صادق مجلس الوزراء أول أمس على مشروع مرسوم يتعلق بنظام الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات.
ويهدف المرسوم الذي من المقرر أن يصدر لاحقا بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ليدخل مباشرة حيز التنفيذ، إلى إحداث صندوق من أبرز مهامه ضمان التغطية الصحية للعاملات الفلاحيات وتأمينهنّ ضد حوادث الشغل والأمراض المهنيّة مع تمكينهنّ من جراية تقاعد، فضلا عن ضمان شروط النقل الآمن لهنّ.
وفي انتظار صدور المرسوم، الذي سيوضح مصادر تمويل الصندوق، وهيكلته الإدارية والمالية، وكيفية الانخراط فيه، تشير التوقعات إلى أن قرابة نصف مليون عاملة فلاحية سيستفدن من خدماته، جلّهن محرومات من التغطية الاجتماعية ويعانين من الحيف الاقتصادي والاجتماعي، ومن ظروف نقل خطيرة، غالبا من تتسبب لهن في حوادث قاتلة، إضافة إلى صعوبات انتفاعهن بخدمات الرعاية الصحية والعلاج والتداوي في المنظومة الصحية العمومية..
ووفق ما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة، سيمكّن هذا النص القانوني الجديد من إرساء نظام حماية اجتماعية للعاملات الفلاحيات، بما من شأنه أن يكرس "آليات التحرّر الاقتصادي قصد تحسين دخلهن وضمان مقوّمات الحياة الكريمة لهن، فضلا عن تعزيز مساهمتهنّ في الدورة الاقتصادية كفاعل اقتصادي رئيسي في تطوير القطاع الفلاحي وتحسين مردوديّته."
وكان السيد كمال المدّوري رئيس الحكومة قد أكد خلال مجلس وزاري مضيق انعقد مؤخرا وخصص لنفس الموضوع إلى "أنّ إحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات في القطاع الفلاحي سيرتكز على نظام متكامل يقوم أساسا على تعزيز ثقافة بعث المشاريع وتنمية روح المبادرة من خلال جملة من البرامج والآليات والحوافز المالية وضمان الحماية الاجتماعية ضد مخاطر المرض وحوادث الشغل والأمراض المهنية وتوفير جراية تقاعد، مشدّدا على أنّ الهدف الأسمى هو تأهيل المرأة العاملة في القطاع الفلاحي لتكون فاعلة ضمن دورة التنمية وبما يحققّ لها شروط الانعتاق الاقتصادي."
وذكّر بأنّ إحداث صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات يندرج في إطار تجسيم قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي تم الإعلان عنه يوم 26 أوت 2024، مبرزا أهمية صياغة منوال تنموي جديد يستند إلى أسس ووظائف الدولة الاجتماعية وعلى أهمية تحقيق التكامل والانسجام بين الرؤية التنموية والسياسات العمومية الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في مجالات الصحة والتربية والتعليم والتكوين والحماية الاجتماعية، ضمن عقد اجتماعي مجدّد ومبتكر"، وفق ما ورد في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة..
دعم المنظومة القانونية الحالية
ويأتي إرساء هذا الإطار القانوني الجديد، ليدعم المنظومة القانونية الحالية التي لم تكن نتائجها مشجعة وتفتقر الى النجاعة المطلوبة وتعرضت لصعوبات في التطبيق ولم تستفد منها إلا نسبة قليلة جدا من العاملات في القطاع الفلاحي، رغم وجود تطبيقة رقمية وضعت منذ سنة 2019 من أجل تسهيل إدماجهن في منظومة التغطية الاجتماعية..
كما برهن الواقع على أن النقل الفلاحي في تونس يظل من أبرز المعضلات التي تواجه العاملات الفلاحيات خاصة وأن حوادث المرور التي تذهب ضحيتها العاملات الفلاحيات تكاد تكون يومية، رغم وجود نص قانوني لتنظيم خدمة النقل ومراقبتها، صدر منذ سنة 2015 لكنه ظل دون تطبيق فعلي..
وكثيرا ما دعت منظمات المجتمع المدني إلى ضرورة تحسين ظروف عمل العاملات الفلاحيات، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات التي توفر لهن تغطية صحية واجتماعية وحماية من وسطاء التشغيل الهش وضمان حقوقهن الاقتصادية.
ورغم إطلاق الدولة لبرنامج "احميني" في نهاية سنة 2019، لتسهيل تسجيل العاملات في القطاع الفلاحي في الضمان الاجتماعي، عبر الهاتف الجوال ودفع مساهمتهن عن بعد، خاصة اللواتي لا تتمتعن بالتغطية الاجتماعية، غير أن البرنامج لم يحقق أهدافه المنشودة، خاصة بعد توقف التطبيقة الرقمية عن العمل، إذ تؤكد تقديرات بأن أكثر من تسعين بالمائة من العاملات الفلاحيات مازلن خارج التغطية الاجتماعية الى حد اليوم..
