قال عصام البحري الجابري مقرر لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب إن مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 قام على عدد من الفرضيات غير واقعية وبين أنه سيتم الحرص على تعديله بما يستجيب إلى تطلعات التونسيين، ولم يخف الجابري عدم ارتياح اللجنة لما ورد في تقرير تنفيذ ميزانية الدولة إلى موفى السداسي الأول لسنة 2024 والفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع ميزانية الدولة لسنة2025، وقال في تصريح لـ" الصباح" إنه بعد الإطلاع على هذا التقرير ونقاشه طلبت اللجنة بصفة رسمية عقد جلسة استماع إلى وزيرة المالية قبل أن تقوم رئاسة الجمهورية بإحالة مشاريع قوانين المالية والميزانية والميزان الاقتصادي لسنة 2025 إلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وذلك لاستفسارها حول العديد من النقاط التي بدت غامضة.
وفسر أنه طبقا لمقتضيات القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية، فإن الحكومة مطالبة قبل إرسال تلك المشاريع للبرلمان، بأن تعرض عليه الفرضيات والتوجهات الكبرى لميزانية الدولة للسنة المالية المقبلة كما أنها مطالبة إثر انتهاء السداسي الأول بتقديم تقرير للمجلس النيابي يتضمن نتائج تنفيذ ميزانية الدولة ونتائج تطبيق الأحكام الواردة في قانون المالية للسنة الجارية. وأشار إلى أنه في هذا السياق اطلعت اللجنة على جميع هذه الوثائق، وتبين لها أن عدد من المعطيات الواردة فيها تفتقد للدقة المطلوبة ولا تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي والتنموي في البلاد.
وذكر أن أغلب نواب اللجنة اعتبروا الفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع ميزانية السنة القادمة لا ترتقي إلى تطلعات المواطن وانتظاراته، كما أنهم لاحظوا عدم تنزيل بعض الإجراءات الواردة في قانون المالية لسنة 2024 على أرض الواقع ومن أهمها تلك المتعلقة بمقاومة التجارة الموازية وتبسيط إجراءات الاستثمار، وليس هذا فقط فالتقرير أشار إلى إجراءات ليست هي نفس تلك الإجراءات الواقع ضبطها في قانون المالية وهو ما يطرح نقطة استفهام، كما لا يترجم التقرير عن نية الحكومة استجابة إلى التوصيات التي رفعتها اللجنة منذ نقاش مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 والمتمثلة أساسا في اعتماد فرضيات واقعية عند إعداد مشاريع الميزانية أي فرضيات تراعي القدرات الحقيقية للاقتصاد الوطني وتتوقع نسبة نمو دقيقة ممكن تحقيقها.
ولاحظ مقرر اللجنة في هذا الصدد أن ما يقلق النواب هو الفرق الكبير بين نسبة النمو التي تم اعتمادها في مشروع قانون المالية لسنة 2024 وقدرها 2 فاصل 2 بالمائة وبين النسبة التي تم تحقيقها فعليا في السداسي الأول من السنة الجارية والتي كانت في حدود صفر فاصل ستة بالمائة فقط، واستدرك عصام البحري جابري قائلا: "حتى وإن تم تحقيق فائض في ميزانية الدولة خلال السداسي الأول من السنة الجارية فإنه كان يجب على الحكومة العمل على تحسين نسبة النمو، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه في ظل غياب الاستثمار العمومي والخاص". ولاحظ أن لجنة المالية والميزانية لا تريد أن تقوم ميزانية الدولة فقط على الموارد الجبائية وغير الجبائية بل لا بد من دعم الاستثمار والتنمية خاصة في الجهات الداخلية بهدف توفير مواطن الشغل والتقليص من نسبة البطالة.
