إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

اافتتاحية "الصباح".. النظام العالمي والإفلاس الأخلاقي

 

من ظلّ يفرض هيمنته على العالم لعقود، أفلس أخلاقيا وسياسيا، ولم يعد يستطيع أن يتخفّى وراء قيم مصطنعة يحتكرها لنفسه ويرفض أن يستفيد منها الآخر الضحية. هذا البعض مما نجحت فيه حرب الإبادة على غزّة، وكشفته دون مواربة أمام الجميع. فرغم المأساة الفلسطينية، التي عمّقتها مأساة غزة، إلا أن الحرب أسقطت كل أوراق التوت، وسرّعت عملية تقلّص نفوذ وهيمنة النظام العالمي الجديد، الذي تقوده منذ سنوات الولايات المتحدة الأمريكية، وتناسلت من رحمه أزمات وحروب طاحنة ودُمّرت دول كثيرة وتغيّرت ملامحها السياسية لأنها تمرّدت بشكل ما عن تلك الهيمنة !

فكما اشتدت قبضة هذا النظام العالمي الجديد انطلاقا من منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد حرب الخليج في بداية التسعينات، اليوم، ومن نفس المنطقة بدأت قبضة هذا النظام ترتخي، ليس بفعل الأنظمة، التي مازالت ترزح تحت الهيمنة، بل بفعل حركات المقاومة، المسنودة من دول رافضة منذ البداية لهذه الهيمنة الأمريكية.

حركات مقاومة زادتها الحرب على غزة غضبا وصلابة وجرأة في التقدّم نحو أهدافها، رغما عن إرادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت تدفع من صورتها ومن نفوذها ثمن حمايتها للكيان الصهيوني ..

وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت، بعد حرب الخليج، أن من أهدافها إقامة نظام عالمي جديد بقطب واحد، تقود من خلاله العالم وتفرض هيمنتها على كل مراكز القوى فيه، بما تمتلكه من قدرات في جميع المجالات وتوظيف تلك القدرات في حماية مصالحها ومصالح كل حلفائها حتى خارج حدودها وخارج حدود القانون والشرعية الدولية والمنظمات الأممية، دون منافسة من أي قوة أخرى، فإن اليوم هناك من يعلن أن زمن انفرادها بالقرار الدولي ولّى وأن هناك قوى اقتصادية وعسكرية اليوم من حقها أن تسعى لنظام عالمي أكثر عدالة وأخلاقا وإنسانية واحتراما لإرادة الشعوب في تقرير مصيرها والتحكّم في ثرواتها ..

وقطعا لن يكون المرور من الحالة الراهنة الى وضع جديد وفق تطلعات القوى المستنفرة للتغيير بطريقة يسيرة وسهلة، بل إن الأمر سيستغرق ربما سنوات أخرى من التأزّم والتأهب لحرب شاملة تدقّ نواقيسها منذ أشهر طويلة، أمام ترقّب حذر وقلق من الجميع، حوّل منطقة الشرق الأوسط الى حقل ألغام، قد ينفجر في أي لحظة ودون توقعات عن مصير هذا الانفجار ولا عن مآلاته .

وتحاول، اليوم، الولايات المتحدة ومن خلفها الاتحاد الأوربي البقاء في صورة الأقوى الذي يملك حلولا على الميدان للحرب المستعرة على جبهة غزّة ولبنان، والتي توشك على جرّ كل المنطقة الى خطّ المواجهة العسكرية والحسم بقوة العتاد الحربي، حيث تحاول باريس من خلال المؤتمر الدولي لدعم لبنان، أن تطرح نفسها كقوة قادرة على التحكّم في سياقات الحرب من خلال تقديم المساعدة الإنسانية للبنان الذي أثخنه الصراع الدائر على أرضه وحدوده، ولكن في نفس الوقت وفي الجهة الأخرى من أوروبا تحاول روسيا وحلفاؤها من خلال قمة "البريكس" فرض واقع اقتصادي جديد في العالم تمهيدا للذهاب الى واقع دولي وعسكري جديد من خلال ضمان انضمام دول جديدة الى المجموعة ومنها دول شرق أوسطية لها ثقلها الاقتصادي والاستراتيجي مثل المملكة العربية السعودية ومصر وإيران والإمارات طبعا، إلى جانب الدول الخمس المؤسسة للمجموعة، وهي دول تتفق على ضرورة إلغاء فكرة القطب الواحد في النظام العالمي الجديد والتوجّه نحو فكرة عالم متعدد الأقطاب دون هيمنة ودون إملاءات.

