كان المسرح الوطني منذ شهر مارس من العام الماضي مسرحا للعديد من أشغال الصيانة واعادة التهيئة والتجهيز وقد اقتربت الاشغال من نهايتها ليكتشف جمهوره ورواده قريبا مؤسستهم التي تعتبر منارة حقيقية للفن الرابع، في ثوبها الجديد الذي وقعت حياكته وقيافته وفقا لمجموعة من المعايير التي من شأنها أن تكرس وجود المسرح الوطني كمنارة للفن الرابع في البلاد وتكرس تجذره في محيطه العمراني ونعني بالخصوص قصر المسرح ( المقر الاجتماعي ) الذي يقع في قلب اشهر الاحياء في المدينة العتيقة بالعاصمة، الحلفاوين.
إعداد حياة السايب
وقد لا نبالغ عندما نقول ان اعمال الصيانة والترميم والتجهيزات التقنية الجديدة التي استفاد منها، قد تمنح قصر الحلفاوين شهادة ميلاد جديدة وهو الذي عانى طويلا من الاهمال لفترة طويلة، ولم يحظ باعمال صيانة بهذا الحجم، اذ ظلت المحاولات في هذا الباب محدودة لاسباب عديدة من بينها مثلا قلة الامكانيات وهي مسألة قد تم هذه المرة تجاوزها نسبيا بالتعويل على تفهم وزارة المالية وعلى الموارد الذاتية خاصة منها البشرية اضافة الى دعم السلط المحلية وخاصة معتمدية باب سويقة.
وقد كانت لنا فرصة عند زيارتنا لقصر المسرح بالحلفاوين لاكتشاف التغييرات التي طرأت على البناية والتي يتوقع أن تكون سببا في بعث موجات ايجابية لدى رواد المسرح الوطني كما يتوقع أن تستقطب جماهير جديدة وخاصة من المحيط الجغرافي القريب حيث بقي عدد كبير من الشباب والاقل شبابا من أبناء الاحياء المذكورة والاحياء القريبة منها في شبه قطيعة مع المسرح الوطني رغم وجوده القريب، حتى ان البعض منهم لا علم له اساسا بوجود المسرح في المنطقة، وقد تم اعداد برمجة جديدة موجهة اساسا لأبناء الأحياء الشعبية وفق المدير العام للمسرح الوطني معز مرابط.
وبما ان مدير عام المسرح الوطني يملك أيضا ملكة التواصل وهو مواكب لكل تفاصيل أشغال الصيانة واعادة التهيئة لقصر الحلفاوين ولقاعة الفن الرابع وسط العاصمة ( شارع باريس) التي تحتضن عروض المسرح الوطني وغيرها وهي أيضا استفادت من اشغال الصيانة وشهدت احداثات جديدة من بينها مكتبة متخصصة قال عنها أنها الاولى من نوعها في تونس وفي محيطنا الاقليمي، فإن الجولة بين قاعات القصر التي بدأت من المدخل حتى وصلنا الى سطح القصر -والاشارة الى السطح مهمة لان سطح لقصر يمكن توظيفه ايضا في مقهى ثقافي او تحويله الى فضاء للعروض الليلية- مرورا بكل القاعات وبعد صعود بعض السلالم القديمة ومن بينها المدرج الكبير الذي ظل طويلا مهملا قبل اعادة تهيئته بالمناسبة، ساعدتنا كثيرا على التعرف على التحسينات التي ادخلت على مقر المسرح الوطني بما في ذلك تفاصيل التفاصيل.
اكتشفنا كذلك في جولتنا مع مدير عام المسرح الوطني ان التشبع بتاريخ المؤسسة يضاعف من حجم قدرة المحدث على الاقناع وعلى اثارة حماسة المستمع. وهذا ما حصل فعلا في جولتنا في قصر خزندار. فهكذا كان قصر المسرح قبل ان يتخذ اسمه الجديد، مع العلم أن الفنان القدير محمد ادريس هو الذي اتخذه مقرا للمسرح الوطني.
وللاشارة، فقد تمت تمت الجولة في يوم من أواخر شهر أوت وقد كانت فيها الشمس حارقة لكنها ساعدت على ظهور مبنى قصر الحلفاوين وهو يشع وقد زادته اللافتة النحاسية التي نقشت عليها أحرف اسم المسرح الوطني بأسلوب فني جميل جاذبية. فلا يمكنك بعد اليوم أن تمر بالمكان دون ان تنتبه لوجود المسرح الوطني على خلاف الماضي حيث كان المسرح الوطني بالكاد يلاحظ – لا نتحدث هنا عن الجمهور والرواد والمريدين طبعا. وبما أننا نتحدث عن التفاصيل، فإننا نشير الى أن مدخل المسرح الوطني قد تم اصلاحه وتم تهيئة رصيف كما تمت تهيئة موقف السيارات الذي يمكن أن يتحول ان اقتضى الأمر وخاصة في فصل الصيف الى فضاء للجمهور خاصة مع تهيئة القاعة متعددة الاختصاصات.
كل شيء تغير تقريبا في قصر الحلفاوين بعد أشغال الصيانة ونرجح ان التغيير كان نحو الأفضل فكل القاعات بداية من قاعة علي بن عياد وقاعة حبيبة مسيكة وقاعة المنصف السويسي وصولا الى قاعة الفنون المتعددة وقعت اعادة تهيئتها وتم تغيير الارضية وتم تجهيزها بتقنيات حديثة. تمت ايضا اعادة تهيئة ورشات الحدادة والنجارة وتم احداث فضاء خاص بالملابس ( ملابس المسرح على امتداد كل الفترات) مع تنظيمها وترقيمها ووضع قاعدة بيانات حولها.
وقد تم كل ذلك بالتنسيق مع مصالح المعهد الوطني للتراث فنحن ازاء معلم تاريخي فقصر الحلفاوين وللتذكير شيده الوزير مصطفى خزندار في 1850 وفق ما تؤكده وثائق تاريخية، على الطريقة المعمارية الايطالية وقد ساهم عمال ايطاليون في بنائه. تم استخدام القصر فيما بعد في عدة وظائف. استخدم كمستشفى واستخدم كمدرسة وفي 1988 تحول الى مقر للمسرح الوطني.
وربما هي بشرى للمسرحيين وعشاق الفن، فقد أكد معز مرابط مدير عام المسرح الوطني أنه سيتسنى أخيرا استخدام قصر صاحب الطابع المقابل لقصر الحلفاوين وهو يخضع بدوره لاشغال صيانة وترميم، وسيقع توظيفه بالخصوص في تنظيم اقامات فنية للتونسيين والضيوف وأيضا سيتم استخدام كنيسة باب الخضراء التي ستخصص للتكوين ضمن المدرسة الوطنية التطبيقية لتقنيات المسرح وفنون الركح التابعة للمسرح الوطني، مما يساعد على تحقيق المشروع الحلم وفق وصف مدير عام المسرح الوطني، في انجاز مسلك ثقافي سياحي بباب سويقة الحلفاوين. بقية التفاصيل نجدها في الحوار الذي أجريناه بالمناسبة مع معز مرابط مديرعام المسرح الوطني بمناسبة نهاية اشغال الصيانة واعادة التهيئة واستعداد المسرح الوطني للاحتفال بحلته الجديدة.
منذ التأسيس وإلى اليوم.. المسرح الوطني وأكثر من مرحلة حاسمة
تأسس المسرح الوطني سنة 1983 في عهد البشير بن سلامة وزير الثقافة آنذاك وقد تولى الفنان المسرحي الراحل المنصف السويسي ادارته منذ تأسيسه الى سنة 1988 ثم تولى الادارة الفنّان المسرحي محمد إدريس إلى غاية سنة 2010، ووصفت هذه المرحلة بانها مرحلة التأسيس الثانية حيث تمت هيكلة المسرح ووضع القوانين التنظيمية مع الانفتاح على تجارب مسرحية مختلفة.
وفي تقديمها لمراحل تطوير المسرح الوطني، نقتطف ما يلي من الموسوعة التونسية:
اتسمت المرحلة الأولى بحركية الانتاج وتطوير الخطاب المسرحي وقد بلغ عدد الأعمال المنجزة في تلك الفترة (من سنة 1984 إلى سنة 1987) عشرون عملا - وهو رقم قياسي بالنظر إلى الفترة الزمنية - منها ما هو موجه للكهول (خمسة عشرة عملا) ومنها ما هو للأطفال (خمسة أعمال) ونجد في هذه الأعمال خمسة عشرة عملا من إنتاج المسرح الوطني والبقية أنتجها مع فرق أخرى في إطار انفتاحه على الأسماء والفرق والهياكل الأخرى مثل مسرح الديدحانة (الكواليس) ومسرح الكلّ (حمّالة في النّازلة) والفرقة المسرحية القّارة بسوسة (رجل أمام البحر) ومع مهرجانات مثل مهرجان بنزرت الدّولي (الدنيا ساعة بساعة) وإتحاد الممثلين (المنفي) وقد أخرج أعمال المسرح الوطني في تلك المرحلة مسرحيون تونسيون مشهود لهم أمثال المنصف السويسي والمنجي بن إبراهيم وعبد الغني بن طارة وكمال العلاوي والمنصف ذويب ومحمد المختار الوزير وحبيبة الجندوبي ونور الدين المطماطي وسمير العيّادي والبشير الدريسي ومحمد نجيب السّاحلي وعبد الحق خمير وغيرهم أمّا النصوص فمنها ما هو مؤلف ومنها ما هو مقتبس ومنها ما هو مترجم بإمضاء تونسيين وعرب وأجانب. ومن هذه الأعمال نذكر "من أين هذه البلية؟" و"أنا الحادثة" و"اسمع يا عبد السميع" و"منطق الطير" و"يا ثروة في خيالي" و"مدينة المقنعين" و"وكر النسور" و"ثعلب وثعيلب"...
