إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

طفت من جديد مع حلول السنة الدراسية.. العنف ضد المربين يتفاقم .. فمن يوقف هذا "النزيف"؟!!

تونس - الصباح

"قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا" كلمات نوه من خلالها احمد شوقى بالدور الريادي الذي يلعبه المعلم في تكوين الناشئة وضرورة احترامه وتقديره لما يقوم به وعدم الإساءة اليه.

كلمات شوقى كتبت بأحرف من ذهب وظلت راسخة لأجيال وأجيال في ذهن الناشئة لأنها وضعت المعلم في منزلة هامة وتربت أجيال على عبارة "سيدي" ولكن مع مرور الزمن بدأت صورة المعلم تتهاوى وضرب بعض التلاميذ كذلك الأولياء عرض الحائط بتلك القيم والمبادئ وأصبح التلميذ يعامل المربي الند للند بل ان المربي بات يهان في عقر المؤسسة التربوية.. ويتعرض للشتم وحتى الضرب.

عوامل عديدة ضربت صورة المربي الذي لم يعد في مأمن من الاعتداءات التي باتت تهدده في أية لحظة سواء من التلميذ أو الولي..

صباح الشابي

وتنديدا بما يتعرض له الإطار التربوي من اعتداءات نفذ أمس الإطار التربوي بالمدرسة الابتدائية سيدي بوضاوي بمعتمدية قليبية وقفة احتجاجية على خلفية عملية تعنيف استهدفت الإطار التربوي بالمدرسة.

كما نفذ الإطار التربوي بالمدرسة الابتدائية زاوية الجديدي وقفة احتجاجية تنديدا بانتهاك حرمة المؤسسة من قبل شخص من خارج المؤسسة استهدف تلاميذ والإطار المسير للمؤسسة في عدة مناسبات.

اعتداءات متتالية..

واقعة اعتداء آخر جد يوم 4 أكتوبر 2024 فقد تعرض المربي ناجم فريضي معلم لغة فرنسية أصيل َلاية القصرين ويدرس بإحدى المدارس الإبتدائية بالعاصمة إلى العنف المادي حيث عمد َولي إلى الاعتداء عليه بواسطة شفرة حلاقة "Lame porte " على مستوى يده عندما كان المعلم في طريقه إلى منزله حيث اعترض سبيله َولي وعمد الى الاعتداء عليه لانه لم يقدم هدية لابنه خلال مسابقة بين التلاميذ سلم اثرها جائزة للتلميذ الفائز.

بعد هذه الحادثة عمد الجمعة المنقضي ولي إلى التهجم على مدير المدرسة الإعدادية حليمة الشعبوني وإحدى القيمات بذات المؤسسة التربوية الى التهجم والاعتداء عليهما بالعنف اللفظي.

واحتجاجا على ذلك نفذت في نفس اليوم أسلاك التربية بعقارب وقفة احتجاجية بساعتين من العاشرة صباحا الى منتصف النهار تعطلت خلالها الدروس بجميع المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بمعتمدية عقارب.

واستنكرت النقابات الأساسية للتربية بعقارب في بيان مشترك التعدي على حرمة المؤسسة والأسرة التربوية وحملت الإدارة مسؤولية توفير الحماية للإطار التربوي واتخاذ كافة الإجراءات القانونية في تتبع كل من يمس من سلامة المربين الجسدية والمعنوية والاعتبارية للمؤسسات وطالبت سلطة الإشراف بالقيام بالإجراءات اللازمة لحفظ كرامة المربي.

وكانت الإطارات التربوية بمدرسة النور بالعيون بالقصرين تعرضت خلال افريل المنقضي إلى 3 حالات اعتداء بالعنف اللفظي، من قبل عدد من الأولياء ودفعت تلك الاعتداءات المربين بالمدرسة المذكورة إلى الاحتجاج للمطالبة بتدخل الإدارة الجهوية للتربية بالقصرين "لإيقاف نزيف الاعتداءات المتكررة ضد المربين والمؤسسات التربوية".

