إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الفنان التشكيلي محمد كراي لـ "الصباح": أعمالي الأخيرة تعتمد أسلوب التجريد التعبيري مواكبة للفن المعاصر

 

+ كوندنسكي وبول كلي وبيكاسو من أهم المؤثرين في مسيرة خمسة عقود

+ أحاول من خلال تقنيات الأكريليك والالوان الزيتية والباستال أن اترك "بصمة" خاصة في كل المشاركات

+ المعالجة الكاملة للون من أساسيات العمل التجريدي

+أقترح مهرجانا وطنيا للفنون التشكيلية على غرار الفنون الأخرى

+الناقد يجب أن يتحلى بثقافة واسعة وقدرة على تفكيك وتحليل اللوحات أكثر من غيره

إعداد: وليد عبداللاوي

تونس-الصباح

هو عصامي التكوين من مواليد 1955 بصفاقس درس في معهد الذكور Lycée de garçons الذي كان على مقربة من دار الشباب أين التحق بنادي الرسم منذ نعومة أظفاره.. ثم التحق بمكتبة ضخمة تتبع قنصلية فرنسا بصفاقس حيث استطاع أن ينهل من اهم الكتب والمراجع المتعلقة بالفنون التشكيلية فضلا عن اهم أنشطة الرسامين العالميين ٱنذاك سواء المنتمين الى عصر النهضة أو الانطباعيين أو التيارات المعاصرة التي ظهرت في أمريكا...

اننا بصدد الحديث عن الفنان محمد كراي صاحب مسيرة خمسة عقود في مجال الفن التشكيلي.. محمد كراي الذي كان شغوفا منذ صغره بأبرز الرسامين من خلال المطالعة ومواكبة ٱخر اعمالهم بمختلف توجهاتهم وميولاتهم، مما ساهم في تكوين رصيد فني ثري كان بمثابة حجر الاساس لانطلاق مشواره الطويل في عالم الرسم..

وما من شك في أن رصيده الفني وثقافته الواسعة كانت كفيلة بأن يتمكن منذ البداية من "قراءة" اللوحات باعتبار قراءة الأعمال الفنية او محاولة فك رموزها ومضامينها يتطلب فهما وإداركا معمقا مثل أي فن من الفنون على غرار الموسيقى..

هكذا كانت البداية وهكذا بين محمد كراي ملامح اقتحامه مجال الفن التشكيلي...

ومن طرائف بداية مشواره الفني ان سافر الى ليبيا وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة سنة من عمره في إطار رحلة تحت إشراف الكشافة التونسية، ومن حسن حظه أن اعترضته مكتبة بأحد الشوارع وكان يوجد من بين الادوات صندوق يحمل العديد من علب الألوان ذات "الماركات" الرفيعة (ليبيا آنذاك كانت تحت التاثير الايطالي) اقتناها على الفور وقرر استعمالها حال رجوعه الى صفاقس والانطلاق في رسم اولى لوحاته، مستندا الى معارفه والاطلاع على مختلف المشارب والتيارات الفنية.. حريصا منذ وطأته عالم الألوان واللوحات أن تكون له بصمة خاصة وطابع يميزه عن السائد..

حين راودته فكرة خوض اول تجربة في تشكيل معرض خاص توجه الفنان محمد كراي الى المندوبية الجهوية بصفاقس مقترحا فكرة المعرض لكن القائمين على المندوبية استبعدوا توفر أدنى مميزات الإبداع والتميز في اللوحات باعتباره مازال شابا ولم يخض تجارب سابقة، لكن سرعان ما تغيرت الٱراء واستقرت على القبول لأن اللوحات فاقت التوقعات ونالت استحسانا كبيرا.. فكان أول معرض شخصي سنة 1975. تضمن أعمالا مستلهمة من الفن التجريدي وأعمال بعض التشكيليين الذين تأثر بهم محمد كراي على غرار كوندنسكي وبول كلي وبيكاسو. تشكيليون تجاوزوا الرسم الانطباعي وتيار الواقعية نحو التجريد حيث لغة الأشكال والألوان.. وقد فٌتن الفنان محمد كراي وأعجب كثيرا بلوحات بيكاسو الذي يرى أنه أحدث نقلة نوعية في عالم الفنون التشكيلية الكلاسيكية رغم أنّ الكثيرين لم يستسيغوا ذلك الإعجاب باعتبار أنّ مؤسس المدرسة التكعيبية (بيكاسو) -وفق ٱرائهم- لم يكن في مستوى محدثي التيارات المعاصرة الأخرى..

