- تعدد الألوان إحالة على تنوع الامزجة بين الشخصيات المضطربة نفسيا نتيجة التلوث البيئي.
تونس-الصباح
دخان متصاعد يكاد يحجب الرؤية، وصياح الممثل المخضرم رمزي عزيز يتواصل باحثا عن الشمس:"ويني الشمس.. ويني الشمس.." هكذا اٌستهل عرض "البخارة" للمخرج الشاب صادق الطرابلسي انتاج مسرح أوبرا تونس، منذ المشهد الأول، ليتضح لنا اننا إزاء طرح مسألة التلوث البيئي وانعكاسه على الطبيعة والإنسان..
وإن كانت بداية العرض بطيئة بطء الحياة القاسية حيث المجمع الكيميائي في قابس والكميات الهائلة من الفوسفوجيبس القاتلة، فإنّ السينوغرافيا من توصيف للإشكالية المطروحة وإضاءة وموسيقى ومؤثرات خاصة، كانت وراء تسارع وتواتر الأحداث..
والمسرحية نص إلياس الرابحي ودراماتورجيا ومساعدة اخراج تماضر الزرلي أداء كل من مريم بن حسين ورمزي عزيز وعلي بن سعيد وبلال سلاطنية ومكي بليغ.. كوريغرافيا هدى الرياحي، ملابس نوال الاسود، تصميم موسيقي وضاح العوني وتقني إضاءة محمد عربي حشاد وتقني فيديو نزار صالح واخراج فيديو محمد الحرقاني...
موسيقى صاخبة اكتسحت كامل أرجاء الفضاء.. خمسة أروقة ٱخر الركح نصفها مفتوح ونصفها الٱخر مغلق.. سرعان ما يتغير الوضع ويصبح المغلق مفتوحا والمفتوح مغلقا إحالة إلى تعقد مشاكل التلوث في خليج قابس وصفاقس على وجه الخصوص والضبابية المطلقة في تعامل المسؤولين إزاء هذا الخطر الجاثم على صدور المواطنين طيلة عقود، إذ تسبب في وفاة مئات الأشخاص عبثا واستهتارا...
في"بخارة" خلف كل باب كانت شخصية تحمل أوجاع وطن، وكل شخصية في مواجهتها للواقع كانت مختلفة عن الأخرى، وإن كانت تتقاسم نفس الهم، بيئة نظيفة يستطيب فيها العيش..
في تواتر الأحداث انتقلت الاوجاع الى الجمهور حيث وجع الاختناق وغياب الحيلة لتجاوز وضع مؤلم، ادنى متطلبات الحياة من هواء وماء ملوثة جعلت المواطنين ضحايا ٱفة السرطان..
وقد لعبت الإضاءة في مسرحية "بخارة" لصادق الطرابلسي دورا كبيرا على مستوى كشف أمزجة الشخصيات وكيفية التعامل مع مختلف الأوضاع والمسائل المثارة في العمل..
وكان لا بد للمخرج أن يستعمل الضوء الأصفر في أغلب المشاهد كلون يرمز الى الاختناق، ونجح في ذلك باعتبار أن المتفرج يصله ذلك الشعور حيث ينعدم الهواء النقي وما من سبيل...
"بخارة" وبما أنها تمثل مسرحا احتجاجيا، كانت هناك رغبة جامحة للثورة على كامل المنظومة من خلال توظيف الضوء الأحمر .. وبما أن المسرح فضاء يجمع بين الاماني والحقيقة عمد المخرج إلى المزج بين عالمين مختلفين، بين مدينتين مدينة خيالية ومدينة تجسد المعاناة الحقيقية في واقعنا المعيش.. وبينهما إثارة لاهم التساؤلات التي من شأنها أن تسلط الضوء على تقصير المسؤولين في هذا المجال..
تساؤلات حتما لن تكون متعلقة باسباب التهميش فحسب، إنما ستخاطب المتفرج مباشرة: ماذا لو كان يعاني نفس الظروف الموجعة؟ ماذا لو كان قدره أن تمكن منه مرض السرطان في غفلة منه؟ .. تساؤلات مستفزة من خلال نص يجعل صاحبه يشارك الجمهور أفكارا منهكة ورغبة في التغيير والنجاة..
تساؤلات تتبادر إلى ذهن المتفرج خاصة وأنّ "الخرافة" الموظفة في مسرحية "بخارة" غير بعيدة عن الواقع من حيث الحبكة والأحداث، ذلك أنّ الفضاء المتخيل في العمل المتمثل في قرية تضم اهلها المتمتعين بفلاحتهم والطبيعة، سرعان ما ياتي مستثمر ليجعل المنطقة فضاء خطيرا باعتبار المواد الصناعية والكيميائية المتأتية من المصانع التي غيرت ملامح المدينة ولوثت الهواء.. مما جعل "نضال" الشخصية الثورية في "بخارة" يفكر جديا في حرق المصنع إثر عدم الوصول الى حلول ناجعة مع المسؤولين والمشرفين على المشروع القاتل..
