إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لأول مرة منذ 2010.. انخفاض قياسي في الدين الخارجي الى ما دون 50% من الدين العمومي !

 

 

 

ارتفاع الدين الداخلي لتونس خلال النصف الأول من 2024 يقلص من الاقتراض الخارجي 

 

وفق خبراء المالية، الاقتراض الداخلي لا يساهم في التضخم الاقتصادي !  

 

تونس - الصباح

شهدت تونس خلال النصف الأول من عام 2024 تحولًا مهمًا في هيكلية ديونها العمومية، حيث سجلت انخفاضًا ملحوظًا في حصة الدين الخارجي من إجمالي الدين العام، وهو تحول يحمل في طياته دلالات وأبعادًا اقتصادية حيوية للبلاد. وفقًا للبيانات الرسمية، انخفضت نسبة الدين الخارجي لأول مرة منذ عام 2010 إلى ما دون 50% من إجمالي الدين العمومي، لتستقر عند 48.9%، بعد أن كانت قد بلغت ذروتها بنسبة 70.7% في نهاية جوان  2019. هذا التراجع الكبير في الدين الخارجي له أهمية بالغة بالنسبة لتونس، ويعكس تحولات إستراتيجية في السياسة المالية والاقتصادية للدولة، وفق ما اكده عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح".

تعزيز السيادة المالية

وحسب الخبراء، فإن تراجع نسبة الدين الخارجي يعني أن تونس أصبحت أقل اعتمادًا على القروض من المؤسسات الدولية والدول الأجنبية، مما يعزز استقلالية القرار المالي والاقتصادي للبلاد. هذا الاستقلال يسهم في تقليل الضغوط الخارجية التي قد تؤثر على السياسات الاقتصادية الداخلية، فضلا عن تقليل تعرض البلاد للمخاطر الخارجية، حيث ان الاعتماد الكبير على الدين الخارجي يجعل الاقتصاد الوطني أكثر عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، وأسعار الفائدة المتغيرة، فضلاً عن الأزمات المالية العالمية. ويقلل تقلص الدين الخارجي من هذه المخاطر، مما يساهم في استقرار الاقتصاد الوطني.

تحسن الوضع المالي للدولة

ويساهم تخفيف عبء خدمة الدين الخارجي، الذي غالبًا ما يترافق مع شروط سداد قاسية وأسعار فائدة مرتفعة، في تقليل الاعتماد على هذا النوع من التمويل، ويمكن للحكومة تخفيف العبء المالي الناتج عن سداد أقساط الدين الخارجية، مما يتيح توجيه المزيد من الموارد المالية نحو القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. ومع تراجع الدين الخارجي، يمكن لتونس أن تعتمد بشكل أكبر على الاقتراض الداخلي، الذي يعد أقل تكلفة وأقل مخاطرة، خاصة وأنه يتم بالعملة المحلية ويخضع لشروط أقل تعقيدًا من القروض الخارجية.

ووفقا لمذكرة صادرة عن وزارة المالية موفى الأسبوع الماضي، شهد الدين الداخلي لتونس خلال النصف الأول من عام 2024 ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة سنوية بلغت 24.9%، مقارنة بنسبة 20.5% خلال نفس الفترة من العام الماضي. يأتي هذا التطور في سياق اقتصادي تميز بتحولات هامة في هيكل الدين العمومي للبلاد، مع تراجع ملحوظ في حصة الدين الخارجي من إجمالي الدين العمومي.

ويتميز الاقتراض الداخلي في تونس بخصوصية تميزه عن الاقتراض الخارجي حيث لا يسهم في زيادة التضخم الاقتصادي، ويعود ذلك إلى إيداع أموال القروض الداخلية في المؤسسات النقدية الوطنية، وضخها في الدورة الاقتصادية المحلية. وهذا ما أكدته مؤشرات المعهد الوطني للإحصاء، التي تشير إلى أن الأموال الناتجة عن الاقتراض الداخلي تعود بالفائدة المباشرة على الاقتصاد الوطني، دون أن تسبب ضغوطًا تضخمية كبيرة.