و قد اتسمت هذه الأعمال بتنوع المضامين والأشكال والرؤى التعبيرية وبالتالي فإنّ هذه المرحلة كانت مرحلة التأسيس والانتاج والتعريف به داخل البلاد وخارجها ومن الانجازات الكبرى للمسرح الوطني تأسيسه لأيام قرطاج المسرحية سنة 1983 التي أدارها المنصف السويسي في عدّة دورات كما أصدر المسرح الوطني في الفترة ذاتها مجلة متخصّصة وهي "فضاءات مسرحية" التي أثرت الساحة الفكرية المسرحية وقد تمّ اعتبار توقفها عن الصدور في المرحلة الثانية خسارة كبرى.
بدأت المرحلة الثانية سنة 1988 وهي مرحلة تركيز المؤسسة من حيث الهيكلة الإدارية والبنى التحتية وفي مقدّمتها المقرّات وهكذا استقر المسرح الوطني بقصر خزندار بالحلفاوين كمقرّ اجتماعي رسميّ له أطلق عليه إسم "قصر المسرح" تمّت فيه تهيئة عدّة فضاءات منها المقرات الاداريّة وأستوديو "حبيبة مسيكة" للتمارين الجسديّة والرّقص وأستوديو "علي بن عياد" للتمارين وتكوين الممثلين وخزينة الأزياء وخزينة التجهيزات التقنية وخزينة الديكور والمتممات الركحية وورشة النجارة.
ولقد شكل تركيز البنى التحتية وفي مقدّمتها قاعة الفن الرابع بشارع باريس التي تم تحويلها من قاعة سينما إلى قاعة للعروض المسرحية مُجهزة بأحدث التقنيات، ضمان استمرارية عمل المؤسسة وظروف الانتاج الملائمة كما تم ربط علاقات شراكة مع مسارح عربية وأوروبية لمزيد التقدّم بالتجربة الابداعية داخل المؤسسة التي حرصت على الانخراط في الحداثة الفنية والاعتماد على الطاقات الشابة.
كانت البداية سنة 1988 بمسرحية "يعيشو شكسبير" لمحمد إدريس الذي أخرج أيضا عدّة أعمال أخرى مثل "ونّاس القلوب" و"فلوس القاز" مع الأسعد بن عبد اللّه و"دونجوان" و"الجثة المطوّقة" و"فرسان اللسان" و"راجل ومرا" و"حدّث"... والقاسم المشترك في كلّ هذه الأعمال على اختلاف مكوّناتها التعبيرية ولغتها البصرية، الرؤية التحديثية والكتابة الجديدة.
هذا التوجه نلمسه في أعمال أنتجها المسرح الوطني مثل "بالي حكايتهن" لأوديل كوغول بمساعدة نادية زويتن و"الرصيف الغربي" لرضا دريرة. ومن الأعمال التي أنتجتها المؤسسة نذكر "العوادة" للفاضل الجزيري والفاضل الجعايبي (إنتاج مشترك مع المسرح الجديد) و"سنفونية" للحبيب شبيل (إنتاج مشترك مع المسرح المثلث) و"جنّة على الأرض" لرشاد المناعي (بالاشتراك مع مهرجان صفاقس الدّولي) و"كوميديا" للفاضل الجعايبي (إنتاج مشترك مع فرقة مدينة تونس) و"فلوس القاز" (إنتاج مشترك مع مجموعة سي تار) و"إليك يا معلمتي" لنورالدين الورغي (بالاشتراك مع مسرح الأرض) إضافة إلى ثلاثة أعمال للأطفال لمحمد المختار الوزير.
وفي انفتاحه على الأسماء الأجنبية لمزيد إثراء التجربة تعامل المسرح الوطني مع المخرج لويجي دلاليو في مسرحية "فاجعة في باريس" وكانت السينوغرافيا لسارجيوترامونتي والمخرج فرانشيسكو سانسي في مسرحيّة "الليلة نرتجل بيرانديلو" (إنتاج المسرح الوطني الشاب بمساهمة المعهد الايطالي للثقافة) والمخرج نيل فليكمان في مسرحيّة "موتة العزّ" (بمساهمة المركز الثقافي الأمريكي). ومن العناوين نذكر كذلك "ستوديو" و"مدرسة الشيطان" لمعزّ العاشوري في إطار المسرح الوطني الشاب وكذلك "ساعة ونصف بعدي أنا" و"حسب رأي غارغرين" لنضال قيقة و"شاخ مات" لفتحي بن عزيزة وفتحي العكاري و"وفى الطرح" و"صراع" لعبد الحميد قياس و"زينب" للطفي عاشور و"زمان" لرضا دريرة (مسرحية غنائية) وتعتبر تجربة حسن المؤذن مهمّة ومتميّزة حيث أخرج "عدن..عدن" و"الحياة حلم" وعمل مساعد مخرج لمحمد إدريس في أكثر من عمل كما اعتبرت مسرحية "حقائب" لجعفر القاسمي من الأعمال اللافتة التي أنجزها المسرح الوطني. تلتها مسرحية "مرض زهايمر" لمريم بوسالمي التي حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان المسرح العربي بالأردن سنة 2011 ومسرحية "ليلة الغفلة" لمعز العاشوري.
وإلى جانب هذه الانتاجات التي عرضت داخل تونس وخارجها، فإنّ المسرح الوطني أصدر مؤلفين فنيين هما "دروب" سنة 1992 وقد تضمن تحليل أبرز التجارب المسرحية بالبلاد منذ الستينات و"أزهار الستار على الجدار" الذي اعتنى بفنّ الملصق المسرحي إضافة إلى إقامة المعارض وتنظيم المهرجانات، كما أوكلت لمديره العام الفنان محمد إدريس إدارة أيام قرطاج المسرحية في دورات 1997 - 2005 - 2007 - 2009. ومن الخيارات الأخرى في صلب المسرح الوطني انفتاحه على فنون الفرجة الحيّة فكوّن نواة الباليه الوطني للرّقص التي لم تعمر طويلا ثم بعث المدرسة الوطنية لفنون السرك التي فتحت أبوابها سنة 2003 وخُصصت لها إدارة وقاعة كبرى للتمارين تتوفر على تجهيزات عالمية ووسائل عمل متطوّرة. وإلى جانب التكوين على أيدي أساتذة تونسيين مختصين مع الاستعانة بخبرات أجنبية في هذا الفنّ خاصّة في التربصات والانتاجات - أنجزت المدرسة سبعة أعمال قدّمت في كامل تراب الجمهورية وأوروبا حيث تمت دعوتها إلى مهرجانات عالمية كبرى في فنون السّرك.
وفي 8 جويلية 2014 تم تعيين الفنان المسرحي الفاضل الجعايبي مديرا عاما جديدا للمسرح الوطني التونسي وقد تميزت هذه الفترة بتأسيس مدرسة الممثل بالمسرح الوطني التي خلقت جدلا كبيرا حول مدى الحاجة الى مدرسة للتكوين المسرحي والحال ان لدينا معهدا عاليا مختصا هوالمعهد العالي للفن المسرحي. وقد تمسك الفاضل الجعايبي بمبادرته في مجال التكوين مشيرا في جل احاديثه حول الموضوع الى أنه قبل مهمة الاشراف على المسرح الوطني بشروطه والتي من بينها التكوين في الحرف المسرحية مشيرا الى أن 120 تخرجوا من مدرسة الممثل التي تأسست سنة 2017.
وتم خلال فترة اشرافه على المسرح الوطني العمل على تحسين البنية التحتية للمؤسسة بالتوازي مع العمل على خلق اجواء افضل لاستقبال المسرحيين وهواة المسرح وعشاقه فتم بعث مقهى ثقافي وتم تنظيم مهرجان اسبوع يوم المسرح العالمي وتظاهرات اخرى من بينها قراءات مسرحية وعروض موسيقية وسينمائية.
