بين 2021 و2024، نسبة الفائدة تقفز من 6،26 % الى 8 %
تونس-الصباح
أيام قليلة تفصلنا عن موعد انعقاد اجتماع مجلس ادارة البنك المركزي التونسي، وكثيرة هي المعطيات التي سيبوح بها قريبا، ومن المتوقع ان تكون في جزء كبير منها ايجابية خاصة تلك المتعلقة بالمؤشرات السياحية على مستوى عدد الوافدين والعائدات المعبأة، ومدخرات النقد الاجنبي... لكن ما سيلفت النظر هذه المرة، ما إذا كانت هناك تغيرات ستطرأ على نسبة الفائدة، خاصة ان هناك تراجع طفيف على مستوى نسبة التضخم خلال هذا الشهر والتي استقرت عند الـ 7 بالمائة...
كما ان قرار الإبقاء على نسبة الفائدة خلال الأشهر الأخيرة في نفس المستوى دون تغيير عند الـ 8 بالمائة قد يشير الى امكانية كبيرة في التعديل فيها قريبا اما بالتخفيض او بالترفيع، والحال ان سياسة البنك المركزي دأبت منذ اكثر من 10 سنوات على فرملة نسبة التضخم عن طريق الزيادة في نسبة الفائدة المديرية...
نسق الترفيع في نسبة الفائدة
وكان اخر تعديل في نسبة الفائدة من قبل البنك المركزي عبر الترفيع فيها بـ75 نقطة، لتصبح في مستوى الـ8 بالمائة، على اعتبار أن التضخم اتخذ نسق الانفراج بشكل تدريجي بعد ان استفاد من انخفاض الأسعار العالمية للطاقة والمواد الغذائية...
وقد عرف اجمالي تراجع التضخم المالي في تونس منذ شهر فيفري 2023 ما يناهز الـ 3.5 نقاط اثر تراجع الانزلاق الشهري من 7.3 بالمائة الى 7 بالمائة بين موفى شهري جوان وجويلية من هذه السنة 2024..
وشهدت نسبة الفائدة ارتفاعا مطردا في السنوات الاربع الاخيرة ، إذ تطورت من 6،26 بالمائة في شهر أوت 2021 إلى حدود الـ7،03 بالمائة في شهر أوت 2022 ، لتصل الى 8 بالمائة حاليا. وتستقر عند هذا المستوى للسنة الثانية على التوالي ...
لكن هذه العلاقة الشرطية التي دأبت على اعتمادها مؤسسة الاصدار بين التضخم والفائدة لم تعد مسايرة للتغيرات التي تمر بها السياسات النقدية حتى أن العديد من دول العالم أوجدت آليات بديلة للتحكم في نسبة التضخم.
فاليوم، مازال البنك المركزي باعتباره الهيكل الأساسي في المنظومة الاقتصادية المعني بالحفاظ على التوازنات المالية والنقدية للبلاد، يحارب ارتفاع التضخم فقط بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية، ليظل الخيار الأوحد لسنوات طويلة دون التفكير في بدائل واليات جديدة لكبح جماح التضخم الذي بلغ مستويات مخيفة وصلت النسبة مؤخرا إلى 10.4 بالمائة.
تغيير اليات فرملة التضخم
ونذكر جيدا في هذا السياق، العملية الاستباقية التي قام بها البنك المركزي في سنة واحدة فقط بالترفيع في نسبة الفائدة في 3 مناسبات خلال سنة 2018 تحديدا، والتي كان لها الأثر الايجابي وعكست نجاح الدولة في التحكم في ظرف سنتين في التضخم وإبقائه في أفضل المستويات، كما تم تجنب سيناريو تعويم العملة الذي كان سيقود البلاد إلى مرحلة اقتصادية خطيرة...
وبالرغم من التأثير الايجابي في الحط من نسبة التضخم آنذاك، إلا ان هذه الخطوة لقيت معارضة شديدة من قبل العديد من خبراء المال والاقتصاد، الذين وصفوها بالضربة القاصمة التي ستشل الاقتصاد الوطني وتؤثر سلبا على ابرز محركاته وهي الاستهلاك والاستثمار.
ففي الوقت الذي استفادت فيه جهات دون غيرها في المنظومة الاقتصادية من الترفيعات المتتالية في نسبة الفائدة واهمها البنوك، تضررت قطاعات اخرى بالمقابل على غرار المؤسسات والافراد وبالاخص قطاع الاستثمار ...
وهذا ما كشفت عنه العديد من التقارير المحلية، كان اخرها تقرير في شكل دراسة اصدره مركز الدراسات الإستراتيجية، وكشف فيه ان نشاط البنوك التجارية قد شهد طفرة مالية هامة خلال السنوات الاخيرة، حيث تطور الناتج الصافي البنكي للعديد من البنوك التجارية بصفة ملحوظة تزامنت مع الترفيع في نسبة الفائدة المديرية...