أين المشاريع الجديدة؟
وقال مقرر لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب عصام البحري جابري إن الجلسة التي سيقع عقدها في غضون الأيام القادمة مع وزيرة المالية حول نتائج تنفيذ ميزانية الدولة ومدى التقدم في تطبيق أحكام قانون المالية للسنة الجارية وحول التوجهات الكبرى وفرضيات مشروع ميزانية السنة القادمة، ستكون مناسبة للتأكيد مرة أخرى على نفس المطلب الذي رفعته اللجنة لوزارة المالية والذي سبق لهذه الوزارة أن تعهدت بقبوله وهو يتمثل في تشريك نواب الشعب بصفة قبلية، أي قبل إيداع مشروع ميزانية الدولة بالمجلس، في ضبط الاعتمادات التي سيقع رصدها لفائدة المهمات والمهمات الخاصة، لأنه لا يمكن للنائب بعد إحالة المشروع إلى المجلس اقتراح التخفيض أو الترفيع في الاعتمادت التي يقع رصدها للوزارات وغيرها من المهمات والمهمات الخاصة، والحال أن هناك وزارات قد تحتاج إلى اعتمادات أكبر من تلك التي وقع تحديدها في مشروع قانون المالية ووزارات أخرى تحتاج إلى اعتمادات أقل مما يقع ضبطه في المشروع.
وردا على استفسار حول ما إذا كان طلب اللجنة تشريك نواب الشعب في ضبط الاعتمادات المرصودة للمهمات والمهمات الخاصة بصفة قبلية، غير منطقي بحكم أن إعداد مشاريع قوانين المالية هو من صميم اختصاص الوظيفة التنفيذية ويقتصر دور النواب على نقاشها وتعديلها شريطة عدم المساس بالتوازنات المالية، أجاب جابري أنه سبق أن تم التوافق بين اللجنة ووزارة المالية على أن يقع تشريك نواب الشعب بصفة قبلية في ما يتعلّق بكيفية رصد اعتمادات المهمات والمهمات الخاصة وما على الوزارة سوى احترام هذا الاتفاق لأنه حسب ما نص عليه الفصل 69 من الدستور لا يقع قبول مقترحات تنقيح مشروع قانون المالية المقدمة من قبل نواب الشعب إذا كان من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة وبالتالي هذا الطلب وجيه.
وأضاف أنه بمناسبة النظر في مشروع قانون المالية لسنة 2024 كان النواب قد أضافوا خمسة فصول لهذا المشروع ولا شك أنهم سيقدمون مقترحات فصول إضافية لمشروع قانون المالية لسنة 2025 فهذا هو دورهم ويرغب جميعهم في تمرير قانون يتضمن إجراءات لفائدة جميع فئات الشعب التونسي ولكن الدستور يقيدهم ولا يتيح لهم تقديم مقترحات من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة.
وذكر أن الجلسة المرتقبة مع وزيرة المالية سيتم خلالها الاستفسار عن سبب عدم الاستجابة إلى طلب أعضاء المجلس بالتسريع في إحالة مشاريع قوانين جديدة تتعلق بالصرف والاستثمار والديوانة على البرلمان، ويرى جابري أن التأخير في سن القوانين الجديدة ليس في مصلحة البلاد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك وأشار إلى أنه في صورة عدم تغيير قانون الصرف ومجلة الاستثمار فإن الوضع الاقتصادي في تونس لن يتحسن وسيبقى على حاله. وأضاف أنه لا بد أيضا من محاربة البيروقراطية لأنها كبلت المستثمر وحالت دون تحسين نسبة الاستثمار، وذكر أن هذا الهدف لن يتحقق إلا في صورة بذل أقصى الجهود من أجل تعميم الرقمنة، وقال إنه لا يمكنه أن ينكر وجود إرادة للرقمنة لكن ما تم تحقيقه إلى حد الآن غير كاف.
كما أكد عصام البحري جابري على أن لجنة المالية والميزانية في جميع الجلسات التي عقدتها طيلة الدورتين النيابيتين الأولى والثانية طالبت الحكومة بالتركيز على ملف الرقمنة كما دعتها إلى مراجعة قانون الصرف ومجلة الاستثمار والتخفيف من الجوانب الإجرائية وهي لا تعرف لماذا كل هذا التأخير في تمرير المشاريع الجديدة إلى مجلس نواب الشعب، وذكر أن اللجنة ستطلب من وزيرة المالية أن توضح للنواب لماذا لم تقع إحالة مشروع مجلة الصرف بعد إلى البرلمان والحال أنه قد تمت المصادقة على هذا المشروع الذي يكتسي أهمية بالغة منذ اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في منتصف شهر مارس الماضي، وأضاف أنه منذ ذلك التاريخ ينتظر النواب ورود هذا المشروع على اللجنة.