مسلسل العنف المسلط على المربين متواصل فبعد ان كان التلاميذ يمارسون العنف تجاه المربين ومن بين تلك الحوادث حادثة كانت هزت الرأي العام خلال 2021 عندما تم نشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمن مشهدا صادما لآثار اعتداء تلميذ بسكين وساطور على أستاذه داخل الفصل تعمّد تلميذ يدرس في السنة الأولى من التعليم الثانوي فور دخوله إلى الفصل وطعن أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا بسكين وضربه بساطور بأحد المعاهد الثانوية بمنطقة الزهراء وتسبّب له في جروح بليغة على مستوى الوجه والرأس والكتف وتم نقله إلى احد المستشفيات ليخضع إلى عملية جراحية دقيقة.

وقد أثارت الحادثة سخطا واستنكارا واسعا بسبب تفشي ظاهرة العنف المادي من التلاميذ تجاه المربين دون إيجاد حلول للحد من هذا السلوك المجرم قانونا والمرفوض أخلاقيا.

انتقلت العدوى إلى الأولياء ففي واقعة أخرى كانت جدت يَوم 18 ماي 2024 بمدرسة الهدى بوادي الشعبوني بطريق المطار بصفاقس عندما أقدم ولي على صفع أحد المعلمين والاعتداء عليه لفظيا داخل ساحة المدرسة قبل أن يلوذ بالفرار أمام أنظار المعلمين والتلاميذ.

وقد تم تقديم شكاية إلى لأمن وإدراج المعتدي بالتفتيش.

وفي وقت سابق كانت عمدت ولية إلى التهجم على معلمة بمدرسة المنجي سليم بالسبيخة بسبب رفض المعلمة تمكين ابن الولية من الجلوس في الطاولة الأولى بالقسم.

وكانت الولية ظهرت في حالة هستيرية وهددت المعلمة وفق فيديو كان تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك واثار ضجة كبيرة بسبب هذا السلوك المشين الصادر عن بعض الأولياء تجاه المربين ضاربين بعرض الحائط القانون الذي يجرم مثل هذه الأفعال.

معلم اخر تعرض بدوره خلال 2020 بالمدرسة الابتدائية كلود برنار بحي الخضراء الى العنف المادي على مستوى الرأس والعينين من قبل َولي والسبب ان هذا الأخير لم يستحسن العدد المسند لابنه في الامتحان..

تراجع القيم..

هذه السلوكيات غير المقبولة والعدائية تجاه المربين ليست الأولى من نوعها فقد شهدنا خلال السنوات المتعاقبة العديد من حالات العنف المدرسي المسلط سَواء من الأولياء او التلاميذ تجاه المربين والبعض يفسرها بتراجع القيم والبعض الآخر بالإرهاصات والضغوطات الاقتصادية والنفسية...

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : الأولياء ينظرون إلى المدرسة كمسؤول جزئي عن الإخفاقات التعليمية أو السلوكية التي يعاني منها أبناؤهم.

ويعتبر في هذا الصدد المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين ان تنامي حالات اعتداء الأولياء على المعلمين والأساتذة في المؤسسات التربوية العمومية في تونس ،يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل سوسيولوجية متشابكة وعوامل نفسية.

فمن الناحية السوسيولوجية لاحظ المتحدث ان تفكك الثقة بين الأسرة والمؤسسة التعليمية عامل من بين العوامل إذ انه في السابق كان هناك توافق بين الأسرة والمدرسة على دور المعلم كمرجعية تربوية وأخلاقية ومع مرور الوقت ،شهد المجتمع التونسي تفككا في هذه الثقة نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبات الكثير من الأولياء ينظرون إلى المدرسة كمسؤول جزئي عن الإخفاقات التعليمية أو السلوكية التي يعاني منها أبناؤهم ،مما يؤدي إلى تصاعد حدة التوترات.