منية العرفاوي

 

من ظلّ يفرض هيمنته على العالم لعقود، أفلس أخلاقيا وسياسيا، ولم يعد يستطيع أن يتخفّى وراء قيم مصطنعة يحتكرها لنفسه ويرفض أن يستفيد منها الآخر الضحية. هذا البعض مما نجحت فيه حرب الإبادة على غزّة، وكشفته دون مواربة أمام الجميع. فرغم المأساة الفلسطينية، التي عمّقتها مأساة غزة، إلا أن الحرب أسقطت كل أوراق التوت، وسرّعت عملية تقلّص نفوذ وهيمنة النظام العالمي الجديد، الذي تقوده منذ سنوات الولايات المتحدة الأمريكية، وتناسلت من رحمه أزمات وحروب طاحنة ودُمّرت دول كثيرة وتغيّرت ملامحها السياسية لأنها تمرّدت بشكل ما عن تلك الهيمنة !

فكما اشتدت قبضة هذا النظام العالمي الجديد انطلاقا من منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد حرب الخليج في بداية التسعينات، اليوم، ومن نفس المنطقة بدأت قبضة هذا النظام ترتخي، ليس بفعل الأنظمة، التي مازالت ترزح تحت الهيمنة، بل بفعل حركات المقاومة، المسنودة من دول رافضة منذ البداية لهذه الهيمنة الأمريكية.

حركات مقاومة زادتها الحرب على غزة غضبا وصلابة وجرأة في التقدّم نحو أهدافها، رغما عن إرادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت تدفع من صورتها ومن نفوذها ثمن حمايتها للكيان الصهيوني ..

وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت، بعد حرب الخليج، أن من أهدافها إقامة نظام عالمي جديد بقطب واحد، تقود من خلاله العالم وتفرض هيمنتها على كل مراكز القوى فيه، بما تمتلكه من قدرات في جميع المجالات وتوظيف تلك القدرات في حماية مصالحها ومصالح كل حلفائها حتى خارج حدودها وخارج حدود القانون والشرعية الدولية والمنظمات الأممية، دون منافسة من أي قوة أخرى، فإن اليوم هناك من يعلن أن زمن انفرادها بالقرار الدولي ولّى وأن هناك قوى اقتصادية وعسكرية اليوم من حقها أن تسعى لنظام عالمي أكثر عدالة وأخلاقا وإنسانية واحتراما لإرادة الشعوب في تقرير مصيرها والتحكّم في ثرواتها ..

وقطعا لن يكون المرور من الحالة الراهنة الى وضع جديد وفق تطلعات القوى المستنفرة للتغيير بطريقة يسيرة وسهلة، بل إن الأمر سيستغرق ربما سنوات أخرى من التأزّم والتأهب لحرب شاملة تدقّ نواقيسها منذ أشهر طويلة، أمام ترقّب حذر وقلق من الجميع، حوّل منطقة الشرق الأوسط الى حقل ألغام، قد ينفجر في أي لحظة ودون توقعات عن مصير هذا الانفجار ولا عن مآلاته .

وتحاول، اليوم، الولايات المتحدة ومن خلفها الاتحاد الأوربي البقاء في صورة الأقوى الذي يملك حلولا على الميدان للحرب المستعرة على جبهة غزّة ولبنان، والتي توشك على جرّ كل المنطقة الى خطّ المواجهة العسكرية والحسم بقوة العتاد الحربي، حيث تحاول باريس من خلال المؤتمر الدولي لدعم لبنان، أن تطرح نفسها كقوة قادرة على التحكّم في سياقات الحرب من خلال تقديم المساعدة الإنسانية للبنان الذي أثخنه الصراع الدائر على أرضه وحدوده، ولكن في نفس الوقت وفي الجهة الأخرى من أوروبا تحاول روسيا وحلفاؤها من خلال قمة "البريكس" فرض واقع اقتصادي جديد في العالم تمهيدا للذهاب الى واقع دولي وعسكري جديد من خلال ضمان انضمام دول جديدة الى المجموعة ومنها دول شرق أوسطية لها ثقلها الاقتصادي والاستراتيجي مثل المملكة العربية السعودية ومصر وإيران والإمارات طبعا، إلى جانب الدول الخمس المؤسسة للمجموعة، وهي دول تتفق على ضرورة إلغاء فكرة القطب الواحد في النظام العالمي الجديد والتوجّه نحو فكرة عالم متعدد الأقطاب دون هيمنة ودون إملاءات.

منية العرفاوي