مراجعة قانون الاستثمار واحداث البنك البريدي
وفي علاقة بقانون الاستثمار وتعقيبا عن استفساره حول مآل المبادرة التشريعية التي تقدمت بها مجموعة من النواب منذ شهر مارس الماضي والمتعلقة بتنقيح هذا القانون الصادر سنة 2016 بين مقرر لجنة المالية والميزانية أن النواب تقدموا فعلا بمقترح القانون المذكور لأن الحكومة تأخرت في إعداد مشروع مجلة جديدة للاستثمار، وذكر أن مكتب مجلس نواب الشعب أحال هذه المبادرة التشريعية إلى لجنة التخطيط الإستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية وليس إلى لجنة المالية والميزانية.
وأضاف جابري أن لجنته طالبت أيضا بإحداث البنك البريدي لاقتناع نوابها بأنه لا يمكن مكافحة الإقصاء المالي للفئات الهشة ومحدودة الدخل إلا من خلال إحداث هذا البنك نظرا لأن شبكة البريد هي الأكثر انتشارا في المدن الصغرى والقرى مقارنة ببقية المؤسسات المالية، وبالتالي فإنه عند إحداث البنك البريدي يقع تقريب الخدمات من الفئات المستهدفة بمشروع القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي وتمكينها من الحصول على قروض صغرى دون فائض. وفسر أن لجنة المالية والميزانية كانت خلال الدورة النيابية الماضية قد ناقشت مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي الذي تم تقديمه من قبل رئيس الجمهورية ورأت أنه لا بد من التنصيص فيه على إحداث البنك البريدي لكن وزارة المالية رفضت هذا المقترح وتبعا لتمسك نواب اللجنة بهذا الخيار فقد تم تعليق النظر في مشروع القانون سالف الذكر.
وتعقيبا على سؤال حول ما إذا كانت هناك إمكانية لإدراج فصل إضافي في مشروع قانون المالية لسنة 2025 يتعلق بإحداث البنك البريدي وضبط اختصاصه مثلما تم سابقا في مشروع قانون المالية لسنة 2019 اقتراح إحداث بنك الجهات، قال مقرر لجنة المالية والميزانية إن نواب اللجنة يريدون التنصيص على إحداث البنك البريدي صلب القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي وليس صلب قانون المالية.
وردا على استفسار آخر حول مدى استعداد لجنة المالية والميزانية لنقاش مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 بمعية نظيرتها بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، بين جابري أن المجلسين النيابيين مطالبان بإحكام التنسيق بينهما قبل الانطلاق في النظر في المشروعين المذكورين وفق ما تم ضبطه بمقتضى المرسوم المتعلق بتنظيم العلاقة بين الغرفتين النيابيتين، وذكر أنه ستكون هناك جلسات مشتركة بين نواب لجنتي المالية والميزانية بالمجلسين وسيتم التداول على رئاستها بين رئيسي اللجنتين كما ستكون هناك جلسات عامة مشتركة وجميعها سيقع عقدها بمقر مجلس نواب الشعب، وربما تكون هناك جلسات مشتركة بين بقية لجان الغرفتين بمناسبة النظر في المهمات والمهمات الخاصة لأن لجنة المالية والميزانية طلبت في السابق من بقية لجان مجلس نواب الشعب كل واختصاصها النظر في المهمات والمهمات الخاصة بمشروع الميزانية لسنة 2024 وكل لجنة ناقشت المهمة الموكولة إليها واستمعت إلى الوزارات وبقية الأطراف المعنية وأعدت تقريرا في الغرض ولكن يبقى توزيع المهمات على اللجان مسألة اختيارية وليس إجبارية.
وذكر أنه إثر العودة البرلمانية سيقع نقاش آليات العمل المشترك بين المجلسين كما سيتم العمل على تركيز اللجنة المتناصفة التي عهدت إليها مهمة صياغة مقترحات توافقية للفصول الخلافية، وبين أن هذه المسائل الشكلية لن تعيق عمل لجان الغرفتين خاصة وأن هناك رغبة مشتركة في العمل على النهوض بأوضاع البلاد، وأضاف جابري أن لجنته ستكون كما كانت دائما منفتحة على جميع المنظمات الوطنية والهيئات المعنية بمشروع قانون المالية وستستمع إلى مقترحاتهم وآرائهم.
