التنشئة الاجتماعية من خلال التربية على السلامة المرورية تتطلب مهارات معرفية إدراكية واجتماعية وعاطفية ومهارات تقييم ذاتي... لاسيما وان بلادنا تتهيأ للقيام بمجموعة من الإصلاحات الكبرى في التعليم.
بقلم الدكتور منذر عافي باحث في علم الاجتماع
كانت مسألة التصدي للعنف والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر من بين أولويات وزارة التربية في تونس عند انطلاق السنة الدراسية2024-2025، وقد تم التعاون مع عديد الشركاء، أبرزهم وزارة الداخلية. ومن بين المواضيع الهامة التي تستدعي تسليط الضوء عليها هي السلامة المرورية، التي تشمل التلاميذ والإطار التربوي في رحلتهم اليومية من وإلى المدارس. وقد أصبح انعدام الأمن على الطرقات يمثل مصدر قلق كبير للوزارة والسلط الأمنية والمجتمع المدني، حيث تشكل مخاطر الطرق اليوم الخطر الرئيسي للحوادث المميتة، وتعتبر السبب الأول للوفيات لدى الأشخاص دون سن الخامسة والعشرين.
الطرق التونسية تشكل اليوم ساحة للمخاطر اليومية، مما يدعو إلى اتخاذ تدابير أكثر شمولاً للتصدي لهذه الظاهرة. تتنوع السياسات المتبعة لمواجهة هذه المخاطر، بدءاً من تشديد العقوبات المالية وسحب رخص القيادة، مروراً بسياسات الوقاية والتثقيف على السلامة المرورية. إلا أن المشكلة التي تظل قائمة هي أن الجهود الحالية تركز بشكل كبير على التعزيز السلبي (العقوبات)، بينما لا يزال التعزيز الإيجابي للسلوك الآمن على الطرقات نادرًا.
السلامة المرورية: بين التثقيف والعقوبات
من بين التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع التونسي هي تطوير ثقافة الحذر والسلامة في بيئة الطرقات، خاصة لدى الفئة الشابة من السائقين. إذ يميل الشباب إلى اتخاذ المزيد من المخاطر خلال القيادة، وهو ما يضعهم في مواقف خطيرة. هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على المهارات الفنية في القيادة، بل تتعداها إلى مسألة "التنشئة الاجتماعية" للسائقين. بمعنى أن الطريقة التي يتعلم بها الأفراد القيادة وكيفية تعاملهم مع المواقف الصعبة على الطرق مرتبطة بالقيم والمعايير الاجتماعية التي يتم نقلها عبر المؤسسات المختلفة، سواء كانت المدرسة أو الأسرة أو الإعلام.
التربية على السلامة المرورية تهدف إلى تعزيز مهارات التقييم الذاتي لدى التلاميذ، من خلال تزويدهم بالمعرفة والقدرة على اتخاذ القرارات المتعلقة بأمنهم وسلامتهم. إن بناء هوية الفرد وسلوكه يرتبط بشكل وثيق بمدى استيعابه لمفاهيم الأمان، والدراية بالمهارات المطلوبة للتفاعل مع حركة المرور بطرق آمنة وفعالة. وبهذا المعنى، فإن التعليم على السلامة المرورية ليس فقط تعليمًا على القيادة، بل هو جزء من عملية اجتماعية وثقافية تؤثر على تكوين الأفراد وتنشئتهم ضمن إطار مجتمعي مسؤول.
التعليم المروري كسلوك اجتماعي
عندما ننظر إلى نظام تعليم السياقة في تونس، نجد أنه غالبًا ما يركز على الجوانب التقنية للقيادة، مثل كيفية التعامل مع السيارة، ولكن يغفل الجوانب النفسية والاجتماعية التي تشكل جزءًا كبيرًا من هذه العملية. لا يكفي أن يعرف السائق كيفية التحكم في السيارة، بل يجب أن يتعلم كيفية التعامل مع المواقف الخطرة، وكيفية تقدير المخاطر التي يمكن أن تواجهه على الطرقات. هذا التوجه يتطلب تغييرًا جذريًا في كيفية تقديم دروس القيادة، ويستلزم إدماج قيم جديدة في نظام التعليم المروري، مع التركيز على التنشئة الاجتماعية والتدريب المتواصل..
