إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. بن غريون "يسقط" مجددا

بقلم: نزار مقني

في كل حروبه التي خاضها الاحتلال الإسرائيلي، منذ حرب 1967، كانت جميعها تخاض على أراض أخرى خارج تلك التي احتلها قبل سنة 1948، وكان أول رئيس وزراء للاحتلال ديفيد بن غريون دائما ما يرى أن "الحرب يجب أن تحسم بسرعة داخل أرض العدو" وليس على الأراضي المحتلة، حتى أن نفس هذا الأسلوب اعتمدته العصابات الإرهابية التي قام عليها الكيان قبل قرار التقسيم سنة 1947، فـ"الهاغاناة" و"ارغون" وغيرها من عصابات الإرهاب الصهيونية كانت دائما ما تحاول نقل الحرب إلى قلب الأراضي والقرى العربية والابتعاد عن حدود الكيبوتسات (المستوطنات) التي انتشرت كالفطر منذ بداية القرن العشرين إلى غاية انسحاب البريطانيين وقيام دولة الكيان سنة 1947.

بن غريون كان يعلم جيدا أن أكثر ما يمكن أن يشكل خطرا على المشروع الصهيوني في الأراضي المحتلة، هي "الجبهة الداخلية" والتي تحمل جوهر "الحلم الصهيوني"، لأنه بالنسبة إليه، وانطلاقا من محاور قيام هذا المشروع الذي بدأ منذ النصف الثاني من القرن 19، لا يمكن قيامه إلا بضمان الأمن، لأن المهاجر إلى "دولة اليهود" (ليست الدولة اليهودية) يجب أن يتمتع بالأمن الذي "حرم منه اليهود في أوروبا"، وخصوصا بعد عديد "المذابح والمجازر" التي حصلت في القرون الوسطى وحتى العصر الحديث والمعاصر في أوروبا، وأبرزها قضية الضابط ألفريد دريفوس التي كادت أن تقسم فرنسا، وحثت تيودور هرتزل على الإسراع في تنفيذ المشروع الصهيوني على أراضي فلسطين المحتلة.

ولعل ما حصل في الـ7 من أكتوبر من السنة الماضية، يعتبر أكبر سقوط لمحور هذه النظرية التي سطرها بن غوريون سنة 1953، وعلى أساسها سار جيش الاحتلال في كل حروبه من سنة 1967 و73 ضد مصر والأردن (اجتياح القدس الشرقية والضفة الغربية التي كانت تتبع الأردن) وسوريا، واجتياحي لبنان سنة 178 و1982.

إلا أن تلك النظرية بدأت أوراقها تتساقط، مع بداية الحروب اللاتماثلية مع قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولم تنجح في لبنان سنة 2006، بل إن انسحاب الاحتلال من جنوب لبنان سنة 2000 كان نتيجة مباشرة لـ"خوف" الجبهة الداخلية بعد أن بدأت صواريخ المقاومة بالوصول إلى مستعمرات جنوب لبنان، وشمال الأراضي الفلسطينية المحتلة في سنوات التسعينيات، بل إن إيهود باراك نجح في انتخابات 1999 وصعد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية برفعه شعار الانسحاب من جنوب لبنان.

وبالرغم من محاولة الاحتلال العودة من جديد إلى هناك سنة 2006، إلا أنه مني بخسارة إستراتيجية كبيرة، وكان من أبرز أسبابها التصدع في الجبهة الداخلية مع تطور صواريخ "حزب الله"، التي أرعبت المستوطنين المحتلين داخل الخط الأخضر وخارجه في الضفة الغربية، وعجلت بسقوط ايهود أولمرت من رئاسة الوزراء، ونهايته سياسيا بعد تقرير لجنة فينوغراد، وكذلك سقوط المشروع الجيوسياسي الأمريكي الكبير الذي استهدف المنطقة الذي سمي "الشرق ألأوسط الكبير".

نفس هذا المشروع الذي هدف أمريكيا لتغيير الخارطة الجغراسياسية للمنطقة، بدأ كنظرية خطها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز سنة 1994، في جعل إسرائيل "ملتحمة" مع فضائها الجغرافي في المنطقة، إلا أن هذا المشروع سقط، ليظهر من جديد في خطاب تحذيري لبنيامين نتنياهو في خطابه أمام الجمعية الأممية للأمم المتحدة، الذي يريد فرضه بالقوة.

 ويبدو أن نتنياهو سيفشل من جديد، خصوصا وأن أحفاد بن غريون لم ينجحوا في "إحباط" أصحاب الأرض، حتى بعد عقود طويلة من القتل والتقتيل، وتلك كانت أولى نصائحه لمن سيخلفونه على رأس الكيان.