كما تعاني الأسر التونسية من ضغوطات اقتصادية واجتماعية متزايدة ،بما في ذلك البطالة وتدهور المستوى المعيشي وصعوبة تلبية الاحتياجات الأساسية.

وأضاف أن هذه الضغوط يمكن أن تؤدي إلى توتر نفسي يجعل الأولياء أكثر عرضة للانفعالات المفرطة في حال مواجهة مشاكل تعليمية أو سلوكية لدى أبنائهم في المدرسة ومع تغير بنية الأسرة و تراجع الدور التقليدي للآباء والأمهات في التربية أصبحت المؤسسات التعليمية في مواجهة مباشرة مع مشاكل التنشئة والتوجيه السلوكي للأبناء قد يشعر الأهل بالضياع أو عدم القدرة على توجيه أبنائهم ، فيحملون المدرسة والهيئة التربوية المسؤولية عن فشلهم في ذلك. ينضاف لما سبق انحدار قيمة المعلم في المجتمع حيث كان يعتبر في المجتمع التونسي شخصية محترمة ومرموقة ،لكن مع تدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العقود الأخيرة تراجع هذا التقدير كذلك الفجوة بين الوضع المادي والاجتماعي للمعلمين وتوقعات الأولياء من المدارس قد تؤدي إلى فقدان الاحترام المتبادل وتزايد التصرفات العدائية.

كما أن المجتمع التونسي شهد تحولات ثقافية كبرى بما في ذلك تغير النظرة إلى السلطة والعلاقة مع الشخصيات المرجعية مثل المعلمين قد يعكس هذا التحول رغبة في التمرد على السلطات التقليدية ،مما يعزز ميل بعض الأولياء للتعامل مع المعلمين بعدوانية بدلا من الاحترام والتعاون.

كما أن تأثير الإعلام والشبكات الاجتماعية كبير وخطير حيث يساهمان بشكل فعال في تشكيل الرأي العام ،وغالبا ما يتم تسليط الضوء على المشاكل والانتهاكات داخل المؤسسات التربوية.يمكن أن يعزز ذلك تصورات سلبية لدى الأولياء ويغذي الشعور بأن المعلمين غير قادرين على القيام بواجبهم التربوي بشكل صحيح ،مما يدفعهم إلى التصرف بعنف.

ومن الناحية النفسية توجد عدة عوامل يمكن أن تساعد في فهم سلوك بعض الأولياء العنيف تجاه المعلمين والأساتذة في تونس.

وهذه العوامل تتفاعل مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية لتفسير تصرفات الأولياء العدائية.

ولاحظ ان من بين العوامل النفسية التي يمكن أخذها بالاعتبار الإحباط والتوتر حيث يعيش الكثير من الأولياء في تونس تحت ضغط نفسي كبير نتيجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية عندما يشعر الأهل بأنهم غير قادرين على التحكم في الظروف المحيطة أو تحسين مستقبل أبنائهم ،يمكن أن يتحول الإحباط إلى سلوك عدائي تجاه الأشخاص الذين يرونهم مسؤولين عن هذا الوضع ،مثل المعلمين.كما في بعض الأحيان يقوم الأهل بإسقاط مشاعرهم السلبية أو الفشل الشخصي على المعلمين.على سبيل المثال ،إذا كان الأهل يشعرون بأنهم فشلوا في تقديم حياة أفضل لأبنائهم أو في تحقيق أهدافهم الشخصية ،قد يقومون بنقل هذا الشعور بالذنب والعدوانية نحو المعلمين الذين يعتبرونهم مسؤولين عن نتائج تعليم الأبناء.