يمكن أن تؤثر التربية على السلامة المرورية على تنظيم السلوك المحفوف بالمخاطر، وبالتالي تساهم في تطوير مهارات التقييم الذاتي لدى التلاميذ. وبما أن التعليم جزء لا يتجزأ من بناء هوية الإنسان وكينونته، فإنه يثير بشكل خاص مفاهيم المعرفة والدراية، ولكن أيضًا المهارة التي يجب أن نكتسبها ولذلك فإن أهمية قابلية التعليم تكمن أيضًا في الاهتمام بالتماسك الضروري لحسن سير العمل بين الناس فيما بينهم.. ولهذا فإن رغبة كل شخص في التقدم تنبع من قدرته على التغيير. وبالتالي، فإننا نعتبر تعلم قيادة السيارة جزءًا من عملية التنشئة الاجتماعية. يمكن تعريف هذه التنشئة الاجتماعية بأنها "التملك النشط واستيعاب التلاميذ القيم والمواقف وتمثيلات القواعد الاجتماعية والمعايير المرجعية الاجتماعية مما يسمح بالتكيف مع حركة المرور على الطرق.
لكن التنشئة الاجتماعية من خلال التربية على السلامة المرورية تتطلب مهارات معرفية إدراكية واجتماعية وعاطفية ومهارات تقييم ذاتي... لاسيما وان بلادنا تتهيأ للقيام بمجموعة من الإصلاحات الكبرى في التعليم. وهذا التمشي يستدعي دمج معايير جديدة وبرامج تدريبية، وتعزيز الاستمرارية التعليمية، وما إلى ذلك)، يجب أن تعكس مناهج التعليم سياسة فعالة لتعليم السلامة على الطرق.
إن الحد من الحوادث بين السواق ولا سيما الشباب منهم- يستدعي بالضرورة العمل بيداغوجيا على إدراك المخاطر. في الواقع، يغامر السواق المبتدئون بممارسة مستوى أعلى من المخاطر خلال قيادتهم للسيارات والدراجات النارية وبالتالي يضعون أنفسهم في مواقف خطيرة. لذلك ينبغي تطوير نهج يركز على التربية المرورية التعزيز الإيجابي في سلوك تعلم قيادة السيارة منذ المرحلة الابتدائية. وفي الواقع، تظهر نتائج تجارب برامج الحوافز أن تعزيز سلوكيات السلامة مما يسمح بتخفيض الحوادث بشكل كبير. إذا سلمنا بان التربية المرورية تتيح لنا تسليط الضوء على الممارسات المبتكرة التي سيتم تنفيذها اثناء السير في الطرق.
