إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التواصل بين تونس والجزائر

 

 

بقلم أ. محمد مكحلي

قالوا: هجرتَ؟ فقلت تونس قبلتي قالوا: الجزائر قلت مفخرة الأمم

أهلـي هنا، وهناك نبـع صبـابتي مــن قــال إنـّا أمّتـان فقــد ظلـم.

تعد الصلات الفكرية والثقافية بين تونس والجزائر من النماذج الطريفة والفريدة، ومثالاً يُحتذى به للصلات الحميمة التي تنشأ بين قطرين وحميمين. وهي تُعتبر مثالاً نادراً لعلاقات الجوار الإيجابي والخصيب بين الأقطار العربية التي تجمع بينهما حدود مشتركة، وهي صلات ذات مظاهر متعددة، ومتنوعة. كما أنها مشتملة على عديد ميادين تعليمية وثقافية وسياسيه وغيرها.

إن المصدر الرئيس لجسور التواصل بين البلدين يعود إلى ذلك التحريض الذي أطلقه العلاّمة عبد الحميد بن باديس للطلبة مشدداً على ضرورة الالتحاق بجامع الزيتونة للنهل من علومه، ثم أن الاحتفاء والتقدير الكبير الذي حظي به رائد النهضة الجزائرية في البلاد ألتونسية والذي أقام جسوراً للتواصل بين البلدين وكان كلما حلّ بتونس حظي باستقبال حار، فيهب لاستقباله العلماء

والساسة وتفتح له النوادي والمنابر لإلقاء محاضراته ويلتف حوله التونسيون والجزائريون ويحتفون به أيما احتفاء. وبعد وفاته أصبح تاريخ وفاته مناسبة وطنية مغاربية و"فُرصة لعقد أللقاءات واستلهام العبر وتجديد العهد مع النضال، وإلقاء الخطب والكلمات والقصائد التي توثّق كفاح ونضال المغاربة ضد الاستعمار، وتُعرف بأمجادهم وتستعرض صفحات من تاريخهم عبر شعراء تونس في قصائدهم عن مواقفهم من الاستعمار، وعن تضامنهم مع القضايا المغاربية عامة، ومؤازرتهم الشديدة لأشقائهم الجزائريين ومثال ذلك قصيدة "قلب المغرب" للشاعر مصطفى خريف، والتي كتبها بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل العلاّمة عبد الحميد بن باديس، وجلال الدين النقاش، ومحمد زيد، ومنور صمادح، وفاطمة بوذينة. كما نجد شعراء آخرين تبنوا القضية الجزائرية منهم محمد الشاذلي خزندار ومصطفى خريف.

العلاقات الاقتصادية للبلدين

يعود تاريخ العلاقات التونسية الجزائرية الى العام 1963 حيث أبرمت عديد الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون الثقافي القضائي الحدود البريد والمواصلات السياحة الطاقة والكهرباء النقل بالسكة الحديدية والنقل الجوي الى غاية العام 1970 حيث شهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية ميزها إبرام البلدين لاتفاقيات منها 10

اتفاقية تخطيط الحدود الجزائرية التونسية بين بئر الرمان والحدود الليبية.

- - واتفاقية لتكوين لجنة حكومية مختلطة للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والفني.

 - الاتفاقية المتعلقة بأراضي المواطنين الجزائريين وأموالهم الفلاحية بتونس المبرمة بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

- اتفاقية التعاون في ميدان البترول

وشهد العام الموالي ميلاد عديد الاتفاقات خاصة بنقل البضائع النقل بالسكة الحديدية والجمارك تلا ذلك في العام 1973 المصادقة على الاتفاقية التجارية والتعريفة للتعاقد الطويل الأجل والاتفاقية العامة المتعلقة بالضمان الاجتماعي.