إضافة الى عدم القدرة على التحكم في الغضب لدى بعض الأفراد يجعلهم يردون الفعل فوريا وبغير أتزان تجاه المعلمين نظرا للضغوط والصعوبات التي يواجهونها في حياتهم. كما أن بعض الأولياء يرون في الفشل الدراسي أو السلوكي للأبناء تهديدا لكرامتهم أو صورتهم الاجتماعية. يمكن أن يؤدي هذا إلى رد فعل دفاعي عدواني ضد المعلمين ،الذين يتم اعتبارهم المسؤولين المباشرين عن تقييم أداء الأبناء وتوجيههم.

وفي بعض الحالات قد يستخدم الأولياء العدوان كوسيلة للدفاع عن أنفسهم أمام ما يشعرون به من ضغوط اجتماعية أو نفسية يمكنان ان يكون هذا العدوان تعبيرا عن رفضهم للانتقادات أو الضغط الاجتماعي الذي يضعهم في موقف دفاعي ،حيث يتم التعامل مع المعلمين كأهداف سهلة للتفريغ.

ومن ناحية أخرى قد يشعر بعض الأولياء بفقدان السيطرة على حياة أبنائهم ،سواء من حيث التوجيه السلوكي أو الأداء الدراسي.. هذا الشعور يمكن أن يؤدي إلى تصرفات عدائية تجاه المعلمين كمحاولة غير واعية لاستعادة بعض السلطة أو النفوذ. كما أن بعض الأولياء قد يكونون قد تعرضوا في طفولتهم أو مراحل حياتهم السابقة إلى تجارب تعليمية سلبية أو حتى صدمات ،مثل الاعتداء اللفظي أو الجسدي من قبل المعلمين. هذه التجارب السابقة يمكن أن تؤثر على سلوكهم تجاه المعلمين في الوقت الحالي ،مما يؤدي إلى تصرفات عدوانية كردة فعل على هذه الصدمات غير المعالجة.

واعتبر ان التعامل مع هذا النوع من السلوك العدواني يتطلب حلا شاملا يعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتربوية المعقدة التي تؤثر على العلاقة بين الأسرة والمدرسة في تونس.

 

 

 

 

 

 

 

طفت من جديد مع حلول السنة الدراسية..  العنف ضد المربين يتفاقم .. فمن يوقف هذا "النزيف"؟!!

تونس - الصباح

"قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا" كلمات نوه من خلالها احمد شوقى بالدور الريادي الذي يلعبه المعلم في تكوين الناشئة وضرورة احترامه وتقديره لما يقوم به وعدم الإساءة اليه.

كلمات شوقى كتبت بأحرف من ذهب وظلت راسخة لأجيال وأجيال في ذهن الناشئة لأنها وضعت المعلم في منزلة هامة وتربت أجيال على عبارة "سيدي" ولكن مع مرور الزمن بدأت صورة المعلم تتهاوى وضرب بعض التلاميذ كذلك الأولياء عرض الحائط بتلك القيم والمبادئ وأصبح التلميذ يعامل المربي الند للند بل ان المربي بات يهان في عقر المؤسسة التربوية.. ويتعرض للشتم وحتى الضرب.

عوامل عديدة ضربت صورة المربي الذي لم يعد في مأمن من الاعتداءات التي باتت تهدده في أية لحظة سواء من التلميذ أو الولي..

صباح الشابي

وتنديدا بما يتعرض له الإطار التربوي من اعتداءات نفذ أمس الإطار التربوي بالمدرسة الابتدائية سيدي بوضاوي بمعتمدية قليبية وقفة احتجاجية على خلفية عملية تعنيف استهدفت الإطار التربوي بالمدرسة.

كما نفذ الإطار التربوي بالمدرسة الابتدائية زاوية الجديدي وقفة احتجاجية تنديدا بانتهاك حرمة المؤسسة من قبل شخص من خارج المؤسسة استهدف تلاميذ والإطار المسير للمؤسسة في عدة مناسبات.

اعتداءات متتالية..