++ بين "التعبيرية" والتجريد

وبما أنّ الفنّان التشكيلي محمد كراي، رغم مسيرته الفنية الثرية والمتنوعة، لم يكن قريبا من وسائل الإعلام طيلة عقود، مما شكل مصدر لوم الكثيرين من زملائه في القطاع أو المقربين منه على حد السواء، باعتبار أن أعماله تستحق التعريف والانتشار على أوسع نطاق، حاولت "الصباح" استغلال تلك "الهوة" في حوار حصري لتسليط الضوء على أهم أنشطته الحديثة ومراحل تبنيه التيارات التشكيلية..

وقد اتضح أن محمد الكراي مثل العديد من الرسامين كانت له تجارب مع المدرسة الواقعية و"الانطباعية".. فضلا عن تاثره باولائك التشكيليين الذين ابدعوا في ذلك المجال على غرار "كلود مونيه" صاحب اللوحة الشهيرة "انطباع شروق الشمس" حيث الاحساس البصري الخاطف للضوء وانطباع الفنان..

تجربة أولى لمحدثنا سرعان ما تحولت الى "التعبيرية" وهي تجربة فنية لا تكون بمحض ارادة التشكيلي إنما هي نتاج انسياق مواكبة وتأثر بالتيارات المعاصرة وليست الحديثة التي تم تجاوزها في أواخر القرن التاسع عشر، إثر حقبة أبدع فيها فان غوغ وغيره في مدرسة ما بعد "الانطباعية"..

فـ"التعبيرية" حسب محمد كراي -وهو التيار الذي اعتمده في جل أعماله الفنية- لا تلتزم بالمرئي بحيث تكون معالجة الموضوع خاضعة لرؤية جمالية وفلسفية خاصة نابعة من مشاعر وأحاسيس صاحب اللوحات...

وبما أنّ المدرسة "التعبيرية" عبارة عن مرٱة عاكسة لكل ما هو محيط بنا برؤية فنية معينة، عمقت المدرسة التجريدية ذلك التوجه باعتماد نماذج مجردة، ذلك أنها -شكلا- لا تمت بالواقع باية صلة ولا تجسد جانب الموضوعية، ولكن تعطي للمشاهد والمتأمل في تفاصيل الأعمال الفنية فرصة لتفسيرها، كل حسب ثقافته وخلفياته.

وهو ما اعتمده محمد كراي في أعماله الأخيرة من خلال الأضواء والألوان التي يعتبرها بمثابة السلم الموسيقي أو التدرج في أصوات موسيقية قادرة على أن تكوّن نغما معينا تستسيغه جل الأذواق..

طرق فنية، بين التعبيرية والتجريدية، كانت طرقا بالنسبة لمحمد كراي، وفق ما اكده لـ"الصباح"، تعبر عن حالة عبث وفوضى ولكن من خلال حالات ذات صلة بالإنسان والواقع التي من شانها ان تخلق عالما من الالوان خارقا للفكرة مستفزا للمشاهد حد التعامل معه بغموضه وتشويشه.. ذلك أن أسلوب التجريد التعبيري يجسد حالات جمالية تتجاوز أحادية انفعالات الفكرة من حيث الانطباع الأول، فيكون التفسير الأول غير نهائي..

وهذا الأسلوب حسب محمد كراي يمثل تلك الأحاسيس التي تختلج في النفس من انفعالات ومواقف وجودية وفكرية لينتج عن ذلك الصراع الداخلي بعدا جماليا ورسائل مبطنة بالنسبة لرواد أروقة الفنون التشكيلية..

