إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد طرح مسألة مراجعة القانون.. ثلاثة أخطاء تكبّل الصفقات العمومية!..

 

تونس – الصباح

في تقرير مهم أصدرته، الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، في أفريل 2018 حول "العشرة أخطاء الأكثر شيوعا في مجال التصرّف العمومي" كانت منظومة الصفقات العمومية حاضرة في ذلك التقرير الذي قام بتشخيص الواقع بالاعتماد على تقارير رسمية لمختلف الهيئات الرقابية ورصد الأخطاء التي تتكرّر دائما والأكثر انتشارا في الصفقات العمومية والتي جعلت هذه الصفقات دائما تفتقد للنجاعة وتحوم حولها الشكوك ..

ورغم الأهمية الكبيرة لذلك التقرير الذي شخّص بدقة مواطن الخلل في التصرّف العمومي فإنه لم يحظ لا بالمتابعة ولا بالحرص على تلافي تلك الأخطاء التي ذكرها، ولكن اليوم يعود ملف الصفقات العمومية ليطرح مجددا على مستوى الحكومة..

ففي اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد برئيس الحكومة كمال المدوري، تناول هذا الاجتماع مشروع النص المتعلق بالصفقات العمومية في المشاريع ذات الأهمية الإستراتيجية وقد أكد رئيس الجمهورية أن التشريع الحالي تجاوزه التاريخ وتضررت منه المجموعة الوطنية، فعشرات الآلاف من المليارات مرصودة والمشاريع التي رُصدت إمّا أنها لم تنطلق وإما أنها توقفت بعد مدّة وجيزة من بداية أشغالها.

وقبل هذا اللقاء أشرف رئيس الحكومة على اجتماع مجلس وزاري مضيق يتعلّق بضبط إجراءات خاصّة بإنجاز المشاريع العمومية الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي. وأكّد رئيس الحكومة كمال المدوري على أنّ هذا المجلس ينعقد تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، القاضية بمراجعة جميع النصوص القانونية والإجراءات التي تحول دون إنجاز المشاريع العمومية والخاصة كما شدّد المدوري على أنّ الصفقات العمومية هي قاطرة ورافعة إستراتيجية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية..

وظلّ ملف الصفقات العمومية من الملفات التي تثير دائما الشكوك وتطرح التساؤلات بل ورأى فيها البعض مدخلا للفساد والرشوة رغم أن الحكومة في 2016 حاولت ترشيد ذلك بإنجاز "منظومة تونابس" الخاصة برقمنة الصفقات ووضعها على شبكة الإنترنت لغرض إضفاء مزيد من الشفافية إلا أن الأمر لم يتحسّن كثيرا مع هذا الإجراء وظلت طول الإجراءات والتعقيدات الإدارية عقبة أمام النهوض بالصفقات العمومية .

انتقادات لمنظومة الصفقات

كشفت الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية في تونس في تقريرها حول "العشرة أخطاء الأكثر شيوعا في مجال التصرّف العمومي" عن الأخطاء الأكثر شيوعا في التصرف في الصفقات العمومية، كما قام هذا التقرير بالتطرّق الى الاعتمادات المخصصة لهذه الصفقات من خلال الأرقام الصادرة عن اللجنة العليا للصفقات العمومية حيث أشار التقرير الى حجم الشراءات العمومية الذي قدّر تقريبا في 2018 بـ18 بالمائة من جملة الناتج الداخلي الخام وأنه يتم رصد حوالي 15 مليار دينار سنويا في شكل صفقات عمومية .

وتبعا لهذا التقرير تم استخراج الأخطاء الثلاثة الأكثر شيوعا في الصفقات العمومية والمتمثلة أساسا في عدم إحكام ضبط الحاجات وعدم التقيد بإجراءات ومقتضيات المنافسة النزيهة، وضعف متابعة تنفيذ الصفقات ومراقبتها. وقال التقرير إن هذه الأخطاء مجتمعة تمثّل 41 في المائة من جملة الأخطاء الواردة بالتقارير المعتمدة كعينة وهي تقارير تتعلّق بالمرحلة التحضيرية للصفقات العمومية ومرحلة الإبرام ومرحلة التنفيذ .