واقعة اعتداء آخر جد يوم 4 أكتوبر 2024 فقد تعرض المربي ناجم فريضي معلم لغة فرنسية أصيل َلاية القصرين ويدرس بإحدى المدارس الإبتدائية بالعاصمة إلى العنف المادي حيث عمد َولي إلى الاعتداء عليه بواسطة شفرة حلاقة "Lame porte " على مستوى يده عندما كان المعلم في طريقه إلى منزله حيث اعترض سبيله َولي وعمد الى الاعتداء عليه لانه لم يقدم هدية لابنه خلال مسابقة بين التلاميذ سلم اثرها جائزة للتلميذ الفائز.

بعد هذه الحادثة عمد الجمعة المنقضي ولي إلى التهجم على مدير المدرسة الإعدادية حليمة الشعبوني وإحدى القيمات بذات المؤسسة التربوية الى التهجم والاعتداء عليهما بالعنف اللفظي.

واحتجاجا على ذلك نفذت في نفس اليوم أسلاك التربية بعقارب وقفة احتجاجية بساعتين من العاشرة صباحا الى منتصف النهار تعطلت خلالها الدروس بجميع المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بمعتمدية عقارب.

واستنكرت النقابات الأساسية للتربية بعقارب في بيان مشترك التعدي على حرمة المؤسسة والأسرة التربوية وحملت الإدارة مسؤولية توفير الحماية للإطار التربوي واتخاذ كافة الإجراءات القانونية في تتبع كل من يمس من سلامة المربين الجسدية والمعنوية والاعتبارية للمؤسسات وطالبت سلطة الإشراف بالقيام بالإجراءات اللازمة لحفظ كرامة المربي.

وكانت الإطارات التربوية بمدرسة النور بالعيون بالقصرين تعرضت خلال افريل المنقضي إلى 3 حالات اعتداء بالعنف اللفظي، من قبل عدد من الأولياء ودفعت تلك الاعتداءات المربين بالمدرسة المذكورة إلى الاحتجاج للمطالبة بتدخل الإدارة الجهوية للتربية بالقصرين "لإيقاف نزيف الاعتداءات المتكررة ضد المربين والمؤسسات التربوية".

مسلسل العنف المسلط على المربين متواصل فبعد ان كان التلاميذ يمارسون العنف تجاه المربين ومن بين تلك الحوادث حادثة كانت هزت الرأي العام خلال 2021 عندما تم نشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمن مشهدا صادما لآثار اعتداء تلميذ بسكين وساطور على أستاذه داخل الفصل تعمّد تلميذ يدرس في السنة الأولى من التعليم الثانوي فور دخوله إلى الفصل وطعن أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا بسكين وضربه بساطور بأحد المعاهد الثانوية بمنطقة الزهراء وتسبّب له في جروح بليغة على مستوى الوجه والرأس والكتف وتم نقله إلى احد المستشفيات ليخضع إلى عملية جراحية دقيقة.

وقد أثارت الحادثة سخطا واستنكارا واسعا بسبب تفشي ظاهرة العنف المادي من التلاميذ تجاه المربين دون إيجاد حلول للحد من هذا السلوك المجرم قانونا والمرفوض أخلاقيا.

انتقلت العدوى إلى الأولياء ففي واقعة أخرى كانت جدت يَوم 18 ماي 2024 بمدرسة الهدى بوادي الشعبوني بطريق المطار بصفاقس عندما أقدم ولي على صفع أحد المعلمين والاعتداء عليه لفظيا داخل ساحة المدرسة قبل أن يلوذ بالفرار أمام أنظار المعلمين والتلاميذ.

وقد تم تقديم شكاية إلى لأمن وإدراج المعتدي بالتفتيش.

وفي وقت سابق كانت عمدت ولية إلى التهجم على معلمة بمدرسة المنجي سليم بالسبيخة بسبب رفض المعلمة تمكين ابن الولية من الجلوس في الطاولة الأولى بالقسم.

