يتجدد الأمل في كل مرة يقع فيها تعيين وزير ثقافة جديد، في أن يتغير أسلوب عمل الوزارة جوهريا، وفي أن يتغير حال الثقافة في البلاد. في كل مرة نتوقع أن انجازات ستحصل وانه ربما سيتم على يدي الوزير الجديد ما لم يستطعه الآخرون. وبالتالي ينتظر من الوزيرة الجديدة، امينة الصرارفي وهي من أهل الميدان ولها خبرة طويلة بحكم اشتغالها في المجال الموسيقي وخوضها لعدة مغامرات فنية من بينها مثلا إنشاء أول فرقة موسيقية نسائية، فرقة العازفات، وهي تنحدر من اسرة فنية فهي سليلة الفنان الراحل قدور الصرارفي، وعملها في مجال الموسيقى، التي تظل مرتبطة باغلبية القطاعات الفنية الأخرى، يجعلها على دراية ولو نسبيا بابرز المشاكل التي يواجهها المجال الثقافي في البلاد، ينتظر منها الكثير الكثير مثلما كان ينتظر من اسلافها نفس الشيء.
بقي علينا ان نكون واضحين ودون محاولة استباق للاحداث، وان نذكر بأنه لا شيء تقريبا تغير بتغيير وزراء الثقافة على الأقل منذ سنين طويلة. الأسباب لها علاقة بالتأكيد بوزارة الثقافة التي لم تطور في أسلوب عملها وتحولت الى عبارة عن وزارة لتصريف الأعمال بدرجة أولى وذلك على حساب المبادرة والتأسيس، لكن الأمر لا يقف عند حدود الوزارة، فالمجتمع يتحمل مسؤولية كبيرة أيضا وهو الذي لم يصل إلى درجة الاعتراف بقيمة الثقافة وبدورها التنموي والتثقيفي والتنويري والتوعوي. ظلت الثقافة في عرفنا شيئا ثانويا وأحيانا تختزل في الجانب الترفيهي، إلى درجة تدفع الناس في كل مرة تواجه فيها بلادنا صعوبات إلى المطالبة بالتضحية بميزانية الثقافة لفائدة مجالات تظل أكثر فائدة من منظورهم.
هل سيتغير كل ذلك وهل ستتحقق التوقعات هذه المرة؟
سؤال طرحناه أيضا من قبل أكثر من مرة وتقريبا مع كل عملية تحوير تشمل وزارة الثقافة، لكن من يدري، ربما تأتينا الأخبار هذه المرة بشيء مغاير. فكل الاحتمالات تبقى قائمة، لكن هذا لا ينسينا أن الواقع صعب والواقع يؤثر كثيرا.
فوزارة الثقافة وكما ما هو معروف لا تخصص لها ميزانية كبيرة، بل تقلصت الميزانية المخصصة لها بعنوان السنوات الأخيرة بسبب الصعوبات التي تواجهها البلاد لتوفير الميزانية العامة للبلاد، وإذا ما عرفنا أن الجزء الأكبر من الميزانية يصرف في الأجور ونفقات الإدارة والتسيير، فإننا ندرك حجم التحديات التي يمكن ان يواجهها أي وزير ثقافة. فأهل الثقافة الذين يعولون على دعم الوزارة – صناديق الدعم ومنح التشجيع على الإنتاج ولجان الشراءات وغيرها- كثيرا ما يصطدمون بشح الإمكانيات وقد تحول موضوع الدعم مع الوقت إلى مشكل بعد أن كان يفترض به أن يكون هو الحل.
فالدولة من خلال وزارة الثقافة تحولت مع مسالة الدعم الى منتج رئيسي للثقافة وهو ما تسبب في خلق حالة من الاتكال على الدولة في غياب المبادرات المتفردة والأفكار الخلاقة، وفي ظل استقالة تكاد تكون تامة من المؤسسات الاقتصادية والمالية التي لم تفلح كل القوانين المشجعة والحوافز في تغيير موقفها.
أن المشكل المادي هام، نعم، لكنه ليس المشكل الوحيد الذي يعوق عمل وزارة الثقافة، وإنما المشكل بالأساس هو غياب الاستراتيجيات الحقيقية وغياب الآفاق. فقد حاول اغلب الوزراء، الذين تعاقبوا على المنصب في الأعوام الأخيرة وخاصة من اتيحت لهم الفرصة البقاء على رأس الوزارة لفترة طويلة نسبيا، من تشخيص الوضع وهناك من اعد دراسات علمية بتشريك مكاتب دراسات وبتشريك خبراء من الوزارة ومن خارجها لتقييم الوضع، لكن الأمر ظل حبيس هذه الدراسات.
