الحديث عن جودة التعليم، ليس فقط برامج ومناهج وخلق نخب، بل هو مجموعة من الضوابط والثوابت التي تهدف إلى تنظيم وتحسين المعالم البيئية للتعليم، من مؤسسات ومعايير تعليمية بكافة أنواعها، وأهمها الفضاءات والمناخ الملائم لتقديم الدرس والمعلومة.. فدون فضاء ملائم لا يمكن للمعلومة أن تصل ولا يمكن للهدف أن يتحقق وهذه معضلة تعليمنا في تونس الذي يعاني من سلبيات وتحديات كبيرة تؤثر سلبا على جودة التعليم وإمكانيات التعلم.
فإصلاح التعليم يبدأ بالفعل من إصلاح المناهج، لكن توفير بنية تحتية ملائمة للتعلم يأتي بدوره في مقدمة الأولويات. فلا يمكن لأي برنامج تعليمي، مهما كان متطورا، أن يحقق أهدافه إذا كان التلميذ أو المربي لا يجد البيئة والمحيط السليمين داخل الفضاء التربوي.
ومع تزايد عدد التلاميذ في الأقسام، الذي يتجاوز في كثير من الأحيان 40 تلميذا، يُصبح التحكم في الفصل مهمة شبه مستحيلة بالنسبة للمعلم أو الأستاذ. فالعدد المرتفع يحدّ من قدرة المربي على أداء واجبه وتقديم الدرس بالشكل المطلوب والفعال، ويجعله عاجزا عن متابعة الفوارق التعليمية والذهنية والقدرة على الاستيعاب بين تلميذ وآخر، والنتيجة إهمال جانب كبير من حاجيات التلاميذ، خاصة أولئك الذين يحتاجون إلى اهتمام إضافي من المدرس.
سبب وجود عدد مرتفع من التلاميذ في الأقسام، هو النقص في المؤسسات التربوية وسوء توزيعها الجغرافي وكذلك النقص في الفصول داخل المؤسسات والنتيجة حشر أقصى ما يمكن من التلاميذ في قسم واحد وبرمجة غير بيداغوجية لجداول المدرسين والتلاميذ وتأثير سلبي على التعلم والتكوين.
جودة التعليم لن تكون كذلك إلا بمحيط وبنية تحتية مساعدة، فالأقسام التي تعاني من نوافذ مكسورة وأسقف تتسرب منها مياه الأمطار، وسبورات قديمة ومتهالكة لا تصلح للكتابة ولا للقراءة، وانعدام الإضاءة الكافية، لا يمكن أن تساعد التلميذ ولا المدرس في العملية التربوية.
إن المدارس والمعاهد الخاصة تُقدّم اليوم نموذجاً يُحتذى به في هذا المجال. فالتلميذ في المؤسسات الخاصة يتمتع ببيئة تعليمية مريحة، تتوفر فيها كل الشروط اللازمة لتحقيق تجربة تعليمية ناجحة من قاعات مكيفة، وسبورات تفاعلية حديثة، إلى أماكن استراحة ومرافق لائقة وفضاءات للرياضة والترفيه. هذه العوامل لا تسهم فقط في تحسين تركيز التلميذ وأدائه الدراسي، بل تجعله يشعر بأن التعليم تجربة ممتعة وليست عبئا.
من هنا، يصبح من الضروري على الدولة إعادة النظر في البنية التحتية للمدارس والمعاهد العمومية. فتوفير فصول دراسية بمستوى يحفز التلميذ على التعلم ويحترم كرامته، يشكّل شرطا أساسيا قبل أي محاولة لتطوير المناهج. والتلاميذ الذين يشعرون بالراحة في بيئتهم التعليمية سيكونون أكثر استعدادا للتقبلّ وتلقيّ المعارف وتحقيق النجاحات الأكاديمية.
وما على وزارة التربية إلا أن تضع هذا الملف ضمن أولوياتها العاجلة، مع الاستفادة من تجارب المؤسسات الخاصة، والعمل على تحسين الوضع في المؤسسات العمومية بشكل يجعلها منافسا حقيقيا وليس مجرد بديل اقتصادي للتعليم الخاص.