وباستفساره عن سبب تغييب الاتحاد العام التونسي للشغل طيلة الدورتين النيابيتين الماضيتين والحال أن الاتحاد كان في عقد المجلس السابق برئاسة محمد الناصر ينزل بكل ثقله بلجنة المالية والميزانية ويأتي بخبرائه ودراساته ويقدم قراءات علمية لمشاريع قوانين المالية وأحيانا يبادر بإعداد مقترحات قوانين بديلة، أكد عصام البحري جابري أن اللجنة لم ترفض أي مطلب تم تقديمه من قبل المنظمات الوطنية بهدف الاستماع إليها وأضاف أن اتحاد الشغل لم يطلب مطلقا من اللجنة عقد جلسة استماع إليه مثلما فعل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أو كنفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية كوناكت أو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وغيرها من المنظمات والهيئات الوطنية، وقال إن أبواب اللجنة مفتوحة للجميع والهدف من ذلك رغبة نوابها في الاستماع إلى مختلف الآراء والمقترحات التي من شأنها تجويد مشروع القانون الموجود أمام أنظارها، وهذا ما حدث خلال السنة الماضية حيث تم عقد جلسات استماع إلى العديد من الأطراف المعنية بمشروع قانون المالية وقد كان هذا المشروع في صيغته الأصلية لا يرتقي إلى المأمول وبفضل جلسات الاستماع والجهود التي بذلها النواب تم تحسينه وتمت إضافة بعض الإجراءات ومن أهمها العفو الجبائي وكذلك إجراء "الآف سي آر" لفائدة التونسيين بالخارج، وذكر أن ما يبعث على الارتياح هو تنفيذ مختلف الإجراءات الواردة في قانون المالية لسنة 2024 حتى وان كان ذلك بصفة متفاوتة.
صندوق الإصلاح التربوي
وإجابة على سؤال يتعلق بمآل الإجراء المنصوص عليه في قانون المالية لسنة 2024 والمتعلق بصندوق تمويل الإصلاح التربوي وهو إجراء تمت إضافته من قبل نواب الشعب ولم يرد في مشروع القانون الأصلي ولكن لم يقع تفعيله بعد، أشار مقرر لجنة المالية والميزانية إلى أنه عند نقاش مقترح إحداث هذا الصندوق تم الاتفاق مع وزارة المالية على أن يتم تفعيله مباشرة بعد تركيز المجلس الأعلى للتربية والتعليم لأن آمر صرف الصندوق هو رئيس المجلس الأعلى للتربية والتعليم. وأضاف أن تنظيم هذا المجلس وضبط تركيبته تم بمقتضى مرسوم صدر مؤخرا وبالتالي فإنه بعد أن يقع تنصيب المجلس الأعلى سيتم إحداث صندوق تمويل الإصلاح التربوي الوارد في قانون المالية لسنة 2024.
ويذكر في هذا الصدد أن قانون المالية نص في الفصل 15 على إحداث صندوق وطني للإصلاح التربوي يموّل من تبرعات التونسيات والتونسيين في الداخل والخارج، ونسبة صفر فاصل خمسة بالمائة من أرباح المؤسسات التربوية الخاصة من مدارس ومعاهد وكليات ومراكز تكوين، ونسبة صفر فاصل 25 بالمائة من أرباح الشركات البترولية وشركات التأمين والبنوك والفضاءات التجارية الكبرى والصيدليات.
وينفق من هذا الصندوق على مختلف العمليات المتعلّقة بالإصلاح التربوي من الأنشطة المتعلّقة بتشخيص واقع المنظومة التربوية، والأنشطة المتعلّقة بهندسة البرامج والمناهج البديلة، إضافة إلى إعداد الفضاءات التربوية لتكون جاهزة لتحقيق الأهداف البيداغوجية المرجوة من عملية الإصلاح التربوي.
وعبر جابري عن أمله في أن يساهم المجلس الأعلى للتربية وصندوق تمويل الإصلاح التربوي في الارتقاء بالمنظومة التربوية في تونس وتحسين وضعية البنية التحتية.