وكانت الولية ظهرت في حالة هستيرية وهددت المعلمة وفق فيديو كان تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك واثار ضجة كبيرة بسبب هذا السلوك المشين الصادر عن بعض الأولياء تجاه المربين ضاربين بعرض الحائط القانون الذي يجرم مثل هذه الأفعال.

معلم اخر تعرض بدوره خلال 2020 بالمدرسة الابتدائية كلود برنار بحي الخضراء الى العنف المادي على مستوى الرأس والعينين من قبل َولي والسبب ان هذا الأخير لم يستحسن العدد المسند لابنه في الامتحان..

تراجع القيم..

هذه السلوكيات غير المقبولة والعدائية تجاه المربين ليست الأولى من نوعها فقد شهدنا خلال السنوات المتعاقبة العديد من حالات العنف المدرسي المسلط سَواء من الأولياء او التلاميذ تجاه المربين والبعض يفسرها بتراجع القيم والبعض الآخر بالإرهاصات والضغوطات الاقتصادية والنفسية...

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : الأولياء ينظرون إلى المدرسة كمسؤول جزئي عن الإخفاقات التعليمية أو السلوكية التي يعاني منها أبناؤهم.

ويعتبر في هذا الصدد المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين ان تنامي حالات اعتداء الأولياء على المعلمين والأساتذة في المؤسسات التربوية العمومية في تونس ،يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل سوسيولوجية متشابكة وعوامل نفسية.

فمن الناحية السوسيولوجية لاحظ المتحدث ان تفكك الثقة بين الأسرة والمؤسسة التعليمية عامل من بين العوامل إذ انه في السابق كان هناك توافق بين الأسرة والمدرسة على دور المعلم كمرجعية تربوية وأخلاقية ومع مرور الوقت ،شهد المجتمع التونسي تفككا في هذه الثقة نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبات الكثير من الأولياء ينظرون إلى المدرسة كمسؤول جزئي عن الإخفاقات التعليمية أو السلوكية التي يعاني منها أبناؤهم ،مما يؤدي إلى تصاعد حدة التوترات.

كما تعاني الأسر التونسية من ضغوطات اقتصادية واجتماعية متزايدة ،بما في ذلك البطالة وتدهور المستوى المعيشي وصعوبة تلبية الاحتياجات الأساسية.

وأضاف أن هذه الضغوط يمكن أن تؤدي إلى توتر نفسي يجعل الأولياء أكثر عرضة للانفعالات المفرطة في حال مواجهة مشاكل تعليمية أو سلوكية لدى أبنائهم في المدرسة ومع تغير بنية الأسرة و تراجع الدور التقليدي للآباء والأمهات في التربية أصبحت المؤسسات التعليمية في مواجهة مباشرة مع مشاكل التنشئة والتوجيه السلوكي للأبناء قد يشعر الأهل بالضياع أو عدم القدرة على توجيه أبنائهم ، فيحملون المدرسة والهيئة التربوية المسؤولية عن فشلهم في ذلك. ينضاف لما سبق انحدار قيمة المعلم في المجتمع حيث كان يعتبر في المجتمع التونسي شخصية محترمة ومرموقة ،لكن مع تدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العقود الأخيرة تراجع هذا التقدير كذلك الفجوة بين الوضع المادي والاجتماعي للمعلمين وتوقعات الأولياء من المدارس قد تؤدي إلى فقدان الاحترام المتبادل وتزايد التصرفات العدائية.

كما أن المجتمع التونسي شهد تحولات ثقافية كبرى بما في ذلك تغير النظرة إلى السلطة والعلاقة مع الشخصيات المرجعية مثل المعلمين قد يعكس هذا التحول رغبة في التمرد على السلطات التقليدية ،مما يعزز ميل بعض الأولياء للتعامل مع المعلمين بعدوانية بدلا من الاحترام والتعاون.