فشل منظومة تعليم السياقة في نشر تربية مرورية متوازنة
يثبت التعليم على قيادة السيارات في مدارس التكوين الخاصة فشله كمجال لتقليص ظاهرة انعدام الأمن على الطرق. المخاطر ومقبوليتها كإنتاج جماعي وثقافي لمجتمعنا. علاوة على ذلك، واستنادًا إلى تحليلات حوادث المرور أثناء دروس القيادة، أن الصور النمطية والقيم التي ينقلها المجتمع تؤثر على تعليم قيادة السيارات والسلامة على الطرق. وهكذا، فإن نظام تعلم القيادة ينقل المعايير الاجتماعية والثقافية التي تشجع على المخاطرة. يمكن ان نشير الى عدم كفاءة التدريب الذي يهدف إلى الحد من مخاطر الطرق. إنها ترى أن القيادة نشاط نمطي حيث تكون القوالب الجاهزة انعكاسًا لتنشئتنا الاجتماعية. واستنادا إلى فرضية تتعلق باستيعاب القواعد والمعايير السليمة للقيادة، فإنه يوفر سبلا للتفكير من أجل تحسين تدريب السائقين وأخذه في الاعتبار في الاستمرارية التعليمية. ولكن نظرا لتعقد مهمة القيادة، فإن التدريب يجب أن يتجاوز مجرد اكتساب المهارات الفنية، والتي تعتبر ضرورية بالتأكيد، لتطوير المهارات المعرفية والسلوكية. يتضمن هذا العمل بالضرورة مراقبة تمثلاتنا الاجتماعية وفهم الجانب الاجتماعي والنفسي لقيادة السيارة. فعادة ما يكون السائق في حالة من التنازع بين إتباع خيارات السلوك الفردي المغامر والمتهور وبين احترام القواعد الجماعية والاجتماعية. تشكل التربية على السلامة المرورية هذه صياغة أخرى لما نعنيه بثقافة مخاطر الطريق”، وتسمح لنا بإبراز بنيتها الاجتماعية، بمعنى أنها تختلف من ثقافة إلى أخرى. "
المجتمع الحديث يقدم تضحيات منتظمة للحفاظ على أسلوب الحياة
وبالتالي يمكن أن يكون درس التربية على السلامة المرورية بمثابة فرصة للتنشئة الاجتماعية وتكامل القواعد والأعراف الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، فإن تنوع المهارات والقضايا في العمل في مجال التدريب على القيادة والسلامة على الطرق يبرر الحاجة إلى تعزيز تدريب المدربين، ولكن أيضا تنشيط وتنسيق شبكة الجهات الفاعلة المساهمة في هذا التدريب.
تتضمن هذه المهارات، التي تتمحور حول الشخص، معرفة الذات وتغيير الهوية والسلوكيات الجديدة المعتمدة. تتمثل إحدى صعوبات هذا النهج في تحديد أساليب وأساليب التدريس الأكثر ملاءمة لتطوير مهارات القيادة هذه. ولكن لا يمكن تصور أي تحسن إذا ظلت ممارسات معلمي القيادة على حالها.
التربية المرورية فعل ثقافي ورمزي
ان حركة المرور على الطرق معقدة تحاول الدولة تنظيمها والسيطرة عليها. ويتمتع السائق بنوع من الاستقلالية، أي القدرة على اتخاذ الخيارات، ولكن ضمن حدود القانون. وفي مواجهة هذا النظام المروري المتحرك باستمرار وفي مناطق معينة من عدم اليقين (كثافة حركة المرور، وتنوع المستخدمين، وما إلى ذلك.. دون إنكار حالة خطأ السائق (عدم الامتثال للقواعد، وما إلى ذلك) وحالته الصحية ومستواه التعليمي، لذلك، فإن التربية على السلامة المرورية، من خلال العمل على المستويات الثقافية والرمزية (لا سيما القيم)، يمكنها أن تكون فاعلة في تعديل سلوك السواق وتوازنهم. على وجه التحديد، فإن تنظيم نظام قيم يتوافق مع السلامة على الطرق وحركة المرور، وتسليط الضوء على قيم معينة أكثر ملاءمة لسلامتنا، هي مجالات يجب إعطاءها الأولوية في التعليم على الطرق.
وفي هذا السياق يمكن تنظيم دورات تكوينية للتلاميذ في مجال القيادة المتوازنة للسيارات وللدراجات النارية اعتبارا إلى أن ديناميات المجموعة طريقة تعليمية تنظيمية ضرورية. العلاقات التعليمية وعلاقات الدعم والمرافقة والتوجيه هي التي تحدث التغيير في سلوك المتعلمين. ونوضح هنا أن تغيير السلوك لا يتم عبر تقديم دروس نظرية وإلقاء محاضرات عامة في المجال المروري، بل إن تغيير التنشئة المتوازنة للتلاميذ على القيادة يتم تجربتها والشعور بها وعيشها. ويمكن في الصدد إقرار تدريس قانون السياقة وجعله إلزاميا في كل المستويات التعليمية مع توخي نوع من التدرج، بما يمكن من تدريس "السلامة المرورية على الطرق" توفر الأعمال المرجعية المنشورة في وزارة النقل الأساس لما يمكن فهمه اليوم من خلال "التثقيف في مجال السلامة المرورية ". يمكن أن نعتبر هذا الأمر مشروعًا تعليميًا لديه تحدياته المتعلقة بالسلامة المرورية ذات أهمية قصوى" أن "الغرض من نشر الثقافة المرورية في المدارس هو توعية التلاميذ بأهمية السلامة على الطرق وتدريبهم باعتبارهم "سواق الغد" على طرق لقيادة السيارات والدراجات النارية أكثر أمانًا" "بيداغوجيا السياقة الآمنة".
