إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كانت حكرا على الموالين للسلطة.. الهيئة الوطنية للمحامين تشدد "الرقابة" على مدى الالتزام بالقانون في توزيع قضايا الدولة على المحامين

تونس-الصباح

يعاني قطاع المحاماة من العديد من المشاكل من بينها مشكل تفشي السمسرة "الداء" الذي لم يشف منه القطاع   رغم الجهود الكبيرة المبذولة من طرف هياكل المهنة وقد أشرنا للموضوع في عدد سابق حيث عرفنا بأبرز أسباب المشكل وتحدثنا إلى ممثلين عن القطاع حول الحلول الممكنة لكن مهنة المحاماة تعاني أيضا من أمراض أخرى لا تقل خطورة ومن بينها قضية "احتكار" قضايا الدولة ذات المردودية المالية الهامة والتي من المفروض أن توزع توزيعا عادلا على المحامين.

صباح الشابي

وفي عدد اليوم نحاول تسليط الضوء على المسألة وتحديدا على  توزيع  قضايا الدولة والهياكل العمومية على المحامين والتي وللتذكير كانت قبل أحداث 14 جانفي 2011  حكرا على "محاميي التجمع المنحل" والموالين للسلطة السياسية آنذاك.

هل تغير الأمر إثر ذلك وأصبح هناك على الأقل حد أدنى من الالتزام بالعدالة في توزيع هذه القضايا؟ هذا ما نحاول التركيز عليه في هذا الحيز ونشير في هذا الإطار إلى أن مجلس الهيئة الوطنية للمحامين اجتمع مؤخرا وقرر تشكيل لجنة تضم عددا من أعضاء الهيئة برئاسة العميد حاتم مزيو وعدد من الأعضاء الآخرين للنظر في مدى مطابقة التوزيع العادل لقضايا الدولة على المحامين طبقا للأمر عدد 764 لسنة 2014

والقيام بجميع الإجراءات والمراسلات اللازمة قصد التأكد من مدى احترام الأمر المنظم لنيابة المحامين للهياكل العمومية وتوجيه المراسلات اللازمة في ذلك لغرض احتراما للقانون والتصدي لكل التجاوزات.

وحول هذا الموضوع قال في تصريح لـ"الصباح" في هذا الصدد الأستاذ الطاهر يحيى عضو بالهيئة الوطنية للمحامين رغم أن المحاماة مهنة حرة، أساس العمل فيها هو المبادرة الفردية وحرية الخدمات، إلا أنه اعتبارا الى أن الهياكل العمومية التابعة للدولة ملزمة بتكليف محامين لنيابتها فإن مبادئ  المنطق والعدل والإنصاف وتكافؤ الفرص تفرض عدالة في توزيع قضايا الدولة خاصة وأن أجرة المحامي التي تدفعها هياكل الدولة مصدرها المال العام الذي ينبغي أن يوزع بطريقة عادلة وشفافة دون تمييز بين المحامين تطبيقا لمبدأ أن الأموال العمومية متأتية في جزء منها من الضرائب والأداءات المفروضة على المواطنين والشركات إلا أن هذا المبدأ تم العبث به قبل ثورة 2011 وذلك بتخصيص عدد معين من المحامين الموالين للسلطة والحزب الحاكم آنذاك لتولي قضايا الدولة والقضايا العمومية استنادا إلى التبعية وبهدف تركيع واحتواء المحاماة التونسية من قبل السلطة السياسية في تلك الفترة، وفق محدثنا.

وذكر عضو الهيئة الوطنية للمحامين بقائمات المحامين التي عثر عليها إبان الثورة والتي كشفت عن استحواذ هؤلاء، وبتعليمات من السلطة السياسية وحزب التجمع آنذاك، على تلك القضايا وهو ما نتج عنه ما قال عنه تجويع آلاف المحامين غير المنضوين تحت حزب التجمع المنحل.