وعلى مستوى الانتاج، تم تقديم 22 عملا مسرحيا ( بمعدل اربع اعمال في السنة) وقد حاول الفاضل الجعايبي الفنان الذي في رصيده مجموعة كبيرة من الاعمال المسرحية القيمة التي جاب بها مسارح العالم ( عشاق المقهى المهجور، يحيى يعيش، تسونامي، عنف، خوف وغيرها) وكان أول فنان عربي تتم دعوته لمهرجان أفينيون على امتداد تاريخ المهرجان، تطوير الانتاج وطرق العمل بالمسرح الوطني، ولم تكن فترته فترة سهلة وقد كان محل نقد وانتقاد لاسلوبه في العمل وطرق تصرفه في الادارة التي إن اعتبرت بالنسبة للبعض ضرورية من اجل فرض الالتزام والانضباط في العمل، فإنها اعتبرت بالنسبة للآخر، انفرادا بالرأي وفيها اقصاء للمخالفين للرأي.
من جهته كان الفنان المسرحي انور الشعافي قد تولى ادارة المسرح الوطني من 2011 الى 2014 وهناك اجماع على ان تلك الفترة كانت صعبة جدا للوضع الاستثنائي التي مرت به البلاد بعد أحداث 14 جانفي 2011 وخاصة بسبب الانفلات الذي كان موجودا في كل المجالات بما في ذلك في الادارة ومع ذلك لم تكن هذه الفترة على رأس المسرح الوطني خالية من الاجتهادات ومن محاولات تطوير المؤسسة على مستوى التصرف والادارة والانتاج.
وقد شهد المسرح الوطني فترة فراغ بعد مغادرة الفاضل الجعايبي له في 2021 وكان تعيين معز مرابط على رأسه في فيفري 2023 فرصة لضخ روح جديدة وهو الذي جمع بين التكوين الأكاديمي في تونس والخارج والتتلمذ على أيدي اسماء كبرى من بينها مثلا الفاضل الجعايبي. ولم ينتظر المدير الجديد وقتا طويلا قبل ان ينخرط في الإصلاحات اذ انطلقت اشغال الصيانة منذ شهر فيفري 2023 وقد راهن معز مرابط بالخصوص على تحسين البنية الأساسية اذ لا يمكن في ظل بنية مهترئة تحقيق شيء يذكر على مستوى الإنتاج والخلق والإبداع وذلك وفق ما أكد عليه في حديثنا معه بالمناسبة.
معز مرابط مدير عام المسرح الوطني لـ"الصباح " : أشغال الصيانة تضفي على قصر المسرح بالحلفاوين والفن الرابع روحا جديدة
تولى الفنان المسرحي معز مرابط مسؤوليته على رأس المسرح الوطني منذ فيفري 2023، وقد تم اختياره بناء على مشروع تقدم به للترشح للمنصب ( اثر بلاغ في الغرض) وقد عمل منذ تسلمه المسؤولية على تطبيق برنامجه الذي يشمل الى جانب الانتاج وكل النواحي الفنية والابداعية، مسألة البنية التحتية للمؤسسة. وقد انطلقت اشغال الصيانة والترميم واعادة التهيئة منذ شهر مارس من العام المنقضي وقريبا يتم افتتاح قصر المسرح بالحلفاوين بثوبه الجديد وبهذه المناسبة التقينا مديره العام الذي تحدثنا معه حول ابرز نقاط مشروعه ومدى تقدمه في الانجاز.
* شهد المسرح الوطني في الفترة الأخيرة اشغال صيانة وتعهد مكثفة. كان الوضع اذن عاجلا ويتطلب تدخلا عاجلا؟
عندما تسلمت المسؤولية على رأس المسرح الوطني، كان قد مر بما يمكن ان نسميه بفترة فراغ دامت حوالي عامين ورغم العمل الملفت الذي قامت به السيدة المديرة بالنيابة الا أن الوضع كان يتطلب تدخلا عاجلا وكانت البنية التحتية فعلا من اولوياتي. انا جئت بمشروع فيه كل الجوانب المتعلقة بالانتاج والتوزيع والبحث والتوثيق والنشر ومختلف المحاور التي يقوم عليها نشاط المسرح الوطني، لكن المرحلة الصعبة التي مر به المسرح لم تترك امامنا خيارات كثيرة، فالمسرح الوطني قاطرة للمسرح في تونس وله اشعاع وطني وله حضوره على المستوى العربي والاقليمي، وكان من الضروري ان تتوفر ظروف العمل الملائمة في فضاءات النشاط التابعة للمسرح الوطني وهي قاعة الفن الرابع وقصر المسرح بالحلفاوين.
وقد تمثل مشروع صيانة قاعة الفن الرابع في تهيئة المكتبة المختصة في المسرح وفنون العرض وهي مفتوحة للجمهور وهي اول مكتبة من نوعها على المستوى الوطني والإقليمي.
ومع المكتبة احدثنا رواقا فنيا سنفتتحه بمعرض للصورة الفوتوغرافية حول المسرح يعدها الفنان الفوتوغرافي قيس بن فرحات واحدثنا كذلك استوديو للسمعي البصري وهو من شأنه ان يمنح المؤسسة امكانيات كبيرة في تصوير الفيديوهات وغيرها.
اشتغلنا ايضا على واجهة الفن الرابع كي نخلق فرصا افضل لاستقطاب الجمهور وقمنا بتركيز شاشات رقمية وواجهة لتقديم اعمال وبرامج المسرح الوطني.
أما قصر المسرح فهو معلم اثري موجود في قلب الحلفاوين وهو المقر الاجتماعي وهو يحتضن الادارة والمدرسة التطبيقية للحرف المسرحية.
*لم تقتصر الاشغال على الصيانة، فقد شهد قصر المسرح بالحلفاوين احداثات جديدة، هل من توضيح اكثر حول الموضوع؟
من الاحداثات الجديدة اذكر بالخصوص الرواق الشرفي الذي سيحتضن معرضا قارا للازياء المسرحية وفضاء يحتضن معرضا قارا لتاريخ وذاكرة المسرح التونسي
مع ضرورة التذكير بانه لأول مرة يشهد المسرح اشغالا بهذه الكثافة منذ بنائه.
الورشات، الحدادة والنجارة، كانت موجودة لكن تم توفير تجهيزات ومعدات تساهم في تطوير عملها لكن قاعة الديكور والاكسسورات من الاحداثات الجديدة وقد قمنا بإعادة تهيئة الملابس التي وقع تنظيفها وحاليا بصدد رقمنتها ووضعها على قاعدة بيانات وقد يكون من المفيد الاشارة الى أنه لدينا اكبر مخزون ملابس مسرحية ونحن بصدد تهيئته بالشكل المطلوب.
وفيما يتعلق بقاعات العروض اشير الى أن قاعة العروض متعددة الاختصاصات كانت قاعة سيرك وهي ستحتفظ بوظيفتها لكن سيقع توظفيها ايضا لفن الممثل والى جانب اعادة فن السيرك سنضيف فن الرقص والفنون المستحدثة .
اذن ستتحول قاعة قاعة برنار تيران Bernard Turinالى اوديترويوم وستخصص للعروض متعددة الاختصاص وستدخل الى البرمجة وستحتضن عروضا كامل السنة سواء من انتاج المسرح الوطني أو غيره وسنضع القاعة أيضا للكراء.
واجهة المسرح تم الاشتغال عليها ايضا وهيئنا الرصيف كما وضعنا ديكورات في المدخل كانت قد استعملت من قبل في افلام مثل فيلم " le pirate" ومن بينها ما تم استغلاله في مسرحية لمحمد ادريس وبعضها كان موجودا لفترة في مسرح التياترو بالعاصمة.
(ونشير الى أن ابرز قطعة تلاحظها عند مدخل المسرح هي مدفع قال مدير المسرح انها مازالت صالحة للاستعمال)
هل يمكن للزائر أن يحصل على فكرة حول التحولات التي شهدها المسرح الوطني قبل زيارته له؟
الزائر يمر بالمدرج الرئيسي للقصر الذي كان مهملا وقد تمت إعادة تهيئته لاحتضان معرض قار لذاكرة المسرح التونسي ( صور ) ثم نجد قاعة علي بن عياد المخصصة للتمارين وللمدرسة التقنية وقد شملت الاشغال الارضية والتقنيات وغرفة الفنانين، اثر ذلك نجد قاعة برنار تيران أو الاوديتريوم وهي قاعة كبيرة متعددة الاختصاصات وشملت الاشغال الأجهزة الركحية والستار الحديدي الذي يضم عملا فنيا تشكيليا اهداء لارواح أطفال غزة الشهداء. الامر يتعلق بجدارية وتحمل اسم يوسف الطفل الصغير الذي بكته امه وبكاه العالم معها.
المدخل الخلفي أيضا وقعت إعادة تهيئته وتم احداث قاعة جديدة بالاعلى تحمل اسم المنصف السويسي وهي تضم استوديو وخاصة بالتمارين. قاعة السينوغرافيا وهي قاعة جديدة تحمل اسم قيس رستم مع العلم أن لدينا قاعة في الفن الرابع تحمل اسم رجاء بن عمار.
