إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الأبناء ليسوا ملكية خاصة للأولياء..ضرورة سنّ قوانين جديدة

بقلم ريم بالخذيري

*مجلة الطفل التونسية ثورة في حماية حقوق هذه الفئة لكنها اليوم لم تعد مسايرة لاكراهات العصر..

كشف حادث غرق مركب"الحرّاقة" في سواحل جربة بداية الأسبوع والذي كان من بين ضحاياها 3 رضع قضوا مع عائلاتهم على العلاقة غير الطبيعية التي تربط التونسيين بأبنائهم. والحادث ليس الأول ولن يكون الأخير طالما لم يتم سنّ قوانين رادعة جديدة تحمي الأطفال والقصّر والرضّع من جنون الأبناء الذين يعتبرون أبناءهم ملكية فرديّة يتحكّمون فيها ولو بسوقهم إلى الموت .

بأي ذنب قتلوا وشرّدوا؟

في عقلية أغلب التونسيين وحتّى العرب يعدّ الأطفال البنون " زينة الحياة الدنيا" وقد وردت في آية قرآنية يتم فهمها خطأ وهي لا تعني أن تفعل بهم ما تشاء وتوجههم حيثما تريد و تهملهم حدّ النفور.ولا يعني أن تصنع منهم قنابل موقوتة تتفجّر في المجتمع و تهدّد أمنه .إنما تعني أن البنين (ويقصد بها الذكور و الإناث) هم مصدر قوة لك في الضعف والكبر وتعني أنهم أمانة المجتمع عندك مسؤول عن حسن تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم وكلّ تقصير في ذلك خاصة بقصد هو موجب للعقاب .

وما يحدث في تونس في حق الأطفال لم يعد ممكنا السكوت عنه حيث يتوفّى سنويا العشرات في حوادث مختلفة مثل الغرق وحوادث المرور وعلى الطرقات التي يجبرون على العمل على قارعتها لبيع ما يمكن أن يستحقه السواق.كما يتشرّد الآلاف بالانقطاع عن الدراسة والانحراف والهروب من مسكن العائلة.وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 60 بالمائة من الاعتداءات على الأطفال تتمّ في الوسط العائلي. وهذا ما يقتضي إعادة النظر في القوانين الحالية الحامية للأطفال وسنّ قوانين أخرى أكثر صرامة .

مجلة جديدة للطفل

تعدّ مجلة الطفل التونسية التي تم إقرارها في 11 جانفي 1996 . ثورة في حماية حقوق هذه الفئة لكنها اليوم لم تعد مسايرة لاكراهات العصر وأصبحت عاجزة عن تنظيم العلاقة بين الطفل ومحيطه العائلي وبين الطفل ومحيطه التربوي والاجتماعي .ولم ترد فيها قوانين صريحة على معاقبة الوالدين في حالات الاعتداء والإهمال الظاهرين أو الاكراه على السفر ومحاولة القتل العمد (الحرقة)

كما أنّ عددا من الإحكام فيها مرتبط بمجلة الأحكام الجزائية وهو خطأ باعتقادي وجب تصحيحه.وقد وردت عقوبة الوالدين في المجلة الجزائية حيث" يمنع على الأب تعنيف ابنته وخاصة الطفلة ولو كان ذلك للتأديب، إذ ألغى المشرع في مرحلة أولى هذه الإمكانية منذ سنة 2010 على إثر تعديل أحكام الفصل 319 من المجلة الجزائية فحذف عبارة وتأديب الصبي ممن له سلطة عليه لا يستوجب العقاب" بهدف منع أي عذر قانوني لفائدة الأشخاص الذين لهم سلطة على الطفل أو الطفلة حتى وإن كان الأب أو الام والذين يستعملون العنف البدني كوسيلة للتأديب. وبات بالتالي العنف وخاصة الذي لا يترك أثرا مسلطا من الأب على ابنته الطفلة مجرما تماما كما أي نوع من أنواع العنف الأخرى.

كما قام في مرحلة ثانية بتشديد عقوبة الاعتداء بالعنف على الابنة، سواء كانت طفلة أو راشدة ومهما كان شكل العنف (مادي أو معنوي أو جنسي) وعقوبة الاعتداء بالعنف الشديد سنتين سجنا وخطية قدرها ألفا دينار إذا كان الفاعل من أصول الضحية من أي طبقة. وأضافت الفقرة الثالثة من الفصل 219 أنه يرفع العقاب إلى اثني عشر عاما مهما كانت درجة السقوط في العنف الشديد إذا كان الفاعل من أصول الضحية من أية طبقة.

