أية تسوية للأزمة الليبية دون توافق من القبائل لن يكتب لها النجاح.
بقلم:ريم بالخذيري
تعدّ الثورة الليبية التي انطلقت شراراتها من بنغازي في 14فيفري 2011 الثالثة بعد الثورة التونسية التي اندلعت في 17ديسمبر 2010 والثورة المصرية التي تفّجرت في يوم 25 جانفي .2011.وهي التي أتت في سياق ثورات أخرى في اليمن وسوريا والسودان .
لكن النهاية المأساوية للزعيم معمّر القذافي وقتله من قبل قوات التحالف واعتبار قبيلته القذاذفة" ومدينته بني وليد أن المحتجين هم السبب الحقيقي وراء قتله فقد بدأ طلب الثأر لشخصه مبكرا ودخلت البلاد في صراعات قبلية بين الغرب الليبي مقر العاصمة طرابلس وبين الشرق مقرّ العاصمة الاقتصادية والمعارضة تاريخيا للقذافي. ولم تنجح كل المساعي الدولية والعربية طوال هذه السنين من حلحلة الأزمة في البلاد ووقعت فريسة للإرهاب و لداعش وتحوّلت الى ملاذ آمن للمهربين والإرهابيين .كما بدأت المجموعات المسلحة القبلية في فرض إرادتها على السياسيين ولم تتمكن أية حكومة من توحيد الليبيين .
هذه الوضعية جعلت اللواء المتقاعد وأشدّ معارضي القذافي و قبيلته خليفة حفتر ينصّب نفسه حاكما بأمره في بنغازي وما جاورها من المدن وبات يملك مجلس نواب يدين له بالولاء مقابل حكومة معترف بها دوليا في طرابلس .كما يمتلك بنكا مركزيا وعلاقات خارجية وتجارية خاصة. ونجح الى حد ما في إرساء الأمن واستتبابه في المناطق التي تقع تحت نفوذه مستعملا ما أسماه بالجيش الوطني الذي منح رئاسته لابنه صدام حفتر عصا غليظة لردع المنشقين عنه ولتوسيع أطماعه بحكم كل ليبيا وهو السبب المباشر لاندلاع المواجهات المسلحة منذ أيام فقد أقال البرلمان الخاضع لأوامره كما قلنا حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليا والضعيفة العاجزة عن إدارة البلاد.
القبليّة سبب البليّة..
يعترف الكثير من الليبيين أن أبرز سبب لعدم الاستقرار في بلادهم هو الطابع القبلي المتحكم في كل مفاصل الدولة وكل قبيلة لها مسلحيها وتريد فرض حكمها. وهو ما تجلى مؤخرا ولا يزال في مشكلة إغلاق معبر رأس الجدير في جانبه الليبي. في هذا الإطار يقول الصحفي الليلي محمد الصريط “عندما ترى ليبيا بشعبها ومبانيها وطرقها، تشعر كأنك في حضرة المدنية، وما إن يحدث خطب أو مشكلة، حتى يحضر الوجه الآخر، ويستظل كل بقبيلته، ما يجعلك تدرك أن جين القبلية نشط جدا وفعّال، رغم عدم إظهار نفسه، في المدن على أقل تقدير”.
وقد منحها معمر القذافي نفوذا وسلاحا واستعان بها في مقاومة الإرهاب والتهريب و في ردع معارضيه.
وبالتالي فإن أية تسوية للازمة الليبية دون توافق من القبائل لن يكتب لها النجاح.
وبما أن قبيلة القذاذفة وتوابعها تشعر بعقدة ذنب خذلان ابنهم وتحمل دمه الى خليفة خفتر والى الشرق الليبي بقبائله فإن التسوية تبدو مستحيلة والحديث عن ليبيا موحدة ضرب من ضروب الخيال.
حل التقسيم
مثلما ذكرنا فان عقبة القبائل في ليبيا والمجموعات المسلحة المرتبطة بها ستحول دون التوصل لأية تسوية فالكل متمترس في أرضه وأماكن نفوذه. وواقعيا تعد ليبيا اليوم ومنذ ما لا يقل عن خمس سنوات مقسمة بين طرابلس (أو ما يعرف بالغرب الليبي) و بين بنغازي ثاني أكبر مدينة وتعد عاصمة ما يعرف بالشرق الليبي.
فكل له نطاق نفوذه وحقول نفطه وعلاقاته التجارية والسياسية المختلفة على الثاني.
ورغم أن حل التقسيم يبدو محرجا لليبيين الا أنه الحل الجذري لإنهاء الصراعات بين أبناء الشعب الواحد الذي لم يكن يوما كذلك.
بل من المؤكد أن هذا الحل على صعوبة تطبيقه سيعود بالفائدة على الجانبين كما ستستفيد منه دول الجوار كمصر والجزائر وخاصة تونس التي تضررت كثيرا اقتصاديا على امتداد سنوات من هذه الأزمة.
تجارب سابقة ناجحة..
