في ندوة صحفية عقدتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أمس بالعاصمة بحضور ناشطين في المجتمع المدني من منظمات وأحزاب وجمعيات قدم الأستاذ عبد الجواد الحرّازي الخبير في الشأن الانتخابي قراءة في المسار الانتخابي للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها يوم 6 أكتوبر 2024 داخل البلاد وأيام 4 و5 و6 أكتوبر في الخارج..
وأشار رئيس الرابطة بسام الطريفي قبل ذلك، إلى أن الرابطة انطلقت في مراقبة هذا المسار منذ مدة طويلة قبل صدور الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين لها حيث أنها ترصد وضع الحقوق والحريات والمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكل ما يحف بالعملية الانتخابية وتوثق الانتهاكات.
وقال الحرّازي إن ملاحظة المناخ الانتخابي يدعو إلى الحديث عن دور ثمانية فاعلين في العملية الانتخابية سواء كانوا رئيسيين أو ثانويين وهم على التوالي الناخب والمترشح والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والإعلام والقضاء والإدارة والمجتمع المدني من أحزاب وجمعيات والسلطة التشريعية، وفي صورة عدم توفر الضمانات الكافية لكل واحد منهم في القيام بدوره على النحو المطلوب فإن المسار الانتخابي يختل.
وأضاف الخبير أن الانتخابات الرئاسية تجري في ظل التعايش بين النصوص القانونية التي صدرت في ظل دستور 2014 وتلك التي صدرت في ظل دستور 2022 وخاصة منها المرسوم عدد 55 لسنة 2022 الذي جاء ليعطي الهيئة سلطة تسمح لها حتى بعد الإعلان عن النتائج بإسقاط الترشحات في آخر لحظة وبإسقاط النتائج.
ووصف الحرّازي الفصل 163 من القانون الانتخابي بأنه أخطر فصول هذا المرسوم. وبين أنه إضافة إلى المرسوم عدد 55 سالف الذكر لا بد من الإشارة أيضا إلى القانون المنظم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في حد ذاتها لأنه من خلاله يمكن تبين وضعية الهيئة وهي هي هيئة عليا مستقلة للانتخابات، ولاحظ أن قانون الهيئة خضع من سنة 2022 إلى سنة 2023 إلى 4 تنقيحات قامت بها السلطة التنفيذية وتحديدا رئيس الجمهورية قيس سعيد في إطار الأمر عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية واعتبر الخبير تتالي التنقيحات لا يعطي طمأنينة للفاعلين في الانتخابات.
وقال إنه فضلا عن ذلك فإن الخطير في النص القانوني المنظم للهيئة وتركيبتها يتمثل في استعمال الهيئة للسلطة الترتيبية، وهو ما جعلها تصدر القرار الترتيبي عدد 544 لسنة 2024 المؤرخ في 4 جويلية 2024 والمتعلق بتنقيح وإتمام القرار عدد 18 لسنة 2014 المؤرخ في 4 أوت 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية. ويرى الخبير في الشأن الانتخابي أن هذا القرار خطير جدا لأنه حسب تعبيره تجاوز المشرع وخالف القانون والدستور لأنه أضاف شروط ترشح لم يأت بها الدستور والقانون الانتخابي، والحال أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفق الفصل الثاني من القانون المتعلق بها، ضامن لانتخابات حرة نزيهة وشفافة وضامن لسلامة المسار الانتخابي ويعني ذلك أنها مطالبة بتسهيل الانتخابات وليس هذا فقط بل هي مدعوة للتثقيف الانتخابي، ولكنها في الانتخابات الرئاسية الحالية لم تقم بدور التثقيف الانتخابي لتبسيط مقتضيات قرارها الترتيبي عدد 544 سالف الذكر. وأشار إلى أن هذا القرار تم نشرخ في الرائد الرسمي بعد قرابة الشهر من مصادقة مجلس الهيئة عليه وهو ما حال دون إمكانية الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية بصفة مبكرة.
