أشار تقرير سابق، صادر عن البنك الدولي، حول ما تواجهه المنشآت العمومية من صعوبات، إلى أن هناك حلقة مفرغة قد ترسخت في تونس في السنوات الأخيرة تؤدي إلى "غياب الكفاءة في المؤسسات والمنشآت العمومية واستشراء ممارسات الفساد".. ودون تعميم، باعتبار أن الإدارة تعج بالكفاءات، لا بد من الاعتراف بأن سوء الحوكمة وغياب سياسة الاستشراف قد أديا إلى تدهور وضع عدة منشآت عمومية لأسباب ذاتية تتمثل في تفشي عقلية "رزق البيليك"، وأخرى موضوعية مردها الخوف من المبادرة، خشية الوقوع تحت طائلة القانون.
وفي كل الأحوال يبقى علاج ملف المنشآت والمؤسسات العمومية يحتاج إلى مضادات حيوية ولجرعات أوكسيجين لإنعاش كل مؤسسة تمر بصعوبات لأهمية هذا القطاع الذي يرتكز عليه الاقتصاد الوطني وهو أيضا قاطرة الاستثمار ويحتاج إلى إرادة قوية لمقاومة الفساد ومعالجة ملفات كل المؤسسات حتى لا يقع التلاعب بمقدرات وأملاك الشعب التونسي فقد كشف رئيس الدولة، قيس سعيد، في زيارته غير المعلنة منذ أيام لهنشير الشعال، أن الوضع في المركب غير طبيعي، لافتا إلى أن هناك فسادا ماليا وإداريا يتعلق بقطع الغيار وبتّات بيع عدد من المعدات، وعدم جهر الآبار، ما أدى إلى تراجع إنتاج الزيتون وحجم قطيع الأبقار والأغنام بالهنشير، وهذا شكل من أشكال الفساد التي وجب القضاء عليها لإنقاذ مؤسسة فلاحية كان يفترض أن تكون مؤسسة نموذجية بالإنتاج المتنوع والوفير وكذلك بمعاضدة مجهود الدولة في توفير مواطن شغل. فلو لا الفساد، لحقق هنشير الشعال نسبة هامة من الاكتفاء الغذائي الذاتي للتونسيين، فهو يضم مداجن ومصانع صابون ومعاصر، إضافة إلى عدة زراعات أخرى .
وبعد الوقوف على وضعية هنشير الشعال لا بد من تركيز الجهد على مراقبة ومتابعة الأوضاع في كل المركبات الفلاحية في إطار تشخيص شامل تنبثق عنه رؤية تسيير واستغلال جديدين يعودان بالنفع على البلاد، كيف لا وهنشير الشعال بصفاقس يعتبر ثاني أكبر غابة زيتون في العالم من حيث المساحة البعلية، ويعد حوالي 400 ألف أصل زيتون، لذلك لا بد من عدم التفويت بأي شكل من الأشكال في هنشير الشعال والأراضي الدولية، باعتبارها ملكا للشعب التونسي وجبت المحافظة عليه وكذلك رافدا اقتصاديا هاما يساعد الدولة على تحقيق النمو. فقد اتُخذت عدة إجراءات (بالتوازي مع التحقيقات والتدقيق في إدارة المركب) لإنقاذ المركب من الفساد الذي استشرى فيه وكذلك من أجل إعادة مكوناته إلى الإنتاج لدعم النمو وجلب العملة الصعبة من خلال مداخيل زيت الزيتون.
فتح ملف المؤسسات العمومية والأراضي الدولية لا يجب أن يقوم فقط على المحاسبة ومقاومة الفساد، بل أيضا يجب وضع استراتيجيات نهوض بهذه المؤسسات، حتى تواصل تأدية دورها، لأن الرأسمالية المتوحشة التي تتعامل مع القطاع العام بعقلية النفعية مقابل تبخيسه والدفع به نحو المطبات وهي عقلية يحاول ترسيخها متنفذون من أجل التفويت في مؤسسات بنت عليها الدولة الحديثة ركائزها الاقتصادية والاجتماعية، فالرأسمالية المتوحشة تستغل القطاع العام على جميع المستويات.. لكنها تعمل في الآن ذاته على إضعافه من أجل التفويت فيه والالتفاف على مقدرات الشعب التونسي .