بصمة خاصة وهوية تونسية

ومن المنتظر أن يمضي محمد كراي قٌدما -حسب ما أكده لـ"الصباح"- في ذلك التوجه وأن يعمد إلى تطويره مع الحفاظ على بصمته الخاصة ومميزات الهوية التونسية، سعيا منه إلى أن يذاع صيت لوحاته في شتى المعارض التونسية وخارج حدود الوطن، وتكون الأعمال في متناول مختلف الجنسيات ومتبني المشارب الفنية والتيارات المتنوعة وأي زائر للمعارض حامل جنسية اخرى يجب أن تشده الأعمال ويعي أنها ذات هوية ودلالات وتيارات خاصة.

ولم يكن للفنان محمد كراي أن يطمح لتحقيق ذلك لو لم يحقق طيلة مسيرة خمسين سنة العديد من النجاحات في اغلب المعارض الشخصية كانت أو الجماعية، ناهيك انه استحضر اثناء حوار مع "الصباح" شراء امريكي ذات يوم وتحديدا أواخر السبعينات إحدى لوحاته ذات الحجم الكبير لتكون له حافزا كبيرا لمواصلة المشوار الفني، رغم أنه لم يتلق أي تكوين خاص في الفنون الجميلة ولم يدرس في المعاهد العليا..

محمد كراي تفنن في استعمال الأكريليك والألوان الزيتية والباستال (يتم تصنيع الوانه الباستيل باستخدام الاصباغ المطحونة ناعما وخلطها مع حشو ابيض مطحون ثم لفها في اعواد من البودرة الملونة) كما كانت له تقنية خاصة به منذ البداية والى الآن مازالت ترافقه في كل أعماله لدرجة أن المطلعين على لوحات سابقة باستطاعتهم أن يلاحظوها بصفة ٱنية في أعمال أخرى. تقنية يرى محمد كراي أنها تمثل الخط الفاصل بين موضوع العمل الفني وبصمة الفنان التشكيلي..

وهو ما استطاع أن يثبته محمد كراي في المعارض الفردية والجماعية حيث كانت له مؤخرا مشاركة في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين بتونس بلوحتين في الفن التجريدي اختارت منهما لجنة الشراءات أحد الأعمال، إثر إصرارها على أن تكون المشاركة برسم تجريدي لأن ابن صفاقس غالبا ما تفرد في هذا المجال..

النقد ضرورة ولكن!

أما عن عملية نقد الفنون التشكيلية يرى محمد كراي انه يجب أن تكون ملازمة للاعمال الفنية، شرط أن يتحلى الناقد بثقافة واسعة متمكنا من ٱليات النقد وأدق في تحليله من بقية المتابعين، كما لا يجب أن يكون النقد انطباعيا بل موضوعيا بالأساس، بعيدا عن الإعجاب أو الامتعاض، لتعم الفائدة وتستنير به الجماهير الواسعة، فضلا عن تهذيب الذائقة العامة وتذوق الفنون التشكيلية بمختلف تياراتها.. حتى يتمكن متابعو المنجزات الإبداعية في مراحل متقدمة، وقد نهلوا من تلك الدراسات النقدية، من كسب مهارات تفكيك وقراءة اللوحات..

في ذات السياق وتأكيدا على أهمية العملية النقدية وبعيدا على المقالات الإنشائية، نوه الفنان التشكيلي محمد كراي إلى ضرورة التغطية الإعلامية لأنّ الساحة الفنية تزخر بالعديد من الطاقات الإبداعية في مختلف الاختصاصات..

من جهة أخرى اقترح محمد كراي برمجة مهرجان وطني للفنون التشكيلية على غرار مهرجان الأغنية التونسية وايام قرطاج المسرحية وايام قرطاج السينمائية حتى يتسنى لكل المبدعين التعريف بمنتوجاتهم أكثر وتكون التظاهرة قبلة لثلة من الفنانين التشكيليين من مختلف دول العالم، مما يخلق نشاطا ثقافيا متميزا..