وبين صاحب رأس المال وصاحب المبادئ كان صراعا بين "نضال" وصاحب المشروع كإحالة من المخرج الى تلك العلاقة القائمة بين الباحث عن الاستثراء والمؤمن بضرورة ضمان حقوق الجميع.. للأسف الأول مدعوم من السلطة واصحاب النفوذ والاخر لا يملك سوى أفكاره وقناعاته..
صراع يؤثر بشكل كبير على المتفرج باعتبار أن مسألة التلوث البيئي لم تحسم بعد نتيجة تلك العلاقة الافقية بين المواطن البسيط ورجال الأعمال النافذين... وقد عمد المخرج صادق الطرابلسي الى إضفاء نفس كوميدي يصل حد السخرية من أصحاب رؤوس الأموال الذين لا هم لهم سوى جني الارباح وإن كان على حساب سلامة المواطنين...
مخرج العرض الصادق الطرابلسي لـ"الصباح""الخروج الى المسرح" رسخ لفكرة ثقافة الفرجة
عن الإقبال المكثف لأحباء الفن الرابع أثناء تظاهرة "الخروج الى المسرح.. الخروج الى الحياة" أكد مخرج عرض "البخارة" صادق الطرابلسي لـ"الصباح" التي التقته إثر المسرحية أن "مثل هذه التظاهرات هامة جدا من حيث توافد جمهور حقيقي عاشق للمسرح من مختلف الفئات العمرية، فتجد الاكاديمين من طلبة واساتذة من المعهد العالي للفن المسرحي لمشاهدة العروض بمختلف أنماطها وتجاربها الفنية، فضلا عن النقاشات التي تعقب كل مسرحية بإدارة الفنان والناقد الكبير أنور الشعافي مما يعزز ثقافة الفرجة لدى رواد الفن الرابع".
وأعرب محدثنا عن سعادته بردود الأفعال بعد عرض "البخارة" التي سعى من خلالها الى إبراز معضلة التلوث البيئي سواء في قابس أو صفاقس عبر تقنية "المابينغ" والموسيقى الالكترونية اضافة الى توظيف النص المعمق ذي الرسائل المبطنة"
وليد عبداللاوي
- تعدد الألوان إحالة على تنوع الامزجة بين الشخصيات المضطربة نفسيا نتيجة التلوث البيئي.
تونس-الصباح
دخان متصاعد يكاد يحجب الرؤية، وصياح الممثل المخضرم رمزي عزيز يتواصل باحثا عن الشمس:"ويني الشمس.. ويني الشمس.." هكذا اٌستهل عرض "البخارة" للمخرج الشاب صادق الطرابلسي انتاج مسرح أوبرا تونس، منذ المشهد الأول، ليتضح لنا اننا إزاء طرح مسألة التلوث البيئي وانعكاسه على الطبيعة والإنسان..
وإن كانت بداية العرض بطيئة بطء الحياة القاسية حيث المجمع الكيميائي في قابس والكميات الهائلة من الفوسفوجيبس القاتلة، فإنّ السينوغرافيا من توصيف للإشكالية المطروحة وإضاءة وموسيقى ومؤثرات خاصة، كانت وراء تسارع وتواتر الأحداث..
والمسرحية نص إلياس الرابحي ودراماتورجيا ومساعدة اخراج تماضر الزرلي أداء كل من مريم بن حسين ورمزي عزيز وعلي بن سعيد وبلال سلاطنية ومكي بليغ.. كوريغرافيا هدى الرياحي، ملابس نوال الاسود، تصميم موسيقي وضاح العوني وتقني إضاءة محمد عربي حشاد وتقني فيديو نزار صالح واخراج فيديو محمد الحرقاني...
موسيقى صاخبة اكتسحت كامل أرجاء الفضاء.. خمسة أروقة ٱخر الركح نصفها مفتوح ونصفها الٱخر مغلق.. سرعان ما يتغير الوضع ويصبح المغلق مفتوحا والمفتوح مغلقا إحالة إلى تعقد مشاكل التلوث في خليج قابس وصفاقس على وجه الخصوص والضبابية المطلقة في تعامل المسؤولين إزاء هذا الخطر الجاثم على صدور المواطنين طيلة عقود، إذ تسبب في وفاة مئات الأشخاص عبثا واستهتارا...
في"بخارة" خلف كل باب كانت شخصية تحمل أوجاع وطن، وكل شخصية في مواجهتها للواقع كانت مختلفة عن الأخرى، وإن كانت تتقاسم نفس الهم، بيئة نظيفة يستطيب فيها العيش..
