إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. إصلاح النقل أولوية..

يبدو أن أزمة النقل، المتوارثة والمتناسلة، التي يعيش على وقعها المواطن التونسي، ازدادت استفحالا، في ظل أسطول متقادم ومهترئ، ونقص كبير في الحافلات والقطارات، في رحلة معاناة يومية، سببها تردي خدمات وسائل النقل العمومي، بمختلف أنواعها، من تأخر السفرات، الى إلغاء الرحلات، ومن الاكتظاظ الى انتظار قد يصل الى ساعات، في واقع يقتضي عملية إصلاح شاملة وعاجلة لهذا القطاع الحيوي، لدوره المحوري في أي نقلة نوعية اقتصادية.

ومع عودة العمل بنظام الحصتين، بعد أقل من أسبوعين، والعودة المدرسية والجامعية، بعد أقل من شهر، تتفاقم أزمة النقل أكثر، في ظل نقص خطوط المواصلات، لاسيما بعد إعلان شركة نقل تونس، يوم 16 جويلية الماضي، عن حذف 40 خطا من خطوط الحافلات بتونس الكبرى، مما أدى الى تعميق معاناة المواطن، وتأزيم الوضع أكثر، في وقت كان يحتم إضافة المزيد من الخطوط ودعمها، لا التوجه نحو حذفها.

ولعل رحلة المتاعب والمعاناة، ستزداد أكثر، في ظل الاضطراب، الذي يطغى على أغلب سفراتها، إن لم يكن كلها، لاسيما أن الأيام القادمة ستتزامن مع حركية عودة عشرات آلاف الطلبة، لترتيب عودتهم الى مؤسساتهم الجامعية، أو الدخول في رحلة البحث عن الكراء.

ومن البديهي، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي أدى زيارات لعدد من محطات القطارات والحافلات، واطلع على حالة المستودعات، على قناعة تامة بهذه المعضلة، لاسيما أنه وصف، في أكثر من مناسبة، وضعية النقل العمومي داخل المدن وبينها، بـ"المعاناة اليومية"، في ظل المتاعب والمشاق، التي يواجهها المواطن، في سبيل الوصول الى وجهته، كما شدد خلال لقائه أول أمس سارة الزعفراني الزنزري، وزيرة التجهيز والإسكان والمكلفة بتسيير وزارة النقل، على ضرورة إيجاد حلول عاجلة لقطاع النقل للتخفيف، على الأقل في مرحلة أولى، من معاناة المواطنين والمواطنات عند تنقلهم داخل المدن وبينها، لاسيما أن ما تبقى من حافلات ومن قطارات، ومن عربات مترو، لا يفي حتى بالحد الأدنى المطلوب.

صحيح أن رئاسة الحكومة أعلنت مؤخرا، الترخيص لاقتناء 700 حافلة مستعملة وتوفير الاعتمادات اللازمة لاقتناء 300 حافلة أخرى جديدة بصفة مستعجلة، وصحيح أيضا أن وزارة النقل أعلنت أمس عن إطلاق طلب عروض، لاقتناء 300 حافلة جديدة، على أن يتم في مراحل أخرى تجسيم اقتناءات أخرى لوسائل النقل العمومي الجماعي بكامل ولايات الجمهورية، لكن المطلوب الآن هو مسابقة الزمن، والإسراع بإيجاد حلول عاجلة، لفض ولو جانب من هذه المعضلة في وقت قياسي، ولم لا قبل العودة المدرسية.

فلا ننسى أن معضلة النقل المدرسي خصوصا في المناطق الريفية، مثلت أحد الأسباب الرئيسية للانقطاع المبكر عن التعليم، وكثيرا ما يطرح هذا الملف مع انطلاق كل سنة دراسية جديدة، ليثير جدلا جديدا، ونقاط استفهام جديدة، دون إيجاد حلول جذرية، تقطع مع السائد في مسألة حساسة، تقتضي قرارات عاجلة وحاسمة.

اللافت والغريب، أن المواطن يعيش على وقع هذه الأزمة، ويعاني الأمرين يوميا في غياب وسائل النقل، في وقت أن عشرات الحافلات المهملة، وأغلب عربات الميترو المتروكة، تحولت الى ركام من الحديد، وجبال من "الخردة"، في غياب شبه كلي لعمليات الصيانة، في مشاهد تعكس استهتارا عجيبا، وسوء تصرف، لا يحتمل شتى أشكال التبريرات.

فما معنى أن يكون أكثر من 60 بالمائة من الأسطول في حالة عطب؟ ثم كيف تقلص عدد الحافلات في تونس الكبرى في ظرف عشر سنوات من 1157 إلى 350 حافلة سنة 2024، دون أن ننسى اهتراء عربات قطارات الخطوط البعيدة، التي أصبحت في حالة أكثر من مزرية.

ومن المؤكد أن إعادة بناء هذا المرفق العمومي، الذي تجاهلته الحكومات المتعاقبة منذ سنوات، يقتضي الإسراع بتفعيل القرارات والإجراءات، والشروع في وضع الإستراتيجية الوطنية للنقل العمومي، والتعجيل باقتناء الحافلات والعربات الجديدة، مع تشديد الرقابة على مختلف عمليات الصيانة، والضرب على أيدي كل المستهترين، والمتورطين في الفساد والتخريب.

وهكذا فقط يمكن أن يكون النقل أولوية، وعلى رأس الأولويات، لدوره المحوري، في كسب مختلف التحديات.