بقلم: نزار مقني

في كل حروبه التي خاضها الاحتلال الإسرائيلي، منذ حرب 1967، كانت جميعها تخاض على أراض أخرى خارج تلك التي احتلها قبل سنة 1948، وكان أول رئيس وزراء للاحتلال ديفيد بن غريون دائما ما يرى أن "الحرب يجب أن تحسم بسرعة داخل أرض العدو" وليس على الأراضي المحتلة، حتى أن نفس هذا الأسلوب اعتمدته العصابات الإرهابية التي قام عليها الكيان قبل قرار التقسيم سنة 1947، فـ"الهاغاناة" و"ارغون" وغيرها من عصابات الإرهاب الصهيونية كانت دائما ما تحاول نقل الحرب إلى قلب الأراضي والقرى العربية والابتعاد عن حدود الكيبوتسات (المستوطنات) التي انتشرت كالفطر منذ بداية القرن العشرين إلى غاية انسحاب البريطانيين وقيام دولة الكيان سنة 1947.

بن غريون كان يعلم جيدا أن أكثر ما يمكن أن يشكل خطرا على المشروع الصهيوني في الأراضي المحتلة، هي "الجبهة الداخلية" والتي تحمل جوهر "الحلم الصهيوني"، لأنه بالنسبة إليه، وانطلاقا من محاور قيام هذا المشروع الذي بدأ منذ النصف الثاني من القرن 19، لا يمكن قيامه إلا بضمان الأمن، لأن المهاجر إلى "دولة اليهود" (ليست الدولة اليهودية) يجب أن يتمتع بالأمن الذي "حرم منه اليهود في أوروبا"، وخصوصا بعد عديد "المذابح والمجازر" التي حصلت في القرون الوسطى وحتى العصر الحديث والمعاصر في أوروبا، وأبرزها قضية الضابط ألفريد دريفوس التي كادت أن تقسم فرنسا، وحثت تيودور هرتزل على الإسراع في تنفيذ المشروع الصهيوني على أراضي فلسطين المحتلة.

ولعل ما حصل في الـ7 من أكتوبر من السنة الماضية، يعتبر أكبر سقوط لمحور هذه النظرية التي سطرها بن غوريون سنة 1953، وعلى أساسها سار جيش الاحتلال في كل حروبه من سنة 1967 و73 ضد مصر والأردن (اجتياح القدس الشرقية والضفة الغربية التي كانت تتبع الأردن) وسوريا، واجتياحي لبنان سنة 178 و1982.

إلا أن تلك النظرية بدأت أوراقها تتساقط، مع بداية الحروب اللاتماثلية مع قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولم تنجح في لبنان سنة 2006، بل إن انسحاب الاحتلال من جنوب لبنان سنة 2000 كان نتيجة مباشرة لـ"خوف" الجبهة الداخلية بعد أن بدأت صواريخ المقاومة بالوصول إلى مستعمرات جنوب لبنان، وشمال الأراضي الفلسطينية المحتلة في سنوات التسعينيات، بل إن إيهود باراك نجح في انتخابات 1999 وصعد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية برفعه شعار الانسحاب من جنوب لبنان.

وبالرغم من محاولة الاحتلال العودة من جديد إلى هناك سنة 2006، إلا أنه مني بخسارة إستراتيجية كبيرة، وكان من أبرز أسبابها التصدع في الجبهة الداخلية مع تطور صواريخ "حزب الله"، التي أرعبت المستوطنين المحتلين داخل الخط الأخضر وخارجه في الضفة الغربية، وعجلت بسقوط ايهود أولمرت من رئاسة الوزراء، ونهايته سياسيا بعد تقرير لجنة فينوغراد، وكذلك سقوط المشروع الجيوسياسي الأمريكي الكبير الذي استهدف المنطقة الذي سمي "الشرق ألأوسط الكبير".

نفس هذا المشروع الذي هدف أمريكيا لتغيير الخارطة الجغراسياسية للمنطقة، بدأ كنظرية خطها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز سنة 1994، في جعل إسرائيل "ملتحمة" مع فضائها الجغرافي في المنطقة، إلا أن هذا المشروع سقط، ليظهر من جديد في خطاب تحذيري لبنيامين نتنياهو في خطابه أمام الجمعية الأممية للأمم المتحدة، الذي يريد فرضه بالقوة.

 ويبدو أن نتنياهو سيفشل من جديد، خصوصا وأن أحفاد بن غريون لم ينجحوا في "إحباط" أصحاب الأرض، حتى بعد عقود طويلة من القتل والتقتيل، وتلك كانت أولى نصائحه لمن سيخلفونه على رأس الكيان.