زائر قصر الحلفاوين يجد فيما بعد قاعة حبيبة مسيكة ( خاصة بالرقص ) وبهو الحبيب المسروقي ثم السطح الذي يمكن استغلاله في انشطة فنية وترفيهية.
ونحن عموما نفكر في خلق مسلك ثقافي سياحي باب سويقة الحلفاوين وذلك بناء على قناعة بان "الحومة " قادرة على ان تكون قطبا ثقافيا حقيقيا وان يقع توظيف تاريخها.
*ما هي الموارد التي اعتمدتم عليها في اعمال الصيانة والتجديد؟
أذكر بان الاشغال انطلقت في مارس 2023، يعني عاما ونصف من العمل وهو مجهود كبير على كاهل المؤسسة.. عمل كبير. ولا بد من التنويه بان وزارة المالية كانت متفهمة لمطالبنا الى حد ما لكن عولنا بدرجة اولى على موارد المؤسسة الذاتية وهي ليست كبيرة جدا ولكن اشتغلنا بالموارد الموجودة وخاصة الموارد البشرية مع الاشارة الى وجود مساهمة من مؤسسة عبد الوهاب بن عياد "فابا" التي اهتمت بالخصوص بقاعة علي بن عياد والرواق الشرفي لقصر المسرح.
*علمنا بانه تمت الموافقة اخيرا على استخدام قصر صاحب الطابع وكنيسة باب الخضراء، كيف سيقع توظيف المعلمين؟
قصر صاحب الطابع سيخصص لاحتضان اقامات فنية للفنانين التونسيين واجانب وسنعول على شراكاتنا مع الخارج اما مشروع الكنيسة فقد تمت الموافقة على الدراسات وهي ستحتضن اكاديمية المسرح الوطني.
الفضاء سيستقبل شبابا وأطفالا وفئات مهمشة وهو مشروع نموذجي فيه جانب ابداعي وفيه جانب اجتماعي بمعنى الفن في خدمة المجتمع من خلال نوعية من البرامج تتوجه بالخصوص للفئات المهمشة والمقصية عن الفعل الثقافي.
وقد شجعت معتمدية باب سويقة على تخصيص قصر صاحب الطابع وكنيسة باب الخضراء القريبة من قصر المسرح للمسرح الوطني وهذا امر وجب التنويه به.
*وكيف امكن للمسرح الوطني التوفيق بين أشغال التهيئة والانتاج؟
لقد حققنا رقما قياسيا وهو غير مسبوق في تاريخ المسرح الوطني من الانتاجات ونحن سعداء بالحرفية العالية للانتاجات والتنوع الكبير للاعمال اذ نجد الى جانب اسماء كبرى مثل الفاضل الجعايبي ومحمد المختار الوزير، أسماء جديدة مثل محمد بوسعيدي وقد تم اختياره مثلا للمشاركة في مهرجان القاهرة التجريبي. لدينا ايضا مشاركات في بغداد والمغرب وفي العديد من البلدان، ولدينا انتاجات مشتركة من بينها عمل مع المركز الثقافي الإيطالي ومع المسرح الكرواتي ( في ديسمبر )
*لم نشهد في السنوات الاخيرة حضورا لافتا لاعمال المسرح الوطني في المهرجانات الدولية الصيفية؟
نحن نرسل اعمالنا لكل المهرجانات بما في ذلك مهرجان قرطاج الدولي لكن كما هو ملاحظ، المسرح غائب في مهرجان قرطاج، وكنا سنحضر في مهرجان الحمامات الدولي بعملين وتم تغييب مسرحية من بينهما لأسباب غامضة وهي مسرحية آخر البحر للفاضل الجعايبي.
نحن مؤسسة موجودة وان كان هناك رغبة من مهرجان قرطاج أو الحمامات أو غيرهما في الشراكة، أؤكد اننا جاهزون لكن الأطراف الأخرى يجب ان تكون لها نفس الرغبة.
*تعددت مبادرات المسرح الوطني في الفترة الأخيرة، مهرجانات، اسبوع المسرح التونسي، هل هي رغبة في استعادة دور المؤسسة وحضورها؟
المسرح الوطني له دور شامل وهو منفتح على كامل تراب الجمهورية وفرقنا التقنية موجودة في كل مكان ومستعدة للدعم ودورنا هو فرض اشعاع المسرح في كل جهة.
اطلقنا مثلا المهرجان الوطني التونسي لمسرح الابداع وهو تظاهرة وطنية ملأت فراغا كبيرا وتقدم جوائز هامة وقد ورثت أسبوع المسرح التونسي الذي كان منتشرا في الستينيات لكن بروح جديدة وبامكانيات جديدة.
لدينا ايضا "تجليات الحلفاوين تونس مسارح العالم" وهي مسألة تأسيسية وقد خلقت اشعاعا اكبر للمؤسسة.
وسنعمل على خلق مواعيد قارة جديدة فيها شروط جذب الجمهور واستقطاب الجماهير الجديدة وهناك ايضا عمل على الترويج وهو يتطلب جهدا كبيرا.
*المسرح الوطني هل سيكون حاضرا في الدورة القادمة لمهرجان افينيون ؟
دورة مسرح افينيون القادمة ستكون دورة هامة لانها ستكرم اللغة العربية وتم التنسيق مع المعهد الفرنسي وسنكون حاضرين بانتاجات مهمة.
*واضح أنكم اخترتم المواصلة في مشروع مدرسة الممثل رغم الجدل حولها؟
وجود مدرسة في التكوين الاحترافي تعمل بفلسفة مسرح مدرسة هي في صلب مهام المسرح الوطني الذي من واجبه تطوير الممارسة المسرحية ولا يمكن ان نفصلها عن التكوين. مدرسة الممثل هي مدرسة حرفية قائمة الذات وهي مشروع مهم وادافع عنه وقد عملنا على تطوير تصور هذه المدرسة.
الفاضل الجعايبي اشتغل على فكرة المعلم والمتكون واحتفظنا بذلك ولكن لم نكتف به واستأنسنا بتجارب مقارنة لمساعدتنا على تطوير التكوين، ونحن سعداء بالدفعة المتخرجة حديثا وبالدفعة القادمة في انتظار المدرسة الوطنية للفنون وتقنيات الركح المسرحي.
فالمسرح يتطور بالرقص والفنون التي تدور في فلكه وهو يتطور من خلال اختصاصات فنية قريبة منه كالرقص مثلا وفنون السيرك والتقنيات الجديدة ومن خلال التكوين يمكن ان نخلق مسارات جديدة وهذا يمكن ان يؤثر على المشاريع الفنية كتابة وممارسة التي تتطور وتكون قريبة من الاذواق الجديدة.
هل من حل لمعضلة مراكز الفنون الدرامية المعطلة اليوم؟
للتذكير لقد تم بعث هذه المراكز دون اطار قانوني يضبط عملهم تم تقديم مشروع لمجلس النواب لضمها للمسرح الوطني لكنه رفض بتعلة ان المشروع سيكرس المركزية.
الوزارة حاليا تشتغل على تصورات أخرى، في الاثناء هناك مراكز معطلة وعائلات تقتات منها بلا مورد ووضعيات هشة. حقيقة اننا ازاء معضلة حقيقية.
برأيي وزارة الثقافية اختارت حلا عقلانيا باقتراح ضمهم للمسرح الوطني، لكن المشروع رفض على أمل ان يقع حل مشكل هذه المراكز التي لا يمكن لها ان تنتج اعمالا جديدة ومحكوم عليها بمجاراة اليومي لا غير.
من هو مدير عام المسرح الوطني
معز مرابط المدير العام للمسرح الوطني هو ممثل ومخرج وأستاذ جامعي مختص في تقنيات ومناهج التمثيل والأداء، وهو أيضا ناشط وخبير في المجال الثقافي وعضو بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون - بيت الحكمة، حاصل على الدكتوراه من جامعة السوربون الجديدة، معهد الدراسات المسرحية باريس في اختصاص المسرح وفنون العرض (2007) وحاصل على شهادة الدراسات المعمقة من جامعة باريس X - نانتير في نفس الاختصاص (1999)، وهو خريج المعهد العالي للفن المسرحي بتونس- حاصل على شهادة الأستاذية تمثيلا واخراجا. وإلى جانب مسيرته كأستاذ جامعي وباحث اكاديمي، وإشرافه على قسم الفنون والتقنيات الدرامية بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس، لمعز المرابط مسيرة فنية في المسرح والسينما، بالإضافة لتجربته كناشط وخبير ثقافي على المستويين الوطني والدولي. وتولّى معز المرابط ادارة المركز الثقافي الدولي بالحمامات، دار المتوسط للثقافة والفنون، وإدارة مهرجان الحمامات الدولي (الدورتين 52 و53)، إضافة لمساهمات وتجارب عديدة له كمدير فني وخبير ومستشار وعضو لجان تحكيم للعديد من البرامج والمشاريع والمهرجانات والمؤسسات الفنية والثقافية في تونس والخارج.
