إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. القانون الانتخابي والمنعرج التشريعي

 

من منافذ خطيرة على استقرار المشهد السياسي وفي مساحات ضيقة، يحاول البرلمان فرض واقع انتخابي جديد، قبل أيام من حسم الاستحقاق الرئاسي..

موقف يبدو غريبا حتى على قناعات رئيس الجمهورية قيس سعيد ومواقفه السابقة والتي عبّر عنها بوضوح قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما قال في قراءة دستورية سليمة للنص الانتخابي، إنه لا يمكن وضع القانون الانتخابي أو تعديله من قبل الأغلبية في سنة انتخابية، بل اعتبر رئيس الجمهورية وهو أستاذ القانون الدستوري أن "ذلك يعدّ اغتيالا للديمقراطية واغتيالا للجمهورية" !

وهذه القراءة الواضحة للنصّ الانتخابي لا يمكن اليوم اخضاعها الى أي مزاج سياسي أو أي صراع بين مؤسستين يعتبران من مكاسب الدولة التونسية، قبل وبعد الثورة، والمقصود هنا المحكمة الإدارية بمسيرتها الثابتة في حماية المسارات الانتخابية وكذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتي تبقى منجزا ثوريا وحكما نزيها بين مختلف المتنافسين..

وإذا كان البرلمان بكل ما يمثّله من ثقل تشريعي في المشهد، له وجهة نظر مختلفة في علاقة بالشأن الانتخابي، فالمفروض ألا تُطرح مبادرات التنقيح قبل أيام قليلة من الحسم بالصندوق والاقتراع ومن المفروض أن يكون البرلمان أكثر المؤسسات حرصا على حماية المسار الانتخابي، سياسيا وأخلاقيا، وتجريده من كل الشوائب وتنقية المناخات بين مختلف مؤسسات الدولة المعنية بهذا المسار، لا أن يظهر في صورة المنحاز في الصراع الى هذا الطرف أو ذاك.

فمن الطبيعي أن يكون هناك تدافع بين هيئة الانتخابات التي تملك الولاية العامة وبين الأجهزة الصلبة للدولة ومن بينها المحكمة الإدارية التي تمسّكت بالصلاحيات التي يمنحها لها القانون في مسألة التنازع الانتخابي ولم تتطفّل على صلاحيات الهيئة العليا للانتخابات..

وإذا كانت الهيئة قد تمسّكت بأن لها الولاية العامة والكلمة الأخيرة في المسألة الانتخابية، فإن ذلك خيارا إراديا منها، وعليها في النهاية أن تتحمّل تبعاته القانونية والأخلاقية دون أن يزّج البرلمان بنفسه في صراع لا يعنيه بشكل مباشر من الأساس، ليحاول تعديل قواعد اللعبة الانتخابية في ذروة الحملة الانتخابية، بما من شأنه أن يمس من العملية الانتخابية في حين أن كل المتنافسين وأنصارهم قبلوا بالمسار الانتخابي وبالقواعد والضوابط التي نصّ عليها القانون الانتخابي بشكل مسبق ولم تُطرح من قبل مسألة تعديل القانون الانتخابي من أي كان بما في ذلك رئاسة الجمهورية، المعنية بشكل مباشر بهذا الاستحقاق..

واليوم تبدو محاولة تجريد المحكمة الإدارية من صلاحياتها الانتخابية المستقرة ومنح تلك الصلاحيات الى القضاء العدلي وأساسا محكمة الاستئناف، مجازفة انتخابية ستكون لها تبعات سيئة حتى على نتيجة الانتخابات بعد ذلك، خاصة مع تصاعد وتيرة الرفض من داخل البرلمان ذاته لمبادرة التنقيح تلك، حيث عبّر عدد هام من النواب ومن مختلف الكتل وحتى من غير المنتمين عن رفضهم لمقترح تنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء في هذا التوقيت بالذات وقبل أيام من الحسم الانتخابي بالتصويت في انتخابات رئاسية لم يهدأ الضجيج حولها منذ انطلاق المسار الانتخابي..

التدافع في المشهد السياسي وتضاد القرارات والخيارات والمواقف، مشهد مألوف وطبيعي في كل الدول الديمقراطية ولكن هذا التدافع لا يجب أن يكون مجرّدا من الأخلاق والذوق السياسي واليوم الأخلاق السياسية والحرص على نزاهة التنافس وفرض احترام النتائج يستدعي الحفاظ على مناخ انتخابي وديمقراطي سليم يحصّن عملية الاقتراع ونتائجها.