البطاقة عدد 3
وذكر عبد الجواد الحرّازي أن دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يتمثل أيضا في ضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين ويكون ذلك من خلال عدم التضييق عليهم ولكنها بموجب قرارها الترتيبي عدد 544 ضيقت على الراغبين في الترشح من خلال اشتراط تقديم البطاقة عدد 3 في ملف الترشح والحال أن المحكمة الإدارية في فقه قضائها اعتبرت منذ انتخابات 2014 أن المترشح ليس ملزم بتقديم البطاقة عدد 3 لأن هذه الوثيقة ليس هو المسؤول عن توفيرها وإنما هي وثيقة تمسكها الإدارة وهي التي تمنحها وليس للناخب الراغب في الترشح أي دور فيها. وأضاف أنه لا يمكن أن ننسى أن دستور 2022 نص في الفصل 19 على حياد الإدارة وليس هذا فقط بل أنه جرّم تمييز الإدارة بين المواطنين على أساس أي انتماء ففي هذه الحالة الإدارة تعاقب وبالتالي عندما تمتنع الإدارة عن تقديم بطاقة عدد 3 فإنها تكون قد خالفت الدستور وهي مخالفة موجبة للعقاب، ولكن من حسن الحظ حسب قوله أن المحكمة الإدارية وتحديدا دوائرها الاستئنافية أثناء الطور الأول من التقاضي أمامها في إطار نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة اعتبرت شرط تقديم البطاقة عدد 3 في ملف الترشح لهذه الانتخابات ليس ملزما.
التضييق على الترشح
وأشار الأستاذ عبد الجواد الحرّازي إلى أن الفاعل الموالي في العملية الانتخابية هو المترشح وقد أبدى جلهم احترازا على استمارة التزكيات نظرا لما احتوته من تنصيصات عديدة لا يمكن للناخب أو الصحفي أو حتى المترشح نفسه أن يقف على جميعها أو أن يتذكرها ومنحت الهيئة لنفسها السلطة التقديرية في علاقة بما تضمنته استمارات التزكية من تنصيصات وكان حري بها أن تقتصر على أن يكون المزكي ناخبا كما كان عليها التدقيق في السجل الانتخابي قبل انطلاق مسار الانتخابات الرئاسية لكن السجل الانتخابي لم يخضع للتدقيق. وبين أن من التنصيصات غير المقبولة حسب رأيه في استمارة التزكية والتي أرهقت المترشح، تاريخ الولادة، وذكر أنه لا يفهم لماذا طلبت الهيئة التنصيص على تاريخ ولادة المزكي في وقت طلبت فيه التنصيص على رقم بطاقة تعريفه الوطنية وعلى إمضاء المزكي. وأشار الخبير في الشأن الانتخابي إلى أن الهيئة في علاقة بالتزكيات اشترطت توزيع التزكيات على عشر دوائر انتخابية على أن لا تقل عن 500 ناخب في كل دائرة انتخابية تشريعية والحال أن الانتخابات الرئاسية تتم في دائرة انتخابية وحيدة وكان من المفروض مطالبة المترشح بتقديم عشرة آلاف تزكية دون اشتراط توزيعها على الدوائر الانتخابية التشريعية لأن الأمر يتعلق بانتخابات رئاسية وهذه الانتخابات بمقتضى القانون الانتخابي تتم في دائرة وحيدة.
وفي علاقة بالإعلام الذي هو أحد أهم الفاعلين في العملية الانتخابية، يرى الحرازي أن المرسوم عدد 54 منذ صدوره سنة 2022 سيف سلط على الإعلام وبمقتضاه تمت العديد من التتبعات ضد الصحفيين وكان من المفروض في الانتخابات أن يتمتع الإعلام بالحرية التامة في متابعة المترشحين ونقد التجاوزات ومواكبة الأحداث لكن أمام المحاكمات التي طالت عدد من الصحفيين على معنى المرسوم عدد 54 تم تخويف الإعلام.
