في قاعة الانتظار بإحدى عيادات الطب النفسي الخاص..، كان المشهد مؤسفا للغاية بعد أن غصت القاعة بأطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و14 سنة..، عديدة هي الأسئلة التي دارت في خلدنا لحظتها من ذلك الأسباب التي تقف وراء أن يكون أكثر من 60 بالمائة من المرضى في عيادة نفسية خاصة من الأطفال..، خلنا ساعتها أن الأمر قد يكون مرتبطا بمشاكل أسرية من ذلك طلاق الأبوين أو تعرض بعض الأمهات إلى العنف الزوجي مما اثر سلبا على نفسية الطفل..، أو بعض الأمراض النفسية التي قد تصيب الأطفال في سن معينة.. لكن لم نكن لندرك لحظة أن هؤلاء الأطفال استنجد أولياء أمورهم بطبيب نفسي عله يساعدهم على تخفيف حدة التوتر والضغط الدراسي خاصة قبيل فترة الامتحانات أو الاختبارات التطبيقية..
ليطرح تساؤل ملح: إلى هذه الدرجة أضحت الدراسة "غول" يهدد الصحة النفسية لأبنائنا؟
يشير الطبيب النفسي الذي غصت عيادته أول أمس بعدد مهول من الأطفال يفترض أن يكونوا في إحدى الفضاءات الترفيهية لاسيما وأننا فترة عطلة أن الأمر أصبح عاديا على مدار السنوات الماضية فالولي يصطحب ابنه إلى طبيب نفسي عله يصف تشخيص يساعد ابنه على التخلص من التوتر الذي يلازمه فترة الامتحانات أو من الاكتئاب الذي قد يصيبه جراء تفاقم الضغط النفسي خلال هذه الفترة .
وبالتالي يكون الحل في أقراص مضادة للاكتئاب أو التوتر -ولا تباع في الصيدليات إلا بوصفة طبية- تكون ملاذ الأولياء فالهدف الأساسي والرئيسي لهم هو أن يكون التلميذ على أهبة الاستعداد لخوض غمار مختلف التقييمات التي ستنطلق بداية من يوم غد بالنسبة للمرحلة الابتدائية، هذا بالتوازي مع ماراطون فروض المراقبة في المرحلة الإعدادية فيكون الحل حبة أو قرصا يخفف أو يسيطر على حدة التوتر، علما وأن هذه الممارسات ليست حكرا على فترة الامتحانات وإنما بعض التلاميذ يتناولونها باستمرار على مدار السنة الدراسية.
تفاعلا مع هذا الطرح يوجه البيداغوجي المتقاعد فريدي السديري أصابع الاتهام في انتشار هذه الظاهرة إلى الولي الذي جعل من الامتحانات محطة لترهيب التلميذ ولمراكمة الضغط النفسي والحال أن منظومة التقييم برمتها من وجهة نظره قد تجاوزها الزمن وتحتاج بدورها إلى مراجعات جدية على اعتبار أنها تحتكم ومنذ سنوات إلى عبارة "بضاعتكم ردت إليكم". وفسر محدثنا في هذا الخصوص أن فئة هامة من الأولياء تتكالب على تحصيل درجات الامتياز من خلال الشهادات التي يتحصل عليها التلميذ موفى كل سنة مشددا على التميز أو الامتياز حتى وإن زفر به التلميذ، فهو لا يعني بالضرورة مدى تمكن التلميذ من مختلف المهارات التي تلقن داخل القسم أو تحديدا داخل الدرس الخصوصي داعيا في هذا الخصوص إلى تجنب مثل هذه الممارسات -في إشارة إلى الحبوب أو الأقراض المضادة للضغط النفسي- على اعتبار أن تلميذا لاسيما في المرحلة الابتدائية يحتاج إلى اللعب والترفيه للترويح عن نفسه لاسيما خلال العطل المدرسية التي تحولت للأسف إلى محطة لمراكمة الدروس الخصوصية..