تراجع في حصة الدين الخارجي

وفقًا لبيانات وزارة المالية التونسية، التي أوردتها في مذكرة حول النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة للنصف الأول من عام 2024، تزامن ارتفاع الدين الداخلي مع انخفاض ملحوظ في نسبة الدين الخارجي من إجمالي الدين العمومي. ففي نهاية جوان 2024، ولأول مرة منذ عام 2010، بلغ الدين الخارجي أقل من نصف إجمالي الديون العمومية للدولة، حيث سجل نسبة 48.9%. يأتي هذا التراجع بعد أن وصلت نسبة الدين الخارجي إلى ذروتها في نهاية جوان 2019، عندما بلغت 70.7%.

وبلغ إجمالي الدين العمومي، الذي يمثل مجموع الديون الداخلية والخارجية المستحقة على الدولة، 127.4 مليار دينار في نهاية النصف الأول من عام 2024. وقد سجل الدين العمومي نموًا بنسبة 6.5% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق وهو أدنى معدل زيادة منذ جائحة كوفيد-19. يشير هذا التباطؤ إلى تحولات هامة في هيكلية الدين العام، مع تركيز أكبر على الاقتراض الداخلي مقابل تراجع الاقتراض الخارجي.

وحسب خبراء المالية، فأن هذا التباطؤ في نمو الدين العمومي يعود بالأساس إلى الانخفاض الكبير في الدين الخارجي. فقد تراجع الدين الخارجي للدولة بنسبة 9.1% في نهاية جوان 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. هذا التراجع يعكس توجهًا استراتيجيًا لدى الحكومة التونسية نحو تقليل الاعتماد على القروض الخارجية، والتركيز على تمويل احتياجات الدولة من خلال الاقتراض الداخلي.

انعكاسات إيجابية

ويمثل الدين العمومي، وفقًا للبيانات الحديثة، ما يعادل 78.1% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. هذه النسبة تعكس العبء الكبير الذي يمثله الدين على الاقتصاد التونسي، حيث يتطلب خدمة الدين (أي سداد الأقساط والفوائد) تخصيص جزء كبير من الميزانية العامة. ومع ذلك، فإن السيطرة على نمو الدين الخارجي والاعتماد المتزايد على الاقتراض الداخلي قد يساعد في تخفيف الضغوط المالية على المدى الطويل.

ومن الضروري الإشارة، الى ان تراجع الدين الخارجي يعكس قدرة تونس على إدارة ديونها بفعالية، مما يزيد من ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد التونسي. وفق الخبراء، هذا يمكن أن يؤدي إلى تدفقات استثمارية أكبر، سواء من خلال الاستثمارات المباشرة أو من خلال الأسواق المالية. كما أن هذا التراجع يبعث برسالة إيجابية للمواطنين وللقطاع الخاص المحلي حول قدرة الدولة على إدارة مواردها بكفاءة، مما يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني، ويشجع على المزيد من النشاط الاقتصادي المحلي. كما يتيح انخفاض الدين الخارجي للحكومة التحكم بشكل أفضل في الميزانية العامة، مما يؤدي إلى توازن مالي أفضل وتحسين التصنيف الائتماني للبلاد، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجابيًا على جذب الاستثمار الأجنبي.

وإجمالا، يعد ارتفاع الدين الداخلي في تونس خلال النصف الأول من عام 2024 وتراجع حصة الدين الخارجي من إجمالي الدين العمومي تطورًا مهمًا في السياسة المالية للبلاد. يعكس هذا التوجه رغبة الحكومة في تعزيز السيادة المالية والحد من الاعتماد على التمويل الخارجي، مع التركيز على تمويل احتياجات الدولة من مصادر داخلية. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية إدارة هذا الدين بشكل مستديم، لضمان عدم تأثيره سلبًا على الاستقرار الاقتصادي للبلاد في المستقبل.