لقد أثبتت التجارب المختلفة والواقع المروري في بلادنا فشل تدابير التثقيف على السياقة المتوازنة و أخفقنا في ضمان السلامة على الطرق ولنا في أرقام حوادث الطرقات المتصاعدة ما يكفي لنتبين هذا الإخفاق. والأكثر من فشل هذه التدابير هو أن أنظمة التكوين على قيادة السيارات غير فعالة بسبب تداخل المصالح بين منطق التلميذ المتعلم الذي يرغب في الحصول على (رخصة القيادة ومنطق سوق التدريب الذي يبحث فيه بعض أصحاب مدارس التكوين عن تحقيق مكاسب مالية سريعة بأقل التكاليف .لذلك تواصل سياسة تعليم سياقة السيارات في بلادنا الحفاظ على أشكال التدريب التقليدية دون تعزيزها بمقاربات تربوية وبيداغوجية بالشراكة مع مؤسسات تربوية تراعي الجوانب النفسية للمتكون من أجل قيادة أكثر أمانًا مما يسمح بتفادي تجاوزات قانون الطرق السريعة بهدف تحسين السلامة على الطرق. ولعل إحدى نتائج سياسة التكوين في مجال قيادة السيارات هي تعزيز التنقل من خلال السيارات واستهلاك الوقود الناتج عنها بسبب سهولة منح رخص السياقة دون نشر ثقافة مرورية وتنويع مجالات التربية على السلامة المرورية.
التنشئة الاجتماعية من خلال التربية على السلامة المرورية تتطلب مهارات معرفية إدراكية واجتماعية وعاطفية ومهارات تقييم ذاتي... لاسيما وان بلادنا تتهيأ للقيام بمجموعة من الإصلاحات الكبرى في التعليم.
بقلم الدكتور منذر عافي باحث في علم الاجتماع
كانت مسألة التصدي للعنف والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر من بين أولويات وزارة التربية في تونس عند انطلاق السنة الدراسية2024-2025، وقد تم التعاون مع عديد الشركاء، أبرزهم وزارة الداخلية. ومن بين المواضيع الهامة التي تستدعي تسليط الضوء عليها هي السلامة المرورية، التي تشمل التلاميذ والإطار التربوي في رحلتهم اليومية من وإلى المدارس. وقد أصبح انعدام الأمن على الطرقات يمثل مصدر قلق كبير للوزارة والسلط الأمنية والمجتمع المدني، حيث تشكل مخاطر الطرق اليوم الخطر الرئيسي للحوادث المميتة، وتعتبر السبب الأول للوفيات لدى الأشخاص دون سن الخامسة والعشرين.
الطرق التونسية تشكل اليوم ساحة للمخاطر اليومية، مما يدعو إلى اتخاذ تدابير أكثر شمولاً للتصدي لهذه الظاهرة. تتنوع السياسات المتبعة لمواجهة هذه المخاطر، بدءاً من تشديد العقوبات المالية وسحب رخص القيادة، مروراً بسياسات الوقاية والتثقيف على السلامة المرورية. إلا أن المشكلة التي تظل قائمة هي أن الجهود الحالية تركز بشكل كبير على التعزيز السلبي (العقوبات)، بينما لا يزال التعزيز الإيجابي للسلوك الآمن على الطرقات نادرًا.