وعلى ذلك الأساس َوطبقا لتشكيات الهيئة الوطنية للمحامين ومطالبتها بتوزيع عادل لقضايا الدولة على المحامين دون تمييز تم وضع الأمر عدد 764 لسنة 2014 الذي نظم شروط وإجراءات تكليف المحامين لنيابة الهياكل العمومية لدى المحاكم والهيئات القضائية والإدارية والعسكرية والتعديلية والتحكيمية وقد أكد الأمر المذكور ولأول مرة في تاريخ تونس على إجراءات دقيقة ومفصلة لضمان توزيع عادل لقضايا الدولة على المحامين كافة استنادا إلى مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة وفق طلب عروض قياسا واعتمادا على إسناد الصفقات العمومية.

وقد اعتمد ذالك الأمر مقاييس وبنودا مضمنة بكراس شروط نموذجي تم ضبطه من قبل الهيئة العليا للطلب العمومي التابعة لرئاسة الحكومة وقد ركز كذلك الأمر  جملة من الضمانات حرصا على تفعيل المنافسة والشفافية والتوزيع العادل لقضايا الدولة على المحامين دون إقصاء.

وعلى ذلك الأساس ووفق هذه الرؤية تم تركيز لجنة تحت إشراف رئاسة الحكومة تتولى ضمان ومراقبة التوزيع العادل لقضايا الدولة من قبل الهياكل العمومية بما في ذلك مراقبة شفافية إسناد القضايا المذكورة على المحامين.

وأكد الأمر عدد 764 لسنة 2014 في فصوله على التداول في نيابة قضايا الدولة وعلى عدم نيابة أكثر من هيكل عمومي من قبل نفس المحامي وعلى وجوب تخصيص قسط من تلك القضايا للمحامين الشبان الذين لم تتجاوز أقدميتهم خمس سنوات.

كما أكد نفس الأمر على أسس وقواعد للمنافسة بين المحامين للتعاقد مع الهياكل العمومية وفق الأمر المنظم للصفقات على مستوى الإشهار وتقديم الملفات َوالفرز والإسناد والمراقبة إثر ذلك من طرف اللجنة المذكورة آنفا.

نقائص وإخلالات

إلا أنه وبعد قرابة عشر سنوات من تركيز الأمر المنظم لإسناد قضايا الدولة للمحامين فقد تبين وجود العديد من النقائص والإخلالات في إسنادها خاصة على مستوى لجوء بعض الهياكل العمومية  للتفاوض المباشر مع بعض المحامين َفي القضايا التي يرونها متأكدة وغيرها من النزاعات دون اللجوء إلى قواعد المنافسة التي تعتمد مبدأ الكفاءة ومكونات الملف كأساس وحيد لإسناد قضايا الدولة من قبل الهيكل العمومي هذا فضلا على عدم تخصيص الهياكل العمومية لقسط من القضايا للمحامين الشبان في خرق لمقتضيات الأمر 764 معتبرا أنه بات من الضروري  مراجعته من أجل تجاوز النقائص التي تضمنها بالتشاور مع الهيئة الوطنية للمحامين من أجل تفعيل أسسه وقواعده وفلسفته وتطبيق قواعد التوزيع العادل لقضايا الدولة بين أصحاب العباءة السوداء واحترام مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص ومراعاة العدد  الكبير للمحامين الذي تجاوز العشرة آلاف بكثير.

كانت حكرا على الموالين للسلطة..   الهيئة الوطنية للمحامين تشدد "الرقابة" على مدى الالتزام بالقانون في توزيع قضايا الدولة على المحامين

تونس-الصباح

يعاني قطاع المحاماة من العديد من المشاكل من بينها مشكل تفشي السمسرة "الداء" الذي لم يشف منه القطاع   رغم الجهود الكبيرة المبذولة من طرف هياكل المهنة وقد أشرنا للموضوع في عدد سابق حيث عرفنا بأبرز أسباب المشكل وتحدثنا إلى ممثلين عن القطاع حول الحلول الممكنة لكن مهنة المحاماة تعاني أيضا من أمراض أخرى لا تقل خطورة ومن بينها قضية "احتكار" قضايا الدولة ذات المردودية المالية الهامة والتي من المفروض أن توزع توزيعا عادلا على المحامين.

