تأكيد مجدد على الدور الذي اضطلعت به في تطوير العلوم والفنون.. مؤتمر جامعة "كامبردج" حول المخطوطات الإسلامية يذكر العالم بدور الحضارة العربية والإسلامية في بناء إنسان اليوم
احتضنت جامعة كامبردج بلندن الدورة الخامسة لمؤتمر مخطوطات القرن السابع الهجري، الذي انتظم ببادرة من دار المخطوطات بإسطنبول (تركيا) بالتعاون مع كلية العلوم الإسلامية في جامعة كامبردج وذلك من 9 الى 12 سبتمبر الجاري.
ومن اهداف المؤتمر الذي اختتم امس تسليط الضوء على الدور الذي اضطلع به العرب والمسلمون في بناء حضارة الانسان الحديثة اذ تؤكد المخطوطات الإسلامية ما بلغته العلوم والطب والفنون من تطور في فترة ازدهار الحضارة العربية والاسلامية وكيف استفادت المجموعة البشرية من الاكتشافات العربية والاسلامية في مجالات الطب والهندسة والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم الفلك والعلوم الطبيعية، غير ان العالم في المقابل وخاصة الغرب يظل يعتم على ذلك ويتناسى ما قدمه العلماء العرب والمسلمون من جليل الخدمات خاصة في القرنين السادس والسابع الهجري ( فيما بين القرنين 12 و13 ميلادي)
وتكمن قيمة هذا المؤتمر في انه يقدم الدليل المادي على ذلك من خلال المخطوطات الاسلامية التي تركها علماؤنا في مختلف المجالات العلمية والفكرية والمعرفية.
وهو، بناء على ذلك، يكتسي اهمية خاصة لانه عبارة عن حارس للذاكرة. هذا ان سلمنا ان دور المخطوطات يبقى مهما فقط من حيث دراسة الماضي والتاريخ، ذلك أن اهل الاختصاص يؤكدون أن المخطوطات الاسلامية مازالت تشكل اساسا هاما للمعرفة وان دراستها بالاستفادة مما جاد به العصر من تكنولوجيا متطورة يمكنها ان تساعد على فتح آفاق جديدة امام العلماء والباحثين.
وقد يكون من المفيد أن نشدد على ان التاريخ يحفظ لعلماء المسملين أنهم ساهموا خلال القرنين السادس والسابع الهجريين، في الارتقاء بمستوى المعرفة ليس فقط في المنطقة وانما في العالم وفتحوا اعين هذا العالم على كنوز معرفية من بينها الفلسفة اليونانية القديمة التي يعتبر اعادة اكتشافها سببا رئيسيا في النهضة الأوروبية والغربية عموما. وقد برز خلال هذه الفترة العديد من العلماء الذين ساهموا بشكل كبير في تطور العلوم والمعرفة ومن بينهم نذكر كل من الفيلسوف ابن رشد والامام الغزالي ( فقيه متصوف) والشريف الإدريسي الجغرافي البارز الذي رسم خريطة العالم وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى وغيرهم
وبالعودة الى المؤتمر نشير الى انه شهد مشاركة العديد من الشخصيات البارزة في مجال الدراسات الإسلامية الذين اكدوا بالخصوص على خطورة استمرار تجاهل الاسهامات العربية في مجالي العلوم والمعارف واعتبروا ان التعتيم على دور العرب والمسلمين في تطوير الحضارة الانسانية له هدف واضح وهو كسر شوكة ابناء المنطقة وتشكيكهم في قدراتهم ونسف كل ما من شأنه أن يعيد اليهم ثقتهم في النفس حتى يظلوا دائما على الهامش. وذكر بعضهم بالدور الذي اضطلع به المستشرقون في تكريس صورة نمطية حول العرب والمسلمين ولهذا يعتبر عرض المخطوطات التاريخية مهما لانه عبارة عن دليل حول ما يزخر به تاريخ العرب والمسلمين من مآثر وعلى الدور الكبير الذي قامت به الحضارة العربية والاسلامية في باب تطوير العلوم والمعارف وهي بذلك قد قدمت خدمة كبيرة للعالم بفضل فكر التنوير الذي بشرت به والاكتشافات العلمية التي حققها العلماء في تلك الحقبة التاريخية. ووجه علماء مشاركون في المؤتمر دعوة الى العالم العربي والاسلامي للابتعاد عن الجهل والاستناد على العلوم ونبذ العنصرية وذلك انسجاما مع جوهر الحضارة العربية والاسلامية التي تشجع على اعمال العقل وتحظ على العمل والاجتهاد وتنبذ التفرقة وتنادي بالمساواة بين كل الاعراق.