الاستثمار والاستهلاك الأكثر تضررا
كما كشف ذات التقرير أن الترفيع في معدل نسبة الفائدة سيزيد في كلفة القروض البنكية المثقلة على العائلات والمؤسسات الاقتصادية ويدفعها الى العزوف مجددا عن طلب قروض جديدة مما سيؤدي إلى تراجع كل محركات النمو الاقتصادي من استثمار وتصدير واستهلاك...
وبالرجوع إلى أبرز العوامل التي ساهمت ولو بشكل طفيف في تراجع نسبة التضخم وتخلصها من الرقمين، فالأكيد أن سياسات الدولة الأخيرة التي أطلقتها في حربها على الاحتكار على مستوى مسالك التوزيع للعديد من السلع والمواد الاستهلاكية، كان لها التأثير الايجابي في ذلك، الى جانب السياسات النقدية التي يعتمدها البنك المركزي في كل مرة يرتفع فيها التضخم..
ولئن لقيت هذه السياسات انتقادات واسعة في صفوف التونسيين، إلا أنها بدأت تأتي أكلها تدريجيا، خاصة الإجراءات التي تستهدف ضرب المحتكرين ولوبيات الفساد في الأسواق التي أنهكت منظومة التوزيع وأفقدت البلاد أهم المواد الاستهلاكية الضرورية، لتبقى السياسة النقدية محل جدل وقابلة للتعديل باعتبارها ليست بالحل الأنجع للتحكم في التضخم ..
وحتى لا يكون قرار الإبقاء على نسبة الفائدة للسنة الثانية على التوالي في نفس مستوياته، "هدنة مؤقتة"، قد تعقبها قرارات جديدة بالترفيع فيها بالنظر الى معطيات السوق وتواصل ارتفاع الأسعار، من المفروض تغيير المنوال القديم الذي تم انتهاجه لسنوات في محاربة التضخم، والتوجه مباشرة إلى الأسباب الحقيقة التي تؤدي إلى ارتفاعه المتواصل والإسراع في معالجتها...
هذه الأسباب التي تم تشخيصها مرارا وتكرارا تتمثل بالأساس في تواصل الانزلاق التاريخي للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية المرجعية، والزيادات المتتالية في الأجور التي تشجع على الاستهلاك، فضلا عن الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الاستهلاكية على غرار المحروقات، دون التغافل عن محاربة الاحتكار والسوق الموازية وتنظيم مسالك التوزيع، باعتبار ان الممارسات الاحتكارية والانزلاق المتسارع للدينار من ابرز أسباب ارتفاع التضخم..
وفاء بن محمد
بين 2021 و2024، نسبة الفائدة تقفز من 6،26 % الى 8 %
تونس-الصباح
أيام قليلة تفصلنا عن موعد انعقاد اجتماع مجلس ادارة البنك المركزي التونسي، وكثيرة هي المعطيات التي سيبوح بها قريبا، ومن المتوقع ان تكون في جزء كبير منها ايجابية خاصة تلك المتعلقة بالمؤشرات السياحية على مستوى عدد الوافدين والعائدات المعبأة، ومدخرات النقد الاجنبي... لكن ما سيلفت النظر هذه المرة، ما إذا كانت هناك تغيرات ستطرأ على نسبة الفائدة، خاصة ان هناك تراجع طفيف على مستوى نسبة التضخم خلال هذا الشهر والتي استقرت عند الـ 7 بالمائة...
كما ان قرار الإبقاء على نسبة الفائدة خلال الأشهر الأخيرة في نفس المستوى دون تغيير عند الـ 8 بالمائة قد يشير الى امكانية كبيرة في التعديل فيها قريبا اما بالتخفيض او بالترفيع، والحال ان سياسة البنك المركزي دأبت منذ اكثر من 10 سنوات على فرملة نسبة التضخم عن طريق الزيادة في نسبة الفائدة المديرية...
نسق الترفيع في نسبة الفائدة
وكان اخر تعديل في نسبة الفائدة من قبل البنك المركزي عبر الترفيع فيها بـ75 نقطة، لتصبح في مستوى الـ8 بالمائة، على اعتبار أن التضخم اتخذ نسق الانفراج بشكل تدريجي بعد ان استفاد من انخفاض الأسعار العالمية للطاقة والمواد الغذائية...
وقد عرف اجمالي تراجع التضخم المالي في تونس منذ شهر فيفري 2023 ما يناهز الـ 3.5 نقاط اثر تراجع الانزلاق الشهري من 7.3 بالمائة الى 7 بالمائة بين موفى شهري جوان وجويلية من هذه السنة 2024..
وشهدت نسبة الفائدة ارتفاعا مطردا في السنوات الاربع الاخيرة ، إذ تطورت من 6،26 بالمائة في شهر أوت 2021 إلى حدود الـ7،03 بالمائة في شهر أوت 2022 ، لتصل الى 8 بالمائة حاليا. وتستقر عند هذا المستوى للسنة الثانية على التوالي ...
لكن هذه العلاقة الشرطية التي دأبت على اعتمادها مؤسسة الاصدار بين التضخم والفائدة لم تعد مسايرة للتغيرات التي تمر بها السياسات النقدية حتى أن العديد من دول العالم أوجدت آليات بديلة للتحكم في نسبة التضخم.
فاليوم، مازال البنك المركزي باعتباره الهيكل الأساسي في المنظومة الاقتصادية المعني بالحفاظ على التوازنات المالية والنقدية للبلاد، يحارب ارتفاع التضخم فقط بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية، ليظل الخيار الأوحد لسنوات طويلة دون التفكير في بدائل واليات جديدة لكبح جماح التضخم الذي بلغ مستويات مخيفة وصلت النسبة مؤخرا إلى 10.4 بالمائة.
تغيير اليات فرملة التضخم
ونذكر جيدا في هذا السياق، العملية الاستباقية التي قام بها البنك المركزي في سنة واحدة فقط بالترفيع في نسبة الفائدة في 3 مناسبات خلال سنة 2018 تحديدا، والتي كان لها الأثر الايجابي وعكست نجاح الدولة في التحكم في ظرف سنتين في التضخم وإبقائه في أفضل المستويات، كما تم تجنب سيناريو تعويم العملة الذي كان سيقود البلاد إلى مرحلة اقتصادية خطيرة...
وبالرغم من التأثير الايجابي في الحط من نسبة التضخم آنذاك، إلا ان هذه الخطوة لقيت معارضة شديدة من قبل العديد من خبراء المال والاقتصاد، الذين وصفوها بالضربة القاصمة التي ستشل الاقتصاد الوطني وتؤثر سلبا على ابرز محركاته وهي الاستهلاك والاستثمار.
ففي الوقت الذي استفادت فيه جهات دون غيرها في المنظومة الاقتصادية من الترفيعات المتتالية في نسبة الفائدة واهمها البنوك، تضررت قطاعات اخرى بالمقابل على غرار المؤسسات والافراد وبالاخص قطاع الاستثمار ...
وهذا ما كشفت عنه العديد من التقارير المحلية، كان اخرها تقرير في شكل دراسة اصدره مركز الدراسات الإستراتيجية، وكشف فيه ان نشاط البنوك التجارية قد شهد طفرة مالية هامة خلال السنوات الاخيرة، حيث تطور الناتج الصافي البنكي للعديد من البنوك التجارية بصفة ملحوظة تزامنت مع الترفيع في نسبة الفائدة المديرية...
الاستثمار والاستهلاك الأكثر تضررا
كما كشف ذات التقرير أن الترفيع في معدل نسبة الفائدة سيزيد في كلفة القروض البنكية المثقلة على العائلات والمؤسسات الاقتصادية ويدفعها الى العزوف مجددا عن طلب قروض جديدة مما سيؤدي إلى تراجع كل محركات النمو الاقتصادي من استثمار وتصدير واستهلاك...
وبالرجوع إلى أبرز العوامل التي ساهمت ولو بشكل طفيف في تراجع نسبة التضخم وتخلصها من الرقمين، فالأكيد أن سياسات الدولة الأخيرة التي أطلقتها في حربها على الاحتكار على مستوى مسالك التوزيع للعديد من السلع والمواد الاستهلاكية، كان لها التأثير الايجابي في ذلك، الى جانب السياسات النقدية التي يعتمدها البنك المركزي في كل مرة يرتفع فيها التضخم..
ولئن لقيت هذه السياسات انتقادات واسعة في صفوف التونسيين، إلا أنها بدأت تأتي أكلها تدريجيا، خاصة الإجراءات التي تستهدف ضرب المحتكرين ولوبيات الفساد في الأسواق التي أنهكت منظومة التوزيع وأفقدت البلاد أهم المواد الاستهلاكية الضرورية، لتبقى السياسة النقدية محل جدل وقابلة للتعديل باعتبارها ليست بالحل الأنجع للتحكم في التضخم ..
وحتى لا يكون قرار الإبقاء على نسبة الفائدة للسنة الثانية على التوالي في نفس مستوياته، "هدنة مؤقتة"، قد تعقبها قرارات جديدة بالترفيع فيها بالنظر الى معطيات السوق وتواصل ارتفاع الأسعار، من المفروض تغيير المنوال القديم الذي تم انتهاجه لسنوات في محاربة التضخم، والتوجه مباشرة إلى الأسباب الحقيقة التي تؤدي إلى ارتفاعه المتواصل والإسراع في معالجتها...
هذه الأسباب التي تم تشخيصها مرارا وتكرارا تتمثل بالأساس في تواصل الانزلاق التاريخي للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية المرجعية، والزيادات المتتالية في الأجور التي تشجع على الاستهلاك، فضلا عن الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الاستهلاكية على غرار المحروقات، دون التغافل عن محاربة الاحتكار والسوق الموازية وتنظيم مسالك التوزيع، باعتبار ان الممارسات الاحتكارية والانزلاق المتسارع للدينار من ابرز أسباب ارتفاع التضخم..