مرت الفترة بين سنوات 1973 / و1981 بفتور نسبي في العلاقات جراء عوامل خارجية منها موقف تونس من القضية الصحراوية إلا ان سرعان ما مرت هده السحابة وعادت العلاقات التونسية الجزائرية من جديد الى طبيعتها الأصلية كنموذج للعلاقات بين دولتين وقد صودق على عديد الاتفاقات الإطار في مجالات عدة منها المصادقة على الاتفاق لتحديد شروط إيفاد وعمل الخبراء في إطار التعاون الثقافي والعلمي والاتفاقية المتعلقة بتبادل المساعدة الإدارية قصد استدراك المخالفات الجمركية والبحث عنها وزجرها إلا ان ما ميز

العلاقات التونسية الجزائرية هو ما تم العام 1983 بإبرام البلدين وبعدها موريتانيا على معاهدة الإخاء والوفاق بين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والجمهورية التونسية، الموقعة بمدينة تونس في 19 مارس سنة 1983.

عرف العام 1985 المصادقة على إتفاقية تفادي الازدواج الضريبي ولإرساء قواعد التعاون المتبادل في ميدان الاداءات على الدخل وعلى الثروة، والمصادقة على اتفاق التعاون والمساعدة المتبادلة في ميدان الحماية المدنية والاتفاقية الصحية في ميدان الطب البيطري اما في العام 1986 فقد شهد المصادقة على اتفاقيات منها بروتوكول الاتفاق المتضمن تعديل الاتفاق الذي يحدد شروط إيفاد الخبراء وعملهم في إطار التعاون الثقافي والعلمي والتقني وبروتوكول الاتفاق الإضافي للاتفاق الإطاري للتعاون

الصناعي بين توتس وحكومة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية.

عرفت تونس تغيرا سياسيا العام1987 بإقالة الرئيس الحبيب بورقيبة لأسباب صحية ومجيء زين العابدين بن علي مكانه كما عرفت الجزائر عاما بعد ذلك انتفاضة شعبية في الخامس من اكتوبر العام 1988 نقلت الجزائر من نظام الحزب الواحد الى التعددية الحزبية ومن الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق.

مع ما افرزته هده التغييرات من فوضى وحرب أهلية استغرقت عشر سنوات عطلت من عجلة التنمية إلا ان هذا الوضع لم يكن حائلا بين الجزائر وتونس لتحيين علاقتهما والسير قدما في سبيل التعاون بالمصادقة على ملحق الاتفاقية العامة للضمان ألاجتماعي المبرمج بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1973، الموقع بتونس في 4 مارس سنة 1991 والبروتوكول المتعلق بالضمان الاجتماعي لفائدة الطلبة وعلى البروتوكول المتعلق بالأحكام الخاصة المطبقة على العملة الحدوديين في ميدان الضمان الاجتماعي الموقع بتونس في 4 مارس سنة 1991 وتبعتها عديد الاتفاقيات بين الدولتين أعوام 1993، 1996، 2002، 2003،2004 ،2006، 2007، 2008. لم تتوقف العلاقات التونسية الجزائرية في هده الفترة. وعرفت تونس انتفاضة شعبية في جانفي 2011 أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي حيث عرفت العلاقات التونسية الجزائرية اوج قوتها تمثل في وقوف الجزائر الى جانب تونس وتقديم لها يد العون اقتصاديا وماليا وامنيا ومساعدتها على تجاوز هده المرحلة بأمان.

             أفاق الاندماج المغاربي

شكل الإرث الاستعماري والحرص على إبقاء الوضع على ما هو عليه خلال العقود التي تلت ألاستقلال والمتعلق بالاستغلال المفرط للموارد الاقتصادية لتونس والجزائر من قبل الغرب في ما يمكن ان نطلق علية التبعية ألاقتصادية التي ورثها البلدان لبلدانها، الأمر الذي جعل تونس تتجه للجزائر والجزائر تتجه لتونس قصد التعاون والتكامل وضرورة إقامة علاقات شراكة متوازنة، وهذا ما حدث فعلا منذ السنوات الأولى لاستقلال الجزائر وحتى ألان.

تعد فكرة الوحدة المغاربية جزءا من ثقافة الشعبين التونسي والجزائري وهي مسجلة ولا زالت في الذاكرة الجماعية للشعبين ونخبهما وقد مثلت عبر المسيرة الطويلة للقطرين خاصة زمن الاستعمار احد أبجديات حركة التحرر الوطني عند كل من الحزب الدستوري التونسي ونجم شمال إفريقيا وحزب الشعب وجبهة التحرير الوطني آمالا جميلة في عقول الجماهير على الرغم من التشابه في المقومات الأساسية للمجتمعين التونسي والجزائري فان الاختلاف بين تونس والجزائر على مستوى طبيعة تطوراتها الاقتصادية والاجتماعية وتوجهاتها السياسية.