ومن جهته أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، أن "المنظمة تعمل بكل اهتمام على تعزيز ثقافات الخط والمخطوط، انطلاقا من رؤيتها في رعاية كل ما يتعلق بالإبداع الإنساني في مجالات العلوم والآداب والفنون، وفي توسيع قنوات العمل الريادي القائم على الابتكار والتجديد والتنوير، مشيرا إلى أن الإيسيسكو ستدشن قريبا مركزها المتخصص في ثقافات الخط والمخطوط".
وكان ذلك في كلمته المسجلة التي تم بثها خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الدولي: "مخطوطات القرن السابع الهجري.. الطب والعلوم الرياضية والطبيعية"، وشدد المتدخل على أن المخطوطات شاهد حي على أصالة العالم الإسلامي الثقافية وهويته اللغوية وصورته الحضارية، وجسر من جسور التواصل المعرفي المشترك مع الآخرين في مسارات العلوم الكونية والطبيعية والتطبيقية، منوها بجامعة كامبريدج إحدى أعرق جامعات العالم، التي احتضنت هذا المؤتمر المهم، الذي تناول مخطوطات القرن السابع الهجري بوصفه العصر الذهبي الثاني لنهضة المسلمين وازدهار حضارتهم في كل مجالات المعرفة الإنسانية وميادينها وفق قوله.
ومثل المؤتمر فرصة لتقديم فكرة حول ما بلغه الطب مثلا من تطور في عهد النهضة الاسلامية وخاصة في القرن السابع الهجري حيث كانت المنطقة تعج بالاطباء وكان لها السبق في توفير اجهزة طبية متطورة لم يكن من السهل تخيل وجودها في تلك الفترة. كما كانت للحضور فرصة لاطلاع على تطور الفنون ومن بينها الخط العربي والزخرفة وغيرها.
ولنا ان نشير أو ربما ان نرفع لبسا وهو ان الحديث عن دور الحضارة العربية والاسلامية في الارتقاء بالانسان عموما ليس من قبل البكاء على الماضي ولا يدخل في باب الحنين الى عهد المجد الضائع أو بحثا عن الاندلس المفقود، ولكن هناك عوامل موضوعية تدفع الى ذلك وابرزها محاولات التعتيم المستمرة في الغرب على هذا الدور، وكأن النهضة الغربية ولدت عن طريق الصدفة، في حين أنها استفادت كثيرا من الحضارة العربية الاسلامية. فقد كان الغرب في احلك فتراته عندما كان الفيلسوف المستنير ابن رشد مثلا يترجم الفلسفة الاغريقية وينقلها الى العربية. الغرب تناسوا انه في فترة ما كانت اللغة العربية هي لغة العلوم.
والحقيقة، ان التعتيم على فترات الضوء في تاريخ العرب والمسلمين وخاصة دورهم في تطوير الطب وشتى العلوم وتطوير الفكر وشتى المعارف، لا يراد منه فقط تجاهل دور الحضارة العربية في الارتقاء بالحضارة الانسانية، وإنما يهدف أيضا الى تكريس الاحساس بالدونية لدى العرب والمسلمين. فهذا الاحساس قاتل لانه يشكك في قدرة الانسان على الفعل والعرب عاجزون اليوم لاسباب كثيرة من بينها الكسل والجهل والتخلف والطمع ولكن ايضا لانه كسر لديهم شيء مهم وهو الايمان بالذات، وهذا الأمر بالذات هو الذي يسعى الغرب الى تكريسه لديهم لانه كفيل بان يقتل فيهم الايمان بذاتهم وخاصة بامكانية الخروج من التخلف وربما احياء عصرهم الذهبي. القضية اذن ليست حنينا ولا بكاء على الأطلال وانما لعلها القضية الاساسية. فمادام الانسان العربي والمسلم لم يتحرر من الاحساس بالدونية امام الحضارة الغربية المهيمنة، فإنه لن يكون ابدا من الفاعلين في هذا العالم، بل سيبقى على الهامش او ربما كما يقول الكثيرون خارج التاريخ.