دور القضاء الإداري
وبين الأستاذ عبد الجواد الحرّرازي أن الفاعل الموالي في العملية الانتخابية هو القضاء وخاصة المحكمة الإدارية وبين أنه منذ الانتخابات الرئاسية الفارطة نبه المجتمع المدني إلى أن آجال الطعون وقدرها 48 ساعة، قصيرة جدا وغير ملائمة للمترشح والمحامي والقاضي الإداري والمحكمة الإدارية وتمت المطالبة بالتمديد فيها على اعتبار أن المحكمة تعمل وفق التوقيت الإداري ولكن السلطة السياسية التي تولت تنقيح القانون الانتخابي بمراسيم لم تستجب لهذا الطلب، كما أن اشتراط تقديم عريضة الطعن مصحوبة بنسخة الكترونية ونسخة ورقية مثل عائقا أمام المترشحين الذين تقدموا بطعون للمحكمة الإدارية في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلقة بالترشحات. ولاحظ الخبير أن المحكمة الإدارية أثناء النظر في الطعون وجدت نفسها ملزمة بالبت في القرار الترتيبي عدد 544 الذي اتخذته الهيئة لتنقيح وإتمام القرار المتعلق بالترشح للانتخابات الرئاسية قبل البت في المطاعن، وذكر أنه تم في الطور الاستئنافي تقديم 6 طعون للمحكمة الإدارية وعبر عن أمله في أن تتولى الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية المختصة بالنظر في نزاعات الترشحات في الطور الثاني من التقاضي، إرجاع الأمور إلى نصابها حسب تعبيره. وأضاف أن القرارات التي ستتخذها الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية ستكون قرارات تاريخية وهي إن لم ترجع الأمور إلى نصابها فلا يمكن الحديث عن انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة.
وأشار الخبير إلى أن الفاعل الخفي هو الإدارة وهي مطالبة بالحياد وبين أن رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة والذي تولت الهيئة قبول ترشحه بصفة أولية، ما فتئ يقوم بزيارات ميدانية ولا يمكن للناخب أن يفرق بين ما إذا كانت تلك الزيارات تندرج في إطار استمرارية عمله كرئيس جمهورية مباشر أم أنها تدخل في إطار حملة انتخابية مبكرة، وأضاف قائلا: "يجعلنا هذا الغموض أمام مشكل جدي وكبير في تطبيق شرط حياد الإدارة".
رقابة المجتمع المدني
وتحدث الحرّازي عن أحد أهم الفاعلين في العملية الانتخابية وهو المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات وأحزاب سياسية، وذكر أن إدخال الجمعيات التي اختصت منذ 2011 في ملاحظة المسارات الانتخابية في متاهة التتبعات القضائية ضدها أدى إلى تسليط نوع من التضييق عليها وهو ما أثر على مراقبتها للانتخابات في علاقة بالتسجيل والترشحات ونزعات الترشح أمام المحكمة الإدارية، وفسر أن إيداع الترشحات في الانتخابات الرئاسية السابقة كان يتم أمام أنظار المجتمع المدني وكانت الجمعيات المختصة في ملاحظة المسارات الانتخابية تلعب دورا كبيرا في هذه المرحلة المفصلية ولكنها في الانتخابات الحالية لم تكن موجودة، وخلص إلى أنه في حالة تواصل غياب المجتمع المدني وعدم وجود العدد المطلوب من الملاحظين المحليين والأجانب لكافة مراحل المسار الانتخابي فهذا من شأنه أن يحول دون ضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها. وذكر أنه يجب ألا يغيب عن الأذهان أن الأحزاب السياسية بدورها غائبة وذكّر في هذا السياق بوجود أمناء عامين لأحزاب سياسية حاليا في السجن والحال أن دور الأحزاب في الفترات الانتخابية يتمثل في تأطير العملية الانتخابية والتنافس على أساس البرامج.
الكلمة الفصل
وخلص الخبير الانتخابي عبد الجواد الحرّازي إلى أن الفاعل الأخير في العملية الانتخابية هو السلطة التشريعية ولاحظ أن الوظيفة التشريعية كانت غائبة تماما وفسر أن مجلس نواب الشعب لم يقم منذ سنة ونصف بأي خطوة لمراجعة القانون الانتخابي أو القانون المنظم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأمر الذي أدى إلى التضييق على حق الترشح للانتخابات. وذكر أن الأمل الوحيد المتبقي يبقى في الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية فهي مدعوة حسب قوله إلى تعديل الكفة، وهو نفس ما أشار إليه بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقال الطريفي في تصريح لوسائل الإعلام إن الرابطة تعلق الآمال على الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية وبين أنه ينتظر من قضاتها ممارسة مهامهم وإصدار أحكامهم في إطار من الاستقلالية وإرجاع الأمور إلى نصابها، وذكر أن المحكمة الإدارية ستقول الكلمة الفصل.