ان التوجه العام وضرورة الارتباط بعلاقات قوية ومثالية اقتصاديا وثقافيا تكاد تكون تطلعات يأمل ان يتم تحقيقها الساسة وغير الساسة والباحثين في كل من تونس والجزائر وبدرجات متباينة، فهي عند البعض الرهان الأكبر لمستقبل واعد ويدافع عن هذا الأمل ويناضل من اجل قيامه وتحقيقه رجال حريصون على تصحيح المسار فهم لا يكتفون بالخطابات ، بل بتحقيقها على ارض الواقع، ويرى هؤلاء أيضا انه من الضروري ان تجد تلك الخطابات آذانا صاغية وليست عبارات عابرة لدى رجالات تونس والجزائر على اعتبار ان هناك جملة من المتغيرات قد حدثت بحيث يمكن القول ان الاختلاف أصبح اليوم في نوعية الطرح وماهية ارتباطه بالجوانب الواقعية لمقتضيات الأوضاع الراهنة في الوقت الذي تبحث فيه بعض البلدان كفرنسا وألمانيا وبعض التجمعات الإقليمية والجهوية والقارية على توحيد العملة وإلغاء التعريفة الجمركية وتدعيم العمل المشترك في المجال التشريعي والمواصلات والطاقة والقضاء. وجب على تونس والجزائر العمل بكل عزيمة وإرادة على إقامة عمل مشترك والسعي لصالح المصلحة المشتركة للشعبين ومعها شعوب اتحاد المغرب العربي. وعليه لم يبق أمام قادة تونس والجزائر ومعهم قادة دول اتحاد المغرب العربي إلا العمل لحل مشكلاتهم السياسية المزمنة والاقتصادية المعقدة والاجتماعية المتراكمة وهذا لا يكون إلا بالتعاون والتركيز على الاندماج المغاربي فتونس والجزائر اليوم واقعة امام تحد كبير ومستمر فوجب التركيز على نظرة مرنة للسيادة والحدود وتقليص دور الحكومات.

ان أهمية العلاقات المتميزة بين تونس والجزائر ضرورة حتمية وحيوية لمواجهة التغيرات المحلية والعالمية فتونس والجزائر باستطاعتهما خلق فضاء للاندماج المغاربي يساعد ويساهم على تحقيق وشائج التلاحم والتكامل الاقتصادي وصولا الى الهدف المنشود إلا وهو الاندماج المغاربي والوحدة المغاربية فالقيام بالمشروعات المشتركة يعزز أواصر هذا التقارب ويحقق التكامل والاندماج.

من الطبيعي جدا ان تقوم بين تونس والجزائر علاقات مثالية لما يوجد بينهما من روابط حضارية وعرقية ودينية وتاريخية رغم ما تواجهه هده المحاولات من صعوبات إلا انها تمهد الطريق لاتحاد المغرب العربي خاصة وان العالم الان يتجه نحو التعولم وهي فرصة سانحة ومهمة لحل المشاكل السياسية المزمنة والاقتصادية المعقدة والاجتماعية المتراكمة وعليه فالمتأمل في العلاقات بين تونس والجزائر يلاحظ أنّها عريقة بحكم التاريخ المشترك للشعبين الشقيقين والموروث الحضاري والثقافي الواحد. ويدفع لحسن استغلال الثروات وإقامة صرح الديمقراطية لكي يصبح لتونس والجزائر دور فعال في صنع التاريخ من جديد.

ورغم بعض الأزمات الظرفيّة العابرة، فقد تميّزت هذه العلاقات على العموم بالاستقرار والتعاون المتواصل بين البلدين الجارَيْنِ بحكم رغبة الشعبَيْنِ في العيش معا في أمن واستقرار وتطلّعهما لوضع ومستقبل أفضل. ان المناخ الدولي الجديد ووعي شعبي تونس والجزائر ومعهما الشعوب المغاربية يحتم الإسراع في تفعيل هذا الاتحاد وتسريع وتيرة التقارب والتكامل.