لكن أقصى ما ورد في مجلة حماية الطفل عقوبات بالسحن ب 16 يوما أو غرامة مالية تترواح من 100الى 200دينار .هذا ولم يتمّ فيها صراحة الإشارة إلى الوالدين. وضمن باب "أحكام جزائية" ورد:

الفصل 118 : يعاقب بخطية تتراوح بين 100 و200 دينار كل من يمنع مندوب حماية الطفولة من القيام بمهامه أو يعرقل حسن سير الأبحاث والتحقيقات كالإدلاء بتصريحات خاطئة أو تعمّد إخفاء حقيقة وضع الطفل، كل ذلك بقطع النظر عن تطبيق أحكام المجلة الجنائية التي تعاقب على هضم حرمة موظف عمومي حال مباشرته لوظيفه.وفي صورة العود تضاعف العقوبة.

الفصل 121 : يعاقب بالسجن مدة 16 يوما إلى عام واحد وبخطية من مائة دينار إلى ألف دينار أو بإحدى العقوبتين فقط كل من نال أو حاول النيل من الحياة الخاصة للطفل سواء كان ذلك بنشر أو ترويج أخبار تتعلّق بما يدور بالجلسات التي تعالج فيها قضايا الأطفال وذلك بواسطة الكتب أو الصحافة أو الإذاعة أو التلفزة أو السينما أو بأية وسيلة أخرى أو بنشر أو ترويج نصوص أو صور من شأنها أن تطلع العموم على هوية الطفل متّهما كان أو متضرّرا.

الفصل 123 : إذا حصل أثناء مدّة الحرية المحروسة (الأطفال الذين لهم ملفات قضائية)حادث كشف عن إخلال بيّن للمراقبة من طرف الأبوين أو المقدّم أو الحاضن أو حدث قصدا ما يعطّل قيام المندوب بمأموريته جاز للمحكمة المتعهّدة مهما يكن القرار المتّخذ إزاء الطفل أن تحكم حسب الحالة على الأبوين أو المقدّم أو الحاضن بخطية تتراوح بين 10 و50 دينارا.

تجارب رائدة

تعدّ السويد دولة رائدة في حماية الأطفال من محيطهم الأسري والاجتماعي السويد وهي أول دولة في العالم تشرع قانونًا يجرم العنف الجسديّ ضدّ الأطفال في عام 1979. تربية الصغار، أو حتى التعامل معهم بأساليب مُهينة”، وبذلك جرّم صراحة ضرب الطفل وعدّ ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، ولم يكن الغرض من إقرار القانون بهذه الطريقة وضع الآباء والمربّين في زاويةٍ ضيقة، ولكن كانت هناك رغبة قوية من الحكومة بدفع المجتمع لتغيير أساليب التعامل مع الأطفال.

وأسست السويد عام 1993 هيئة حكومية متخصصة بحقوق الطفل تسمى أمبودسمان (Barnombudsmannen)،مختصة بشوؤن الطفل وتعمل هذه الوحدة كممثل للأطفال ومحامية عن حقوقهم، ومن مهام هذه الهيئة متابعة تفاصيل تطبيق قوانين حماية الأطفال في مختلف الأنظمة والدوائر الحكومية والبلديات. وتقوم هذه الوحدة سنوياً بتقديم تقرير للحكومة عن وضع الأطفال في السويد، بالإضافة إلى تقديم توصيات لتطوير وضع الطفل وحماية حقوقه بشكل أفضل.

كما توجد مؤسسة الشؤون ومهمتها التدخل السريع والمتابعة في حال وجود حالات عنف ضد الأطفال، وتقوم بدراسة الحالات التي ترد إليها، ومساعدة الأهالي للتعامل مع أطفالهم بشكل أفضل، وفي بعض حالات العنف الأسري قد تضطر الشؤون الاجتماعية إلى حماية الطفل من والديه بالتنبيه أو حتى أخذ الأطفال منهم، وقد تستعين بالشرطة في تنفيذ ذلك لو تطلب الأمر.

أرقام تلخّص المأساة:

*بسبب حوادث المرور توفي في سنة 2021 ما لا يقل عن 103 طفلا في حوادث مرور و115 في سنة 2021 بلغت115 ضحية و 123 في سنة 2023.

*خلال شهري جوان وجويلية 2024 تم تسجيل 17 وفاة غرقا في صفوف الأطفال ويعود ذلك لإهمال الوالدين.

*30 سبتمبر 2024 لقي 3 رضّع مصرعهم غرقا صحبة ذويهم في مركب الهجرة غير شرعية قبالة سواحل جربة.

*29 سبتبمبر وفاة طفل الثماني سنوات حرقا فرنانة من ولاية جندوبة في كومة تبن مشتعلة.

*28 جوان 2024 أب يدهس ابنه بسيارته ويرديه قتيلا في معتمدية المظيلة من ولاية قفصة.