في تواتر الأحداث انتقلت الاوجاع الى الجمهور حيث وجع الاختناق وغياب الحيلة لتجاوز وضع مؤلم، ادنى متطلبات الحياة من هواء وماء ملوثة جعلت المواطنين ضحايا ٱفة السرطان..
وقد لعبت الإضاءة في مسرحية "بخارة" لصادق الطرابلسي دورا كبيرا على مستوى كشف أمزجة الشخصيات وكيفية التعامل مع مختلف الأوضاع والمسائل المثارة في العمل..
وكان لا بد للمخرج أن يستعمل الضوء الأصفر في أغلب المشاهد كلون يرمز الى الاختناق، ونجح في ذلك باعتبار أن المتفرج يصله ذلك الشعور حيث ينعدم الهواء النقي وما من سبيل...
"بخارة" وبما أنها تمثل مسرحا احتجاجيا، كانت هناك رغبة جامحة للثورة على كامل المنظومة من خلال توظيف الضوء الأحمر .. وبما أن المسرح فضاء يجمع بين الاماني والحقيقة عمد المخرج إلى المزج بين عالمين مختلفين، بين مدينتين مدينة خيالية ومدينة تجسد المعاناة الحقيقية في واقعنا المعيش.. وبينهما إثارة لاهم التساؤلات التي من شأنها أن تسلط الضوء على تقصير المسؤولين في هذا المجال..
تساؤلات حتما لن تكون متعلقة باسباب التهميش فحسب، إنما ستخاطب المتفرج مباشرة: ماذا لو كان يعاني نفس الظروف الموجعة؟ ماذا لو كان قدره أن تمكن منه مرض السرطان في غفلة منه؟ .. تساؤلات مستفزة من خلال نص يجعل صاحبه يشارك الجمهور أفكارا منهكة ورغبة في التغيير والنجاة..
تساؤلات تتبادر إلى ذهن المتفرج خاصة وأنّ "الخرافة" الموظفة في مسرحية "بخارة" غير بعيدة عن الواقع من حيث الحبكة والأحداث، ذلك أنّ الفضاء المتخيل في العمل المتمثل في قرية تضم اهلها المتمتعين بفلاحتهم والطبيعة، سرعان ما ياتي مستثمر ليجعل المنطقة فضاء خطيرا باعتبار المواد الصناعية والكيميائية المتأتية من المصانع التي غيرت ملامح المدينة ولوثت الهواء.. مما جعل "نضال" الشخصية الثورية في "بخارة" يفكر جديا في حرق المصنع إثر عدم الوصول الى حلول ناجعة مع المسؤولين والمشرفين على المشروع القاتل..
وبين صاحب رأس المال وصاحب المبادئ كان صراعا بين "نضال" وصاحب المشروع كإحالة من المخرج الى تلك العلاقة القائمة بين الباحث عن الاستثراء والمؤمن بضرورة ضمان حقوق الجميع.. للأسف الأول مدعوم من السلطة واصحاب النفوذ والاخر لا يملك سوى أفكاره وقناعاته..
صراع يؤثر بشكل كبير على المتفرج باعتبار أن مسألة التلوث البيئي لم تحسم بعد نتيجة تلك العلاقة الافقية بين المواطن البسيط ورجال الأعمال النافذين... وقد عمد المخرج صادق الطرابلسي الى إضفاء نفس كوميدي يصل حد السخرية من أصحاب رؤوس الأموال الذين لا هم لهم سوى جني الارباح وإن كان على حساب سلامة المواطنين...
مخرج العرض الصادق الطرابلسي لـ"الصباح""الخروج الى المسرح" رسخ لفكرة ثقافة الفرجة
عن الإقبال المكثف لأحباء الفن الرابع أثناء تظاهرة "الخروج الى المسرح.. الخروج الى الحياة" أكد مخرج عرض "البخارة" صادق الطرابلسي لـ"الصباح" التي التقته إثر المسرحية أن "مثل هذه التظاهرات هامة جدا من حيث توافد جمهور حقيقي عاشق للمسرح من مختلف الفئات العمرية، فتجد الاكاديمين من طلبة واساتذة من المعهد العالي للفن المسرحي لمشاهدة العروض بمختلف أنماطها وتجاربها الفنية، فضلا عن النقاشات التي تعقب كل مسرحية بإدارة الفنان والناقد الكبير أنور الشعافي مما يعزز ثقافة الفرجة لدى رواد الفن الرابع".
وأعرب محدثنا عن سعادته بردود الأفعال بعد عرض "البخارة" التي سعى من خلالها الى إبراز معضلة التلوث البيئي سواء في قابس أو صفاقس عبر تقنية "المابينغ" والموسيقى الالكترونية اضافة الى توظيف النص المعمق ذي الرسائل المبطنة"