ح س
تونس-الصباح
احتضنت جامعة كامبردج بلندن الدورة الخامسة لمؤتمر مخطوطات القرن السابع الهجري، الذي انتظم ببادرة من دار المخطوطات بإسطنبول (تركيا) بالتعاون مع كلية العلوم الإسلامية في جامعة كامبردج وذلك من 9 الى 12 سبتمبر الجاري.
ومن اهداف المؤتمر الذي اختتم امس تسليط الضوء على الدور الذي اضطلع به العرب والمسلمون في بناء حضارة الانسان الحديثة اذ تؤكد المخطوطات الإسلامية ما بلغته العلوم والطب والفنون من تطور في فترة ازدهار الحضارة العربية والاسلامية وكيف استفادت المجموعة البشرية من الاكتشافات العربية والاسلامية في مجالات الطب والهندسة والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم الفلك والعلوم الطبيعية، غير ان العالم في المقابل وخاصة الغرب يظل يعتم على ذلك ويتناسى ما قدمه العلماء العرب والمسلمون من جليل الخدمات خاصة في القرنين السادس والسابع الهجري ( فيما بين القرنين 12 و13 ميلادي)
وتكمن قيمة هذا المؤتمر في انه يقدم الدليل المادي على ذلك من خلال المخطوطات الاسلامية التي تركها علماؤنا في مختلف المجالات العلمية والفكرية والمعرفية.
وهو، بناء على ذلك، يكتسي اهمية خاصة لانه عبارة عن حارس للذاكرة. هذا ان سلمنا ان دور المخطوطات يبقى مهما فقط من حيث دراسة الماضي والتاريخ، ذلك أن اهل الاختصاص يؤكدون أن المخطوطات الاسلامية مازالت تشكل اساسا هاما للمعرفة وان دراستها بالاستفادة مما جاد به العصر من تكنولوجيا متطورة يمكنها ان تساعد على فتح آفاق جديدة امام العلماء والباحثين.
وقد يكون من المفيد أن نشدد على ان التاريخ يحفظ لعلماء المسملين أنهم ساهموا خلال القرنين السادس والسابع الهجريين، في الارتقاء بمستوى المعرفة ليس فقط في المنطقة وانما في العالم وفتحوا اعين هذا العالم على كنوز معرفية من بينها الفلسفة اليونانية القديمة التي يعتبر اعادة اكتشافها سببا رئيسيا في النهضة الأوروبية والغربية عموما. وقد برز خلال هذه الفترة العديد من العلماء الذين ساهموا بشكل كبير في تطور العلوم والمعرفة ومن بينهم نذكر كل من الفيلسوف ابن رشد والامام الغزالي ( فقيه متصوف) والشريف الإدريسي الجغرافي البارز الذي رسم خريطة العالم وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى وغيرهم
وبالعودة الى المؤتمر نشير الى انه شهد مشاركة العديد من الشخصيات البارزة في مجال الدراسات الإسلامية الذين اكدوا بالخصوص على خطورة استمرار تجاهل الاسهامات العربية في مجالي العلوم والمعارف واعتبروا ان التعتيم على دور العرب والمسلمين في تطوير الحضارة الانسانية له هدف واضح وهو كسر شوكة ابناء المنطقة وتشكيكهم في قدراتهم ونسف كل ما من شأنه أن يعيد اليهم ثقتهم في النفس حتى يظلوا دائما على الهامش. وذكر بعضهم بالدور الذي اضطلع به المستشرقون في تكريس صورة نمطية حول العرب والمسلمين ولهذا يعتبر عرض المخطوطات التاريخية مهما لانه عبارة عن دليل حول ما يزخر به تاريخ العرب والمسلمين من مآثر وعلى الدور الكبير الذي قامت به الحضارة العربية والاسلامية في باب تطوير العلوم والمعارف وهي بذلك قد قدمت خدمة كبيرة للعالم بفضل فكر التنوير الذي بشرت به والاكتشافات العلمية التي حققها العلماء في تلك الحقبة التاريخية. ووجه علماء مشاركون في المؤتمر دعوة الى العالم العربي والاسلامي للابتعاد عن الجهل والاستناد على العلوم ونبذ العنصرية وذلك انسجاما مع جوهر الحضارة العربية والاسلامية التي تشجع على اعمال العقل وتحظ على العمل والاجتهاد وتنبذ التفرقة وتنادي بالمساواة بين كل الاعراق.