* أستاذ وباحث مختص في التاريخ والفكر الإسلامي بجامعة بلعباس بالجزائر

 

 

 

 

 

التواصل بين تونس والجزائر

 

 

بقلم أ. محمد مكحلي

قالوا: هجرتَ؟ فقلت تونس قبلتي قالوا: الجزائر قلت مفخرة الأمم

أهلـي هنا، وهناك نبـع صبـابتي مــن قــال إنـّا أمّتـان فقــد ظلـم.

تعد الصلات الفكرية والثقافية بين تونس والجزائر من النماذج الطريفة والفريدة، ومثالاً يُحتذى به للصلات الحميمة التي تنشأ بين قطرين وحميمين. وهي تُعتبر مثالاً نادراً لعلاقات الجوار الإيجابي والخصيب بين الأقطار العربية التي تجمع بينهما حدود مشتركة، وهي صلات ذات مظاهر متعددة، ومتنوعة. كما أنها مشتملة على عديد ميادين تعليمية وثقافية وسياسيه وغيرها.

إن المصدر الرئيس لجسور التواصل بين البلدين يعود إلى ذلك التحريض الذي أطلقه العلاّمة عبد الحميد بن باديس للطلبة مشدداً على ضرورة الالتحاق بجامع الزيتونة للنهل من علومه، ثم أن الاحتفاء والتقدير الكبير الذي حظي به رائد النهضة الجزائرية في البلاد ألتونسية والذي أقام جسوراً للتواصل بين البلدين وكان كلما حلّ بتونس حظي باستقبال حار، فيهب لاستقباله العلماء

والساسة وتفتح له النوادي والمنابر لإلقاء محاضراته ويلتف حوله التونسيون والجزائريون ويحتفون به أيما احتفاء. وبعد وفاته أصبح تاريخ وفاته مناسبة وطنية مغاربية و"فُرصة لعقد أللقاءات واستلهام العبر وتجديد العهد مع النضال، وإلقاء الخطب والكلمات والقصائد التي توثّق كفاح ونضال المغاربة ضد الاستعمار، وتُعرف بأمجادهم وتستعرض صفحات من تاريخهم عبر شعراء تونس في قصائدهم عن مواقفهم من الاستعمار، وعن تضامنهم مع القضايا المغاربية عامة، ومؤازرتهم الشديدة لأشقائهم الجزائريين ومثال ذلك قصيدة "قلب المغرب" للشاعر مصطفى خريف، والتي كتبها بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل العلاّمة عبد الحميد بن باديس، وجلال الدين النقاش، ومحمد زيد، ومنور صمادح، وفاطمة بوذينة. كما نجد شعراء آخرين تبنوا القضية الجزائرية منهم محمد الشاذلي خزندار ومصطفى خريف.

العلاقات الاقتصادية للبلدين

يعود تاريخ العلاقات التونسية الجزائرية الى العام 1963 حيث أبرمت عديد الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون الثقافي القضائي الحدود البريد والمواصلات السياحة الطاقة والكهرباء النقل بالسكة الحديدية والنقل الجوي الى غاية العام 1970 حيث شهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية ميزها إبرام البلدين لاتفاقيات منها 10

اتفاقية تخطيط الحدود الجزائرية التونسية بين بئر الرمان والحدود الليبية.

- - واتفاقية لتكوين لجنة حكومية مختلطة للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والفني.

 - الاتفاقية المتعلقة بأراضي المواطنين الجزائريين وأموالهم الفلاحية بتونس المبرمة بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

- اتفاقية التعاون في ميدان البترول

وشهد العام الموالي ميلاد عديد الاتفاقات خاصة بنقل البضائع النقل بالسكة الحديدية والجمارك تلا ذلك في العام 1973 المصادقة على الاتفاقية التجارية والتعريفة للتعاقد الطويل الأجل والاتفاقية العامة المتعلقة بالضمان الاجتماعي.