 

 

 

 

 

 

الأبناء ليسوا ملكية خاصة للأولياء..ضرورة سنّ قوانين جديدة

بقلم ريم بالخذيري

*مجلة الطفل التونسية ثورة في حماية حقوق هذه الفئة لكنها اليوم لم تعد مسايرة لاكراهات العصر..

كشف حادث غرق مركب"الحرّاقة" في سواحل جربة بداية الأسبوع والذي كان من بين ضحاياها 3 رضع قضوا مع عائلاتهم على العلاقة غير الطبيعية التي تربط التونسيين بأبنائهم. والحادث ليس الأول ولن يكون الأخير طالما لم يتم سنّ قوانين رادعة جديدة تحمي الأطفال والقصّر والرضّع من جنون الأبناء الذين يعتبرون أبناءهم ملكية فرديّة يتحكّمون فيها ولو بسوقهم إلى الموت .

بأي ذنب قتلوا وشرّدوا؟

في عقلية أغلب التونسيين وحتّى العرب يعدّ الأطفال البنون " زينة الحياة الدنيا" وقد وردت في آية قرآنية يتم فهمها خطأ وهي لا تعني أن تفعل بهم ما تشاء وتوجههم حيثما تريد و تهملهم حدّ النفور.ولا يعني أن تصنع منهم قنابل موقوتة تتفجّر في المجتمع و تهدّد أمنه .إنما تعني أن البنين (ويقصد بها الذكور و الإناث) هم مصدر قوة لك في الضعف والكبر وتعني أنهم أمانة المجتمع عندك مسؤول عن حسن تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم وكلّ تقصير في ذلك خاصة بقصد هو موجب للعقاب .

وما يحدث في تونس في حق الأطفال لم يعد ممكنا السكوت عنه حيث يتوفّى سنويا العشرات في حوادث مختلفة مثل الغرق وحوادث المرور وعلى الطرقات التي يجبرون على العمل على قارعتها لبيع ما يمكن أن يستحقه السواق.كما يتشرّد الآلاف بالانقطاع عن الدراسة والانحراف والهروب من مسكن العائلة.وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 60 بالمائة من الاعتداءات على الأطفال تتمّ في الوسط العائلي. وهذا ما يقتضي إعادة النظر في القوانين الحالية الحامية للأطفال وسنّ قوانين أخرى أكثر صرامة .

مجلة جديدة للطفل

تعدّ مجلة الطفل التونسية التي تم إقرارها في 11 جانفي 1996 . ثورة في حماية حقوق هذه الفئة لكنها اليوم لم تعد مسايرة لاكراهات العصر وأصبحت عاجزة عن تنظيم العلاقة بين الطفل ومحيطه العائلي وبين الطفل ومحيطه التربوي والاجتماعي .ولم ترد فيها قوانين صريحة على معاقبة الوالدين في حالات الاعتداء والإهمال الظاهرين أو الاكراه على السفر ومحاولة القتل العمد (الحرقة)

كما أنّ عددا من الإحكام فيها مرتبط بمجلة الأحكام الجزائية وهو خطأ باعتقادي وجب تصحيحه.وقد وردت عقوبة الوالدين في المجلة الجزائية حيث" يمنع على الأب تعنيف ابنته وخاصة الطفلة ولو كان ذلك للتأديب، إذ ألغى المشرع في مرحلة أولى هذه الإمكانية منذ سنة 2010 على إثر تعديل أحكام الفصل 319 من المجلة الجزائية فحذف عبارة وتأديب الصبي ممن له سلطة عليه لا يستوجب العقاب" بهدف منع أي عذر قانوني لفائدة الأشخاص الذين لهم سلطة على الطفل أو الطفلة حتى وإن كان الأب أو الام والذين يستعملون العنف البدني كوسيلة للتأديب. وبات بالتالي العنف وخاصة الذي لا يترك أثرا مسلطا من الأب على ابنته الطفلة مجرما تماما كما أي نوع من أنواع العنف الأخرى.

كما قام في مرحلة ثانية بتشديد عقوبة الاعتداء بالعنف على الابنة، سواء كانت طفلة أو راشدة ومهما كان شكل العنف (مادي أو معنوي أو جنسي) وعقوبة الاعتداء بالعنف الشديد سنتين سجنا وخطية قدرها ألفا دينار إذا كان الفاعل من أصول الضحية من أي طبقة. وأضافت الفقرة الثالثة من الفصل 219 أنه يرفع العقاب إلى اثني عشر عاما مهما كانت درجة السقوط في العنف الشديد إذا كان الفاعل من أصول الضحية من أية طبقة.