الفنان التشكيلي محمد كراي لـ "الصباح":  أعمالي الأخيرة تعتمد أسلوب التجريد التعبيري مواكبة للفن المعاصر

 

+ كوندنسكي وبول كلي وبيكاسو من أهم المؤثرين في مسيرة خمسة عقود

+ أحاول من خلال تقنيات الأكريليك والالوان الزيتية والباستال أن اترك "بصمة" خاصة في كل المشاركات

+ المعالجة الكاملة للون من أساسيات العمل التجريدي

+أقترح مهرجانا وطنيا للفنون التشكيلية على غرار الفنون الأخرى

+الناقد يجب أن يتحلى بثقافة واسعة وقدرة على تفكيك وتحليل اللوحات أكثر من غيره

إعداد: وليد عبداللاوي

تونس-الصباح

هو عصامي التكوين من مواليد 1955 بصفاقس درس في معهد الذكور Lycée de garçons الذي كان على مقربة من دار الشباب أين التحق بنادي الرسم منذ نعومة أظفاره.. ثم التحق بمكتبة ضخمة تتبع قنصلية فرنسا بصفاقس حيث استطاع أن ينهل من اهم الكتب والمراجع المتعلقة بالفنون التشكيلية فضلا عن اهم أنشطة الرسامين العالميين ٱنذاك سواء المنتمين الى عصر النهضة أو الانطباعيين أو التيارات المعاصرة التي ظهرت في أمريكا...

اننا بصدد الحديث عن الفنان محمد كراي صاحب مسيرة خمسة عقود في مجال الفن التشكيلي.. محمد كراي الذي كان شغوفا منذ صغره بأبرز الرسامين من خلال المطالعة ومواكبة ٱخر اعمالهم بمختلف توجهاتهم وميولاتهم، مما ساهم في تكوين رصيد فني ثري كان بمثابة حجر الاساس لانطلاق مشواره الطويل في عالم الرسم..

وما من شك في أن رصيده الفني وثقافته الواسعة كانت كفيلة بأن يتمكن منذ البداية من "قراءة" اللوحات باعتبار قراءة الأعمال الفنية او محاولة فك رموزها ومضامينها يتطلب فهما وإداركا معمقا مثل أي فن من الفنون على غرار الموسيقى..

هكذا كانت البداية وهكذا بين محمد كراي ملامح اقتحامه مجال الفن التشكيلي...

ومن طرائف بداية مشواره الفني ان سافر الى ليبيا وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة سنة من عمره في إطار رحلة تحت إشراف الكشافة التونسية، ومن حسن حظه أن اعترضته مكتبة بأحد الشوارع وكان يوجد من بين الادوات صندوق يحمل العديد من علب الألوان ذات "الماركات" الرفيعة (ليبيا آنذاك كانت تحت التاثير الايطالي) اقتناها على الفور وقرر استعمالها حال رجوعه الى صفاقس والانطلاق في رسم اولى لوحاته، مستندا الى معارفه والاطلاع على مختلف المشارب والتيارات الفنية.. حريصا منذ وطأته عالم الألوان واللوحات أن تكون له بصمة خاصة وطابع يميزه عن السائد..

حين راودته فكرة خوض اول تجربة في تشكيل معرض خاص توجه الفنان محمد كراي الى المندوبية الجهوية بصفاقس مقترحا فكرة المعرض لكن القائمين على المندوبية استبعدوا توفر أدنى مميزات الإبداع والتميز في اللوحات باعتباره مازال شابا ولم يخض تجارب سابقة، لكن سرعان ما تغيرت الٱراء واستقرت على القبول لأن اللوحات فاقت التوقعات ونالت استحسانا كبيرا.. فكان أول معرض شخصي سنة 1975. تضمن أعمالا مستلهمة من الفن التجريدي وأعمال بعض التشكيليين الذين تأثر بهم محمد كراي على غرار كوندنسكي وبول كلي وبيكاسو. تشكيليون تجاوزوا الرسم الانطباعي وتيار الواقعية نحو التجريد حيث لغة الأشكال والألوان.. وقد فٌتن الفنان محمد كراي وأعجب كثيرا بلوحات بيكاسو الذي يرى أنه أحدث نقلة نوعية في عالم الفنون التشكيلية الكلاسيكية رغم أنّ الكثيرين لم يستسيغوا ذلك الإعجاب باعتبار أنّ مؤسس المدرسة التكعيبية (بيكاسو) -وفق ٱرائهم- لم يكن في مستوى محدثي التيارات المعاصرة الأخرى..