معالجة ملف المنشآت العمومية وملك الدولة يقوم على خطتين، واحدة تتمثل في الحرب على الفساد والثانية قوامها حوكمة هذه المؤسسات ودعمها ومزيد النهوض بها، وما حدث في الخطوط التونسية مؤخرا (اضطراب في الرحلات وتعطيلات وعدم إيفاء بالالتزامات) يصب في هذا الاتجاه حيث أكد رئيس الدولة، أول أمس، لدى إشرافه على مجلس الأمن القومي في إشارة إلى أن ما حدث في الخطوط التونسية "أمر يرتقي إلى مستوى الجريمة يتحمّل مسؤوليتها لا فقط من قاموا بالتنفيذ ولكن أيضا من خططوا لها ولغيرها في عدد من المرافق العمومية"، وبالتالي لابد من حل جذري من خلال القضاء على مواطن الخلل وأسبابه ومسبباته، وبالتوازي مع ذلك هناك تحركات لإيجاد حلول إضافية بما يساعد "الغزالة" على الإيفاء بالتزاماتها والقيام بدورها على الوجه الأكمل.
إنقاذ المؤسسة العمومية يكون عبر الحوكمة الرشيدة وتوفير كل عوامل النجاح حتى تكون الفائدة عامة وكذلك تطوير التشريعات.. إضافة إلى أن معالجة هذا الملف تقتضي الحرب على مظاهر وأشكال الفساد التي يراد بها ضرب المنشأة العمومية لكن أيضا لا بد من تغيير عقلية "رزق البيليك" التي ترسخت في الأذهان وبالتالي حتى الحرب على الفساد يجب أن تشمل هذه العقلية .
عبدالوهاب الحاج علي
أشار تقرير سابق، صادر عن البنك الدولي، حول ما تواجهه المنشآت العمومية من صعوبات، إلى أن هناك حلقة مفرغة قد ترسخت في تونس في السنوات الأخيرة تؤدي إلى "غياب الكفاءة في المؤسسات والمنشآت العمومية واستشراء ممارسات الفساد".. ودون تعميم، باعتبار أن الإدارة تعج بالكفاءات، لا بد من الاعتراف بأن سوء الحوكمة وغياب سياسة الاستشراف قد أديا إلى تدهور وضع عدة منشآت عمومية لأسباب ذاتية تتمثل في تفشي عقلية "رزق البيليك"، وأخرى موضوعية مردها الخوف من المبادرة، خشية الوقوع تحت طائلة القانون.
وفي كل الأحوال يبقى علاج ملف المنشآت والمؤسسات العمومية يحتاج إلى مضادات حيوية ولجرعات أوكسيجين لإنعاش كل مؤسسة تمر بصعوبات لأهمية هذا القطاع الذي يرتكز عليه الاقتصاد الوطني وهو أيضا قاطرة الاستثمار ويحتاج إلى إرادة قوية لمقاومة الفساد ومعالجة ملفات كل المؤسسات حتى لا يقع التلاعب بمقدرات وأملاك الشعب التونسي فقد كشف رئيس الدولة، قيس سعيد، في زيارته غير المعلنة منذ أيام لهنشير الشعال، أن الوضع في المركب غير طبيعي، لافتا إلى أن هناك فسادا ماليا وإداريا يتعلق بقطع الغيار وبتّات بيع عدد من المعدات، وعدم جهر الآبار، ما أدى إلى تراجع إنتاج الزيتون وحجم قطيع الأبقار والأغنام بالهنشير، وهذا شكل من أشكال الفساد التي وجب القضاء عليها لإنقاذ مؤسسة فلاحية كان يفترض أن تكون مؤسسة نموذجية بالإنتاج المتنوع والوفير وكذلك بمعاضدة مجهود الدولة في توفير مواطن شغل. فلو لا الفساد، لحقق هنشير الشعال نسبة هامة من الاكتفاء الغذائي الذاتي للتونسيين، فهو يضم مداجن ومصانع صابون ومعاصر، إضافة إلى عدة زراعات أخرى .