مرت الفترة بين سنوات 1973 / و1981 بفتور نسبي في العلاقات جراء عوامل خارجية منها موقف تونس من القضية الصحراوية إلا ان سرعان ما مرت هده السحابة وعادت العلاقات التونسية الجزائرية من جديد الى طبيعتها الأصلية كنموذج للعلاقات بين دولتين وقد صودق على عديد الاتفاقات الإطار في مجالات عدة منها المصادقة على الاتفاق لتحديد شروط إيفاد وعمل الخبراء في إطار التعاون الثقافي والعلمي والاتفاقية المتعلقة بتبادل المساعدة الإدارية قصد استدراك المخالفات الجمركية والبحث عنها وزجرها إلا ان ما ميز

العلاقات التونسية الجزائرية هو ما تم العام 1983 بإبرام البلدين وبعدها موريتانيا على معاهدة الإخاء والوفاق بين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والجمهورية التونسية، الموقعة بمدينة تونس في 19 مارس سنة 1983.

عرف العام 1985 المصادقة على إتفاقية تفادي الازدواج الضريبي ولإرساء قواعد التعاون المتبادل في ميدان الاداءات على الدخل وعلى الثروة، والمصادقة على اتفاق التعاون والمساعدة المتبادلة في ميدان الحماية المدنية والاتفاقية الصحية في ميدان الطب البيطري اما في العام 1986 فقد شهد المصادقة على اتفاقيات منها بروتوكول الاتفاق المتضمن تعديل الاتفاق الذي يحدد شروط إيفاد الخبراء وعملهم في إطار التعاون الثقافي والعلمي والتقني وبروتوكول الاتفاق الإضافي للاتفاق الإطاري للتعاون

الصناعي بين توتس وحكومة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية.

عرفت تونس تغيرا سياسيا العام1987 بإقالة الرئيس الحبيب بورقيبة لأسباب صحية ومجيء زين العابدين بن علي مكانه كما عرفت الجزائر عاما بعد ذلك انتفاضة شعبية في الخامس من اكتوبر العام 1988 نقلت الجزائر من نظام الحزب الواحد الى التعددية الحزبية ومن الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق.

مع ما افرزته هده التغييرات من فوضى وحرب أهلية استغرقت عشر سنوات عطلت من عجلة التنمية إلا ان هذا الوضع لم يكن حائلا بين الجزائر وتونس لتحيين علاقتهما والسير قدما في سبيل التعاون بالمصادقة على ملحق الاتفاقية العامة للضمان ألاجتماعي المبرمج بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1973، الموقع بتونس في 4 مارس سنة 1991 والبروتوكول المتعلق بالضمان الاجتماعي لفائدة الطلبة وعلى البروتوكول المتعلق بالأحكام الخاصة المطبقة على العملة الحدوديين في ميدان الضمان الاجتماعي الموقع بتونس في 4 مارس سنة 1991 وتبعتها عديد الاتفاقيات بين الدولتين أعوام 1993، 1996، 2002، 2003،2004 ،2006، 2007، 2008. لم تتوقف العلاقات التونسية الجزائرية في هده الفترة. وعرفت تونس انتفاضة شعبية في جانفي 2011 أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي حيث عرفت العلاقات التونسية الجزائرية اوج قوتها تمثل في وقوف الجزائر الى جانب تونس وتقديم لها يد العون اقتصاديا وماليا وامنيا ومساعدتها على تجاوز هده المرحلة بأمان.

             أفاق الاندماج المغاربي

شكل الإرث الاستعماري والحرص على إبقاء الوضع على ما هو عليه خلال العقود التي تلت ألاستقلال والمتعلق بالاستغلال المفرط للموارد الاقتصادية لتونس والجزائر من قبل الغرب في ما يمكن ان نطلق علية التبعية ألاقتصادية التي ورثها البلدان لبلدانها، الأمر الذي جعل تونس تتجه للجزائر والجزائر تتجه لتونس قصد التعاون والتكامل وضرورة إقامة علاقات شراكة متوازنة، وهذا ما حدث فعلا منذ السنوات الأولى لاستقلال الجزائر وحتى ألان.

تعد فكرة الوحدة المغاربية جزءا من ثقافة الشعبين التونسي والجزائري وهي مسجلة ولا زالت في الذاكرة الجماعية للشعبين ونخبهما وقد مثلت عبر المسيرة الطويلة للقطرين خاصة زمن الاستعمار احد أبجديات حركة التحرر الوطني عند كل من الحزب الدستوري التونسي ونجم شمال إفريقيا وحزب الشعب وجبهة التحرير الوطني آمالا جميلة في عقول الجماهير على الرغم من التشابه في المقومات الأساسية للمجتمعين التونسي والجزائري فان الاختلاف بين تونس والجزائر على مستوى طبيعة تطوراتها الاقتصادية والاجتماعية وتوجهاتها السياسية.