بقلم: سفيان رجب
الحديث عن جودة التعليم، ليس فقط برامج ومناهج وخلق نخب، بل هو مجموعة من الضوابط والثوابت التي تهدف إلى تنظيم وتحسين المعالم البيئية للتعليم، من مؤسسات ومعايير تعليمية بكافة أنواعها، وأهمها الفضاءات والمناخ الملائم لتقديم الدرس والمعلومة.. فدون فضاء ملائم لا يمكن للمعلومة أن تصل ولا يمكن للهدف أن يتحقق وهذه معضلة تعليمنا في تونس الذي يعاني من سلبيات وتحديات كبيرة تؤثر سلبا على جودة التعليم وإمكانيات التعلم.
فإصلاح التعليم يبدأ بالفعل من إصلاح المناهج، لكن توفير بنية تحتية ملائمة للتعلم يأتي بدوره في مقدمة الأولويات. فلا يمكن لأي برنامج تعليمي، مهما كان متطورا، أن يحقق أهدافه إذا كان التلميذ أو المربي لا يجد البيئة والمحيط السليمين داخل الفضاء التربوي.
ومع تزايد عدد التلاميذ في الأقسام، الذي يتجاوز في كثير من الأحيان 40 تلميذا، يُصبح التحكم في الفصل مهمة شبه مستحيلة بالنسبة للمعلم أو الأستاذ. فالعدد المرتفع يحدّ من قدرة المربي على أداء واجبه وتقديم الدرس بالشكل المطلوب والفعال، ويجعله عاجزا عن متابعة الفوارق التعليمية والذهنية والقدرة على الاستيعاب بين تلميذ وآخر، والنتيجة إهمال جانب كبير من حاجيات التلاميذ، خاصة أولئك الذين يحتاجون إلى اهتمام إضافي من المدرس.
سبب وجود عدد مرتفع من التلاميذ في الأقسام، هو النقص في المؤسسات التربوية وسوء توزيعها الجغرافي وكذلك النقص في الفصول داخل المؤسسات والنتيجة حشر أقصى ما يمكن من التلاميذ في قسم واحد وبرمجة غير بيداغوجية لجداول المدرسين والتلاميذ وتأثير سلبي على التعلم والتكوين.
جودة التعليم لن تكون كذلك إلا بمحيط وبنية تحتية مساعدة، فالأقسام التي تعاني من نوافذ مكسورة وأسقف تتسرب منها مياه الأمطار، وسبورات قديمة ومتهالكة لا تصلح للكتابة ولا للقراءة، وانعدام الإضاءة الكافية، لا يمكن أن تساعد التلميذ ولا المدرس في العملية التربوية.
إن المدارس والمعاهد الخاصة تُقدّم اليوم نموذجاً يُحتذى به في هذا المجال. فالتلميذ في المؤسسات الخاصة يتمتع ببيئة تعليمية مريحة، تتوفر فيها كل الشروط اللازمة لتحقيق تجربة تعليمية ناجحة من قاعات مكيفة، وسبورات تفاعلية حديثة، إلى أماكن استراحة ومرافق لائقة وفضاءات للرياضة والترفيه. هذه العوامل لا تسهم فقط في تحسين تركيز التلميذ وأدائه الدراسي، بل تجعله يشعر بأن التعليم تجربة ممتعة وليست عبئا.
من هنا، يصبح من الضروري على الدولة إعادة النظر في البنية التحتية للمدارس والمعاهد العمومية. فتوفير فصول دراسية بمستوى يحفز التلميذ على التعلم ويحترم كرامته، يشكّل شرطا أساسيا قبل أي محاولة لتطوير المناهج. والتلاميذ الذين يشعرون بالراحة في بيئتهم التعليمية سيكونون أكثر استعدادا للتقبلّ وتلقيّ المعارف وتحقيق النجاحات الأكاديمية.
وما على وزارة التربية إلا أن تضع هذا الملف ضمن أولوياتها العاجلة، مع الاستفادة من تجارب المؤسسات الخاصة، والعمل على تحسين الوضع في المؤسسات العمومية بشكل يجعلها منافسا حقيقيا وليس مجرد بديل اقتصادي للتعليم الخاص.