تونس- الصباح
كان المسرح الوطني منذ شهر مارس من العام الماضي مسرحا للعديد من أشغال الصيانة واعادة التهيئة والتجهيز وقد اقتربت الاشغال من نهايتها ليكتشف جمهوره ورواده قريبا مؤسستهم التي تعتبر منارة حقيقية للفن الرابع، في ثوبها الجديد الذي وقعت حياكته وقيافته وفقا لمجموعة من المعايير التي من شأنها أن تكرس وجود المسرح الوطني كمنارة للفن الرابع في البلاد وتكرس تجذره في محيطه العمراني ونعني بالخصوص قصر المسرح ( المقر الاجتماعي ) الذي يقع في قلب اشهر الاحياء في المدينة العتيقة بالعاصمة، الحلفاوين.
إعداد حياة السايب
وقد لا نبالغ عندما نقول ان اعمال الصيانة والترميم والتجهيزات التقنية الجديدة التي استفاد منها، قد تمنح قصر الحلفاوين شهادة ميلاد جديدة وهو الذي عانى طويلا من الاهمال لفترة طويلة، ولم يحظ باعمال صيانة بهذا الحجم، اذ ظلت المحاولات في هذا الباب محدودة لاسباب عديدة من بينها مثلا قلة الامكانيات وهي مسألة قد تم هذه المرة تجاوزها نسبيا بالتعويل على تفهم وزارة المالية وعلى الموارد الذاتية خاصة منها البشرية اضافة الى دعم السلط المحلية وخاصة معتمدية باب سويقة.
وقد كانت لنا فرصة عند زيارتنا لقصر المسرح بالحلفاوين لاكتشاف التغييرات التي طرأت على البناية والتي يتوقع أن تكون سببا في بعث موجات ايجابية لدى رواد المسرح الوطني كما يتوقع أن تستقطب جماهير جديدة وخاصة من المحيط الجغرافي القريب حيث بقي عدد كبير من الشباب والاقل شبابا من أبناء الاحياء المذكورة والاحياء القريبة منها في شبه قطيعة مع المسرح الوطني رغم وجوده القريب، حتى ان البعض منهم لا علم له اساسا بوجود المسرح في المنطقة، وقد تم اعداد برمجة جديدة موجهة اساسا لأبناء الأحياء الشعبية وفق المدير العام للمسرح الوطني معز مرابط.
وبما ان مدير عام المسرح الوطني يملك أيضا ملكة التواصل وهو مواكب لكل تفاصيل أشغال الصيانة واعادة التهيئة لقصر الحلفاوين ولقاعة الفن الرابع وسط العاصمة ( شارع باريس) التي تحتضن عروض المسرح الوطني وغيرها وهي أيضا استفادت من اشغال الصيانة وشهدت احداثات جديدة من بينها مكتبة متخصصة قال عنها أنها الاولى من نوعها في تونس وفي محيطنا الاقليمي، فإن الجولة بين قاعات القصر التي بدأت من المدخل حتى وصلنا الى سطح القصر -والاشارة الى السطح مهمة لان سطح لقصر يمكن توظيفه ايضا في مقهى ثقافي او تحويله الى فضاء للعروض الليلية- مرورا بكل القاعات وبعد صعود بعض السلالم القديمة ومن بينها المدرج الكبير الذي ظل طويلا مهملا قبل اعادة تهيئته بالمناسبة، ساعدتنا كثيرا على التعرف على التحسينات التي ادخلت على مقر المسرح الوطني بما في ذلك تفاصيل التفاصيل.
اكتشفنا كذلك في جولتنا مع مدير عام المسرح الوطني ان التشبع بتاريخ المؤسسة يضاعف من حجم قدرة المحدث على الاقناع وعلى اثارة حماسة المستمع. وهذا ما حصل فعلا في جولتنا في قصر خزندار. فهكذا كان قصر المسرح قبل ان يتخذ اسمه الجديد، مع العلم أن الفنان القدير محمد ادريس هو الذي اتخذه مقرا للمسرح الوطني.
وللاشارة، فقد تمت تمت الجولة في يوم من أواخر شهر أوت وقد كانت فيها الشمس حارقة لكنها ساعدت على ظهور مبنى قصر الحلفاوين وهو يشع وقد زادته اللافتة النحاسية التي نقشت عليها أحرف اسم المسرح الوطني بأسلوب فني جميل جاذبية. فلا يمكنك بعد اليوم أن تمر بالمكان دون ان تنتبه لوجود المسرح الوطني على خلاف الماضي حيث كان المسرح الوطني بالكاد يلاحظ – لا نتحدث هنا عن الجمهور والرواد والمريدين طبعا. وبما أننا نتحدث عن التفاصيل، فإننا نشير الى أن مدخل المسرح الوطني قد تم اصلاحه وتم تهيئة رصيف كما تمت تهيئة موقف السيارات الذي يمكن أن يتحول ان اقتضى الأمر وخاصة في فصل الصيف الى فضاء للجمهور خاصة مع تهيئة القاعة متعددة الاختصاصات.
كل شيء تغير تقريبا في قصر الحلفاوين بعد أشغال الصيانة ونرجح ان التغيير كان نحو الأفضل فكل القاعات بداية من قاعة علي بن عياد وقاعة حبيبة مسيكة وقاعة المنصف السويسي وصولا الى قاعة الفنون المتعددة وقعت اعادة تهيئتها وتم تغيير الارضية وتم تجهيزها بتقنيات حديثة. تمت ايضا اعادة تهيئة ورشات الحدادة والنجارة وتم احداث فضاء خاص بالملابس ( ملابس المسرح على امتداد كل الفترات) مع تنظيمها وترقيمها ووضع قاعدة بيانات حولها.
وقد تم كل ذلك بالتنسيق مع مصالح المعهد الوطني للتراث فنحن ازاء معلم تاريخي فقصر الحلفاوين وللتذكير شيده الوزير مصطفى خزندار في 1850 وفق ما تؤكده وثائق تاريخية، على الطريقة المعمارية الايطالية وقد ساهم عمال ايطاليون في بنائه. تم استخدام القصر فيما بعد في عدة وظائف. استخدم كمستشفى واستخدم كمدرسة وفي 1988 تحول الى مقر للمسرح الوطني.
وربما هي بشرى للمسرحيين وعشاق الفن، فقد أكد معز مرابط مدير عام المسرح الوطني أنه سيتسنى أخيرا استخدام قصر صاحب الطابع المقابل لقصر الحلفاوين وهو يخضع بدوره لاشغال صيانة وترميم، وسيقع توظيفه بالخصوص في تنظيم اقامات فنية للتونسيين والضيوف وأيضا سيتم استخدام كنيسة باب الخضراء التي ستخصص للتكوين ضمن المدرسة الوطنية التطبيقية لتقنيات المسرح وفنون الركح التابعة للمسرح الوطني، مما يساعد على تحقيق المشروع الحلم وفق وصف مدير عام المسرح الوطني، في انجاز مسلك ثقافي سياحي بباب سويقة الحلفاوين. بقية التفاصيل نجدها في الحوار الذي أجريناه بالمناسبة مع معز مرابط مديرعام المسرح الوطني بمناسبة نهاية اشغال الصيانة واعادة التهيئة واستعداد المسرح الوطني للاحتفال بحلته الجديدة.
منذ التأسيس وإلى اليوم.. المسرح الوطني وأكثر من مرحلة حاسمة
تأسس المسرح الوطني سنة 1983 في عهد البشير بن سلامة وزير الثقافة آنذاك وقد تولى الفنان المسرحي الراحل المنصف السويسي ادارته منذ تأسيسه الى سنة 1988 ثم تولى الادارة الفنّان المسرحي محمد إدريس إلى غاية سنة 2010، ووصفت هذه المرحلة بانها مرحلة التأسيس الثانية حيث تمت هيكلة المسرح ووضع القوانين التنظيمية مع الانفتاح على تجارب مسرحية مختلفة.
وفي تقديمها لمراحل تطوير المسرح الوطني، نقتطف ما يلي من الموسوعة التونسية:
اتسمت المرحلة الأولى بحركية الانتاج وتطوير الخطاب المسرحي وقد بلغ عدد الأعمال المنجزة في تلك الفترة (من سنة 1984 إلى سنة 1987) عشرون عملا - وهو رقم قياسي بالنظر إلى الفترة الزمنية - منها ما هو موجه للكهول (خمسة عشرة عملا) ومنها ما هو للأطفال (خمسة أعمال) ونجد في هذه الأعمال خمسة عشرة عملا من إنتاج المسرح الوطني والبقية أنتجها مع فرق أخرى في إطار انفتاحه على الأسماء والفرق والهياكل الأخرى مثل مسرح الديدحانة (الكواليس) ومسرح الكلّ (حمّالة في النّازلة) والفرقة المسرحية القّارة بسوسة (رجل أمام البحر) ومع مهرجانات مثل مهرجان بنزرت الدّولي (الدنيا ساعة بساعة) وإتحاد الممثلين (المنفي) وقد أخرج أعمال المسرح الوطني في تلك المرحلة مسرحيون تونسيون مشهود لهم أمثال المنصف السويسي والمنجي بن إبراهيم وعبد الغني بن طارة وكمال العلاوي والمنصف ذويب ومحمد المختار الوزير وحبيبة الجندوبي ونور الدين المطماطي وسمير العيّادي والبشير الدريسي ومحمد نجيب السّاحلي وعبد الحق خمير وغيرهم أمّا النصوص فمنها ما هو مؤلف ومنها ما هو مقتبس ومنها ما هو مترجم بإمضاء تونسيين وعرب وأجانب. ومن هذه الأعمال نذكر "من أين هذه البلية؟" و"أنا الحادثة" و"اسمع يا عبد السميع" و"منطق الطير" و"يا ثروة في خيالي" و"مدينة المقنعين" و"وكر النسور" و"ثعلب وثعيلب"...