من جهة أخرى وفي الإطار نفسه أشارت المربية لبني الجديدي (معلمة في السنة الثالثة ابتدائي) في تصريح لـ"الصباح" إلى أن التلميذ اليوم تسلّط عليه ضغوطات مضاعفة لاسيما في بعض المراحل التعليمية كالسنة الأولى والثالثة والخامسة ابتدائي على اعتبار أن جميعها محطات مفصلية في المسار الدراسي وهذه السنوات من المرحلة الابتدائية عادة ما تعرف بخصوصيتها نظرا للمهارات التعليمية الجديدة التي يستوجب على التلميذ اكتسابها.
وبالتالي يضطر الولي خلال هذه المراحل التعليمية من مضاعفة نسق الدروس الخصوصية تقريبا في كل المواد التي تدرس لتعتبر بذلك العطل المدرسية فرصة سانحة لاستغلالها من أجل تحصيل أكبر عدد ممكن من الدروس خاصة في المواد العلمية علاوة على ذلك هنالك فئة من التلاميذ - بالمرحلة الثانوية- تعيش ضغطا مضاعفا يتمثل في المراوحة بين تأمين النجاح في السنة الدراسية والظفر بالباكالوريا فرنسية التي تحوّلت إلى موضة خلال السنوات الأخيرة.
كل هذه العوامل من وجهة نظر محدثتنا تجعل التلميذ يعيش ضغطا نفسيا تصاعديا بالنظر إلى انه وأمام أجندته التي أصبحت ممتلئة بالدروس ولا شيء غيرها لا يجد مساحة زمنية يمارس من خلالها أنشطته وهواياته ليصبح فريسة سهلة للحبوب والأقراص المخففة للضغط النفسي...
من هذا المنطلق يتفق أهل الاختصاص انه لا مناص اليوم من إدخال إصلاحات جوهرية على المرحلة الابتدائية خاصة مع تفعيل الاستشارة الوطنية لاصطلاح التربية والتعليم، تطال أساسا الزمن المدرسي الذي أصبح مكبلا للتلميذ هذا مع إدخال تحويرات على المناهج التعليمية بما يتماشي ومستجدات العصر علاوة على المراهنة على الأنشطة الثقافية لما لها من دور لصقل ونحت مواهب التلاميذ.
فهل يتم قريبا اتخاذ قرارات بما ينقذ صحة التلميذ النفسية التي أصبحت في الميزان؟
منال حرزي
تونس-الصباح
في قاعة الانتظار بإحدى عيادات الطب النفسي الخاص..، كان المشهد مؤسفا للغاية بعد أن غصت القاعة بأطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و14 سنة..، عديدة هي الأسئلة التي دارت في خلدنا لحظتها من ذلك الأسباب التي تقف وراء أن يكون أكثر من 60 بالمائة من المرضى في عيادة نفسية خاصة من الأطفال..، خلنا ساعتها أن الأمر قد يكون مرتبطا بمشاكل أسرية من ذلك طلاق الأبوين أو تعرض بعض الأمهات إلى العنف الزوجي مما اثر سلبا على نفسية الطفل..، أو بعض الأمراض النفسية التي قد تصيب الأطفال في سن معينة.. لكن لم نكن لندرك لحظة أن هؤلاء الأطفال استنجد أولياء أمورهم بطبيب نفسي عله يساعدهم على تخفيف حدة التوتر والضغط الدراسي خاصة قبيل فترة الامتحانات أو الاختبارات التطبيقية..
ليطرح تساؤل ملح: إلى هذه الدرجة أضحت الدراسة "غول" يهدد الصحة النفسية لأبنائنا؟
يشير الطبيب النفسي الذي غصت عيادته أول أمس بعدد مهول من الأطفال يفترض أن يكونوا في إحدى الفضاءات الترفيهية لاسيما وأننا فترة عطلة أن الأمر أصبح عاديا على مدار السنوات الماضية فالولي يصطحب ابنه إلى طبيب نفسي عله يصف تشخيص يساعد ابنه على التخلص من التوتر الذي يلازمه فترة الامتحانات أو من الاكتئاب الذي قد يصيبه جراء تفاقم الضغط النفسي خلال هذه الفترة .