حل التقسيم ليس بدعة وليس شرا لا يمكن قبوله في ليبيا فقد اعتمد في حل صراعات وخلافات عميقة في عديد الدول أهمها تقسيم ألمانيا الى غربية وشرقية في1949 قبل أن تعاود التوحد في 1990 وهو ذات السيناريو الذي يمكن أن يحدث في ليبيا.
كما أن تقسيم كوريا الى جنوبية وشمالية في1945 بعد حرب سنوات مّثل فرصة هامة للشعب الكوري في البلدين للعيش في سلام. بل ما كان لكوريا الجنوبية ان تتحول الى قوة اقتصادية عالمية لو لا حل التقسيم هذا.
أما اخر التجارب الناجحة باعتقادي فهو تقسيم السودان والذي أنهى صراعا مسلحا على امتداد سنوات راح ضحيته ملايين من القتلى والنازحين
واليوم تنعم دولة جنوب السودان بالاستقرار والأمن وبدأت في شق طريقها نحو التطور والازدهار. بينما بقيت دولة السودان رهينة أطماع عسكرية في الحكم و السلطة.
إعادة "قوس فيلاني"
يذكر العديد من الليبيين إلى اليوم وتتجدد القصة مع كل احتدام للصراع بين الشرق والغرب "قوس المرمر"، أو "قوس فيلاني"، وهو النصب التذكاري الذي صممه المعماري الإيطالي الشهير "فلورينستانو دي فاوستو،" بطلب من حاكم ليبيا الإيطالي المارشال "إيتالو بالبو" في عام 1937، ووضعه الإيطاليون كعلامة على الحدود الفاصلة بين إقليمي طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وكان كلاهما خاضع لسلطة الحاكم الإيطالي لكنه أعتمد كتقسيم إداري وقبلي ليسهل السيطرة على البلاد.
وقد تم هدم النصب لاحقا وتفجيره بالديناميت عام 1973 على يد العقيد معمر القذافي، الذي اعتبر النصب أحد مخلفات الاستعمار الإيطالي وإرثا من الموروثات التي كرست الفرقة بين الليبيين في الشرق والغرب.
ففكرة التقسيم قديمة وبالإمكان الاستفادة منها وتطبيقها من طرف الليبيين أنفسهم قبل ان تفرض عليهم من الخارج خاصة اذا ما وصل الرئيس ترامب الى البيت الأبيض فسيقوم حينها بإحياء ما شرع فيه في 2017 وهو اعتماد خريطة غوركا لتقسيم ليبيا الى ثلاث دويلات . وأعتمد فيها على الولايات العثمانية القديمة التي كانت في البلاد، وهي برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب.
أية تسوية للأزمة الليبية دون توافق من القبائل لن يكتب لها النجاح.
بقلم:ريم بالخذيري
تعدّ الثورة الليبية التي انطلقت شراراتها من بنغازي في 14فيفري 2011 الثالثة بعد الثورة التونسية التي اندلعت في 17ديسمبر 2010 والثورة المصرية التي تفّجرت في يوم 25 جانفي .2011.وهي التي أتت في سياق ثورات أخرى في اليمن وسوريا والسودان .
لكن النهاية المأساوية للزعيم معمّر القذافي وقتله من قبل قوات التحالف واعتبار قبيلته القذاذفة" ومدينته بني وليد أن المحتجين هم السبب الحقيقي وراء قتله فقد بدأ طلب الثأر لشخصه مبكرا ودخلت البلاد في صراعات قبلية بين الغرب الليبي مقر العاصمة طرابلس وبين الشرق مقرّ العاصمة الاقتصادية والمعارضة تاريخيا للقذافي. ولم تنجح كل المساعي الدولية والعربية طوال هذه السنين من حلحلة الأزمة في البلاد ووقعت فريسة للإرهاب و لداعش وتحوّلت الى ملاذ آمن للمهربين والإرهابيين .كما بدأت المجموعات المسلحة القبلية في فرض إرادتها على السياسيين ولم تتمكن أية حكومة من توحيد الليبيين .
هذه الوضعية جعلت اللواء المتقاعد وأشدّ معارضي القذافي و قبيلته خليفة حفتر ينصّب نفسه حاكما بأمره في بنغازي وما جاورها من المدن وبات يملك مجلس نواب يدين له بالولاء مقابل حكومة معترف بها دوليا في طرابلس .كما يمتلك بنكا مركزيا وعلاقات خارجية وتجارية خاصة. ونجح الى حد ما في إرساء الأمن واستتبابه في المناطق التي تقع تحت نفوذه مستعملا ما أسماه بالجيش الوطني الذي منح رئاسته لابنه صدام حفتر عصا غليظة لردع المنشقين عنه ولتوسيع أطماعه بحكم كل ليبيا وهو السبب المباشر لاندلاع المواجهات المسلحة منذ أيام فقد أقال البرلمان الخاضع لأوامره كما قلنا حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليا والضعيفة العاجزة عن إدارة البلاد.
القبليّة سبب البليّة..