السلامة المرورية: بين التثقيف والعقوبات
من بين التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع التونسي هي تطوير ثقافة الحذر والسلامة في بيئة الطرقات، خاصة لدى الفئة الشابة من السائقين. إذ يميل الشباب إلى اتخاذ المزيد من المخاطر خلال القيادة، وهو ما يضعهم في مواقف خطيرة. هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على المهارات الفنية في القيادة، بل تتعداها إلى مسألة "التنشئة الاجتماعية" للسائقين. بمعنى أن الطريقة التي يتعلم بها الأفراد القيادة وكيفية تعاملهم مع المواقف الصعبة على الطرق مرتبطة بالقيم والمعايير الاجتماعية التي يتم نقلها عبر المؤسسات المختلفة، سواء كانت المدرسة أو الأسرة أو الإعلام.
التربية على السلامة المرورية تهدف إلى تعزيز مهارات التقييم الذاتي لدى التلاميذ، من خلال تزويدهم بالمعرفة والقدرة على اتخاذ القرارات المتعلقة بأمنهم وسلامتهم. إن بناء هوية الفرد وسلوكه يرتبط بشكل وثيق بمدى استيعابه لمفاهيم الأمان، والدراية بالمهارات المطلوبة للتفاعل مع حركة المرور بطرق آمنة وفعالة. وبهذا المعنى، فإن التعليم على السلامة المرورية ليس فقط تعليمًا على القيادة، بل هو جزء من عملية اجتماعية وثقافية تؤثر على تكوين الأفراد وتنشئتهم ضمن إطار مجتمعي مسؤول.
التعليم المروري كسلوك اجتماعي
عندما ننظر إلى نظام تعليم السياقة في تونس، نجد أنه غالبًا ما يركز على الجوانب التقنية للقيادة، مثل كيفية التعامل مع السيارة، ولكن يغفل الجوانب النفسية والاجتماعية التي تشكل جزءًا كبيرًا من هذه العملية. لا يكفي أن يعرف السائق كيفية التحكم في السيارة، بل يجب أن يتعلم كيفية التعامل مع المواقف الخطرة، وكيفية تقدير المخاطر التي يمكن أن تواجهه على الطرقات. هذا التوجه يتطلب تغييرًا جذريًا في كيفية تقديم دروس القيادة، ويستلزم إدماج قيم جديدة في نظام التعليم المروري، مع التركيز على التنشئة الاجتماعية والتدريب المتواصل..
يمكن أن تؤثر التربية على السلامة المرورية على تنظيم السلوك المحفوف بالمخاطر، وبالتالي تساهم في تطوير مهارات التقييم الذاتي لدى التلاميذ. وبما أن التعليم جزء لا يتجزأ من بناء هوية الإنسان وكينونته، فإنه يثير بشكل خاص مفاهيم المعرفة والدراية، ولكن أيضًا المهارة التي يجب أن نكتسبها ولذلك فإن أهمية قابلية التعليم تكمن أيضًا في الاهتمام بالتماسك الضروري لحسن سير العمل بين الناس فيما بينهم.. ولهذا فإن رغبة كل شخص في التقدم تنبع من قدرته على التغيير. وبالتالي، فإننا نعتبر تعلم قيادة السيارة جزءًا من عملية التنشئة الاجتماعية. يمكن تعريف هذه التنشئة الاجتماعية بأنها "التملك النشط واستيعاب التلاميذ القيم والمواقف وتمثيلات القواعد الاجتماعية والمعايير المرجعية الاجتماعية مما يسمح بالتكيف مع حركة المرور على الطرق.
لكن التنشئة الاجتماعية من خلال التربية على السلامة المرورية تتطلب مهارات معرفية إدراكية واجتماعية وعاطفية ومهارات تقييم ذاتي... لاسيما وان بلادنا تتهيأ للقيام بمجموعة من الإصلاحات الكبرى في التعليم. وهذا التمشي يستدعي دمج معايير جديدة وبرامج تدريبية، وتعزيز الاستمرارية التعليمية، وما إلى ذلك)، يجب أن تعكس مناهج التعليم سياسة فعالة لتعليم السلامة على الطرق.
إن الحد من الحوادث بين السواق ولا سيما الشباب منهم- يستدعي بالضرورة العمل بيداغوجيا على إدراك المخاطر. في الواقع، يغامر السواق المبتدئون بممارسة مستوى أعلى من المخاطر خلال قيادتهم للسيارات والدراجات النارية وبالتالي يضعون أنفسهم في مواقف خطيرة. لذلك ينبغي تطوير نهج يركز على التربية المرورية التعزيز الإيجابي في سلوك تعلم قيادة السيارة منذ المرحلة الابتدائية. وفي الواقع، تظهر نتائج تجارب برامج الحوافز أن تعزيز سلوكيات السلامة مما يسمح بتخفيض الحوادث بشكل كبير. إذا سلمنا بان التربية المرورية تتيح لنا تسليط الضوء على الممارسات المبتكرة التي سيتم تنفيذها اثناء السير في الطرق.
فشل منظومة تعليم السياقة في نشر تربية مرورية متوازنة
يثبت التعليم على قيادة السيارات في مدارس التكوين الخاصة فشله كمجال لتقليص ظاهرة انعدام الأمن على الطرق. المخاطر ومقبوليتها كإنتاج جماعي وثقافي لمجتمعنا. علاوة على ذلك، واستنادًا إلى تحليلات حوادث المرور أثناء دروس القيادة، أن الصور النمطية والقيم التي ينقلها المجتمع تؤثر على تعليم قيادة السيارات والسلامة على الطرق. وهكذا، فإن نظام تعلم القيادة ينقل المعايير الاجتماعية والثقافية التي تشجع على المخاطرة. يمكن ان نشير الى عدم كفاءة التدريب الذي يهدف إلى الحد من مخاطر الطرق. إنها ترى أن القيادة نشاط نمطي حيث تكون القوالب الجاهزة انعكاسًا لتنشئتنا الاجتماعية. واستنادا إلى فرضية تتعلق باستيعاب القواعد والمعايير السليمة للقيادة، فإنه يوفر سبلا للتفكير من أجل تحسين تدريب السائقين وأخذه في الاعتبار في الاستمرارية التعليمية. ولكن نظرا لتعقد مهمة القيادة، فإن التدريب يجب أن يتجاوز مجرد اكتساب المهارات الفنية، والتي تعتبر ضرورية بالتأكيد، لتطوير المهارات المعرفية والسلوكية. يتضمن هذا العمل بالضرورة مراقبة تمثلاتنا الاجتماعية وفهم الجانب الاجتماعي والنفسي لقيادة السيارة. فعادة ما يكون السائق في حالة من التنازع بين إتباع خيارات السلوك الفردي المغامر والمتهور وبين احترام القواعد الجماعية والاجتماعية. تشكل التربية على السلامة المرورية هذه صياغة أخرى لما نعنيه بثقافة مخاطر الطريق”، وتسمح لنا بإبراز بنيتها الاجتماعية، بمعنى أنها تختلف من ثقافة إلى أخرى. "
المجتمع الحديث يقدم تضحيات منتظمة للحفاظ على أسلوب الحياة
وبالتالي يمكن أن يكون درس التربية على السلامة المرورية بمثابة فرصة للتنشئة الاجتماعية وتكامل القواعد والأعراف الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، فإن تنوع المهارات والقضايا في العمل في مجال التدريب على القيادة والسلامة على الطرق يبرر الحاجة إلى تعزيز تدريب المدربين، ولكن أيضا تنشيط وتنسيق شبكة الجهات الفاعلة المساهمة في هذا التدريب.
تتضمن هذه المهارات، التي تتمحور حول الشخص، معرفة الذات وتغيير الهوية والسلوكيات الجديدة المعتمدة. تتمثل إحدى صعوبات هذا النهج في تحديد أساليب وأساليب التدريس الأكثر ملاءمة لتطوير مهارات القيادة هذه. ولكن لا يمكن تصور أي تحسن إذا ظلت ممارسات معلمي القيادة على حالها.