وبالتالي يكون الحل في أقراص مضادة للاكتئاب أو التوتر -ولا تباع في الصيدليات إلا بوصفة طبية- تكون ملاذ الأولياء فالهدف الأساسي والرئيسي لهم هو أن يكون التلميذ على أهبة الاستعداد لخوض غمار مختلف التقييمات التي ستنطلق بداية من يوم غد بالنسبة للمرحلة الابتدائية، هذا بالتوازي مع ماراطون فروض المراقبة في المرحلة الإعدادية فيكون الحل حبة أو قرصا يخفف أو يسيطر على حدة التوتر، علما وأن هذه الممارسات ليست حكرا على فترة الامتحانات وإنما بعض التلاميذ يتناولونها باستمرار على مدار السنة الدراسية.
تفاعلا مع هذا الطرح يوجه البيداغوجي المتقاعد فريدي السديري أصابع الاتهام في انتشار هذه الظاهرة إلى الولي الذي جعل من الامتحانات محطة لترهيب التلميذ ولمراكمة الضغط النفسي والحال أن منظومة التقييم برمتها من وجهة نظره قد تجاوزها الزمن وتحتاج بدورها إلى مراجعات جدية على اعتبار أنها تحتكم ومنذ سنوات إلى عبارة "بضاعتكم ردت إليكم". وفسر محدثنا في هذا الخصوص أن فئة هامة من الأولياء تتكالب على تحصيل درجات الامتياز من خلال الشهادات التي يتحصل عليها التلميذ موفى كل سنة مشددا على التميز أو الامتياز حتى وإن زفر به التلميذ، فهو لا يعني بالضرورة مدى تمكن التلميذ من مختلف المهارات التي تلقن داخل القسم أو تحديدا داخل الدرس الخصوصي داعيا في هذا الخصوص إلى تجنب مثل هذه الممارسات -في إشارة إلى الحبوب أو الأقراض المضادة للضغط النفسي- على اعتبار أن تلميذا لاسيما في المرحلة الابتدائية يحتاج إلى اللعب والترفيه للترويح عن نفسه لاسيما خلال العطل المدرسية التي تحولت للأسف إلى محطة لمراكمة الدروس الخصوصية..
من جهة أخرى وفي الإطار نفسه أشارت المربية لبني الجديدي (معلمة في السنة الثالثة ابتدائي) في تصريح لـ"الصباح" إلى أن التلميذ اليوم تسلّط عليه ضغوطات مضاعفة لاسيما في بعض المراحل التعليمية كالسنة الأولى والثالثة والخامسة ابتدائي على اعتبار أن جميعها محطات مفصلية في المسار الدراسي وهذه السنوات من المرحلة الابتدائية عادة ما تعرف بخصوصيتها نظرا للمهارات التعليمية الجديدة التي يستوجب على التلميذ اكتسابها.
وبالتالي يضطر الولي خلال هذه المراحل التعليمية من مضاعفة نسق الدروس الخصوصية تقريبا في كل المواد التي تدرس لتعتبر بذلك العطل المدرسية فرصة سانحة لاستغلالها من أجل تحصيل أكبر عدد ممكن من الدروس خاصة في المواد العلمية علاوة على ذلك هنالك فئة من التلاميذ - بالمرحلة الثانوية- تعيش ضغطا مضاعفا يتمثل في المراوحة بين تأمين النجاح في السنة الدراسية والظفر بالباكالوريا فرنسية التي تحوّلت إلى موضة خلال السنوات الأخيرة.
كل هذه العوامل من وجهة نظر محدثتنا تجعل التلميذ يعيش ضغطا نفسيا تصاعديا بالنظر إلى انه وأمام أجندته التي أصبحت ممتلئة بالدروس ولا شيء غيرها لا يجد مساحة زمنية يمارس من خلالها أنشطته وهواياته ليصبح فريسة سهلة للحبوب والأقراص المخففة للضغط النفسي...
من هذا المنطلق يتفق أهل الاختصاص انه لا مناص اليوم من إدخال إصلاحات جوهرية على المرحلة الابتدائية خاصة مع تفعيل الاستشارة الوطنية لاصطلاح التربية والتعليم، تطال أساسا الزمن المدرسي الذي أصبح مكبلا للتلميذ هذا مع إدخال تحويرات على المناهج التعليمية بما يتماشي ومستجدات العصر علاوة على المراهنة على الأنشطة الثقافية لما لها من دور لصقل ونحت مواهب التلاميذ.
فهل يتم قريبا اتخاذ قرارات بما ينقذ صحة التلميذ النفسية التي أصبحت في الميزان؟