثه مع "الصباح" أن يقع لفت نظر لإبراز هذه الخطوط التونسية بصفة عامة في المناهج التربوية لأنها تمثل اصالتنا فضلا عن أن تلك الخطوط على غرار القيرواني "الخط العميق والغامض الذي يستطيع أن يفسح المجال لعدة فنون أخرى تشكيلية كانت أو مسرحية أو لوحات رقص.. باعتبار ليونة وانسيابية الخط القيرواني...

لا بد هنا من التنويه إلى أهمية التجربة الفنية الثرية لطارق عبيد الذي استطاع أن يتجاوز الخط الكلاسيكي حيث لم تكن مشاركاته في هذا المجال مكثفة، ليعتمد المجال التشكيلي والحروفي بصفة عامة كركيزة للتوجه الفني حتى تكون اعماله الخطية مبنية على تراكيب تشكيلية حديثة..

أما عن مشاركات الفنان طارق عبيد الأخيرة فكانت بمعرض اتحاد الفنانين التشكيليين في المدينة العتيقة بالجناح الخاص بمجال الحروفية بلوحات خطية تجمع بين الشكل واللون والنص الخطي الذي يٌقرأ على غرار أبيات لابي القاسم الشابي أو اقوال اقطاب الصوفية مثل بن عربي والحلاج وجلال الدين الرومي... طبعا هذا اضافة الى مشاركات سابقة مثل المهرجان الوطني الخط العربي والزخرفة الاسلامية بالرباط (المغرب) ومهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة (معرض المرئي والمسموع "فلك الفسيفساء") ومعرض الخط العربي في إطار فعاليات تلمسان 2011 عاصمة الثقافة الاسلامية، فضلا عن المشاركات المحلية المكثفة...

أما عن مسألة الإقبال على عروض الخط العربي أكد طارق عبيد ل"الصباح" أن عدد معارض الخط الكلاسيكي في تونس مازالت محتشمة واقتصرت على معرض واحد بدار الثقافة بن رشيق على مدار السنة باعتبار أن المعارض الاخرى في مختلف الاروقة عادة ما تجمع بين الأعمال التشكيلية والأعمال الخطية.. وهو واقع -حسب محدثنا- يجب أن يتغير نظرا لاهمية الخط العربي وارتباطه بهويتنا التي يجب تكون حاضرة في جل أعمالنا الفنية...

فهل كان بيكاسو أفقه منا حين قال:" إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد"..

وليد عبد اللاوي 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفنان التشكيلي طارق عبيد لـ"الصباح":  تلقائية الحركة التشكيلية في الخط العربي نتاج بحث معمق وتطور التجربة

تونس-الصباح

استطاع المبدع طارق عبيد، صاحب الكفاءة في البحث في الفنون التشكيلية والخطية، أن يتفرّد في عالم الخط العربي وان يمنح الحروفيات مجالا أرحب وأوسع من حيث المساحة التشكيلية والمضامين الفنية.. وليس بالأمر الهين أن تجمع بين اللغة (تراكم الحروف) والحرص على منظومة تشكيلية متكاملة.. وبما أنّ الفنان طارق عبيد كان وفيا لإيصال تلك العلاقة التكاملية اللامتناهية طيلة سنوات، كان من الصعب ألا ينبهر المتأمل بسحر أعماله الفنية منذ الوهلة الأولى على مستوى الشكل واستعمال الألوان بتنوعها التي تمثل المزج بين الماضي والحاضر.. الماضي الذاكرة من خلال جمالية الحروف العربية والحاضر عبر تطويعه الى رسوم تشكيلية من شأنها أن تحقق أبعادا جمالية متميزة تختلف عن الأنماط الأخرى، جعلته من أبرز الفنون التشكيلية نظرا لتمتعه بالتجريد والاستقلالية..

الفنان طارق عبيد الذي ساهم في تكوين اجيال متعاقبة في المعاهد الثانوية والمعاهد العليا لتكوين المعلمين بقربة وبتونس وبالجامعات الحرة وبالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس ونابل وبالمركز الوطني لفنون الخط بتونس بيّن ل"الصباح " أنّ تفوقه في مجال الخط العربي منذ نعومة أظفاره سهل له رسم ملامح مشواره الفني، باعتبار أنه يؤمن بأنّ الخط العربي منبع الإبداع انطلاقا من الخطوط الكلاسيكية..