وبعد الوقوف على وضعية هنشير الشعال لا بد من تركيز الجهد على مراقبة ومتابعة الأوضاع في كل المركبات الفلاحية في إطار تشخيص شامل تنبثق عنه رؤية تسيير واستغلال جديدين يعودان بالنفع على البلاد، كيف لا وهنشير الشعال بصفاقس يعتبر ثاني أكبر غابة زيتون في العالم من حيث المساحة البعلية، ويعد حوالي 400 ألف أصل زيتون، لذلك لا بد من عدم التفويت بأي شكل من الأشكال في هنشير الشعال والأراضي الدولية، باعتبارها ملكا للشعب التونسي وجبت المحافظة عليه وكذلك رافدا اقتصاديا هاما يساعد الدولة على تحقيق النمو. فقد اتُخذت عدة إجراءات (بالتوازي مع التحقيقات والتدقيق في إدارة المركب) لإنقاذ المركب من الفساد الذي استشرى فيه وكذلك من أجل إعادة مكوناته إلى الإنتاج لدعم النمو وجلب العملة الصعبة من خلال مداخيل زيت الزيتون.
فتح ملف المؤسسات العمومية والأراضي الدولية لا يجب أن يقوم فقط على المحاسبة ومقاومة الفساد، بل أيضا يجب وضع استراتيجيات نهوض بهذه المؤسسات، حتى تواصل تأدية دورها، لأن الرأسمالية المتوحشة التي تتعامل مع القطاع العام بعقلية النفعية مقابل تبخيسه والدفع به نحو المطبات وهي عقلية يحاول ترسيخها متنفذون من أجل التفويت في مؤسسات بنت عليها الدولة الحديثة ركائزها الاقتصادية والاجتماعية، فالرأسمالية المتوحشة تستغل القطاع العام على جميع المستويات.. لكنها تعمل في الآن ذاته على إضعافه من أجل التفويت فيه والالتفاف على مقدرات الشعب التونسي .
معالجة ملف المنشآت العمومية وملك الدولة يقوم على خطتين، واحدة تتمثل في الحرب على الفساد والثانية قوامها حوكمة هذه المؤسسات ودعمها ومزيد النهوض بها، وما حدث في الخطوط التونسية مؤخرا (اضطراب في الرحلات وتعطيلات وعدم إيفاء بالالتزامات) يصب في هذا الاتجاه حيث أكد رئيس الدولة، أول أمس، لدى إشرافه على مجلس الأمن القومي في إشارة إلى أن ما حدث في الخطوط التونسية "أمر يرتقي إلى مستوى الجريمة يتحمّل مسؤوليتها لا فقط من قاموا بالتنفيذ ولكن أيضا من خططوا لها ولغيرها في عدد من المرافق العمومية"، وبالتالي لابد من حل جذري من خلال القضاء على مواطن الخلل وأسبابه ومسبباته، وبالتوازي مع ذلك هناك تحركات لإيجاد حلول إضافية بما يساعد "الغزالة" على الإيفاء بالتزاماتها والقيام بدورها على الوجه الأكمل.
إنقاذ المؤسسة العمومية يكون عبر الحوكمة الرشيدة وتوفير كل عوامل النجاح حتى تكون الفائدة عامة وكذلك تطوير التشريعات.. إضافة إلى أن معالجة هذا الملف تقتضي الحرب على مظاهر وأشكال الفساد التي يراد بها ضرب المنشأة العمومية لكن أيضا لا بد من تغيير عقلية "رزق البيليك" التي ترسخت في الأذهان وبالتالي حتى الحرب على الفساد يجب أن تشمل هذه العقلية .