سعيدة بوهلال
تونس-الصباح
قال عصام البحري الجابري مقرر لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب إن مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 قام على عدد من الفرضيات غير واقعية وبين أنه سيتم الحرص على تعديله بما يستجيب إلى تطلعات التونسيين، ولم يخف الجابري عدم ارتياح اللجنة لما ورد في تقرير تنفيذ ميزانية الدولة إلى موفى السداسي الأول لسنة 2024 والفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع ميزانية الدولة لسنة2025، وقال في تصريح لـ" الصباح" إنه بعد الإطلاع على هذا التقرير ونقاشه طلبت اللجنة بصفة رسمية عقد جلسة استماع إلى وزيرة المالية قبل أن تقوم رئاسة الجمهورية بإحالة مشاريع قوانين المالية والميزانية والميزان الاقتصادي لسنة 2025 إلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وذلك لاستفسارها حول العديد من النقاط التي بدت غامضة.
وفسر أنه طبقا لمقتضيات القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية، فإن الحكومة مطالبة قبل إرسال تلك المشاريع للبرلمان، بأن تعرض عليه الفرضيات والتوجهات الكبرى لميزانية الدولة للسنة المالية المقبلة كما أنها مطالبة إثر انتهاء السداسي الأول بتقديم تقرير للمجلس النيابي يتضمن نتائج تنفيذ ميزانية الدولة ونتائج تطبيق الأحكام الواردة في قانون المالية للسنة الجارية. وأشار إلى أنه في هذا السياق اطلعت اللجنة على جميع هذه الوثائق، وتبين لها أن عدد من المعطيات الواردة فيها تفتقد للدقة المطلوبة ولا تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي والتنموي في البلاد.
وذكر أن أغلب نواب اللجنة اعتبروا الفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع ميزانية السنة القادمة لا ترتقي إلى تطلعات المواطن وانتظاراته، كما أنهم لاحظوا عدم تنزيل بعض الإجراءات الواردة في قانون المالية لسنة 2024 على أرض الواقع ومن أهمها تلك المتعلقة بمقاومة التجارة الموازية وتبسيط إجراءات الاستثمار، وليس هذا فقط فالتقرير أشار إلى إجراءات ليست هي نفس تلك الإجراءات الواقع ضبطها في قانون المالية وهو ما يطرح نقطة استفهام، كما لا يترجم التقرير عن نية الحكومة استجابة إلى التوصيات التي رفعتها اللجنة منذ نقاش مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 والمتمثلة أساسا في اعتماد فرضيات واقعية عند إعداد مشاريع الميزانية أي فرضيات تراعي القدرات الحقيقية للاقتصاد الوطني وتتوقع نسبة نمو دقيقة ممكن تحقيقها.
ولاحظ مقرر اللجنة في هذا الصدد أن ما يقلق النواب هو الفرق الكبير بين نسبة النمو التي تم اعتمادها في مشروع قانون المالية لسنة 2024 وقدرها 2 فاصل 2 بالمائة وبين النسبة التي تم تحقيقها فعليا في السداسي الأول من السنة الجارية والتي كانت في حدود صفر فاصل ستة بالمائة فقط، واستدرك عصام البحري جابري قائلا: "حتى وإن تم تحقيق فائض في ميزانية الدولة خلال السداسي الأول من السنة الجارية فإنه كان يجب على الحكومة العمل على تحسين نسبة النمو، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه في ظل غياب الاستثمار العمومي والخاص". ولاحظ أن لجنة المالية والميزانية لا تريد أن تقوم ميزانية الدولة فقط على الموارد الجبائية وغير الجبائية بل لا بد من دعم الاستثمار والتنمية خاصة في الجهات الداخلية بهدف توفير مواطن الشغل والتقليص من نسبة البطالة.
