مع تزايد عدد قتلى جيش الاحتلال في جنوب لبنان، وفي الاجتياح الثالث لمخيم جباليا وشمال غزة عموما، بدأت الدعوات اﻷمريكية مجددا في البروز لإيقاف إطلاق النار في كلا الجبهتين.
وهذه الدعوات لم تكن اﻷولى من نوعها سابقا، فقد سبقتها، قبل قرار حكومة الاحتلال المتطرفة بتوسيع الحرب البرية على جبهة جنوب لبنان، محاولات من قبل "الوسيط اﻷمريكي" لإبرام "صفقة هدنة" نجحت مرة واحدة، ولم تنجح في بقية المحاولات.
ولعل ما يمكن ملاحظته في كل هذا السباق الذي خاضه الوسيط اﻷمريكي، أن جولاته المكوكية التي يقودها مدير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، كانت محطات تمكن خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من ممارسة لعبته المفضلة في تحريك "خيوط اللعبة".
فمرة يرخي الخيط إرضاء لـ"الوسيط اﻷمريكي" فقط بالموافقة على إرسال رئيس جهاز مخابراته "الموساد" دفيفيد بيرنيع إما للقاهرة أو الدوحة، للتفاوض على أسس مبادرة بايدن التي أعلنها في ماي الماضي، وفي كل مرة يصل المتفاوضون لصيغة جديدة لاتفاق، يقوم بـ"شد الخيط" ويضيف شروطا جديدة، مما يضع "وسيطه" في موقف إحراج، ويرخي الخيط لحلفائه من اليمين الديني الصهيوني، الذي يرفض التفاوض ويصر على مواصلة الحرب، وطرد الفلسطينيين من قطاع غزة واستيطانه.
وها هو اليوم يمارس نفس اللعبة فيما يتعلق بالتوصل لوقف لإطلاق النار في جنوب لبنان، والتي جاء مبعوث الرئيس اﻷمريكي جو بايدن، عاموس هوكشتاين، ليروج لها بين تل أبيب وبيروت، إلا أنها قوبلت برفض مشروط من نتنياهو باعتبار أن وقف إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال سيكون ممكنا إذا ما "ضمن حريته العملياتية"، بالرغم من أن المبادرة الصادرة من البيت البيض كانت نوقشت سابقا بين واشنطن وتل أبيب.
هذا الموقف حشر هوكشتاين، كبيرنز فيما يتعلق بملف غزة، في زاوية، وحاول معاودة الضغط على "لبنان الرسمي" لإعلان وقف ﻹطلاق النار من جانب واحد، وهو ما يفسر عسكريا، بـ"الاستسلام"، وهذا ما يرفضه "حزب الله"، وعبر عنه أمينه العام الجديد نعيم قاسم، الذي وضع شرطا أساسيا وهو "لا تفاوض تحت إطلاق النار".
إن نتنياهو يعمل على إطالة أمد الحرب، وزيادة زخمها سياسيا، فهو "غير مستعد لتحمل كلفة وقف إطلاق النار"، وهذا ما قاله مباشرة في اجتماع لكتلة حزبه "الليكود" بالكنيست، وهو ما يدفعه لإستراتجية "ربح الوقت"، مستغلا "الزمن الانتخابي" اﻷمريكي، وتهافت أبرز مرشحيه على الحرب في المنطقة، لمواصلة إستراتيجية إطالة الحرب عسكريا، لدعم موقف حزبه سياسيا وانتخابيا، قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية اﻷمريكية لتحديد "اتجاه آخر" في علاقته بمكونات ائتلافه، والمرور نحو انتخابات عامة جديدة قد تمكنه من البقاء في موقعه مجددا، ومن ثم إما التوجه نحو زيادة إطالة زمن الحرب، وزيادة توريط واشنطن فيها، أو اختيار "الزمن الديبلوماسي"، للخروج من "مأزق إطالتها وتمددها" ودخولها في طور جديد وهو "صدام القوى" في المنطقة، وخصوصا بين تل أبيب وطهران وأنقرة، في وقت ستعمل فيه واشنطن على الخروج بأقل تكاليف الصراع هناك والتوجه لمحاولة "احتواء" الصين وروسيا في حدودهما القارية، والحفاظ على "زمن السلام اﻷمريكي" ذي "القطبية الواحدة".