ان التوجه العام وضرورة الارتباط بعلاقات قوية ومثالية اقتصاديا وثقافيا تكاد تكون تطلعات يأمل ان يتم تحقيقها الساسة وغير الساسة والباحثين في كل من تونس والجزائر وبدرجات متباينة، فهي عند البعض الرهان الأكبر لمستقبل واعد ويدافع عن هذا الأمل ويناضل من اجل قيامه وتحقيقه رجال حريصون على تصحيح المسار فهم لا يكتفون بالخطابات ، بل بتحقيقها على ارض الواقع، ويرى هؤلاء أيضا انه من الضروري ان تجد تلك الخطابات آذانا صاغية وليست عبارات عابرة لدى رجالات تونس والجزائر على اعتبار ان هناك جملة من المتغيرات قد حدثت بحيث يمكن القول ان الاختلاف أصبح اليوم في نوعية الطرح وماهية ارتباطه بالجوانب الواقعية لمقتضيات الأوضاع الراهنة في الوقت الذي تبحث فيه بعض البلدان كفرنسا وألمانيا وبعض التجمعات الإقليمية والجهوية والقارية على توحيد العملة وإلغاء التعريفة الجمركية وتدعيم العمل المشترك في المجال التشريعي والمواصلات والطاقة والقضاء. وجب على تونس والجزائر العمل بكل عزيمة وإرادة على إقامة عمل مشترك والسعي لصالح المصلحة المشتركة للشعبين ومعها شعوب اتحاد المغرب العربي. وعليه لم يبق أمام قادة تونس والجزائر ومعهم قادة دول اتحاد المغرب العربي إلا العمل لحل مشكلاتهم السياسية المزمنة والاقتصادية المعقدة والاجتماعية المتراكمة وهذا لا يكون إلا بالتعاون والتركيز على الاندماج المغاربي فتونس والجزائر اليوم واقعة امام تحد كبير ومستمر فوجب التركيز على نظرة مرنة للسيادة والحدود وتقليص دور الحكومات.

ان أهمية العلاقات المتميزة بين تونس والجزائر ضرورة حتمية وحيوية لمواجهة التغيرات المحلية والعالمية فتونس والجزائر باستطاعتهما خلق فضاء للاندماج المغاربي يساعد ويساهم على تحقيق وشائج التلاحم والتكامل الاقتصادي وصولا الى الهدف المنشود إلا وهو الاندماج المغاربي والوحدة المغاربية فالقيام بالمشروعات المشتركة يعزز أواصر هذا التقارب ويحقق التكامل والاندماج.

من الطبيعي جدا ان تقوم بين تونس والجزائر علاقات مثالية لما يوجد بينهما من روابط حضارية وعرقية ودينية وتاريخية رغم ما تواجهه هده المحاولات من صعوبات إلا انها تمهد الطريق لاتحاد المغرب العربي خاصة وان العالم الان يتجه نحو التعولم وهي فرصة سانحة ومهمة لحل المشاكل السياسية المزمنة والاقتصادية المعقدة والاجتماعية المتراكمة وعليه فالمتأمل في العلاقات بين تونس والجزائر يلاحظ أنّها عريقة بحكم التاريخ المشترك للشعبين الشقيقين والموروث الحضاري والثقافي الواحد. ويدفع لحسن استغلال الثروات وإقامة صرح الديمقراطية لكي يصبح لتونس والجزائر دور فعال في صنع التاريخ من جديد.

ورغم بعض الأزمات الظرفيّة العابرة، فقد تميّزت هذه العلاقات على العموم بالاستقرار والتعاون المتواصل بين البلدين الجارَيْنِ بحكم رغبة الشعبَيْنِ في العيش معا في أمن واستقرار وتطلّعهما لوضع ومستقبل أفضل. ان المناخ الدولي الجديد ووعي شعبي تونس والجزائر ومعهما الشعوب المغاربية يحتم الإسراع في تفعيل هذا الاتحاد وتسريع وتيرة التقارب والتكامل.

* أستاذ وباحث مختص في التاريخ والفكر الإسلامي بجامعة بلعباس بالجزائر