أين المشاريع الجديدة؟
وقال مقرر لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب عصام البحري جابري إن الجلسة التي سيقع عقدها في غضون الأيام القادمة مع وزيرة المالية حول نتائج تنفيذ ميزانية الدولة ومدى التقدم في تطبيق أحكام قانون المالية للسنة الجارية وحول التوجهات الكبرى وفرضيات مشروع ميزانية السنة القادمة، ستكون مناسبة للتأكيد مرة أخرى على نفس المطلب الذي رفعته اللجنة لوزارة المالية والذي سبق لهذه الوزارة أن تعهدت بقبوله وهو يتمثل في تشريك نواب الشعب بصفة قبلية، أي قبل إيداع مشروع ميزانية الدولة بالمجلس، في ضبط الاعتمادات التي سيقع رصدها لفائدة المهمات والمهمات الخاصة، لأنه لا يمكن للنائب بعد إحالة المشروع إلى المجلس اقتراح التخفيض أو الترفيع في الاعتمادت التي يقع رصدها للوزارات وغيرها من المهمات والمهمات الخاصة، والحال أن هناك وزارات قد تحتاج إلى اعتمادات أكبر من تلك التي وقع تحديدها في مشروع قانون المالية ووزارات أخرى تحتاج إلى اعتمادات أقل مما يقع ضبطه في المشروع.
وردا على استفسار حول ما إذا كان طلب اللجنة تشريك نواب الشعب في ضبط الاعتمادات المرصودة للمهمات والمهمات الخاصة بصفة قبلية، غير منطقي بحكم أن إعداد مشاريع قوانين المالية هو من صميم اختصاص الوظيفة التنفيذية ويقتصر دور النواب على نقاشها وتعديلها شريطة عدم المساس بالتوازنات المالية، أجاب جابري أنه سبق أن تم التوافق بين اللجنة ووزارة المالية على أن يقع تشريك نواب الشعب بصفة قبلية في ما يتعلّق بكيفية رصد اعتمادات المهمات والمهمات الخاصة وما على الوزارة سوى احترام هذا الاتفاق لأنه حسب ما نص عليه الفصل 69 من الدستور لا يقع قبول مقترحات تنقيح مشروع قانون المالية المقدمة من قبل نواب الشعب إذا كان من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة وبالتالي هذا الطلب وجيه.
وأضاف أنه بمناسبة النظر في مشروع قانون المالية لسنة 2024 كان النواب قد أضافوا خمسة فصول لهذا المشروع ولا شك أنهم سيقدمون مقترحات فصول إضافية لمشروع قانون المالية لسنة 2025 فهذا هو دورهم ويرغب جميعهم في تمرير قانون يتضمن إجراءات لفائدة جميع فئات الشعب التونسي ولكن الدستور يقيدهم ولا يتيح لهم تقديم مقترحات من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة.
وذكر أن الجلسة المرتقبة مع وزيرة المالية سيتم خلالها الاستفسار عن سبب عدم الاستجابة إلى طلب أعضاء المجلس بالتسريع في إحالة مشاريع قوانين جديدة تتعلق بالصرف والاستثمار والديوانة على البرلمان، ويرى جابري أن التأخير في سن القوانين الجديدة ليس في مصلحة البلاد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك وأشار إلى أنه في صورة عدم تغيير قانون الصرف ومجلة الاستثمار فإن الوضع الاقتصادي في تونس لن يتحسن وسيبقى على حاله. وأضاف أنه لا بد أيضا من محاربة البيروقراطية لأنها كبلت المستثمر وحالت دون تحسين نسبة الاستثمار، وذكر أن هذا الهدف لن يتحقق إلا في صورة بذل أقصى الجهود من أجل تعميم الرقمنة، وقال إنه لا يمكنه أن ينكر وجود إرادة للرقمنة لكن ما تم تحقيقه إلى حد الآن غير كاف.
كما أكد عصام البحري جابري على أن لجنة المالية والميزانية في جميع الجلسات التي عقدتها طيلة الدورتين النيابيتين الأولى والثانية طالبت الحكومة بالتركيز على ملف الرقمنة كما دعتها إلى مراجعة قانون الصرف ومجلة الاستثمار والتخفيف من الجوانب الإجرائية وهي لا تعرف لماذا كل هذا التأخير في تمرير المشاريع الجديدة إلى مجلس نواب الشعب، وذكر أن اللجنة ستطلب من وزيرة المالية أن توضح للنواب لماذا لم تقع إحالة مشروع مجلة الصرف بعد إلى البرلمان والحال أنه قد تمت المصادقة على هذا المشروع الذي يكتسي أهمية بالغة منذ اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في منتصف شهر مارس الماضي، وأضاف أنه منذ ذلك التاريخ ينتظر النواب ورود هذا المشروع على اللجنة.