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

 

 

من منافذ خطيرة على استقرار المشهد السياسي وفي مساحات ضيقة، يحاول البرلمان فرض واقع انتخابي جديد، قبل أيام من حسم الاستحقاق الرئاسي..

موقف يبدو غريبا حتى على قناعات رئيس الجمهورية قيس سعيد ومواقفه السابقة والتي عبّر عنها بوضوح قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما قال في قراءة دستورية سليمة للنص الانتخابي، إنه لا يمكن وضع القانون الانتخابي أو تعديله من قبل الأغلبية في سنة انتخابية، بل اعتبر رئيس الجمهورية وهو أستاذ القانون الدستوري أن "ذلك يعدّ اغتيالا للديمقراطية واغتيالا للجمهورية" !

وهذه القراءة الواضحة للنصّ الانتخابي لا يمكن اليوم اخضاعها الى أي مزاج سياسي أو أي صراع بين مؤسستين يعتبران من مكاسب الدولة التونسية، قبل وبعد الثورة، والمقصود هنا المحكمة الإدارية بمسيرتها الثابتة في حماية المسارات الانتخابية وكذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتي تبقى منجزا ثوريا وحكما نزيها بين مختلف المتنافسين..

وإذا كان البرلمان بكل ما يمثّله من ثقل تشريعي في المشهد، له وجهة نظر مختلفة في علاقة بالشأن الانتخابي، فالمفروض ألا تُطرح مبادرات التنقيح قبل أيام قليلة من الحسم بالصندوق والاقتراع ومن المفروض أن يكون البرلمان أكثر المؤسسات حرصا على حماية المسار الانتخابي، سياسيا وأخلاقيا، وتجريده من كل الشوائب وتنقية المناخات بين مختلف مؤسسات الدولة المعنية بهذا المسار، لا أن يظهر في صورة المنحاز في الصراع الى هذا الطرف أو ذاك.

فمن الطبيعي أن يكون هناك تدافع بين هيئة الانتخابات التي تملك الولاية العامة وبين الأجهزة الصلبة للدولة ومن بينها المحكمة الإدارية التي تمسّكت بالصلاحيات التي يمنحها لها القانون في مسألة التنازع الانتخابي ولم تتطفّل على صلاحيات الهيئة العليا للانتخابات..

وإذا كانت الهيئة قد تمسّكت بأن لها الولاية العامة والكلمة الأخيرة في المسألة الانتخابية، فإن ذلك خيارا إراديا منها، وعليها في النهاية أن تتحمّل تبعاته القانونية والأخلاقية دون أن يزّج البرلمان بنفسه في صراع لا يعنيه بشكل مباشر من الأساس، ليحاول تعديل قواعد اللعبة الانتخابية في ذروة الحملة الانتخابية، بما من شأنه أن يمس من العملية الانتخابية في حين أن كل المتنافسين وأنصارهم قبلوا بالمسار الانتخابي وبالقواعد والضوابط التي نصّ عليها القانون الانتخابي بشكل مسبق ولم تُطرح من قبل مسألة تعديل القانون الانتخابي من أي كان بما في ذلك رئاسة الجمهورية، المعنية بشكل مباشر بهذا الاستحقاق..

واليوم تبدو محاولة تجريد المحكمة الإدارية من صلاحياتها الانتخابية المستقرة ومنح تلك الصلاحيات الى القضاء العدلي وأساسا محكمة الاستئناف، مجازفة انتخابية ستكون لها تبعات سيئة حتى على نتيجة الانتخابات بعد ذلك، خاصة مع تصاعد وتيرة الرفض من داخل البرلمان ذاته لمبادرة التنقيح تلك، حيث عبّر عدد هام من النواب ومن مختلف الكتل وحتى من غير المنتمين عن رفضهم لمقترح تنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء في هذا التوقيت بالذات وقبل أيام من الحسم الانتخابي بالتصويت في انتخابات رئاسية لم يهدأ الضجيج حولها منذ انطلاق المسار الانتخابي..

التدافع في المشهد السياسي وتضاد القرارات والخيارات والمواقف، مشهد مألوف وطبيعي في كل الدول الديمقراطية ولكن هذا التدافع لا يجب أن يكون مجرّدا من الأخلاق والذوق السياسي واليوم الأخلاق السياسية والحرص على نزاهة التنافس وفرض احترام النتائج يستدعي الحفاظ على مناخ انتخابي وديمقراطي سليم يحصّن عملية الاقتراع ونتائجها.

منية العرفاوي