وأشار رئيس الرابطة في الكلمة التي قدمها خلال الندوة الصحفية بالخصوص إلى أن الرابطة لاحظت منذ مارس 2023 "تزايد التضييقات على العمل المدني والسياسي من خلال الإيقافات التي طالت عددا من الناشطين السياسيين "على خلفية قضية التآمر فضلا عن الاعتداءات التي طالت الصحفيين والناشطين في المجتمع المدني والتتبعات ضد العديد منهم على أساس المرسوم عدد 54، وذكر أن جل المترشحين شملتهم تتبعات وتعرضوا لتضييقات كما هناك عدد من الأمناء العامين لأحزاب سياسية في السجن أما الإدارة فهي حسب وصفه "غير محايدة" كما هناك "عدم تكافؤ الفرص أمام المترشحين"، وهو ما يجعل الوضع الراهن غير سليم، ويرى الطريفي أنه في صورة تواصل الحال على ما هو عليه لا يمكن أن تكون انتخابات 6 أكتوبر حرة ونزيهة وشفافة وديمقراطية. وبين أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبرت من موقفها من المسار الانتخابي في البيان الذي أصدرته أمس بالتزامن مع ندوتها الصحفية.
وخلال الندوة الصحفية تطرق القاضي أحمد صواب للدور التاريخي الذي لعبته المحكمة الإدارية سواء في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة أو في عهد بن علي أو بعد الثورة في فترة حكم الترويكا وأشار بالخصوص إلى أن دور القاضي الإداري يتمثل في تطبيق القانون والفصل في النزاعات أما واجبه فيتمثل في الامتناع عن تطبيق النصوص المخالفة للدستور والاتفاقيات الدولية. أما جمال الشبع عضو المكتب التنفيذي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فتحدث عن مفهوم الولاية العامة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الانتخابات، وخلص إلى أن هناك سوء فهم لمعنى الولاية العامة.
سعيدة بوهلال
تونس-الصباح
في ندوة صحفية عقدتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أمس بالعاصمة بحضور ناشطين في المجتمع المدني من منظمات وأحزاب وجمعيات قدم الأستاذ عبد الجواد الحرّازي الخبير في الشأن الانتخابي قراءة في المسار الانتخابي للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها يوم 6 أكتوبر 2024 داخل البلاد وأيام 4 و5 و6 أكتوبر في الخارج..
وأشار رئيس الرابطة بسام الطريفي قبل ذلك، إلى أن الرابطة انطلقت في مراقبة هذا المسار منذ مدة طويلة قبل صدور الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين لها حيث أنها ترصد وضع الحقوق والحريات والمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكل ما يحف بالعملية الانتخابية وتوثق الانتهاكات.
وقال الحرّازي إن ملاحظة المناخ الانتخابي يدعو إلى الحديث عن دور ثمانية فاعلين في العملية الانتخابية سواء كانوا رئيسيين أو ثانويين وهم على التوالي الناخب والمترشح والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والإعلام والقضاء والإدارة والمجتمع المدني من أحزاب وجمعيات والسلطة التشريعية، وفي صورة عدم توفر الضمانات الكافية لكل واحد منهم في القيام بدوره على النحو المطلوب فإن المسار الانتخابي يختل.
وأضاف الخبير أن الانتخابات الرئاسية تجري في ظل التعايش بين النصوص القانونية التي صدرت في ظل دستور 2014 وتلك التي صدرت في ظل دستور 2022 وخاصة منها المرسوم عدد 55 لسنة 2022 الذي جاء ليعطي الهيئة سلطة تسمح لها حتى بعد الإعلان عن النتائج بإسقاط الترشحات في آخر لحظة وبإسقاط النتائج.