مراجعة قانون الاستثمار واحداث البنك البريدي
وفي علاقة بقانون الاستثمار وتعقيبا عن استفساره حول مآل المبادرة التشريعية التي تقدمت بها مجموعة من النواب منذ شهر مارس الماضي والمتعلقة بتنقيح هذا القانون الصادر سنة 2016 بين مقرر لجنة المالية والميزانية أن النواب تقدموا فعلا بمقترح القانون المذكور لأن الحكومة تأخرت في إعداد مشروع مجلة جديدة للاستثمار، وذكر أن مكتب مجلس نواب الشعب أحال هذه المبادرة التشريعية إلى لجنة التخطيط الإستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية وليس إلى لجنة المالية والميزانية.
وأضاف جابري أن لجنته طالبت أيضا بإحداث البنك البريدي لاقتناع نوابها بأنه لا يمكن مكافحة الإقصاء المالي للفئات الهشة ومحدودة الدخل إلا من خلال إحداث هذا البنك نظرا لأن شبكة البريد هي الأكثر انتشارا في المدن الصغرى والقرى مقارنة ببقية المؤسسات المالية، وبالتالي فإنه عند إحداث البنك البريدي يقع تقريب الخدمات من الفئات المستهدفة بمشروع القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي وتمكينها من الحصول على قروض صغرى دون فائض. وفسر أن لجنة المالية والميزانية كانت خلال الدورة النيابية الماضية قد ناقشت مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي الذي تم تقديمه من قبل رئيس الجمهورية ورأت أنه لا بد من التنصيص فيه على إحداث البنك البريدي لكن وزارة المالية رفضت هذا المقترح وتبعا لتمسك نواب اللجنة بهذا الخيار فقد تم تعليق النظر في مشروع القانون سالف الذكر.
وتعقيبا على سؤال حول ما إذا كانت هناك إمكانية لإدراج فصل إضافي في مشروع قانون المالية لسنة 2025 يتعلق بإحداث البنك البريدي وضبط اختصاصه مثلما تم سابقا في مشروع قانون المالية لسنة 2019 اقتراح إحداث بنك الجهات، قال مقرر لجنة المالية والميزانية إن نواب اللجنة يريدون التنصيص على إحداث البنك البريدي صلب القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي وليس صلب قانون المالية.
وردا على استفسار آخر حول مدى استعداد لجنة المالية والميزانية لنقاش مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 بمعية نظيرتها بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، بين جابري أن المجلسين النيابيين مطالبان بإحكام التنسيق بينهما قبل الانطلاق في النظر في المشروعين المذكورين وفق ما تم ضبطه بمقتضى المرسوم المتعلق بتنظيم العلاقة بين الغرفتين النيابيتين، وذكر أنه ستكون هناك جلسات مشتركة بين نواب لجنتي المالية والميزانية بالمجلسين وسيتم التداول على رئاستها بين رئيسي اللجنتين كما ستكون هناك جلسات عامة مشتركة وجميعها سيقع عقدها بمقر مجلس نواب الشعب، وربما تكون هناك جلسات مشتركة بين بقية لجان الغرفتين بمناسبة النظر في المهمات والمهمات الخاصة لأن لجنة المالية والميزانية طلبت في السابق من بقية لجان مجلس نواب الشعب كل واختصاصها النظر في المهمات والمهمات الخاصة بمشروع الميزانية لسنة 2024 وكل لجنة ناقشت المهمة الموكولة إليها واستمعت إلى الوزارات وبقية الأطراف المعنية وأعدت تقريرا في الغرض ولكن يبقى توزيع المهمات على اللجان مسألة اختيارية وليس إجبارية.
وذكر أنه إثر العودة البرلمانية سيقع نقاش آليات العمل المشترك بين المجلسين كما سيتم العمل على تركيز اللجنة المتناصفة التي عهدت إليها مهمة صياغة مقترحات توافقية للفصول الخلافية، وبين أن هذه المسائل الشكلية لن تعيق عمل لجان الغرفتين خاصة وأن هناك رغبة مشتركة في العمل على النهوض بأوضاع البلاد، وأضاف جابري أن لجنته ستكون كما كانت دائما منفتحة على جميع المنظمات الوطنية والهيئات المعنية بمشروع قانون المالية وستستمع إلى مقترحاتهم وآرائهم.