 سفيان المهداوي

 لأول مرة منذ 2010..   انخفاض قياسي في الدين الخارجي الى ما دون 50% من الدين العمومي !

 

 

 

ارتفاع الدين الداخلي لتونس خلال النصف الأول من 2024 يقلص من الاقتراض الخارجي 

 

وفق خبراء المالية، الاقتراض الداخلي لا يساهم في التضخم الاقتصادي !  

 

تونس - الصباح

شهدت تونس خلال النصف الأول من عام 2024 تحولًا مهمًا في هيكلية ديونها العمومية، حيث سجلت انخفاضًا ملحوظًا في حصة الدين الخارجي من إجمالي الدين العام، وهو تحول يحمل في طياته دلالات وأبعادًا اقتصادية حيوية للبلاد. وفقًا للبيانات الرسمية، انخفضت نسبة الدين الخارجي لأول مرة منذ عام 2010 إلى ما دون 50% من إجمالي الدين العمومي، لتستقر عند 48.9%، بعد أن كانت قد بلغت ذروتها بنسبة 70.7% في نهاية جوان  2019. هذا التراجع الكبير في الدين الخارجي له أهمية بالغة بالنسبة لتونس، ويعكس تحولات إستراتيجية في السياسة المالية والاقتصادية للدولة، وفق ما اكده عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح".

تعزيز السيادة المالية

وحسب الخبراء، فإن تراجع نسبة الدين الخارجي يعني أن تونس أصبحت أقل اعتمادًا على القروض من المؤسسات الدولية والدول الأجنبية، مما يعزز استقلالية القرار المالي والاقتصادي للبلاد. هذا الاستقلال يسهم في تقليل الضغوط الخارجية التي قد تؤثر على السياسات الاقتصادية الداخلية، فضلا عن تقليل تعرض البلاد للمخاطر الخارجية، حيث ان الاعتماد الكبير على الدين الخارجي يجعل الاقتصاد الوطني أكثر عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، وأسعار الفائدة المتغيرة، فضلاً عن الأزمات المالية العالمية. ويقلل تقلص الدين الخارجي من هذه المخاطر، مما يساهم في استقرار الاقتصاد الوطني.

تحسن الوضع المالي للدولة

ويساهم تخفيف عبء خدمة الدين الخارجي، الذي غالبًا ما يترافق مع شروط سداد قاسية وأسعار فائدة مرتفعة، في تقليل الاعتماد على هذا النوع من التمويل، ويمكن للحكومة تخفيف العبء المالي الناتج عن سداد أقساط الدين الخارجية، مما يتيح توجيه المزيد من الموارد المالية نحو القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. ومع تراجع الدين الخارجي، يمكن لتونس أن تعتمد بشكل أكبر على الاقتراض الداخلي، الذي يعد أقل تكلفة وأقل مخاطرة، خاصة وأنه يتم بالعملة المحلية ويخضع لشروط أقل تعقيدًا من القروض الخارجية.

ووفقا لمذكرة صادرة عن وزارة المالية موفى الأسبوع الماضي، شهد الدين الداخلي لتونس خلال النصف الأول من عام 2024 ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة سنوية بلغت 24.9%، مقارنة بنسبة 20.5% خلال نفس الفترة من العام الماضي. يأتي هذا التطور في سياق اقتصادي تميز بتحولات هامة في هيكل الدين العمومي للبلاد، مع تراجع ملحوظ في حصة الدين الخارجي من إجمالي الدين العمومي.

ويتميز الاقتراض الداخلي في تونس بخصوصية تميزه عن الاقتراض الخارجي حيث لا يسهم في زيادة التضخم الاقتصادي، ويعود ذلك إلى إيداع أموال القروض الداخلية في المؤسسات النقدية الوطنية، وضخها في الدورة الاقتصادية المحلية. وهذا ما أكدته مؤشرات المعهد الوطني للإحصاء، التي تشير إلى أن الأموال الناتجة عن الاقتراض الداخلي تعود بالفائدة المباشرة على الاقتصاد الوطني، دون أن تسبب ضغوطًا تضخمية كبيرة.