محمد صالح الربعاوي

 

 

 

 

يبدو أن أزمة النقل، المتوارثة والمتناسلة، التي يعيش على وقعها المواطن التونسي، ازدادت استفحالا، في ظل أسطول متقادم ومهترئ، ونقص كبير في الحافلات والقطارات، في رحلة معاناة يومية، سببها تردي خدمات وسائل النقل العمومي، بمختلف أنواعها، من تأخر السفرات، الى إلغاء الرحلات، ومن الاكتظاظ الى انتظار قد يصل الى ساعات، في واقع يقتضي عملية إصلاح شاملة وعاجلة لهذا القطاع الحيوي، لدوره المحوري في أي نقلة نوعية اقتصادية.

ومع عودة العمل بنظام الحصتين، بعد أقل من أسبوعين، والعودة المدرسية والجامعية، بعد أقل من شهر، تتفاقم أزمة النقل أكثر، في ظل نقص خطوط المواصلات، لاسيما بعد إعلان شركة نقل تونس، يوم 16 جويلية الماضي، عن حذف 40 خطا من خطوط الحافلات بتونس الكبرى، مما أدى الى تعميق معاناة المواطن، وتأزيم الوضع أكثر، في وقت كان يحتم إضافة المزيد من الخطوط ودعمها، لا التوجه نحو حذفها.

ولعل رحلة المتاعب والمعاناة، ستزداد أكثر، في ظل الاضطراب، الذي يطغى على أغلب سفراتها، إن لم يكن كلها، لاسيما أن الأيام القادمة ستتزامن مع حركية عودة عشرات آلاف الطلبة، لترتيب عودتهم الى مؤسساتهم الجامعية، أو الدخول في رحلة البحث عن الكراء.

ومن البديهي، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي أدى زيارات لعدد من محطات القطارات والحافلات، واطلع على حالة المستودعات، على قناعة تامة بهذه المعضلة، لاسيما أنه وصف، في أكثر من مناسبة، وضعية النقل العمومي داخل المدن وبينها، بـ"المعاناة اليومية"، في ظل المتاعب والمشاق، التي يواجهها المواطن، في سبيل الوصول الى وجهته، كما شدد خلال لقائه أول أمس سارة الزعفراني الزنزري، وزيرة التجهيز والإسكان والمكلفة بتسيير وزارة النقل، على ضرورة إيجاد حلول عاجلة لقطاع النقل للتخفيف، على الأقل في مرحلة أولى، من معاناة المواطنين والمواطنات عند تنقلهم داخل المدن وبينها، لاسيما أن ما تبقى من حافلات ومن قطارات، ومن عربات مترو، لا يفي حتى بالحد الأدنى المطلوب.

صحيح أن رئاسة الحكومة أعلنت مؤخرا، الترخيص لاقتناء 700 حافلة مستعملة وتوفير الاعتمادات اللازمة لاقتناء 300 حافلة أخرى جديدة بصفة مستعجلة، وصحيح أيضا أن وزارة النقل أعلنت أمس عن إطلاق طلب عروض، لاقتناء 300 حافلة جديدة، على أن يتم في مراحل أخرى تجسيم اقتناءات أخرى لوسائل النقل العمومي الجماعي بكامل ولايات الجمهورية، لكن المطلوب الآن هو مسابقة الزمن، والإسراع بإيجاد حلول عاجلة، لفض ولو جانب من هذه المعضلة في وقت قياسي، ولم لا قبل العودة المدرسية.

فلا ننسى أن معضلة النقل المدرسي خصوصا في المناطق الريفية، مثلت أحد الأسباب الرئيسية للانقطاع المبكر عن التعليم، وكثيرا ما يطرح هذا الملف مع انطلاق كل سنة دراسية جديدة، ليثير جدلا جديدا، ونقاط استفهام جديدة، دون إيجاد حلول جذرية، تقطع مع السائد في مسألة حساسة، تقتضي قرارات عاجلة وحاسمة.

اللافت والغريب، أن المواطن يعيش على وقع هذه الأزمة، ويعاني الأمرين يوميا في غياب وسائل النقل، في وقت أن عشرات الحافلات المهملة، وأغلب عربات الميترو المتروكة، تحولت الى ركام من الحديد، وجبال من "الخردة"، في غياب شبه كلي لعمليات الصيانة، في مشاهد تعكس استهتارا عجيبا، وسوء تصرف، لا يحتمل شتى أشكال التبريرات.

فما معنى أن يكون أكثر من 60 بالمائة من الأسطول في حالة عطب؟ ثم كيف تقلص عدد الحافلات في تونس الكبرى في ظرف عشر سنوات من 1157 إلى 350 حافلة سنة 2024، دون أن ننسى اهتراء عربات قطارات الخطوط البعيدة، التي أصبحت في حالة أكثر من مزرية.

ومن المؤكد أن إعادة بناء هذا المرفق العمومي، الذي تجاهلته الحكومات المتعاقبة منذ سنوات، يقتضي الإسراع بتفعيل القرارات والإجراءات، والشروع في وضع الإستراتيجية الوطنية للنقل العمومي، والتعجيل باقتناء الحافلات والعربات الجديدة، مع تشديد الرقابة على مختلف عمليات الصيانة، والضرب على أيدي كل المستهترين، والمتورطين في الفساد والتخريب.

وهكذا فقط يمكن أن يكون النقل أولوية، وعلى رأس الأولويات، لدوره المحوري، في كسب مختلف التحديات.

محمد صالح الربعاوي