وباستفساره عن سبب تغييب الاتحاد العام التونسي للشغل طيلة الدورتين النيابيتين الماضيتين والحال أن الاتحاد كان في عقد المجلس السابق برئاسة محمد الناصر ينزل بكل ثقله بلجنة المالية والميزانية ويأتي بخبرائه ودراساته ويقدم قراءات علمية لمشاريع قوانين المالية وأحيانا يبادر بإعداد مقترحات قوانين بديلة، أكد عصام البحري جابري أن اللجنة لم ترفض أي مطلب تم تقديمه من قبل المنظمات الوطنية بهدف الاستماع إليها وأضاف أن اتحاد الشغل لم يطلب مطلقا من اللجنة عقد جلسة استماع إليه مثلما فعل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أو كنفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية كوناكت أو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وغيرها من المنظمات والهيئات الوطنية، وقال إن أبواب اللجنة مفتوحة للجميع والهدف من ذلك رغبة نوابها في الاستماع إلى مختلف الآراء والمقترحات التي من شأنها تجويد مشروع القانون الموجود أمام أنظارها، وهذا ما حدث خلال السنة الماضية حيث تم عقد جلسات استماع إلى العديد من الأطراف المعنية بمشروع قانون المالية وقد كان هذا المشروع في صيغته الأصلية لا يرتقي إلى المأمول وبفضل جلسات الاستماع والجهود التي بذلها النواب تم تحسينه وتمت إضافة بعض الإجراءات ومن أهمها العفو الجبائي وكذلك إجراء "الآف سي آر" لفائدة التونسيين بالخارج، وذكر أن ما يبعث على الارتياح هو تنفيذ مختلف الإجراءات الواردة في قانون المالية لسنة 2024 حتى وان كان ذلك بصفة متفاوتة.
صندوق الإصلاح التربوي
وإجابة على سؤال يتعلق بمآل الإجراء المنصوص عليه في قانون المالية لسنة 2024 والمتعلق بصندوق تمويل الإصلاح التربوي وهو إجراء تمت إضافته من قبل نواب الشعب ولم يرد في مشروع القانون الأصلي ولكن لم يقع تفعيله بعد، أشار مقرر لجنة المالية والميزانية إلى أنه عند نقاش مقترح إحداث هذا الصندوق تم الاتفاق مع وزارة المالية على أن يتم تفعيله مباشرة بعد تركيز المجلس الأعلى للتربية والتعليم لأن آمر صرف الصندوق هو رئيس المجلس الأعلى للتربية والتعليم. وأضاف أن تنظيم هذا المجلس وضبط تركيبته تم بمقتضى مرسوم صدر مؤخرا وبالتالي فإنه بعد أن يقع تنصيب المجلس الأعلى سيتم إحداث صندوق تمويل الإصلاح التربوي الوارد في قانون المالية لسنة 2024.
ويذكر في هذا الصدد أن قانون المالية نص في الفصل 15 على إحداث صندوق وطني للإصلاح التربوي يموّل من تبرعات التونسيات والتونسيين في الداخل والخارج، ونسبة صفر فاصل خمسة بالمائة من أرباح المؤسسات التربوية الخاصة من مدارس ومعاهد وكليات ومراكز تكوين، ونسبة صفر فاصل 25 بالمائة من أرباح الشركات البترولية وشركات التأمين والبنوك والفضاءات التجارية الكبرى والصيدليات.
وينفق من هذا الصندوق على مختلف العمليات المتعلّقة بالإصلاح التربوي من الأنشطة المتعلّقة بتشخيص واقع المنظومة التربوية، والأنشطة المتعلّقة بهندسة البرامج والمناهج البديلة، إضافة إلى إعداد الفضاءات التربوية لتكون جاهزة لتحقيق الأهداف البيداغوجية المرجوة من عملية الإصلاح التربوي.
وعبر جابري عن أمله في أن يساهم المجلس الأعلى للتربية وصندوق تمويل الإصلاح التربوي في الارتقاء بالمنظومة التربوية في تونس وتحسين وضعية البنية التحتية.