تجربة عقود اثمرت الكثير من الأعمال التشكيلية التي كانت حاضرة في معارض فردية كما المعارض الجماعية في تونس وخارجها على حد السواء.. وبما أن الفنان طارق عبيد فنان تشكيلي بالأساس متعمق في عالم الألوان والرسم والتراكيب، وهو من خريجي المعهد العالي للفنون الجميلة، عمد الى استغلال العنصر الأول وهو التقنية والقماشة ليبدأ في انتاج أعمال تعكس تكوينه الأكاديمي من جهة وشغفه اللاّمحدود بالحروفيات لتنطلق التجربة في إدماج الحرف العربي في اللون وإدماج اللون في الحرف العربي.. وهي عبارة عن "مخاتلة" بين اللون والحرف في عتبة ما بينهما.. كيف يمكن للحرف أن يصبح لونا وكيف للون أن يصبح حرفا.. وفيما يتعلق بهذه العلاقة الجدلية يقول طارق عبيد: " فكريا وفلسفيا هو موضوع للطرح، حيث عمدت الى طرح تلك الإشكالية من خلال أعمالي التي كانت مزدوجة أحيانا باعتبار أن الحروف يمكن أن تبني أعمالا تشكيلية، فضلا عن اعمالي النابعة من تكويني الاكاديمي من حيث الألوان والاشكال واستغلال فضاء الألوان وإرباحها بنص صغير يمكن أن يكون من الشعر أو القرٱن أو الحكم والمواعظ .. إلى أن تطوّرت التجربة واصبحت أعمل على تلقائية الحركة التشكيلية في الخط العربي، بدليل أن أعمالي الأخيرة جسدت رقصات صوفية وهي عبارة عن حركات نابعة من الراقص الصوفي..رقصة تحمل تجليا وبعدا روحيا مما يعكس تلقائية انسجم معها الخط العربي.. دون التقيد بضوابطه لتصبح قيمته الفنية في انسيابه والتعبير عن الحركة وما يمكن أن تعبر تلك الرقصة من معاني سامية.."

هكذا تحدث طارق عبيد عن عصرنة الخط وإخضاعه وخاصة الخط الديواني الذي اختص فيه، حيث قام بتكوينات خطية معاصرة وإدماجها في القماشة من خلال اشكال هندسية دائرية أو مربعة أو مثلثة أو هرمية .. طبعا الخطوط كلاسيكية لكن بروح جديدة ونفس معاصر ..

والى جانب الخط الديواني الذي اختص فيه الفنان التشكيلي طارق عبيد اهتم كذلك بالخطوط المغاربية مثل الخط المغربي والخط القيرواني الذي درسه اكثر من ثلاثين لإبراز طابع الهوية العربية الإسلامية والتونسية الأصيلة، وهو يتمنى حسب حديثه مع "الصباح" أن يقع لفت نظر لإبراز هذه الخطوط التونسية بصفة عامة في المناهج التربوية لأنها تمثل اصالتنا فضلا عن أن تلك الخطوط على غرار القيرواني "الخط العميق والغامض الذي يستطيع أن يفسح المجال لعدة فنون أخرى تشكيلية كانت أو مسرحية أو لوحات رقص.. باعتبار ليونة وانسيابية الخط القيرواني...

لا بد هنا من التنويه إلى أهمية التجربة الفنية الثرية لطارق عبيد الذي استطاع أن يتجاوز الخط الكلاسيكي حيث لم تكن مشاركاته في هذا المجال مكثفة، ليعتمد المجال التشكيلي والحروفي بصفة عامة كركيزة للتوجه الفني حتى تكون اعماله الخطية مبنية على تراكيب تشكيلية حديثة..

أما عن مشاركات الفنان طارق عبيد الأخيرة فكانت بمعرض اتحاد الفنانين التشكيليين في المدينة العتيقة بالجناح الخاص بمجال الحروفية بلوحات خطية تجمع بين الشكل واللون والنص الخطي الذي يٌقرأ على غرار أبيات لابي القاسم الشابي أو اقوال اقطاب الصوفية مثل بن عربي والحلاج وجلال الدين الرومي... طبعا هذا اضافة الى مشاركات سابقة مثل المهرجان الوطني الخط العربي والزخرفة الاسلامية بالرباط (المغرب) ومهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة (معرض المرئي والمسموع "فلك الفسيفساء") ومعرض الخط العربي في إطار فعاليات تلمسان 2011 عاصمة الثقافة الاسلامية، فضلا عن المشاركات المحلية المكثفة...

أما عن مسألة الإقبال على عروض الخط العربي أكد طارق عبيد ل"الصباح" أن عدد معارض الخط الكلاسيكي في تونس مازالت محتشمة واقتصرت على معرض واحد بدار الثقافة بن رشيق على مدار السنة باعتبار أن المعارض الاخرى في مختلف الاروقة عادة ما تجمع بين الأعمال التشكيلية والأعمال الخطية.. وهو واقع -حسب محدثنا- يجب أن يتغير نظرا لاهمية الخط العربي وارتباطه بهويتنا التي يجب تكون حاضرة في جل أعمالنا الفنية...

فهل كان بيكاسو أفقه منا حين قال:" إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد"..

وليد عبد اللاوي