تراجع في حصة الدين الخارجي

وفقًا لبيانات وزارة المالية التونسية، التي أوردتها في مذكرة حول النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة للنصف الأول من عام 2024، تزامن ارتفاع الدين الداخلي مع انخفاض ملحوظ في نسبة الدين الخارجي من إجمالي الدين العمومي. ففي نهاية جوان 2024، ولأول مرة منذ عام 2010، بلغ الدين الخارجي أقل من نصف إجمالي الديون العمومية للدولة، حيث سجل نسبة 48.9%. يأتي هذا التراجع بعد أن وصلت نسبة الدين الخارجي إلى ذروتها في نهاية جوان 2019، عندما بلغت 70.7%.

وبلغ إجمالي الدين العمومي، الذي يمثل مجموع الديون الداخلية والخارجية المستحقة على الدولة، 127.4 مليار دينار في نهاية النصف الأول من عام 2024. وقد سجل الدين العمومي نموًا بنسبة 6.5% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق وهو أدنى معدل زيادة منذ جائحة كوفيد-19. يشير هذا التباطؤ إلى تحولات هامة في هيكلية الدين العام، مع تركيز أكبر على الاقتراض الداخلي مقابل تراجع الاقتراض الخارجي.

وحسب خبراء المالية، فأن هذا التباطؤ في نمو الدين العمومي يعود بالأساس إلى الانخفاض الكبير في الدين الخارجي. فقد تراجع الدين الخارجي للدولة بنسبة 9.1% في نهاية جوان 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. هذا التراجع يعكس توجهًا استراتيجيًا لدى الحكومة التونسية نحو تقليل الاعتماد على القروض الخارجية، والتركيز على تمويل احتياجات الدولة من خلال الاقتراض الداخلي.

انعكاسات إيجابية

ويمثل الدين العمومي، وفقًا للبيانات الحديثة، ما يعادل 78.1% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. هذه النسبة تعكس العبء الكبير الذي يمثله الدين على الاقتصاد التونسي، حيث يتطلب خدمة الدين (أي سداد الأقساط والفوائد) تخصيص جزء كبير من الميزانية العامة. ومع ذلك، فإن السيطرة على نمو الدين الخارجي والاعتماد المتزايد على الاقتراض الداخلي قد يساعد في تخفيف الضغوط المالية على المدى الطويل.

ومن الضروري الإشارة، الى ان تراجع الدين الخارجي يعكس قدرة تونس على إدارة ديونها بفعالية، مما يزيد من ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد التونسي. وفق الخبراء، هذا يمكن أن يؤدي إلى تدفقات استثمارية أكبر، سواء من خلال الاستثمارات المباشرة أو من خلال الأسواق المالية. كما أن هذا التراجع يبعث برسالة إيجابية للمواطنين وللقطاع الخاص المحلي حول قدرة الدولة على إدارة مواردها بكفاءة، مما يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني، ويشجع على المزيد من النشاط الاقتصادي المحلي. كما يتيح انخفاض الدين الخارجي للحكومة التحكم بشكل أفضل في الميزانية العامة، مما يؤدي إلى توازن مالي أفضل وتحسين التصنيف الائتماني للبلاد، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجابيًا على جذب الاستثمار الأجنبي.

وإجمالا، يعد ارتفاع الدين الداخلي في تونس خلال النصف الأول من عام 2024 وتراجع حصة الدين الخارجي من إجمالي الدين العمومي تطورًا مهمًا في السياسة المالية للبلاد. يعكس هذا التوجه رغبة الحكومة في تعزيز السيادة المالية والحد من الاعتماد على التمويل الخارجي، مع التركيز على تمويل احتياجات الدولة من مصادر داخلية. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية إدارة هذا الدين بشكل مستديم، لضمان عدم تأثيره سلبًا على الاستقرار الاقتصادي للبلاد في المستقبل.

 سفيان المهداوي