92 بالمائة من العاملات خارج التغطية الاجتماعية
يذكر أن دراسة حديثة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية صدرت في شهر أفريل 2023، وشملت عينة من 500 عاملة موزعة على 12 ولاية، كشفت أن 92 بالمائة من العاملات الفلاحيات لا يتمعن بالتغطية الاجتماعية..
وبينت الدراسة أن 22 بالمائة من العاملات الفلاحيات مستفيدات من بطاقات الصندوق الوطني للتأمين على المرض مع أزواجهن وهو ما يترجم حالة التهميش التي يعانينها والمرتبطة أساسا بالعقليات وبثقافة جمعية قائمة على التمييز بين المرأة والرجل..
وتتقاطع الدراسة مع نتائج دراسة أخرى حول المرأة العاملة في القطاع الفلاحي بتونس، صدرت قبل أربع سنوات، أكدت تعرض جل العاملات الفلاحيات للعنف الاقتصادي والحيف الاجتماعي، إذ كشفت أن 58 بالمائة منهن يتقاضين أجورا يومية صافية تتراوح بين 10 و15 دينارا، وأن 30 بالمائة منهن يتقاضين أقل من 10 دنانير، في حين تتقاضى حوالي 12 بالمائة منهن أكثر من 15 دينارا.
وكشفت الدراسة أن المرأة العاملة في القطاع الفلاحي، تقوم بأنشطة شاقة في هذا المجال، حيث تضطر أحيانا إلى الانتقال من نشاط الى آخر وفق طلبات المشرفين على الضيعات، دون الاتفاق على هذه الأنشطة بصفة مسبقة، على غرار تنظيف الإسطبلات أو رش المبيدات والأدوية.
وبخصوص ظروف نقل العاملات الفلاحيات، بيّنت الدراسة أن 61 بالمائة من المستجوبات أكدن أنهن يتنقلن الى الضيعات عن طريق ناقل متخصص، وأشارت الدراسة الى أن معايير النقل في العمل الفلاحي غير آمنة، بالإضافة الى تفشي النقل العشوائي وغير المهيكل، حيث أكدت الدراسة أن 51 بالمائة من المستجوبات يتنقلن الى مواقع عملهن في الضيعات بواسطة "عربة عارية"، في حين يتنقل 18 بالمائة بواسطة شاحنة مغطاة أو سيارة مغطاة (دون أن تكون مؤمنة بالضرورة)، مقابل تنقل 25 بالمائة على القدمين لمسافة لا تتعدى 2 كم.
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
صادق مجلس الوزراء أول أمس على مشروع مرسوم يتعلق بنظام الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات.
ويهدف المرسوم الذي من المقرر أن يصدر لاحقا بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ليدخل مباشرة حيز التنفيذ، إلى إحداث صندوق من أبرز مهامه ضمان التغطية الصحية للعاملات الفلاحيات وتأمينهنّ ضد حوادث الشغل والأمراض المهنيّة مع تمكينهنّ من جراية تقاعد، فضلا عن ضمان شروط النقل الآمن لهنّ.
وفي انتظار صدور المرسوم، الذي سيوضح مصادر تمويل الصندوق، وهيكلته الإدارية والمالية، وكيفية الانخراط فيه، تشير التوقعات إلى أن قرابة نصف مليون عاملة فلاحية سيستفدن من خدماته، جلّهن محرومات من التغطية الاجتماعية ويعانين من الحيف الاقتصادي والاجتماعي، ومن ظروف نقل خطيرة، غالبا من تتسبب لهن في حوادث قاتلة، إضافة إلى صعوبات انتفاعهن بخدمات الرعاية الصحية والعلاج والتداوي في المنظومة الصحية العمومية..
ووفق ما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة، سيمكّن هذا النص القانوني الجديد من إرساء نظام حماية اجتماعية للعاملات الفلاحيات، بما من شأنه أن يكرس "آليات التحرّر الاقتصادي قصد تحسين دخلهن وضمان مقوّمات الحياة الكريمة لهن، فضلا عن تعزيز مساهمتهنّ في الدورة الاقتصادية كفاعل اقتصادي رئيسي في تطوير القطاع الفلاحي وتحسين مردوديّته."
وكان السيد كمال المدّوري رئيس الحكومة قد أكد خلال مجلس وزاري مضيق انعقد مؤخرا وخصص لنفس الموضوع إلى "أنّ إحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات في القطاع الفلاحي سيرتكز على نظام متكامل يقوم أساسا على تعزيز ثقافة بعث المشاريع وتنمية روح المبادرة من خلال جملة من البرامج والآليات والحوافز المالية وضمان الحماية الاجتماعية ضد مخاطر المرض وحوادث الشغل والأمراض المهنية وتوفير جراية تقاعد، مشدّدا على أنّ الهدف الأسمى هو تأهيل المرأة العاملة في القطاع الفلاحي لتكون فاعلة ضمن دورة التنمية وبما يحققّ لها شروط الانعتاق الاقتصادي."