لم نتقدم تقريبا أية خطوة في مجال إعادة هيكلة المهرجانات الصيفية، بل لعلنا سجلنا مزيدا من التراجع هذا العام مع تحول المهرجانات بكل أنواعها إلى نسخ متكررة تستقبل نفس الأصوات وتنتظم في ظروف متشابهة، حتى مهرجان قرطاج الدولي الذي كانت له رمزية خاصة وكان مفخرة حقيقية لنا، تحول في الأعوام الأخيرة إلى عبارة عن تظاهرة تراكم السهرات الجماهيرية بدون أي تصور أو أهداف، إذا ما تركنا جانبا، مسألة الترفيه.
مسألة الدعم ظلت تراوح مكانها ومازلنا نبحث عن الحل السحري، الذي يحقق المعادلة الصعبة المتمثلة في دعم الفنان والمبدع والمفكر بالتوازي مع ضمان حسن توظيف أموال المجموعة الوطنية في أعمال ومبادرات فنية وثقافية ومعرفية تساعد على النهوض بالمجتمع. مسألة البنية الاساسية خاصة في الجهات وداخل الجمهورية، مشكل تحيين التشريعات وحل المشاكل العالقة، التي ترحل لكل وزير جديد ، كلها لا تتأجل.
أن مشاكل الثقافة عموما كثيرة وقد أثر ذلك سلبا على وضعية الفنان والمثقف الذي يظل في انتظار دعم، عادة ما يكون قليلا من الدولة، في حين من المفروض أن توفر الدولة أدوات العمل وفضاءات العمل وتترك البقية للمبدع الذي من واجبه ومن مسؤوليته أن يكون منتجا للثقافة لا أن تضطلع الدولة بهذا الدور بدلا عنه والانتظارات كذلك كثيرة. ولا نخال الوزيرة الجديدة بغافلة عن هذا الواقع وتحملها المسؤولية في حد ذاته مراهنة منها على تغيير هذا الواقع، أو من المفروض أن يكون الأمر كذلك.
حياة السايب
يتجدد الأمل في كل مرة يقع فيها تعيين وزير ثقافة جديد، في أن يتغير أسلوب عمل الوزارة جوهريا، وفي أن يتغير حال الثقافة في البلاد. في كل مرة نتوقع أن انجازات ستحصل وانه ربما سيتم على يدي الوزير الجديد ما لم يستطعه الآخرون. وبالتالي ينتظر من الوزيرة الجديدة، امينة الصرارفي وهي من أهل الميدان ولها خبرة طويلة بحكم اشتغالها في المجال الموسيقي وخوضها لعدة مغامرات فنية من بينها مثلا إنشاء أول فرقة موسيقية نسائية، فرقة العازفات، وهي تنحدر من اسرة فنية فهي سليلة الفنان الراحل قدور الصرارفي، وعملها في مجال الموسيقى، التي تظل مرتبطة باغلبية القطاعات الفنية الأخرى، يجعلها على دراية ولو نسبيا بابرز المشاكل التي يواجهها المجال الثقافي في البلاد، ينتظر منها الكثير الكثير مثلما كان ينتظر من اسلافها نفس الشيء.
بقي علينا ان نكون واضحين ودون محاولة استباق للاحداث، وان نذكر بأنه لا شيء تقريبا تغير بتغيير وزراء الثقافة على الأقل منذ سنين طويلة. الأسباب لها علاقة بالتأكيد بوزارة الثقافة التي لم تطور في أسلوب عملها وتحولت الى عبارة عن وزارة لتصريف الأعمال بدرجة أولى وذلك على حساب المبادرة والتأسيس، لكن الأمر لا يقف عند حدود الوزارة، فالمجتمع يتحمل مسؤولية كبيرة أيضا وهو الذي لم يصل إلى درجة الاعتراف بقيمة الثقافة وبدورها التنموي والتثقيفي والتنويري والتوعوي. ظلت الثقافة في عرفنا شيئا ثانويا وأحيانا تختزل في الجانب الترفيهي، إلى درجة تدفع الناس في كل مرة تواجه فيها بلادنا صعوبات إلى المطالبة بالتضحية بميزانية الثقافة لفائدة مجالات تظل أكثر فائدة من منظورهم.