و قد اتسمت هذه الأعمال بتنوع المضامين والأشكال والرؤى التعبيرية وبالتالي فإنّ هذه المرحلة كانت مرحلة التأسيس والانتاج والتعريف به داخل البلاد وخارجها ومن الانجازات الكبرى للمسرح الوطني تأسيسه لأيام قرطاج المسرحية سنة 1983 التي أدارها المنصف السويسي في عدّة دورات كما أصدر المسرح الوطني في الفترة ذاتها مجلة متخصّصة وهي "فضاءات مسرحية" التي أثرت الساحة الفكرية المسرحية وقد تمّ اعتبار توقفها عن الصدور في المرحلة الثانية خسارة كبرى.
بدأت المرحلة الثانية سنة 1988 وهي مرحلة تركيز المؤسسة من حيث الهيكلة الإدارية والبنى التحتية وفي مقدّمتها المقرّات وهكذا استقر المسرح الوطني بقصر خزندار بالحلفاوين كمقرّ اجتماعي رسميّ له أطلق عليه إسم "قصر المسرح" تمّت فيه تهيئة عدّة فضاءات منها المقرات الاداريّة وأستوديو "حبيبة مسيكة" للتمارين الجسديّة والرّقص وأستوديو "علي بن عياد" للتمارين وتكوين الممثلين وخزينة الأزياء وخزينة التجهيزات التقنية وخزينة الديكور والمتممات الركحية وورشة النجارة.
ولقد شكل تركيز البنى التحتية وفي مقدّمتها قاعة الفن الرابع بشارع باريس التي تم تحويلها من قاعة سينما إلى قاعة للعروض المسرحية مُجهزة بأحدث التقنيات، ضمان استمرارية عمل المؤسسة وظروف الانتاج الملائمة كما تم ربط علاقات شراكة مع مسارح عربية وأوروبية لمزيد التقدّم بالتجربة الابداعية داخل المؤسسة التي حرصت على الانخراط في الحداثة الفنية والاعتماد على الطاقات الشابة.
كانت البداية سنة 1988 بمسرحية "يعيشو شكسبير" لمحمد إدريس الذي أخرج أيضا عدّة أعمال أخرى مثل "ونّاس القلوب" و"فلوس القاز" مع الأسعد بن عبد اللّه و"دونجوان" و"الجثة المطوّقة" و"فرسان اللسان" و"راجل ومرا" و"حدّث"... والقاسم المشترك في كلّ هذه الأعمال على اختلاف مكوّناتها التعبيرية ولغتها البصرية، الرؤية التحديثية والكتابة الجديدة.
هذا التوجه نلمسه في أعمال أنتجها المسرح الوطني مثل "بالي حكايتهن" لأوديل كوغول بمساعدة نادية زويتن و"الرصيف الغربي" لرضا دريرة. ومن الأعمال التي أنتجتها المؤسسة نذكر "العوادة" للفاضل الجزيري والفاضل الجعايبي (إنتاج مشترك مع المسرح الجديد) و"سنفونية" للحبيب شبيل (إنتاج مشترك مع المسرح المثلث) و"جنّة على الأرض" لرشاد المناعي (بالاشتراك مع مهرجان صفاقس الدّولي) و"كوميديا" للفاضل الجعايبي (إنتاج مشترك مع فرقة مدينة تونس) و"فلوس القاز" (إنتاج مشترك مع مجموعة سي تار) و"إليك يا معلمتي" لنورالدين الورغي (بالاشتراك مع مسرح الأرض) إضافة إلى ثلاثة أعمال للأطفال لمحمد المختار الوزير.
وفي انفتاحه على الأسماء الأجنبية لمزيد إثراء التجربة تعامل المسرح الوطني مع المخرج لويجي دلاليو في مسرحية "فاجعة في باريس" وكانت السينوغرافيا لسارجيوترامونتي والمخرج فرانشيسكو سانسي في مسرحيّة "الليلة نرتجل بيرانديلو" (إنتاج المسرح الوطني الشاب بمساهمة المعهد الايطالي للثقافة) والمخرج نيل فليكمان في مسرحيّة "موتة العزّ" (بمساهمة المركز الثقافي الأمريكي). ومن العناوين نذكر كذلك "ستوديو" و"مدرسة الشيطان" لمعزّ العاشوري في إطار المسرح الوطني الشاب وكذلك "ساعة ونصف بعدي أنا" و"حسب رأي غارغرين" لنضال قيقة و"شاخ مات" لفتحي بن عزيزة وفتحي العكاري و"وفى الطرح" و"صراع" لعبد الحميد قياس و"زينب" للطفي عاشور و"زمان" لرضا دريرة (مسرحية غنائية) وتعتبر تجربة حسن المؤذن مهمّة ومتميّزة حيث أخرج "عدن..عدن" و"الحياة حلم" وعمل مساعد مخرج لمحمد إدريس في أكثر من عمل كما اعتبرت مسرحية "حقائب" لجعفر القاسمي من الأعمال اللافتة التي أنجزها المسرح الوطني. تلتها مسرحية "مرض زهايمر" لمريم بوسالمي التي حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان المسرح العربي بالأردن سنة 2011 ومسرحية "ليلة الغفلة" لمعز العاشوري.
وإلى جانب هذه الانتاجات التي عرضت داخل تونس وخارجها، فإنّ المسرح الوطني أصدر مؤلفين فنيين هما "دروب" سنة 1992 وقد تضمن تحليل أبرز التجارب المسرحية بالبلاد منذ الستينات و"أزهار الستار على الجدار" الذي اعتنى بفنّ الملصق المسرحي إضافة إلى إقامة المعارض وتنظيم المهرجانات، كما أوكلت لمديره العام الفنان محمد إدريس إدارة أيام قرطاج المسرحية في دورات 1997 - 2005 - 2007 - 2009. ومن الخيارات الأخرى في صلب المسرح الوطني انفتاحه على فنون الفرجة الحيّة فكوّن نواة الباليه الوطني للرّقص التي لم تعمر طويلا ثم بعث المدرسة الوطنية لفنون السرك التي فتحت أبوابها سنة 2003 وخُصصت لها إدارة وقاعة كبرى للتمارين تتوفر على تجهيزات عالمية ووسائل عمل متطوّرة. وإلى جانب التكوين على أيدي أساتذة تونسيين مختصين مع الاستعانة بخبرات أجنبية في هذا الفنّ خاصّة في التربصات والانتاجات - أنجزت المدرسة سبعة أعمال قدّمت في كامل تراب الجمهورية وأوروبا حيث تمت دعوتها إلى مهرجانات عالمية كبرى في فنون السّرك.
وفي 8 جويلية 2014 تم تعيين الفنان المسرحي الفاضل الجعايبي مديرا عاما جديدا للمسرح الوطني التونسي وقد تميزت هذه الفترة بتأسيس مدرسة الممثل بالمسرح الوطني التي خلقت جدلا كبيرا حول مدى الحاجة الى مدرسة للتكوين المسرحي والحال ان لدينا معهدا عاليا مختصا هوالمعهد العالي للفن المسرحي. وقد تمسك الفاضل الجعايبي بمبادرته في مجال التكوين مشيرا في جل احاديثه حول الموضوع الى أنه قبل مهمة الاشراف على المسرح الوطني بشروطه والتي من بينها التكوين في الحرف المسرحية مشيرا الى أن 120 تخرجوا من مدرسة الممثل التي تأسست سنة 2017.
وتم خلال فترة اشرافه على المسرح الوطني العمل على تحسين البنية التحتية للمؤسسة بالتوازي مع العمل على خلق اجواء افضل لاستقبال المسرحيين وهواة المسرح وعشاقه فتم بعث مقهى ثقافي وتم تنظيم مهرجان اسبوع يوم المسرح العالمي وتظاهرات اخرى من بينها قراءات مسرحية وعروض موسيقية وسينمائية.