ووصف الحرّازي الفصل 163 من القانون الانتخابي بأنه أخطر فصول هذا المرسوم. وبين أنه إضافة إلى المرسوم عدد 55 سالف الذكر لا بد من الإشارة أيضا إلى القانون المنظم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في حد ذاتها لأنه من خلاله يمكن تبين وضعية الهيئة وهي هي هيئة عليا مستقلة للانتخابات، ولاحظ أن قانون الهيئة خضع من سنة 2022 إلى سنة 2023 إلى 4 تنقيحات قامت بها السلطة التنفيذية وتحديدا رئيس الجمهورية قيس سعيد في إطار الأمر عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية واعتبر الخبير تتالي التنقيحات لا يعطي طمأنينة للفاعلين في الانتخابات.
وقال إنه فضلا عن ذلك فإن الخطير في النص القانوني المنظم للهيئة وتركيبتها يتمثل في استعمال الهيئة للسلطة الترتيبية، وهو ما جعلها تصدر القرار الترتيبي عدد 544 لسنة 2024 المؤرخ في 4 جويلية 2024 والمتعلق بتنقيح وإتمام القرار عدد 18 لسنة 2014 المؤرخ في 4 أوت 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية. ويرى الخبير في الشأن الانتخابي أن هذا القرار خطير جدا لأنه حسب تعبيره تجاوز المشرع وخالف القانون والدستور لأنه أضاف شروط ترشح لم يأت بها الدستور والقانون الانتخابي، والحال أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفق الفصل الثاني من القانون المتعلق بها، ضامن لانتخابات حرة نزيهة وشفافة وضامن لسلامة المسار الانتخابي ويعني ذلك أنها مطالبة بتسهيل الانتخابات وليس هذا فقط بل هي مدعوة للتثقيف الانتخابي، ولكنها في الانتخابات الرئاسية الحالية لم تقم بدور التثقيف الانتخابي لتبسيط مقتضيات قرارها الترتيبي عدد 544 سالف الذكر. وأشار إلى أن هذا القرار تم نشرخ في الرائد الرسمي بعد قرابة الشهر من مصادقة مجلس الهيئة عليه وهو ما حال دون إمكانية الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية بصفة مبكرة.
البطاقة عدد 3
وذكر عبد الجواد الحرّازي أن دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يتمثل أيضا في ضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين ويكون ذلك من خلال عدم التضييق عليهم ولكنها بموجب قرارها الترتيبي عدد 544 ضيقت على الراغبين في الترشح من خلال اشتراط تقديم البطاقة عدد 3 في ملف الترشح والحال أن المحكمة الإدارية في فقه قضائها اعتبرت منذ انتخابات 2014 أن المترشح ليس ملزم بتقديم البطاقة عدد 3 لأن هذه الوثيقة ليس هو المسؤول عن توفيرها وإنما هي وثيقة تمسكها الإدارة وهي التي تمنحها وليس للناخب الراغب في الترشح أي دور فيها. وأضاف أنه لا يمكن أن ننسى أن دستور 2022 نص في الفصل 19 على حياد الإدارة وليس هذا فقط بل أنه جرّم تمييز الإدارة بين المواطنين على أساس أي انتماء ففي هذه الحالة الإدارة تعاقب وبالتالي عندما تمتنع الإدارة عن تقديم بطاقة عدد 3 فإنها تكون قد خالفت الدستور وهي مخالفة موجبة للعقاب، ولكن من حسن الحظ حسب قوله أن المحكمة الإدارية وتحديدا دوائرها الاستئنافية أثناء الطور الأول من التقاضي أمامها في إطار نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة اعتبرت شرط تقديم البطاقة عدد 3 في ملف الترشح لهذه الانتخابات ليس ملزما.