هل سيتغير كل ذلك وهل ستتحقق التوقعات هذه المرة؟
سؤال طرحناه أيضا من قبل أكثر من مرة وتقريبا مع كل عملية تحوير تشمل وزارة الثقافة، لكن من يدري، ربما تأتينا الأخبار هذه المرة بشيء مغاير. فكل الاحتمالات تبقى قائمة، لكن هذا لا ينسينا أن الواقع صعب والواقع يؤثر كثيرا.
فوزارة الثقافة وكما ما هو معروف لا تخصص لها ميزانية كبيرة، بل تقلصت الميزانية المخصصة لها بعنوان السنوات الأخيرة بسبب الصعوبات التي تواجهها البلاد لتوفير الميزانية العامة للبلاد، وإذا ما عرفنا أن الجزء الأكبر من الميزانية يصرف في الأجور ونفقات الإدارة والتسيير، فإننا ندرك حجم التحديات التي يمكن ان يواجهها أي وزير ثقافة. فأهل الثقافة الذين يعولون على دعم الوزارة – صناديق الدعم ومنح التشجيع على الإنتاج ولجان الشراءات وغيرها- كثيرا ما يصطدمون بشح الإمكانيات وقد تحول موضوع الدعم مع الوقت إلى مشكل بعد أن كان يفترض به أن يكون هو الحل.
فالدولة من خلال وزارة الثقافة تحولت مع مسالة الدعم الى منتج رئيسي للثقافة وهو ما تسبب في خلق حالة من الاتكال على الدولة في غياب المبادرات المتفردة والأفكار الخلاقة، وفي ظل استقالة تكاد تكون تامة من المؤسسات الاقتصادية والمالية التي لم تفلح كل القوانين المشجعة والحوافز في تغيير موقفها.
أن المشكل المادي هام، نعم، لكنه ليس المشكل الوحيد الذي يعوق عمل وزارة الثقافة، وإنما المشكل بالأساس هو غياب الاستراتيجيات الحقيقية وغياب الآفاق. فقد حاول اغلب الوزراء، الذين تعاقبوا على المنصب في الأعوام الأخيرة وخاصة من اتيحت لهم الفرصة البقاء على رأس الوزارة لفترة طويلة نسبيا، من تشخيص الوضع وهناك من اعد دراسات علمية بتشريك مكاتب دراسات وبتشريك خبراء من الوزارة ومن خارجها لتقييم الوضع، لكن الأمر ظل حبيس هذه الدراسات.
لم نتقدم تقريبا أية خطوة في مجال إعادة هيكلة المهرجانات الصيفية، بل لعلنا سجلنا مزيدا من التراجع هذا العام مع تحول المهرجانات بكل أنواعها إلى نسخ متكررة تستقبل نفس الأصوات وتنتظم في ظروف متشابهة، حتى مهرجان قرطاج الدولي الذي كانت له رمزية خاصة وكان مفخرة حقيقية لنا، تحول في الأعوام الأخيرة إلى عبارة عن تظاهرة تراكم السهرات الجماهيرية بدون أي تصور أو أهداف، إذا ما تركنا جانبا، مسألة الترفيه.
مسألة الدعم ظلت تراوح مكانها ومازلنا نبحث عن الحل السحري، الذي يحقق المعادلة الصعبة المتمثلة في دعم الفنان والمبدع والمفكر بالتوازي مع ضمان حسن توظيف أموال المجموعة الوطنية في أعمال ومبادرات فنية وثقافية ومعرفية تساعد على النهوض بالمجتمع. مسألة البنية الاساسية خاصة في الجهات وداخل الجمهورية، مشكل تحيين التشريعات وحل المشاكل العالقة، التي ترحل لكل وزير جديد ، كلها لا تتأجل.
أن مشاكل الثقافة عموما كثيرة وقد أثر ذلك سلبا على وضعية الفنان والمثقف الذي يظل في انتظار دعم، عادة ما يكون قليلا من الدولة، في حين من المفروض أن توفر الدولة أدوات العمل وفضاءات العمل وتترك البقية للمبدع الذي من واجبه ومن مسؤوليته أن يكون منتجا للثقافة لا أن تضطلع الدولة بهذا الدور بدلا عنه والانتظارات كذلك كثيرة. ولا نخال الوزيرة الجديدة بغافلة عن هذا الواقع وتحملها المسؤولية في حد ذاته مراهنة منها على تغيير هذا الواقع، أو من المفروض أن يكون الأمر كذلك.