ومن جهته أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، أن "المنظمة تعمل بكل اهتمام على تعزيز ثقافات الخط والمخطوط، انطلاقا من رؤيتها في رعاية كل ما يتعلق بالإبداع الإنساني في مجالات العلوم والآداب والفنون، وفي توسيع قنوات العمل الريادي القائم على الابتكار والتجديد والتنوير، مشيرا إلى أن الإيسيسكو ستدشن قريبا مركزها المتخصص في ثقافات الخط والمخطوط".
وكان ذلك في كلمته المسجلة التي تم بثها خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الدولي: "مخطوطات القرن السابع الهجري.. الطب والعلوم الرياضية والطبيعية"، وشدد المتدخل على أن المخطوطات شاهد حي على أصالة العالم الإسلامي الثقافية وهويته اللغوية وصورته الحضارية، وجسر من جسور التواصل المعرفي المشترك مع الآخرين في مسارات العلوم الكونية والطبيعية والتطبيقية، منوها بجامعة كامبريدج إحدى أعرق جامعات العالم، التي احتضنت هذا المؤتمر المهم، الذي تناول مخطوطات القرن السابع الهجري بوصفه العصر الذهبي الثاني لنهضة المسلمين وازدهار حضارتهم في كل مجالات المعرفة الإنسانية وميادينها وفق قوله.
ومثل المؤتمر فرصة لتقديم فكرة حول ما بلغه الطب مثلا من تطور في عهد النهضة الاسلامية وخاصة في القرن السابع الهجري حيث كانت المنطقة تعج بالاطباء وكان لها السبق في توفير اجهزة طبية متطورة لم يكن من السهل تخيل وجودها في تلك الفترة. كما كانت للحضور فرصة لاطلاع على تطور الفنون ومن بينها الخط العربي والزخرفة وغيرها.
ولنا ان نشير أو ربما ان نرفع لبسا وهو ان الحديث عن دور الحضارة العربية والاسلامية في الارتقاء بالانسان عموما ليس من قبل البكاء على الماضي ولا يدخل في باب الحنين الى عهد المجد الضائع أو بحثا عن الاندلس المفقود، ولكن هناك عوامل موضوعية تدفع الى ذلك وابرزها محاولات التعتيم المستمرة في الغرب على هذا الدور، وكأن النهضة الغربية ولدت عن طريق الصدفة، في حين أنها استفادت كثيرا من الحضارة العربية الاسلامية. فقد كان الغرب في احلك فتراته عندما كان الفيلسوف المستنير ابن رشد مثلا يترجم الفلسفة الاغريقية وينقلها الى العربية. الغرب تناسوا انه في فترة ما كانت اللغة العربية هي لغة العلوم.
والحقيقة، ان التعتيم على فترات الضوء في تاريخ العرب والمسلمين وخاصة دورهم في تطوير الطب وشتى العلوم وتطوير الفكر وشتى المعارف، لا يراد منه فقط تجاهل دور الحضارة العربية في الارتقاء بالحضارة الانسانية، وإنما يهدف أيضا الى تكريس الاحساس بالدونية لدى العرب والمسلمين. فهذا الاحساس قاتل لانه يشكك في قدرة الانسان على الفعل والعرب عاجزون اليوم لاسباب كثيرة من بينها الكسل والجهل والتخلف والطمع ولكن ايضا لانه كسر لديهم شيء مهم وهو الايمان بالذات، وهذا الأمر بالذات هو الذي يسعى الغرب الى تكريسه لديهم لانه كفيل بان يقتل فيهم الايمان بذاتهم وخاصة بامكانية الخروج من التخلف وربما احياء عصرهم الذهبي. القضية اذن ليست حنينا ولا بكاء على الأطلال وانما لعلها القضية الاساسية. فمادام الانسان العربي والمسلم لم يتحرر من الاحساس بالدونية امام الحضارة الغربية المهيمنة، فإنه لن يكون ابدا من الفاعلين في هذا العالم، بل سيبقى على الهامش او ربما كما يقول الكثيرون خارج التاريخ.