التضييق على الترشح
وأشار الأستاذ عبد الجواد الحرّازي إلى أن الفاعل الموالي في العملية الانتخابية هو المترشح وقد أبدى جلهم احترازا على استمارة التزكيات نظرا لما احتوته من تنصيصات عديدة لا يمكن للناخب أو الصحفي أو حتى المترشح نفسه أن يقف على جميعها أو أن يتذكرها ومنحت الهيئة لنفسها السلطة التقديرية في علاقة بما تضمنته استمارات التزكية من تنصيصات وكان حري بها أن تقتصر على أن يكون المزكي ناخبا كما كان عليها التدقيق في السجل الانتخابي قبل انطلاق مسار الانتخابات الرئاسية لكن السجل الانتخابي لم يخضع للتدقيق. وبين أن من التنصيصات غير المقبولة حسب رأيه في استمارة التزكية والتي أرهقت المترشح، تاريخ الولادة، وذكر أنه لا يفهم لماذا طلبت الهيئة التنصيص على تاريخ ولادة المزكي في وقت طلبت فيه التنصيص على رقم بطاقة تعريفه الوطنية وعلى إمضاء المزكي. وأشار الخبير في الشأن الانتخابي إلى أن الهيئة في علاقة بالتزكيات اشترطت توزيع التزكيات على عشر دوائر انتخابية على أن لا تقل عن 500 ناخب في كل دائرة انتخابية تشريعية والحال أن الانتخابات الرئاسية تتم في دائرة انتخابية وحيدة وكان من المفروض مطالبة المترشح بتقديم عشرة آلاف تزكية دون اشتراط توزيعها على الدوائر الانتخابية التشريعية لأن الأمر يتعلق بانتخابات رئاسية وهذه الانتخابات بمقتضى القانون الانتخابي تتم في دائرة وحيدة.
وفي علاقة بالإعلام الذي هو أحد أهم الفاعلين في العملية الانتخابية، يرى الحرازي أن المرسوم عدد 54 منذ صدوره سنة 2022 سيف سلط على الإعلام وبمقتضاه تمت العديد من التتبعات ضد الصحفيين وكان من المفروض في الانتخابات أن يتمتع الإعلام بالحرية التامة في متابعة المترشحين ونقد التجاوزات ومواكبة الأحداث لكن أمام المحاكمات التي طالت عدد من الصحفيين على معنى المرسوم عدد 54 تم تخويف الإعلام.
دور القضاء الإداري
وبين الأستاذ عبد الجواد الحرّرازي أن الفاعل الموالي في العملية الانتخابية هو القضاء وخاصة المحكمة الإدارية وبين أنه منذ الانتخابات الرئاسية الفارطة نبه المجتمع المدني إلى أن آجال الطعون وقدرها 48 ساعة، قصيرة جدا وغير ملائمة للمترشح والمحامي والقاضي الإداري والمحكمة الإدارية وتمت المطالبة بالتمديد فيها على اعتبار أن المحكمة تعمل وفق التوقيت الإداري ولكن السلطة السياسية التي تولت تنقيح القانون الانتخابي بمراسيم لم تستجب لهذا الطلب، كما أن اشتراط تقديم عريضة الطعن مصحوبة بنسخة الكترونية ونسخة ورقية مثل عائقا أمام المترشحين الذين تقدموا بطعون للمحكمة الإدارية في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلقة بالترشحات. ولاحظ الخبير أن المحكمة الإدارية أثناء النظر في الطعون وجدت نفسها ملزمة بالبت في القرار الترتيبي عدد 544 الذي اتخذته الهيئة لتنقيح وإتمام القرار المتعلق بالترشح للانتخابات الرئاسية قبل البت في المطاعن، وذكر أنه تم في الطور الاستئنافي تقديم 6 طعون للمحكمة الإدارية وعبر عن أمله في أن تتولى الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية المختصة بالنظر في نزاعات الترشحات في الطور الثاني من التقاضي، إرجاع الأمور إلى نصابها حسب تعبيره. وأضاف أن القرارات التي ستتخذها الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية ستكون قرارات تاريخية وهي إن لم ترجع الأمور إلى نصابها فلا يمكن الحديث عن انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة.
وأشار الخبير إلى أن الفاعل الخفي هو الإدارة وهي مطالبة بالحياد وبين أن رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة والذي تولت الهيئة قبول ترشحه بصفة أولية، ما فتئ يقوم بزيارات ميدانية ولا يمكن للناخب أن يفرق بين ما إذا كانت تلك الزيارات تندرج في إطار استمرارية عمله كرئيس جمهورية مباشر أم أنها تدخل في إطار حملة انتخابية مبكرة، وأضاف قائلا: "يجعلنا هذا الغموض أمام مشكل جدي وكبير في تطبيق شرط حياد الإدارة".