وعلى مستوى الانتاج، تم تقديم 22 عملا مسرحيا ( بمعدل اربع اعمال في السنة) وقد حاول الفاضل الجعايبي الفنان الذي في رصيده مجموعة كبيرة من الاعمال المسرحية القيمة التي جاب بها مسارح العالم ( عشاق المقهى المهجور، يحيى يعيش، تسونامي، عنف، خوف وغيرها) وكان أول فنان عربي تتم دعوته لمهرجان أفينيون على امتداد تاريخ المهرجان، تطوير الانتاج وطرق العمل بالمسرح الوطني، ولم تكن فترته فترة سهلة وقد كان محل نقد وانتقاد لاسلوبه في العمل وطرق تصرفه في الادارة التي إن اعتبرت بالنسبة للبعض ضرورية من اجل فرض الالتزام والانضباط في العمل، فإنها اعتبرت بالنسبة للآخر، انفرادا بالرأي وفيها اقصاء للمخالفين للرأي.
من جهته كان الفنان المسرحي انور الشعافي قد تولى ادارة المسرح الوطني من 2011 الى 2014 وهناك اجماع على ان تلك الفترة كانت صعبة جدا للوضع الاستثنائي التي مرت به البلاد بعد أحداث 14 جانفي 2011 وخاصة بسبب الانفلات الذي كان موجودا في كل المجالات بما في ذلك في الادارة ومع ذلك لم تكن هذه الفترة على رأس المسرح الوطني خالية من الاجتهادات ومن محاولات تطوير المؤسسة على مستوى التصرف والادارة والانتاج.
وقد شهد المسرح الوطني فترة فراغ بعد مغادرة الفاضل الجعايبي له في 2021 وكان تعيين معز مرابط على رأسه في فيفري 2023 فرصة لضخ روح جديدة وهو الذي جمع بين التكوين الأكاديمي في تونس والخارج والتتلمذ على أيدي اسماء كبرى من بينها مثلا الفاضل الجعايبي. ولم ينتظر المدير الجديد وقتا طويلا قبل ان ينخرط في الإصلاحات اذ انطلقت اشغال الصيانة منذ شهر فيفري 2023 وقد راهن معز مرابط بالخصوص على تحسين البنية الأساسية اذ لا يمكن في ظل بنية مهترئة تحقيق شيء يذكر على مستوى الإنتاج والخلق والإبداع وذلك وفق ما أكد عليه في حديثنا معه بالمناسبة.
معز مرابط مدير عام المسرح الوطني لـ"الصباح " : أشغال الصيانة تضفي على قصر المسرح بالحلفاوين والفن الرابع روحا جديدة
تولى الفنان المسرحي معز مرابط مسؤوليته على رأس المسرح الوطني منذ فيفري 2023، وقد تم اختياره بناء على مشروع تقدم به للترشح للمنصب ( اثر بلاغ في الغرض) وقد عمل منذ تسلمه المسؤولية على تطبيق برنامجه الذي يشمل الى جانب الانتاج وكل النواحي الفنية والابداعية، مسألة البنية التحتية للمؤسسة. وقد انطلقت اشغال الصيانة والترميم واعادة التهيئة منذ شهر مارس من العام المنقضي وقريبا يتم افتتاح قصر المسرح بالحلفاوين بثوبه الجديد وبهذه المناسبة التقينا مديره العام الذي تحدثنا معه حول ابرز نقاط مشروعه ومدى تقدمه في الانجاز.
* شهد المسرح الوطني في الفترة الأخيرة اشغال صيانة وتعهد مكثفة. كان الوضع اذن عاجلا ويتطلب تدخلا عاجلا؟
عندما تسلمت المسؤولية على رأس المسرح الوطني، كان قد مر بما يمكن ان نسميه بفترة فراغ دامت حوالي عامين ورغم العمل الملفت الذي قامت به السيدة المديرة بالنيابة الا أن الوضع كان يتطلب تدخلا عاجلا وكانت البنية التحتية فعلا من اولوياتي. انا جئت بمشروع فيه كل الجوانب المتعلقة بالانتاج والتوزيع والبحث والتوثيق والنشر ومختلف المحاور التي يقوم عليها نشاط المسرح الوطني، لكن المرحلة الصعبة التي مر به المسرح لم تترك امامنا خيارات كثيرة، فالمسرح الوطني قاطرة للمسرح في تونس وله اشعاع وطني وله حضوره على المستوى العربي والاقليمي، وكان من الضروري ان تتوفر ظروف العمل الملائمة في فضاءات النشاط التابعة للمسرح الوطني وهي قاعة الفن الرابع وقصر المسرح بالحلفاوين.
وقد تمثل مشروع صيانة قاعة الفن الرابع في تهيئة المكتبة المختصة في المسرح وفنون العرض وهي مفتوحة للجمهور وهي اول مكتبة من نوعها على المستوى الوطني والإقليمي.
ومع المكتبة احدثنا رواقا فنيا سنفتتحه بمعرض للصورة الفوتوغرافية حول المسرح يعدها الفنان الفوتوغرافي قيس بن فرحات واحدثنا كذلك استوديو للسمعي البصري وهو من شأنه ان يمنح المؤسسة امكانيات كبيرة في تصوير الفيديوهات وغيرها.
اشتغلنا ايضا على واجهة الفن الرابع كي نخلق فرصا افضل لاستقطاب الجمهور وقمنا بتركيز شاشات رقمية وواجهة لتقديم اعمال وبرامج المسرح الوطني.
أما قصر المسرح فهو معلم اثري موجود في قلب الحلفاوين وهو المقر الاجتماعي وهو يحتضن الادارة والمدرسة التطبيقية للحرف المسرحية.
*لم تقتصر الاشغال على الصيانة، فقد شهد قصر المسرح بالحلفاوين احداثات جديدة، هل من توضيح اكثر حول الموضوع؟
من الاحداثات الجديدة اذكر بالخصوص الرواق الشرفي الذي سيحتضن معرضا قارا للازياء المسرحية وفضاء يحتضن معرضا قارا لتاريخ وذاكرة المسرح التونسي
مع ضرورة التذكير بانه لأول مرة يشهد المسرح اشغالا بهذه الكثافة منذ بنائه.
الورشات، الحدادة والنجارة، كانت موجودة لكن تم توفير تجهيزات ومعدات تساهم في تطوير عملها لكن قاعة الديكور والاكسسورات من الاحداثات الجديدة وقد قمنا بإعادة تهيئة الملابس التي وقع تنظيفها وحاليا بصدد رقمنتها ووضعها على قاعدة بيانات وقد يكون من المفيد الاشارة الى أنه لدينا اكبر مخزون ملابس مسرحية ونحن بصدد تهيئته بالشكل المطلوب.
وفيما يتعلق بقاعات العروض اشير الى أن قاعة العروض متعددة الاختصاصات كانت قاعة سيرك وهي ستحتفظ بوظيفتها لكن سيقع توظفيها ايضا لفن الممثل والى جانب اعادة فن السيرك سنضيف فن الرقص والفنون المستحدثة .
اذن ستتحول قاعة قاعة برنار تيران Bernard Turinالى اوديترويوم وستخصص للعروض متعددة الاختصاص وستدخل الى البرمجة وستحتضن عروضا كامل السنة سواء من انتاج المسرح الوطني أو غيره وسنضع القاعة أيضا للكراء.
واجهة المسرح تم الاشتغال عليها ايضا وهيئنا الرصيف كما وضعنا ديكورات في المدخل كانت قد استعملت من قبل في افلام مثل فيلم " le pirate" ومن بينها ما تم استغلاله في مسرحية لمحمد ادريس وبعضها كان موجودا لفترة في مسرح التياترو بالعاصمة.
(ونشير الى أن ابرز قطعة تلاحظها عند مدخل المسرح هي مدفع قال مدير المسرح انها مازالت صالحة للاستعمال)
هل يمكن للزائر أن يحصل على فكرة حول التحولات التي شهدها المسرح الوطني قبل زيارته له؟
الزائر يمر بالمدرج الرئيسي للقصر الذي كان مهملا وقد تمت إعادة تهيئته لاحتضان معرض قار لذاكرة المسرح التونسي ( صور ) ثم نجد قاعة علي بن عياد المخصصة للتمارين وللمدرسة التقنية وقد شملت الاشغال الارضية والتقنيات وغرفة الفنانين، اثر ذلك نجد قاعة برنار تيران أو الاوديتريوم وهي قاعة كبيرة متعددة الاختصاصات وشملت الاشغال الأجهزة الركحية والستار الحديدي الذي يضم عملا فنيا تشكيليا اهداء لارواح أطفال غزة الشهداء. الامر يتعلق بجدارية وتحمل اسم يوسف الطفل الصغير الذي بكته امه وبكاه العالم معها.
المدخل الخلفي أيضا وقعت إعادة تهيئته وتم احداث قاعة جديدة بالاعلى تحمل اسم المنصف السويسي وهي تضم استوديو وخاصة بالتمارين. قاعة السينوغرافيا وهي قاعة جديدة تحمل اسم قيس رستم مع العلم أن لدينا قاعة في الفن الرابع تحمل اسم رجاء بن عمار.