نزار مقني
مع تزايد عدد قتلى جيش الاحتلال في جنوب لبنان، وفي الاجتياح الثالث لمخيم جباليا وشمال غزة عموما، بدأت الدعوات اﻷمريكية مجددا في البروز لإيقاف إطلاق النار في كلا الجبهتين.
وهذه الدعوات لم تكن اﻷولى من نوعها سابقا، فقد سبقتها، قبل قرار حكومة الاحتلال المتطرفة بتوسيع الحرب البرية على جبهة جنوب لبنان، محاولات من قبل "الوسيط اﻷمريكي" لإبرام "صفقة هدنة" نجحت مرة واحدة، ولم تنجح في بقية المحاولات.
ولعل ما يمكن ملاحظته في كل هذا السباق الذي خاضه الوسيط اﻷمريكي، أن جولاته المكوكية التي يقودها مدير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، كانت محطات تمكن خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من ممارسة لعبته المفضلة في تحريك "خيوط اللعبة".
فمرة يرخي الخيط إرضاء لـ"الوسيط اﻷمريكي" فقط بالموافقة على إرسال رئيس جهاز مخابراته "الموساد" دفيفيد بيرنيع إما للقاهرة أو الدوحة، للتفاوض على أسس مبادرة بايدن التي أعلنها في ماي الماضي، وفي كل مرة يصل المتفاوضون لصيغة جديدة لاتفاق، يقوم بـ"شد الخيط" ويضيف شروطا جديدة، مما يضع "وسيطه" في موقف إحراج، ويرخي الخيط لحلفائه من اليمين الديني الصهيوني، الذي يرفض التفاوض ويصر على مواصلة الحرب، وطرد الفلسطينيين من قطاع غزة واستيطانه.
وها هو اليوم يمارس نفس اللعبة فيما يتعلق بالتوصل لوقف لإطلاق النار في جنوب لبنان، والتي جاء مبعوث الرئيس اﻷمريكي جو بايدن، عاموس هوكشتاين، ليروج لها بين تل أبيب وبيروت، إلا أنها قوبلت برفض مشروط من نتنياهو باعتبار أن وقف إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال سيكون ممكنا إذا ما "ضمن حريته العملياتية"، بالرغم من أن المبادرة الصادرة من البيت البيض كانت نوقشت سابقا بين واشنطن وتل أبيب.
هذا الموقف حشر هوكشتاين، كبيرنز فيما يتعلق بملف غزة، في زاوية، وحاول معاودة الضغط على "لبنان الرسمي" لإعلان وقف ﻹطلاق النار من جانب واحد، وهو ما يفسر عسكريا، بـ"الاستسلام"، وهذا ما يرفضه "حزب الله"، وعبر عنه أمينه العام الجديد نعيم قاسم، الذي وضع شرطا أساسيا وهو "لا تفاوض تحت إطلاق النار".
إن نتنياهو يعمل على إطالة أمد الحرب، وزيادة زخمها سياسيا، فهو "غير مستعد لتحمل كلفة وقف إطلاق النار"، وهذا ما قاله مباشرة في اجتماع لكتلة حزبه "الليكود" بالكنيست، وهو ما يدفعه لإستراتجية "ربح الوقت"، مستغلا "الزمن الانتخابي" اﻷمريكي، وتهافت أبرز مرشحيه على الحرب في المنطقة، لمواصلة إستراتيجية إطالة الحرب عسكريا، لدعم موقف حزبه سياسيا وانتخابيا، قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية اﻷمريكية لتحديد "اتجاه آخر" في علاقته بمكونات ائتلافه، والمرور نحو انتخابات عامة جديدة قد تمكنه من البقاء في موقعه مجددا، ومن ثم إما التوجه نحو زيادة إطالة زمن الحرب، وزيادة توريط واشنطن فيها، أو اختيار "الزمن الديبلوماسي"، للخروج من "مأزق إطالتها وتمددها" ودخولها في طور جديد وهو "صدام القوى" في المنطقة، وخصوصا بين تل أبيب وطهران وأنقرة، في وقت ستعمل فيه واشنطن على الخروج بأقل تكاليف الصراع هناك والتوجه لمحاولة "احتواء" الصين وروسيا في حدودهما القارية، والحفاظ على "زمن السلام اﻷمريكي" ذي "القطبية الواحدة".