رقابة المجتمع المدني
وتحدث الحرّازي عن أحد أهم الفاعلين في العملية الانتخابية وهو المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات وأحزاب سياسية، وذكر أن إدخال الجمعيات التي اختصت منذ 2011 في ملاحظة المسارات الانتخابية في متاهة التتبعات القضائية ضدها أدى إلى تسليط نوع من التضييق عليها وهو ما أثر على مراقبتها للانتخابات في علاقة بالتسجيل والترشحات ونزعات الترشح أمام المحكمة الإدارية، وفسر أن إيداع الترشحات في الانتخابات الرئاسية السابقة كان يتم أمام أنظار المجتمع المدني وكانت الجمعيات المختصة في ملاحظة المسارات الانتخابية تلعب دورا كبيرا في هذه المرحلة المفصلية ولكنها في الانتخابات الحالية لم تكن موجودة، وخلص إلى أنه في حالة تواصل غياب المجتمع المدني وعدم وجود العدد المطلوب من الملاحظين المحليين والأجانب لكافة مراحل المسار الانتخابي فهذا من شأنه أن يحول دون ضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها. وذكر أنه يجب ألا يغيب عن الأذهان أن الأحزاب السياسية بدورها غائبة وذكّر في هذا السياق بوجود أمناء عامين لأحزاب سياسية حاليا في السجن والحال أن دور الأحزاب في الفترات الانتخابية يتمثل في تأطير العملية الانتخابية والتنافس على أساس البرامج.
الكلمة الفصل
وخلص الخبير الانتخابي عبد الجواد الحرّازي إلى أن الفاعل الأخير في العملية الانتخابية هو السلطة التشريعية ولاحظ أن الوظيفة التشريعية كانت غائبة تماما وفسر أن مجلس نواب الشعب لم يقم منذ سنة ونصف بأي خطوة لمراجعة القانون الانتخابي أو القانون المنظم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأمر الذي أدى إلى التضييق على حق الترشح للانتخابات. وذكر أن الأمل الوحيد المتبقي يبقى في الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية فهي مدعوة حسب قوله إلى تعديل الكفة، وهو نفس ما أشار إليه بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقال الطريفي في تصريح لوسائل الإعلام إن الرابطة تعلق الآمال على الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية وبين أنه ينتظر من قضاتها ممارسة مهامهم وإصدار أحكامهم في إطار من الاستقلالية وإرجاع الأمور إلى نصابها، وذكر أن المحكمة الإدارية ستقول الكلمة الفصل.
وأشار رئيس الرابطة في الكلمة التي قدمها خلال الندوة الصحفية بالخصوص إلى أن الرابطة لاحظت منذ مارس 2023 "تزايد التضييقات على العمل المدني والسياسي من خلال الإيقافات التي طالت عددا من الناشطين السياسيين "على خلفية قضية التآمر فضلا عن الاعتداءات التي طالت الصحفيين والناشطين في المجتمع المدني والتتبعات ضد العديد منهم على أساس المرسوم عدد 54، وذكر أن جل المترشحين شملتهم تتبعات وتعرضوا لتضييقات كما هناك عدد من الأمناء العامين لأحزاب سياسية في السجن أما الإدارة فهي حسب وصفه "غير محايدة" كما هناك "عدم تكافؤ الفرص أمام المترشحين"، وهو ما يجعل الوضع الراهن غير سليم، ويرى الطريفي أنه في صورة تواصل الحال على ما هو عليه لا يمكن أن تكون انتخابات 6 أكتوبر حرة ونزيهة وشفافة وديمقراطية. وبين أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبرت من موقفها من المسار الانتخابي في البيان الذي أصدرته أمس بالتزامن مع ندوتها الصحفية.
وخلال الندوة الصحفية تطرق القاضي أحمد صواب للدور التاريخي الذي لعبته المحكمة الإدارية سواء في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة أو في عهد بن علي أو بعد الثورة في فترة حكم الترويكا وأشار بالخصوص إلى أن دور القاضي الإداري يتمثل في تطبيق القانون والفصل في النزاعات أما واجبه فيتمثل في الامتناع عن تطبيق النصوص المخالفة للدستور والاتفاقيات الدولية. أما جمال الشبع عضو المكتب التنفيذي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فتحدث عن مفهوم الولاية العامة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الانتخابات، وخلص إلى أن هناك سوء فهم لمعنى الولاية العامة.