زائر قصر الحلفاوين يجد فيما بعد قاعة حبيبة مسيكة ( خاصة بالرقص ) وبهو الحبيب المسروقي ثم السطح الذي يمكن استغلاله في انشطة فنية وترفيهية.
ونحن عموما نفكر في خلق مسلك ثقافي سياحي باب سويقة الحلفاوين وذلك بناء على قناعة بان "الحومة " قادرة على ان تكون قطبا ثقافيا حقيقيا وان يقع توظيف تاريخها.
*ما هي الموارد التي اعتمدتم عليها في اعمال الصيانة والتجديد؟
أذكر بان الاشغال انطلقت في مارس 2023، يعني عاما ونصف من العمل وهو مجهود كبير على كاهل المؤسسة.. عمل كبير. ولا بد من التنويه بان وزارة المالية كانت متفهمة لمطالبنا الى حد ما لكن عولنا بدرجة اولى على موارد المؤسسة الذاتية وهي ليست كبيرة جدا ولكن اشتغلنا بالموارد الموجودة وخاصة الموارد البشرية مع الاشارة الى وجود مساهمة من مؤسسة عبد الوهاب بن عياد "فابا" التي اهتمت بالخصوص بقاعة علي بن عياد والرواق الشرفي لقصر المسرح.
*علمنا بانه تمت الموافقة اخيرا على استخدام قصر صاحب الطابع وكنيسة باب الخضراء، كيف سيقع توظيف المعلمين؟
قصر صاحب الطابع سيخصص لاحتضان اقامات فنية للفنانين التونسيين واجانب وسنعول على شراكاتنا مع الخارج اما مشروع الكنيسة فقد تمت الموافقة على الدراسات وهي ستحتضن اكاديمية المسرح الوطني.
الفضاء سيستقبل شبابا وأطفالا وفئات مهمشة وهو مشروع نموذجي فيه جانب ابداعي وفيه جانب اجتماعي بمعنى الفن في خدمة المجتمع من خلال نوعية من البرامج تتوجه بالخصوص للفئات المهمشة والمقصية عن الفعل الثقافي.
وقد شجعت معتمدية باب سويقة على تخصيص قصر صاحب الطابع وكنيسة باب الخضراء القريبة من قصر المسرح للمسرح الوطني وهذا امر وجب التنويه به.
*وكيف امكن للمسرح الوطني التوفيق بين أشغال التهيئة والانتاج؟
لقد حققنا رقما قياسيا وهو غير مسبوق في تاريخ المسرح الوطني من الانتاجات ونحن سعداء بالحرفية العالية للانتاجات والتنوع الكبير للاعمال اذ نجد الى جانب اسماء كبرى مثل الفاضل الجعايبي ومحمد المختار الوزير، أسماء جديدة مثل محمد بوسعيدي وقد تم اختياره مثلا للمشاركة في مهرجان القاهرة التجريبي. لدينا ايضا مشاركات في بغداد والمغرب وفي العديد من البلدان، ولدينا انتاجات مشتركة من بينها عمل مع المركز الثقافي الإيطالي ومع المسرح الكرواتي ( في ديسمبر )
*لم نشهد في السنوات الاخيرة حضورا لافتا لاعمال المسرح الوطني في المهرجانات الدولية الصيفية؟
نحن نرسل اعمالنا لكل المهرجانات بما في ذلك مهرجان قرطاج الدولي لكن كما هو ملاحظ، المسرح غائب في مهرجان قرطاج، وكنا سنحضر في مهرجان الحمامات الدولي بعملين وتم تغييب مسرحية من بينهما لأسباب غامضة وهي مسرحية آخر البحر للفاضل الجعايبي.
نحن مؤسسة موجودة وان كان هناك رغبة من مهرجان قرطاج أو الحمامات أو غيرهما في الشراكة، أؤكد اننا جاهزون لكن الأطراف الأخرى يجب ان تكون لها نفس الرغبة.
*تعددت مبادرات المسرح الوطني في الفترة الأخيرة، مهرجانات، اسبوع المسرح التونسي، هل هي رغبة في استعادة دور المؤسسة وحضورها؟
المسرح الوطني له دور شامل وهو منفتح على كامل تراب الجمهورية وفرقنا التقنية موجودة في كل مكان ومستعدة للدعم ودورنا هو فرض اشعاع المسرح في كل جهة.
اطلقنا مثلا المهرجان الوطني التونسي لمسرح الابداع وهو تظاهرة وطنية ملأت فراغا كبيرا وتقدم جوائز هامة وقد ورثت أسبوع المسرح التونسي الذي كان منتشرا في الستينيات لكن بروح جديدة وبامكانيات جديدة.
لدينا ايضا "تجليات الحلفاوين تونس مسارح العالم" وهي مسألة تأسيسية وقد خلقت اشعاعا اكبر للمؤسسة.
وسنعمل على خلق مواعيد قارة جديدة فيها شروط جذب الجمهور واستقطاب الجماهير الجديدة وهناك ايضا عمل على الترويج وهو يتطلب جهدا كبيرا.
*المسرح الوطني هل سيكون حاضرا في الدورة القادمة لمهرجان افينيون ؟
دورة مسرح افينيون القادمة ستكون دورة هامة لانها ستكرم اللغة العربية وتم التنسيق مع المعهد الفرنسي وسنكون حاضرين بانتاجات مهمة.
*واضح أنكم اخترتم المواصلة في مشروع مدرسة الممثل رغم الجدل حولها؟
وجود مدرسة في التكوين الاحترافي تعمل بفلسفة مسرح مدرسة هي في صلب مهام المسرح الوطني الذي من واجبه تطوير الممارسة المسرحية ولا يمكن ان نفصلها عن التكوين. مدرسة الممثل هي مدرسة حرفية قائمة الذات وهي مشروع مهم وادافع عنه وقد عملنا على تطوير تصور هذه المدرسة.
الفاضل الجعايبي اشتغل على فكرة المعلم والمتكون واحتفظنا بذلك ولكن لم نكتف به واستأنسنا بتجارب مقارنة لمساعدتنا على تطوير التكوين، ونحن سعداء بالدفعة المتخرجة حديثا وبالدفعة القادمة في انتظار المدرسة الوطنية للفنون وتقنيات الركح المسرحي.
فالمسرح يتطور بالرقص والفنون التي تدور في فلكه وهو يتطور من خلال اختصاصات فنية قريبة منه كالرقص مثلا وفنون السيرك والتقنيات الجديدة ومن خلال التكوين يمكن ان نخلق مسارات جديدة وهذا يمكن ان يؤثر على المشاريع الفنية كتابة وممارسة التي تتطور وتكون قريبة من الاذواق الجديدة.
هل من حل لمعضلة مراكز الفنون الدرامية المعطلة اليوم؟
للتذكير لقد تم بعث هذه المراكز دون اطار قانوني يضبط عملهم تم تقديم مشروع لمجلس النواب لضمها للمسرح الوطني لكنه رفض بتعلة ان المشروع سيكرس المركزية.
الوزارة حاليا تشتغل على تصورات أخرى، في الاثناء هناك مراكز معطلة وعائلات تقتات منها بلا مورد ووضعيات هشة. حقيقة اننا ازاء معضلة حقيقية.
برأيي وزارة الثقافية اختارت حلا عقلانيا باقتراح ضمهم للمسرح الوطني، لكن المشروع رفض على أمل ان يقع حل مشكل هذه المراكز التي لا يمكن لها ان تنتج اعمالا جديدة ومحكوم عليها بمجاراة اليومي لا غير.
من هو مدير عام المسرح الوطني
معز مرابط المدير العام للمسرح الوطني هو ممثل ومخرج وأستاذ جامعي مختص في تقنيات ومناهج التمثيل والأداء، وهو أيضا ناشط وخبير في المجال الثقافي وعضو بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون - بيت الحكمة، حاصل على الدكتوراه من جامعة السوربون الجديدة، معهد الدراسات المسرحية باريس في اختصاص المسرح وفنون العرض (2007) وحاصل على شهادة الدراسات المعمقة من جامعة باريس X - نانتير في نفس الاختصاص (1999)، وهو خريج المعهد العالي للفن المسرحي بتونس- حاصل على شهادة الأستاذية تمثيلا واخراجا. وإلى جانب مسيرته كأستاذ جامعي وباحث اكاديمي، وإشرافه على قسم الفنون والتقنيات الدرامية بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس، لمعز المرابط مسيرة فنية في المسرح والسينما، بالإضافة لتجربته كناشط وخبير ثقافي على المستويين الوطني والدولي. وتولّى معز المرابط ادارة المركز الثقافي الدولي بالحمامات، دار المتوسط للثقافة والفنون، وإدارة مهرجان الحمامات الدولي (الدورتين 52 و53)، إضافة لمساهمات وتجارب عديدة له كمدير فني وخبير ومستشار وعضو لجان تحكيم للعديد من البرامج والمشاريع والمهرجانات والمؤسسات الفنية والثقافية في تونس والخارج.