وهذه الأخطاء من الطبيعي أن تسفر عن تقييم سيء لهذه الصفقات، حيث اعتبرت تقارير رقابية كثيرة ومنها تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أن قطاع الصفقات العمومية يعدّ مدخلا للفساد ويفتح الأبواب على مصراعيها لانتشار الرشوة والمحسوبية برسو صفقات على أشخاص بعينهم. وقال شوقي طبيب الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تصريحات إعلامية سابقة إن الفساد المتعلق بالصفقات العمومية يقدر بآلاف المليارات، بسبب غياب الحوكمة، وأن الفساد في الصفقات العمومية بلغ نسبة 25 بالمائة من إجمالي حجم الصفقات، وقد أكد شوقي الطبيب في أكثر من مناسبة أن بعض القوانين المنظمة للصفقات مازالت تبيح الفساد والإفلات من العقاب.

وأمام هذا الوضع كانت دائما مقترحات المختصين والمهتمين بمنظومة الصفقات العمومية تتمحور حول وجوب الإسراع بإجراء تنقيحات جذرية وعميقة على قانون الصفقات العمومية بالإضافة الى ضرورة اختصار آجال إطلاق العروض التي تصل إلى نحو 3 أشهر لدراستها الى جانب ضرورة خلاص الشركات التي تفوز بصفقات عمومية في آجال قصيرة حتى تبقى هذه الشركات قوية اقتصاديا وماليا، بما يشكل بدوره رافعة للاقتصاد الوطني، كما يرى بعض المختصين أنه من الضروري منح المؤسسات العمومية هامشا من الحرية في انجاز بعض الصفقات دون المرور بلجنة الصفقات في إطار إرساء ديناميكية داخلية في القطاع العمومي ..

واليوم مع طرح مسألة تنقيح قانون الصفقات العمومية فلابدّ أن تكون كل هذه النقاط على قائمة الدرس والتدقيق حتى يستجيب فعلا القانون الجديد الى الحاجة الملحة اليوم الى ضرورة وجود قطاع عمومي قويّ اقتصاديا وماليا وقادر على المنافسة مع القطاع الخاص .

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

بعد طرح مسألة مراجعة القانون..   ثلاثة أخطاء تكبّل الصفقات العمومية!..

 

تونس – الصباح

في تقرير مهم أصدرته، الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، في أفريل 2018 حول "العشرة أخطاء الأكثر شيوعا في مجال التصرّف العمومي" كانت منظومة الصفقات العمومية حاضرة في ذلك التقرير الذي قام بتشخيص الواقع بالاعتماد على تقارير رسمية لمختلف الهيئات الرقابية ورصد الأخطاء التي تتكرّر دائما والأكثر انتشارا في الصفقات العمومية والتي جعلت هذه الصفقات دائما تفتقد للنجاعة وتحوم حولها الشكوك ..

ورغم الأهمية الكبيرة لذلك التقرير الذي شخّص بدقة مواطن الخلل في التصرّف العمومي فإنه لم يحظ لا بالمتابعة ولا بالحرص على تلافي تلك الأخطاء التي ذكرها، ولكن اليوم يعود ملف الصفقات العمومية ليطرح مجددا على مستوى الحكومة..

ففي اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد برئيس الحكومة كمال المدوري، تناول هذا الاجتماع مشروع النص المتعلق بالصفقات العمومية في المشاريع ذات الأهمية الإستراتيجية وقد أكد رئيس الجمهورية أن التشريع الحالي تجاوزه التاريخ وتضررت منه المجموعة الوطنية، فعشرات الآلاف من المليارات مرصودة والمشاريع التي رُصدت إمّا أنها لم تنطلق وإما أنها توقفت بعد مدّة وجيزة من بداية أشغالها.

وقبل هذا اللقاء أشرف رئيس الحكومة على اجتماع مجلس وزاري مضيق يتعلّق بضبط إجراءات خاصّة بإنجاز المشاريع العمومية الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي. وأكّد رئيس الحكومة كمال المدوري على أنّ هذا المجلس ينعقد تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، القاضية بمراجعة جميع النصوص القانونية والإجراءات التي تحول دون إنجاز المشاريع العمومية والخاصة كما شدّد المدوري على أنّ الصفقات العمومية هي قاطرة ورافعة إستراتيجية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية..