كما أن تأثير الإعلام والشبكات الاجتماعية كبير وخطير حيث يساهمان بشكل فعال في تشكيل الرأي العام ،وغالبا ما يتم تسليط الضوء على المشاكل والانتهاكات داخل المؤسسات التربوية.يمكن أن يعزز ذلك تصورات سلبية لدى الأولياء ويغذي الشعور بأن المعلمين غير قادرين على القيام بواجبهم التربوي بشكل صحيح ،مما يدفعهم إلى التصرف بعنف.

ومن الناحية النفسية توجد عدة عوامل يمكن أن تساعد في فهم سلوك بعض الأولياء العنيف تجاه المعلمين والأساتذة في تونس.

وهذه العوامل تتفاعل مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية لتفسير تصرفات الأولياء العدائية.

ولاحظ ان من بين العوامل النفسية التي يمكن أخذها بالاعتبار الإحباط والتوتر حيث يعيش الكثير من الأولياء في تونس تحت ضغط نفسي كبير نتيجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية عندما يشعر الأهل بأنهم غير قادرين على التحكم في الظروف المحيطة أو تحسين مستقبل أبنائهم ،يمكن أن يتحول الإحباط إلى سلوك عدائي تجاه الأشخاص الذين يرونهم مسؤولين عن هذا الوضع ،مثل المعلمين.كما في بعض الأحيان يقوم الأهل بإسقاط مشاعرهم السلبية أو الفشل الشخصي على المعلمين.على سبيل المثال ،إذا كان الأهل يشعرون بأنهم فشلوا في تقديم حياة أفضل لأبنائهم أو في تحقيق أهدافهم الشخصية ،قد يقومون بنقل هذا الشعور بالذنب والعدوانية نحو المعلمين الذين يعتبرونهم مسؤولين عن نتائج تعليم الأبناء.

إضافة الى عدم القدرة على التحكم في الغضب لدى بعض الأفراد يجعلهم يردون الفعل فوريا وبغير أتزان تجاه المعلمين نظرا للضغوط والصعوبات التي يواجهونها في حياتهم. كما أن بعض الأولياء يرون في الفشل الدراسي أو السلوكي للأبناء تهديدا لكرامتهم أو صورتهم الاجتماعية. يمكن أن يؤدي هذا إلى رد فعل دفاعي عدواني ضد المعلمين ،الذين يتم اعتبارهم المسؤولين المباشرين عن تقييم أداء الأبناء وتوجيههم.

وفي بعض الحالات قد يستخدم الأولياء العدوان كوسيلة للدفاع عن أنفسهم أمام ما يشعرون به من ضغوط اجتماعية أو نفسية يمكنان ان يكون هذا العدوان تعبيرا عن رفضهم للانتقادات أو الضغط الاجتماعي الذي يضعهم في موقف دفاعي ،حيث يتم التعامل مع المعلمين كأهداف سهلة للتفريغ.

ومن ناحية أخرى قد يشعر بعض الأولياء بفقدان السيطرة على حياة أبنائهم ،سواء من حيث التوجيه السلوكي أو الأداء الدراسي.. هذا الشعور يمكن أن يؤدي إلى تصرفات عدائية تجاه المعلمين كمحاولة غير واعية لاستعادة بعض السلطة أو النفوذ. كما أن بعض الأولياء قد يكونون قد تعرضوا في طفولتهم أو مراحل حياتهم السابقة إلى تجارب تعليمية سلبية أو حتى صدمات ،مثل الاعتداء اللفظي أو الجسدي من قبل المعلمين. هذه التجارب السابقة يمكن أن تؤثر على سلوكهم تجاه المعلمين في الوقت الحالي ،مما يؤدي إلى تصرفات عدوانية كردة فعل على هذه الصدمات غير المعالجة.

واعتبر ان التعامل مع هذا النوع من السلوك العدواني يتطلب حلا شاملا يعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتربوية المعقدة التي تؤثر على العلاقة بين الأسرة والمدرسة في تونس.