لكن أقصى ما ورد في مجلة حماية الطفل عقوبات بالسحن ب 16 يوما أو غرامة مالية تترواح من 100الى 200دينار .هذا ولم يتمّ فيها صراحة الإشارة إلى الوالدين. وضمن باب "أحكام جزائية" ورد:

الفصل 118 : يعاقب بخطية تتراوح بين 100 و200 دينار كل من يمنع مندوب حماية الطفولة من القيام بمهامه أو يعرقل حسن سير الأبحاث والتحقيقات كالإدلاء بتصريحات خاطئة أو تعمّد إخفاء حقيقة وضع الطفل، كل ذلك بقطع النظر عن تطبيق أحكام المجلة الجنائية التي تعاقب على هضم حرمة موظف عمومي حال مباشرته لوظيفه.وفي صورة العود تضاعف العقوبة.

الفصل 121 : يعاقب بالسجن مدة 16 يوما إلى عام واحد وبخطية من مائة دينار إلى ألف دينار أو بإحدى العقوبتين فقط كل من نال أو حاول النيل من الحياة الخاصة للطفل سواء كان ذلك بنشر أو ترويج أخبار تتعلّق بما يدور بالجلسات التي تعالج فيها قضايا الأطفال وذلك بواسطة الكتب أو الصحافة أو الإذاعة أو التلفزة أو السينما أو بأية وسيلة أخرى أو بنشر أو ترويج نصوص أو صور من شأنها أن تطلع العموم على هوية الطفل متّهما كان أو متضرّرا.

الفصل 123 : إذا حصل أثناء مدّة الحرية المحروسة (الأطفال الذين لهم ملفات قضائية)حادث كشف عن إخلال بيّن للمراقبة من طرف الأبوين أو المقدّم أو الحاضن أو حدث قصدا ما يعطّل قيام المندوب بمأموريته جاز للمحكمة المتعهّدة مهما يكن القرار المتّخذ إزاء الطفل أن تحكم حسب الحالة على الأبوين أو المقدّم أو الحاضن بخطية تتراوح بين 10 و50 دينارا.

تجارب رائدة

تعدّ السويد دولة رائدة في حماية الأطفال من محيطهم الأسري والاجتماعي السويد وهي أول دولة في العالم تشرع قانونًا يجرم العنف الجسديّ ضدّ الأطفال في عام 1979. تربية الصغار، أو حتى التعامل معهم بأساليب مُهينة”، وبذلك جرّم صراحة ضرب الطفل وعدّ ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، ولم يكن الغرض من إقرار القانون بهذه الطريقة وضع الآباء والمربّين في زاويةٍ ضيقة، ولكن كانت هناك رغبة قوية من الحكومة بدفع المجتمع لتغيير أساليب التعامل مع الأطفال.

وأسست السويد عام 1993 هيئة حكومية متخصصة بحقوق الطفل تسمى أمبودسمان (Barnombudsmannen)،مختصة بشوؤن الطفل وتعمل هذه الوحدة كممثل للأطفال ومحامية عن حقوقهم، ومن مهام هذه الهيئة متابعة تفاصيل تطبيق قوانين حماية الأطفال في مختلف الأنظمة والدوائر الحكومية والبلديات. وتقوم هذه الوحدة سنوياً بتقديم تقرير للحكومة عن وضع الأطفال في السويد، بالإضافة إلى تقديم توصيات لتطوير وضع الطفل وحماية حقوقه بشكل أفضل.

كما توجد مؤسسة الشؤون ومهمتها التدخل السريع والمتابعة في حال وجود حالات عنف ضد الأطفال، وتقوم بدراسة الحالات التي ترد إليها، ومساعدة الأهالي للتعامل مع أطفالهم بشكل أفضل، وفي بعض حالات العنف الأسري قد تضطر الشؤون الاجتماعية إلى حماية الطفل من والديه بالتنبيه أو حتى أخذ الأطفال منهم، وقد تستعين بالشرطة في تنفيذ ذلك لو تطلب الأمر.

أرقام تلخّص المأساة:

*بسبب حوادث المرور توفي في سنة 2021 ما لا يقل عن 103 طفلا في حوادث مرور و115 في سنة 2021 بلغت115 ضحية و 123 في سنة 2023.

*خلال شهري جوان وجويلية 2024 تم تسجيل 17 وفاة غرقا في صفوف الأطفال ويعود ذلك لإهمال الوالدين.

*30 سبتمبر 2024 لقي 3 رضّع مصرعهم غرقا صحبة ذويهم في مركب الهجرة غير شرعية قبالة سواحل جربة.

*29 سبتبمبر وفاة طفل الثماني سنوات حرقا فرنانة من ولاية جندوبة في كومة تبن مشتعلة.

*28 جوان 2024 أب يدهس ابنه بسيارته ويرديه قتيلا في معتمدية المظيلة من ولاية قفصة.