يعترف الكثير من الليبيين أن أبرز سبب لعدم الاستقرار في بلادهم هو الطابع القبلي المتحكم في كل مفاصل الدولة وكل قبيلة لها مسلحيها وتريد فرض حكمها. وهو ما تجلى مؤخرا ولا يزال في مشكلة إغلاق معبر رأس الجدير في جانبه الليبي. في هذا الإطار يقول الصحفي الليلي محمد الصريط “عندما ترى ليبيا بشعبها ومبانيها وطرقها، تشعر كأنك في حضرة المدنية، وما إن يحدث خطب أو مشكلة، حتى يحضر الوجه الآخر، ويستظل كل بقبيلته، ما يجعلك تدرك أن جين القبلية نشط جدا وفعّال، رغم عدم إظهار نفسه، في المدن على أقل تقدير”.
وقد منحها معمر القذافي نفوذا وسلاحا واستعان بها في مقاومة الإرهاب والتهريب و في ردع معارضيه.
وبالتالي فإن أية تسوية للازمة الليبية دون توافق من القبائل لن يكتب لها النجاح.
وبما أن قبيلة القذاذفة وتوابعها تشعر بعقدة ذنب خذلان ابنهم وتحمل دمه الى خليفة خفتر والى الشرق الليبي بقبائله فإن التسوية تبدو مستحيلة والحديث عن ليبيا موحدة ضرب من ضروب الخيال.
حل التقسيم
مثلما ذكرنا فان عقبة القبائل في ليبيا والمجموعات المسلحة المرتبطة بها ستحول دون التوصل لأية تسوية فالكل متمترس في أرضه وأماكن نفوذه. وواقعيا تعد ليبيا اليوم ومنذ ما لا يقل عن خمس سنوات مقسمة بين طرابلس (أو ما يعرف بالغرب الليبي) و بين بنغازي ثاني أكبر مدينة وتعد عاصمة ما يعرف بالشرق الليبي.
فكل له نطاق نفوذه وحقول نفطه وعلاقاته التجارية والسياسية المختلفة على الثاني.
ورغم أن حل التقسيم يبدو محرجا لليبيين الا أنه الحل الجذري لإنهاء الصراعات بين أبناء الشعب الواحد الذي لم يكن يوما كذلك.
بل من المؤكد أن هذا الحل على صعوبة تطبيقه سيعود بالفائدة على الجانبين كما ستستفيد منه دول الجوار كمصر والجزائر وخاصة تونس التي تضررت كثيرا اقتصاديا على امتداد سنوات من هذه الأزمة.
تجارب سابقة ناجحة..
حل التقسيم ليس بدعة وليس شرا لا يمكن قبوله في ليبيا فقد اعتمد في حل صراعات وخلافات عميقة في عديد الدول أهمها تقسيم ألمانيا الى غربية وشرقية في1949 قبل أن تعاود التوحد في 1990 وهو ذات السيناريو الذي يمكن أن يحدث في ليبيا.
كما أن تقسيم كوريا الى جنوبية وشمالية في1945 بعد حرب سنوات مّثل فرصة هامة للشعب الكوري في البلدين للعيش في سلام. بل ما كان لكوريا الجنوبية ان تتحول الى قوة اقتصادية عالمية لو لا حل التقسيم هذا.
أما اخر التجارب الناجحة باعتقادي فهو تقسيم السودان والذي أنهى صراعا مسلحا على امتداد سنوات راح ضحيته ملايين من القتلى والنازحين
واليوم تنعم دولة جنوب السودان بالاستقرار والأمن وبدأت في شق طريقها نحو التطور والازدهار. بينما بقيت دولة السودان رهينة أطماع عسكرية في الحكم و السلطة.
إعادة "قوس فيلاني"
يذكر العديد من الليبيين إلى اليوم وتتجدد القصة مع كل احتدام للصراع بين الشرق والغرب "قوس المرمر"، أو "قوس فيلاني"، وهو النصب التذكاري الذي صممه المعماري الإيطالي الشهير "فلورينستانو دي فاوستو،" بطلب من حاكم ليبيا الإيطالي المارشال "إيتالو بالبو" في عام 1937، ووضعه الإيطاليون كعلامة على الحدود الفاصلة بين إقليمي طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وكان كلاهما خاضع لسلطة الحاكم الإيطالي لكنه أعتمد كتقسيم إداري وقبلي ليسهل السيطرة على البلاد.
وقد تم هدم النصب لاحقا وتفجيره بالديناميت عام 1973 على يد العقيد معمر القذافي، الذي اعتبر النصب أحد مخلفات الاستعمار الإيطالي وإرثا من الموروثات التي كرست الفرقة بين الليبيين في الشرق والغرب.
ففكرة التقسيم قديمة وبالإمكان الاستفادة منها وتطبيقها من طرف الليبيين أنفسهم قبل ان تفرض عليهم من الخارج خاصة اذا ما وصل الرئيس ترامب الى البيت الأبيض فسيقوم حينها بإحياء ما شرع فيه في 2017 وهو اعتماد خريطة غوركا لتقسيم ليبيا الى ثلاث دويلات . وأعتمد فيها على الولايات العثمانية القديمة التي كانت في البلاد، وهي برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب.