• تأثرت بسلفادور دالي ثم بالفن الإفريقي من خلال التحولات الرمزية التي طالت الأقنعة
• شطحات سريالية تتجاهل واقعنا الكئيب
تونس - الصباح
سناء جمال هي فنانة تشكيلية مختصة في الخزف، متخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس سنة 1996. حصلت على منحة التميز عقب تخرجها لتتجه فيما بعد إلى باريس 1 - السوربون حيث حصلت على الماجستير ثم الدكتوراه، لتعمل في التدريس لمختلف المواد، من بينها مادة الخزف، وذلك إثر عودتها إلى تونس بعد عام من نيل الدكتوراه. علماً أن التعليم بمعهد الفنون لم يثنها عن إقامة ورشات فنية أو المشاركة في العديد من المعارض الشخصية أو الجماعية داخل وخارج تونس على حد سواء.
بدأت سناء الجمالي مشوارها الفني -حسب ما بينت لـ"الصباح"- بالعمل على الفن الإفريقي بعد تأثرها العميق بالتشكيلي الإسباني سلفادور فيليبي خاثينتو دالي، أحد أعلام المدرسة السريالية وأهم فناني القرن العشرين، من حيث إسهابه في منطق الحرية الذي غالباً ما يؤدي به إلى الفوضى المبدعة الخلاقة.
تأثر التشكيلية سناء الجمالي بسلفادور دالي من حيث "عبثية" أعماله المستلهمة من هول الحرب العالمية الأولى كان له وقع واضح على أعمالها الخزفية، خاصة وأن ملهمها الرسام سلفادور كان قد اعتمد توسيع وتمدد الأشكال في لوحاته، وهو ما نلاحظه في أعمال الفنانة سناء الجمالي من خلال "تطويع" الخزف وإفراز شطحات خيال "جنونية" لا تعترف بالعقلانية الضيقة والمحدودة، كأن لسان حالها يقول: لا بد من شطحات سريالية تتجاهل هذا الواقع الكئيب المؤلم الذي نعيش فيه.
في مراحل متقدمة، وعبر تجربتها في الفن الإفريقي، وتحديداً الأقنعة التراثية التقليدية التي سرعان ما تحولت من بُعدها الديني، وهجرت الجنازات والمهرجانات والاحتفالات، لتشهد تحولات وتغييرات على مستوى الشكل والاستخدام. عملت الفنانة سناء على تلك التحولات (métamorphoses) التي طالت الأقنعة، وفق ما أكدته لـ"الصباح"، حيث ركزت محدثتنا في عشرات الأعمال على تقاسيم الوجه والأفواه المفتوحة من خلال تطويع شرائح الطين، أو الطهي في الفرن مع تغيير آليات الحرق من عمل إلى آخر، من أجل الحصول على جداريات ومسطحات كبرى على الخشب في شكل لوحة، كمحاولة لتجاوز مرحلة استعمال الخزف المعتمد على تقنية ثلاثية الأبعاد.
ومن الطبيعي أن يتغير أداء سناء الجمالي من خلال الممارسة اليومية تقريباً في ورشتها الخاصة، وتنوع التقنيات التي تحاول من خلالها أن تكون مواكبة للأعمال المعاصرة والواقع المعيش، لتنتقل من الجداريات إلى التنصيبات.
الفنانة سناء الجمالي بصدد المشاركة في الأيام الراهنة بعرضين؛ الأول جماعي ويضم رسامين من مختلف الاختصاصات: مختصين في فن الفوتوغرافيا وفن الرسم الزيتي واختصاصات أخرى، أما الثاني فهو شخصي ويضم أعمالاً خزفية في دار الثقافة بالمهدية، ليتواصل إلى غاية 25 من الشهر الجاري.
وقد تواصل انتشار بصمات سناء الجمالي العماري الإبداعية في مختلف المدن التونسية والأوروبية، باعتبار أنها تحاول من خلال العروض الفردية والجماعية تجسيد القضايا الفلسفية والوجودية من خلال تطويع الطين وتطويع الوجوه بكل تقاسيمها على اللوحات إلى أهم الوقائع الحياتية. بدليل أن الفنانة سناء في أعمال سابقة عمدت إلى إيصال رسائل هامة من خلال الدعوة إلى التضامن والانعتاق من القيود المكبلة في حياتنا اليومية. ونذكر على سبيل المثال جدارية تحت عنوان "كلنا معاً"، المكونة من ثلاثين مربعاً من الطين الأبيض مختلفة الحجم موزعة على سطح أزرق وأصفر، أو "Anamnèse" وهي لوحة تحيلنا إلى المفهوم الأفلاطوني الذي يعني استعادة الأفكار الساكنة فينا منذ قبل الولادة، أو تلك الأفواه المفتوحة على مصراعيها المجسدة للاختلافات والصراعات البشرية بحثاً عن توقف الجراحات والآلام، في دعوة لمتأملي الأعمال إلى التمعن واستشعار معاني الإنسانية التي تتجاوز الذات الواحدة.
وما من شك أن الكثير من الطاقات الإبداعية في تونس قد انتهجوا -كل بطريقته وأسلوبه الفني الخاص- تيارات معينة لمحاكاة الواقع أو لغايات وأبعاد جمالية أخرى. ولعل ذلك ما يدعو متابعي قطاع الفن التشكيلي في تونس إلى التساؤل حول عدم بلوغ أعمال أغلب التشكيليين أصحاب الإنتاجات المعاصرة إلى العالمية والمشاركة في معارض دولية هامة. لتؤكد سناء الجمالي لـ"الصباح" أن "الإجراءات ما زالت معقدة في ما يتعلق بحمل لوحات فنية خارج حدود الوطن، وأنا شخصياً عمدت ذات مرة إلى الصعود في الطائرة رفقة لوحات صغيرة الحجم حتى يتسنى لي المشاركة في إحدى المعارض الجماعية، حتى لا أتعرض إلى تعطيلات على مستوى الإجراءات الديوانية".
غيض من فيض في قطاع الفن التشكيلي، لكنه يبقى من بين أهم العوائق التي يتعرض لها الفنانون التونسيون دون أن يدركوا إلى يوم الناس هذا متى ستحل هذه المشاكل وتفتح أبواب العالمية لخيرة المبدعين في القطاع، وأن نحول دون تكرار حادثة الرسام التونسي المقيم في ألمانيا، الذي تلقى دعوة من مندوبية الثقافة بالمهدية للمشاركة في معرض جماعي، ليُفاجأ بحجز لوحاته بدعوى خرق القانون. وقد أثارت هذه الحادثة جدلاً واسعاً، لكن لم تغير شيئاً على مستوى الإجراءات، وظلت دار لقمان على حالها!
وليد عبد اللاوي
• تأثرت بسلفادور دالي ثم بالفن الإفريقي من خلال التحولات الرمزية التي طالت الأقنعة
• شطحات سريالية تتجاهل واقعنا الكئيب
تونس - الصباح
سناء جمال هي فنانة تشكيلية مختصة في الخزف، متخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس سنة 1996. حصلت على منحة التميز عقب تخرجها لتتجه فيما بعد إلى باريس 1 - السوربون حيث حصلت على الماجستير ثم الدكتوراه، لتعمل في التدريس لمختلف المواد، من بينها مادة الخزف، وذلك إثر عودتها إلى تونس بعد عام من نيل الدكتوراه. علماً أن التعليم بمعهد الفنون لم يثنها عن إقامة ورشات فنية أو المشاركة في العديد من المعارض الشخصية أو الجماعية داخل وخارج تونس على حد سواء.
بدأت سناء الجمالي مشوارها الفني -حسب ما بينت لـ"الصباح"- بالعمل على الفن الإفريقي بعد تأثرها العميق بالتشكيلي الإسباني سلفادور فيليبي خاثينتو دالي، أحد أعلام المدرسة السريالية وأهم فناني القرن العشرين، من حيث إسهابه في منطق الحرية الذي غالباً ما يؤدي به إلى الفوضى المبدعة الخلاقة.
تأثر التشكيلية سناء الجمالي بسلفادور دالي من حيث "عبثية" أعماله المستلهمة من هول الحرب العالمية الأولى كان له وقع واضح على أعمالها الخزفية، خاصة وأن ملهمها الرسام سلفادور كان قد اعتمد توسيع وتمدد الأشكال في لوحاته، وهو ما نلاحظه في أعمال الفنانة سناء الجمالي من خلال "تطويع" الخزف وإفراز شطحات خيال "جنونية" لا تعترف بالعقلانية الضيقة والمحدودة، كأن لسان حالها يقول: لا بد من شطحات سريالية تتجاهل هذا الواقع الكئيب المؤلم الذي نعيش فيه.
في مراحل متقدمة، وعبر تجربتها في الفن الإفريقي، وتحديداً الأقنعة التراثية التقليدية التي سرعان ما تحولت من بُعدها الديني، وهجرت الجنازات والمهرجانات والاحتفالات، لتشهد تحولات وتغييرات على مستوى الشكل والاستخدام. عملت الفنانة سناء على تلك التحولات (métamorphoses) التي طالت الأقنعة، وفق ما أكدته لـ"الصباح"، حيث ركزت محدثتنا في عشرات الأعمال على تقاسيم الوجه والأفواه المفتوحة من خلال تطويع شرائح الطين، أو الطهي في الفرن مع تغيير آليات الحرق من عمل إلى آخر، من أجل الحصول على جداريات ومسطحات كبرى على الخشب في شكل لوحة، كمحاولة لتجاوز مرحلة استعمال الخزف المعتمد على تقنية ثلاثية الأبعاد.
ومن الطبيعي أن يتغير أداء سناء الجمالي من خلال الممارسة اليومية تقريباً في ورشتها الخاصة، وتنوع التقنيات التي تحاول من خلالها أن تكون مواكبة للأعمال المعاصرة والواقع المعيش، لتنتقل من الجداريات إلى التنصيبات.
الفنانة سناء الجمالي بصدد المشاركة في الأيام الراهنة بعرضين؛ الأول جماعي ويضم رسامين من مختلف الاختصاصات: مختصين في فن الفوتوغرافيا وفن الرسم الزيتي واختصاصات أخرى، أما الثاني فهو شخصي ويضم أعمالاً خزفية في دار الثقافة بالمهدية، ليتواصل إلى غاية 25 من الشهر الجاري.
وقد تواصل انتشار بصمات سناء الجمالي العماري الإبداعية في مختلف المدن التونسية والأوروبية، باعتبار أنها تحاول من خلال العروض الفردية والجماعية تجسيد القضايا الفلسفية والوجودية من خلال تطويع الطين وتطويع الوجوه بكل تقاسيمها على اللوحات إلى أهم الوقائع الحياتية. بدليل أن الفنانة سناء في أعمال سابقة عمدت إلى إيصال رسائل هامة من خلال الدعوة إلى التضامن والانعتاق من القيود المكبلة في حياتنا اليومية. ونذكر على سبيل المثال جدارية تحت عنوان "كلنا معاً"، المكونة من ثلاثين مربعاً من الطين الأبيض مختلفة الحجم موزعة على سطح أزرق وأصفر، أو "Anamnèse" وهي لوحة تحيلنا إلى المفهوم الأفلاطوني الذي يعني استعادة الأفكار الساكنة فينا منذ قبل الولادة، أو تلك الأفواه المفتوحة على مصراعيها المجسدة للاختلافات والصراعات البشرية بحثاً عن توقف الجراحات والآلام، في دعوة لمتأملي الأعمال إلى التمعن واستشعار معاني الإنسانية التي تتجاوز الذات الواحدة.
وما من شك أن الكثير من الطاقات الإبداعية في تونس قد انتهجوا -كل بطريقته وأسلوبه الفني الخاص- تيارات معينة لمحاكاة الواقع أو لغايات وأبعاد جمالية أخرى. ولعل ذلك ما يدعو متابعي قطاع الفن التشكيلي في تونس إلى التساؤل حول عدم بلوغ أعمال أغلب التشكيليين أصحاب الإنتاجات المعاصرة إلى العالمية والمشاركة في معارض دولية هامة. لتؤكد سناء الجمالي لـ"الصباح" أن "الإجراءات ما زالت معقدة في ما يتعلق بحمل لوحات فنية خارج حدود الوطن، وأنا شخصياً عمدت ذات مرة إلى الصعود في الطائرة رفقة لوحات صغيرة الحجم حتى يتسنى لي المشاركة في إحدى المعارض الجماعية، حتى لا أتعرض إلى تعطيلات على مستوى الإجراءات الديوانية".
غيض من فيض في قطاع الفن التشكيلي، لكنه يبقى من بين أهم العوائق التي يتعرض لها الفنانون التونسيون دون أن يدركوا إلى يوم الناس هذا متى ستحل هذه المشاكل وتفتح أبواب العالمية لخيرة المبدعين في القطاع، وأن نحول دون تكرار حادثة الرسام التونسي المقيم في ألمانيا، الذي تلقى دعوة من مندوبية الثقافة بالمهدية للمشاركة في معرض جماعي، ليُفاجأ بحجز لوحاته بدعوى خرق القانون. وقد أثارت هذه الحادثة جدلاً واسعاً، لكن لم تغير شيئاً على مستوى الإجراءات، وظلت دار لقمان على حالها!