++ بين "التعبيرية" والتجريد

وبما أنّ الفنّان التشكيلي محمد كراي، رغم مسيرته الفنية الثرية والمتنوعة، لم يكن قريبا من وسائل الإعلام طيلة عقود، مما شكل مصدر لوم الكثيرين من زملائه في القطاع أو المقربين منه على حد السواء، باعتبار أن أعماله تستحق التعريف والانتشار على أوسع نطاق، حاولت "الصباح" استغلال تلك "الهوة" في حوار حصري لتسليط الضوء على أهم أنشطته الحديثة ومراحل تبنيه التيارات التشكيلية..

وقد اتضح أن محمد الكراي مثل العديد من الرسامين كانت له تجارب مع المدرسة الواقعية و"الانطباعية".. فضلا عن تاثره باولائك التشكيليين الذين ابدعوا في ذلك المجال على غرار "كلود مونيه" صاحب اللوحة الشهيرة "انطباع شروق الشمس" حيث الاحساس البصري الخاطف للضوء وانطباع الفنان..

تجربة أولى لمحدثنا سرعان ما تحولت الى "التعبيرية" وهي تجربة فنية لا تكون بمحض ارادة التشكيلي إنما هي نتاج انسياق مواكبة وتأثر بالتيارات المعاصرة وليست الحديثة التي تم تجاوزها في أواخر القرن التاسع عشر، إثر حقبة أبدع فيها فان غوغ وغيره في مدرسة ما بعد "الانطباعية"..

فـ"التعبيرية" حسب محمد كراي -وهو التيار الذي اعتمده في جل أعماله الفنية- لا تلتزم بالمرئي بحيث تكون معالجة الموضوع خاضعة لرؤية جمالية وفلسفية خاصة نابعة من مشاعر وأحاسيس صاحب اللوحات...

وبما أنّ المدرسة "التعبيرية" عبارة عن مرٱة عاكسة لكل ما هو محيط بنا برؤية فنية معينة، عمقت المدرسة التجريدية ذلك التوجه باعتماد نماذج مجردة، ذلك أنها -شكلا- لا تمت بالواقع باية صلة ولا تجسد جانب الموضوعية، ولكن تعطي للمشاهد والمتأمل في تفاصيل الأعمال الفنية فرصة لتفسيرها، كل حسب ثقافته وخلفياته.

وهو ما اعتمده محمد كراي في أعماله الأخيرة من خلال الأضواء والألوان التي يعتبرها بمثابة السلم الموسيقي أو التدرج في أصوات موسيقية قادرة على أن تكوّن نغما معينا تستسيغه جل الأذواق..

طرق فنية، بين التعبيرية والتجريدية، كانت طرقا بالنسبة لمحمد كراي، وفق ما اكده لـ"الصباح"، تعبر عن حالة عبث وفوضى ولكن من خلال حالات ذات صلة بالإنسان والواقع التي من شانها ان تخلق عالما من الالوان خارقا للفكرة مستفزا للمشاهد حد التعامل معه بغموضه وتشويشه.. ذلك أن أسلوب التجريد التعبيري يجسد حالات جمالية تتجاوز أحادية انفعالات الفكرة من حيث الانطباع الأول، فيكون التفسير الأول غير نهائي..

وهذا الأسلوب حسب محمد كراي يمثل تلك الأحاسيس التي تختلج في النفس من انفعالات ومواقف وجودية وفكرية لينتج عن ذلك الصراع الداخلي بعدا جماليا ورسائل مبطنة بالنسبة لرواد أروقة الفنون التشكيلية..