وظلّ ملف الصفقات العمومية من الملفات التي تثير دائما الشكوك وتطرح التساؤلات بل ورأى فيها البعض مدخلا للفساد والرشوة رغم أن الحكومة في 2016 حاولت ترشيد ذلك بإنجاز "منظومة تونابس" الخاصة برقمنة الصفقات ووضعها على شبكة الإنترنت لغرض إضفاء مزيد من الشفافية إلا أن الأمر لم يتحسّن كثيرا مع هذا الإجراء وظلت طول الإجراءات والتعقيدات الإدارية عقبة أمام النهوض بالصفقات العمومية .

انتقادات لمنظومة الصفقات

كشفت الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية في تونس في تقريرها حول "العشرة أخطاء الأكثر شيوعا في مجال التصرّف العمومي" عن الأخطاء الأكثر شيوعا في التصرف في الصفقات العمومية، كما قام هذا التقرير بالتطرّق الى الاعتمادات المخصصة لهذه الصفقات من خلال الأرقام الصادرة عن اللجنة العليا للصفقات العمومية حيث أشار التقرير الى حجم الشراءات العمومية الذي قدّر تقريبا في 2018 بـ18 بالمائة من جملة الناتج الداخلي الخام وأنه يتم رصد حوالي 15 مليار دينار سنويا في شكل صفقات عمومية .

وتبعا لهذا التقرير تم استخراج الأخطاء الثلاثة الأكثر شيوعا في الصفقات العمومية والمتمثلة أساسا في عدم إحكام ضبط الحاجات وعدم التقيد بإجراءات ومقتضيات المنافسة النزيهة، وضعف متابعة تنفيذ الصفقات ومراقبتها. وقال التقرير إن هذه الأخطاء مجتمعة تمثّل 41 في المائة من جملة الأخطاء الواردة بالتقارير المعتمدة كعينة وهي تقارير تتعلّق بالمرحلة التحضيرية للصفقات العمومية ومرحلة الإبرام ومرحلة التنفيذ .

وهذه الأخطاء من الطبيعي أن تسفر عن تقييم سيء لهذه الصفقات، حيث اعتبرت تقارير رقابية كثيرة ومنها تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أن قطاع الصفقات العمومية يعدّ مدخلا للفساد ويفتح الأبواب على مصراعيها لانتشار الرشوة والمحسوبية برسو صفقات على أشخاص بعينهم. وقال شوقي طبيب الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تصريحات إعلامية سابقة إن الفساد المتعلق بالصفقات العمومية يقدر بآلاف المليارات، بسبب غياب الحوكمة، وأن الفساد في الصفقات العمومية بلغ نسبة 25 بالمائة من إجمالي حجم الصفقات، وقد أكد شوقي الطبيب في أكثر من مناسبة أن بعض القوانين المنظمة للصفقات مازالت تبيح الفساد والإفلات من العقاب.

وأمام هذا الوضع كانت دائما مقترحات المختصين والمهتمين بمنظومة الصفقات العمومية تتمحور حول وجوب الإسراع بإجراء تنقيحات جذرية وعميقة على قانون الصفقات العمومية بالإضافة الى ضرورة اختصار آجال إطلاق العروض التي تصل إلى نحو 3 أشهر لدراستها الى جانب ضرورة خلاص الشركات التي تفوز بصفقات عمومية في آجال قصيرة حتى تبقى هذه الشركات قوية اقتصاديا وماليا، بما يشكل بدوره رافعة للاقتصاد الوطني، كما يرى بعض المختصين أنه من الضروري منح المؤسسات العمومية هامشا من الحرية في انجاز بعض الصفقات دون المرور بلجنة الصفقات في إطار إرساء ديناميكية داخلية في القطاع العمومي ..

واليوم مع طرح مسألة تنقيح قانون الصفقات العمومية فلابدّ أن تكون كل هذه النقاط على قائمة الدرس والتدقيق حتى يستجيب فعلا القانون الجديد الى الحاجة الملحة اليوم الى ضرورة وجود قطاع عمومي قويّ اقتصاديا وماليا وقادر على المنافسة مع القطاع الخاص .

منية العرفاوي