التربية المرورية فعل ثقافي ورمزي
ان حركة المرور على الطرق معقدة تحاول الدولة تنظيمها والسيطرة عليها. ويتمتع السائق بنوع من الاستقلالية، أي القدرة على اتخاذ الخيارات، ولكن ضمن حدود القانون. وفي مواجهة هذا النظام المروري المتحرك باستمرار وفي مناطق معينة من عدم اليقين (كثافة حركة المرور، وتنوع المستخدمين، وما إلى ذلك.. دون إنكار حالة خطأ السائق (عدم الامتثال للقواعد، وما إلى ذلك) وحالته الصحية ومستواه التعليمي، لذلك، فإن التربية على السلامة المرورية، من خلال العمل على المستويات الثقافية والرمزية (لا سيما القيم)، يمكنها أن تكون فاعلة في تعديل سلوك السواق وتوازنهم. على وجه التحديد، فإن تنظيم نظام قيم يتوافق مع السلامة على الطرق وحركة المرور، وتسليط الضوء على قيم معينة أكثر ملاءمة لسلامتنا، هي مجالات يجب إعطاءها الأولوية في التعليم على الطرق.
وفي هذا السياق يمكن تنظيم دورات تكوينية للتلاميذ في مجال القيادة المتوازنة للسيارات وللدراجات النارية اعتبارا إلى أن ديناميات المجموعة طريقة تعليمية تنظيمية ضرورية. العلاقات التعليمية وعلاقات الدعم والمرافقة والتوجيه هي التي تحدث التغيير في سلوك المتعلمين. ونوضح هنا أن تغيير السلوك لا يتم عبر تقديم دروس نظرية وإلقاء محاضرات عامة في المجال المروري، بل إن تغيير التنشئة المتوازنة للتلاميذ على القيادة يتم تجربتها والشعور بها وعيشها. ويمكن في الصدد إقرار تدريس قانون السياقة وجعله إلزاميا في كل المستويات التعليمية مع توخي نوع من التدرج، بما يمكن من تدريس "السلامة المرورية على الطرق" توفر الأعمال المرجعية المنشورة في وزارة النقل الأساس لما يمكن فهمه اليوم من خلال "التثقيف في مجال السلامة المرورية ". يمكن أن نعتبر هذا الأمر مشروعًا تعليميًا لديه تحدياته المتعلقة بالسلامة المرورية ذات أهمية قصوى" أن "الغرض من نشر الثقافة المرورية في المدارس هو توعية التلاميذ بأهمية السلامة على الطرق وتدريبهم باعتبارهم "سواق الغد" على طرق لقيادة السيارات والدراجات النارية أكثر أمانًا" "بيداغوجيا السياقة الآمنة".
لقد أثبتت التجارب المختلفة والواقع المروري في بلادنا فشل تدابير التثقيف على السياقة المتوازنة و أخفقنا في ضمان السلامة على الطرق ولنا في أرقام حوادث الطرقات المتصاعدة ما يكفي لنتبين هذا الإخفاق. والأكثر من فشل هذه التدابير هو أن أنظمة التكوين على قيادة السيارات غير فعالة بسبب تداخل المصالح بين منطق التلميذ المتعلم الذي يرغب في الحصول على (رخصة القيادة ومنطق سوق التدريب الذي يبحث فيه بعض أصحاب مدارس التكوين عن تحقيق مكاسب مالية سريعة بأقل التكاليف .لذلك تواصل سياسة تعليم سياقة السيارات في بلادنا الحفاظ على أشكال التدريب التقليدية دون تعزيزها بمقاربات تربوية وبيداغوجية بالشراكة مع مؤسسات تربوية تراعي الجوانب النفسية للمتكون من أجل قيادة أكثر أمانًا مما يسمح بتفادي تجاوزات قانون الطرق السريعة بهدف تحسين السلامة على الطرق. ولعل إحدى نتائج سياسة التكوين في مجال قيادة السيارات هي تعزيز التنقل من خلال السيارات واستهلاك الوقود الناتج عنها بسبب سهولة منح رخص السياقة دون نشر ثقافة مرورية وتنويع مجالات التربية على السلامة المرورية.