بصمة خاصة وهوية تونسية

ومن المنتظر أن يمضي محمد كراي قٌدما -حسب ما أكده لـ"الصباح"- في ذلك التوجه وأن يعمد إلى تطويره مع الحفاظ على بصمته الخاصة ومميزات الهوية التونسية، سعيا منه إلى أن يذاع صيت لوحاته في شتى المعارض التونسية وخارج حدود الوطن، وتكون الأعمال في متناول مختلف الجنسيات ومتبني المشارب الفنية والتيارات المتنوعة وأي زائر للمعارض حامل جنسية اخرى يجب أن تشده الأعمال ويعي أنها ذات هوية ودلالات وتيارات خاصة.

ولم يكن للفنان محمد كراي أن يطمح لتحقيق ذلك لو لم يحقق طيلة مسيرة خمسين سنة العديد من النجاحات في اغلب المعارض الشخصية كانت أو الجماعية، ناهيك انه استحضر اثناء حوار مع "الصباح" شراء امريكي ذات يوم وتحديدا أواخر السبعينات إحدى لوحاته ذات الحجم الكبير لتكون له حافزا كبيرا لمواصلة المشوار الفني، رغم أنه لم يتلق أي تكوين خاص في الفنون الجميلة ولم يدرس في المعاهد العليا..

محمد كراي تفنن في استعمال الأكريليك والألوان الزيتية والباستال (يتم تصنيع الوانه الباستيل باستخدام الاصباغ المطحونة ناعما وخلطها مع حشو ابيض مطحون ثم لفها في اعواد من البودرة الملونة) كما كانت له تقنية خاصة به منذ البداية والى الآن مازالت ترافقه في كل أعماله لدرجة أن المطلعين على لوحات سابقة باستطاعتهم أن يلاحظوها بصفة ٱنية في أعمال أخرى. تقنية يرى محمد كراي أنها تمثل الخط الفاصل بين موضوع العمل الفني وبصمة الفنان التشكيلي..

وهو ما استطاع أن يثبته محمد كراي في المعارض الفردية والجماعية حيث كانت له مؤخرا مشاركة في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين بتونس بلوحتين في الفن التجريدي اختارت منهما لجنة الشراءات أحد الأعمال، إثر إصرارها على أن تكون المشاركة برسم تجريدي لأن ابن صفاقس غالبا ما تفرد في هذا المجال..

النقد ضرورة ولكن!

أما عن عملية نقد الفنون التشكيلية يرى محمد كراي انه يجب أن تكون ملازمة للاعمال الفنية، شرط أن يتحلى الناقد بثقافة واسعة متمكنا من ٱليات النقد وأدق في تحليله من بقية المتابعين، كما لا يجب أن يكون النقد انطباعيا بل موضوعيا بالأساس، بعيدا عن الإعجاب أو الامتعاض، لتعم الفائدة وتستنير به الجماهير الواسعة، فضلا عن تهذيب الذائقة العامة وتذوق الفنون التشكيلية بمختلف تياراتها.. حتى يتمكن متابعو المنجزات الإبداعية في مراحل متقدمة، وقد نهلوا من تلك الدراسات النقدية، من كسب مهارات تفكيك وقراءة اللوحات..

في ذات السياق وتأكيدا على أهمية العملية النقدية وبعيدا على المقالات الإنشائية، نوه الفنان التشكيلي محمد كراي إلى ضرورة التغطية الإعلامية لأنّ الساحة الفنية تزخر بالعديد من الطاقات الإبداعية في مختلف الاختصاصات..

من جهة أخرى اقترح محمد كراي برمجة مهرجان وطني للفنون التشكيلية على غرار مهرجان الأغنية التونسية وايام قرطاج المسرحية وايام قرطاج السينمائية حتى يتسنى لكل المبدعين التعريف بمنتوجاتهم أكثر وتكون التظاهرة قبلة لثلة من الفنانين التشكيليين من مختلف دول العالم، مما يخلق نشاطا ثقافيا متميزا..