وذكّر بأنّ إحداث صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات يندرج في إطار تجسيم قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي تم الإعلان عنه يوم 26 أوت 2024، مبرزا أهمية صياغة منوال تنموي جديد يستند إلى أسس ووظائف الدولة الاجتماعية وعلى أهمية تحقيق التكامل والانسجام بين الرؤية التنموية والسياسات العمومية الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في مجالات الصحة والتربية والتعليم والتكوين والحماية الاجتماعية، ضمن عقد اجتماعي مجدّد ومبتكر"، وفق ما ورد في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة..
دعم المنظومة القانونية الحالية
ويأتي إرساء هذا الإطار القانوني الجديد، ليدعم المنظومة القانونية الحالية التي لم تكن نتائجها مشجعة وتفتقر الى النجاعة المطلوبة وتعرضت لصعوبات في التطبيق ولم تستفد منها إلا نسبة قليلة جدا من العاملات في القطاع الفلاحي، رغم وجود تطبيقة رقمية وضعت منذ سنة 2019 من أجل تسهيل إدماجهن في منظومة التغطية الاجتماعية..
كما برهن الواقع على أن النقل الفلاحي في تونس يظل من أبرز المعضلات التي تواجه العاملات الفلاحيات خاصة وأن حوادث المرور التي تذهب ضحيتها العاملات الفلاحيات تكاد تكون يومية، رغم وجود نص قانوني لتنظيم خدمة النقل ومراقبتها، صدر منذ سنة 2015 لكنه ظل دون تطبيق فعلي..
وكثيرا ما دعت منظمات المجتمع المدني إلى ضرورة تحسين ظروف عمل العاملات الفلاحيات، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات التي توفر لهن تغطية صحية واجتماعية وحماية من وسطاء التشغيل الهش وضمان حقوقهن الاقتصادية.
ورغم إطلاق الدولة لبرنامج "احميني" في نهاية سنة 2019، لتسهيل تسجيل العاملات في القطاع الفلاحي في الضمان الاجتماعي، عبر الهاتف الجوال ودفع مساهمتهن عن بعد، خاصة اللواتي لا تتمتعن بالتغطية الاجتماعية، غير أن البرنامج لم يحقق أهدافه المنشودة، خاصة بعد توقف التطبيقة الرقمية عن العمل، إذ تؤكد تقديرات بأن أكثر من تسعين بالمائة من العاملات الفلاحيات مازلن خارج التغطية الاجتماعية الى حد اليوم..
92 بالمائة من العاملات خارج التغطية الاجتماعية
يذكر أن دراسة حديثة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية صدرت في شهر أفريل 2023، وشملت عينة من 500 عاملة موزعة على 12 ولاية، كشفت أن 92 بالمائة من العاملات الفلاحيات لا يتمعن بالتغطية الاجتماعية..
وبينت الدراسة أن 22 بالمائة من العاملات الفلاحيات مستفيدات من بطاقات الصندوق الوطني للتأمين على المرض مع أزواجهن وهو ما يترجم حالة التهميش التي يعانينها والمرتبطة أساسا بالعقليات وبثقافة جمعية قائمة على التمييز بين المرأة والرجل..
وتتقاطع الدراسة مع نتائج دراسة أخرى حول المرأة العاملة في القطاع الفلاحي بتونس، صدرت قبل أربع سنوات، أكدت تعرض جل العاملات الفلاحيات للعنف الاقتصادي والحيف الاجتماعي، إذ كشفت أن 58 بالمائة منهن يتقاضين أجورا يومية صافية تتراوح بين 10 و15 دينارا، وأن 30 بالمائة منهن يتقاضين أقل من 10 دنانير، في حين تتقاضى حوالي 12 بالمائة منهن أكثر من 15 دينارا.
وكشفت الدراسة أن المرأة العاملة في القطاع الفلاحي، تقوم بأنشطة شاقة في هذا المجال، حيث تضطر أحيانا إلى الانتقال من نشاط الى آخر وفق طلبات المشرفين على الضيعات، دون الاتفاق على هذه الأنشطة بصفة مسبقة، على غرار تنظيف الإسطبلات أو رش المبيدات والأدوية.
وبخصوص ظروف نقل العاملات الفلاحيات، بيّنت الدراسة أن 61 بالمائة من المستجوبات أكدن أنهن يتنقلن الى الضيعات عن طريق ناقل متخصص، وأشارت الدراسة الى أن معايير النقل في العمل الفلاحي غير آمنة، بالإضافة الى تفشي النقل العشوائي وغير المهيكل، حيث أكدت الدراسة أن 51 بالمائة من المستجوبات يتنقلن الى مواقع عملهن في الضيعات بواسطة "عربة عارية"، في حين يتنقل 18 بالمائة بواسطة شاحنة مغطاة أو سيارة مغطاة (دون أن تكون مؤمنة بالضرورة)، مقابل تنقل 25 بالمائة على القدمين لمسافة لا تتعدى 2 كم.