صباح الشابي

وفي عدد اليوم نحاول تسليط الضوء على المسألة وتحديدا على  توزيع  قضايا الدولة والهياكل العمومية على المحامين والتي وللتذكير كانت قبل أحداث 14 جانفي 2011  حكرا على "محاميي التجمع المنحل" والموالين للسلطة السياسية آنذاك.

هل تغير الأمر إثر ذلك وأصبح هناك على الأقل حد أدنى من الالتزام بالعدالة في توزيع هذه القضايا؟ هذا ما نحاول التركيز عليه في هذا الحيز ونشير في هذا الإطار إلى أن مجلس الهيئة الوطنية للمحامين اجتمع مؤخرا وقرر تشكيل لجنة تضم عددا من أعضاء الهيئة برئاسة العميد حاتم مزيو وعدد من الأعضاء الآخرين للنظر في مدى مطابقة التوزيع العادل لقضايا الدولة على المحامين طبقا للأمر عدد 764 لسنة 2014

والقيام بجميع الإجراءات والمراسلات اللازمة قصد التأكد من مدى احترام الأمر المنظم لنيابة المحامين للهياكل العمومية وتوجيه المراسلات اللازمة في ذلك لغرض احتراما للقانون والتصدي لكل التجاوزات.

وحول هذا الموضوع قال في تصريح لـ"الصباح" في هذا الصدد الأستاذ الطاهر يحيى عضو بالهيئة الوطنية للمحامين رغم أن المحاماة مهنة حرة، أساس العمل فيها هو المبادرة الفردية وحرية الخدمات، إلا أنه اعتبارا الى أن الهياكل العمومية التابعة للدولة ملزمة بتكليف محامين لنيابتها فإن مبادئ  المنطق والعدل والإنصاف وتكافؤ الفرص تفرض عدالة في توزيع قضايا الدولة خاصة وأن أجرة المحامي التي تدفعها هياكل الدولة مصدرها المال العام الذي ينبغي أن يوزع بطريقة عادلة وشفافة دون تمييز بين المحامين تطبيقا لمبدأ أن الأموال العمومية متأتية في جزء منها من الضرائب والأداءات المفروضة على المواطنين والشركات إلا أن هذا المبدأ تم العبث به قبل ثورة 2011 وذلك بتخصيص عدد معين من المحامين الموالين للسلطة والحزب الحاكم آنذاك لتولي قضايا الدولة والقضايا العمومية استنادا إلى التبعية وبهدف تركيع واحتواء المحاماة التونسية من قبل السلطة السياسية في تلك الفترة، وفق محدثنا.

وذكر عضو الهيئة الوطنية للمحامين بقائمات المحامين التي عثر عليها إبان الثورة والتي كشفت عن استحواذ هؤلاء، وبتعليمات من السلطة السياسية وحزب التجمع آنذاك، على تلك القضايا وهو ما نتج عنه ما قال عنه تجويع آلاف المحامين غير المنضوين تحت حزب التجمع المنحل.

وعلى ذلك الأساس َوطبقا لتشكيات الهيئة الوطنية للمحامين ومطالبتها بتوزيع عادل لقضايا الدولة على المحامين دون تمييز تم وضع الأمر عدد 764 لسنة 2014 الذي نظم شروط وإجراءات تكليف المحامين لنيابة الهياكل العمومية لدى المحاكم والهيئات القضائية والإدارية والعسكرية والتعديلية والتحكيمية وقد أكد الأمر المذكور ولأول مرة في تاريخ تونس على إجراءات دقيقة ومفصلة لضمان توزيع عادل لقضايا الدولة على المحامين كافة استنادا إلى مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة وفق طلب عروض قياسا واعتمادا على إسناد الصفقات العمومية.

وقد اعتمد ذالك الأمر مقاييس وبنودا مضمنة بكراس شروط نموذجي تم ضبطه من قبل الهيئة العليا للطلب العمومي التابعة لرئاسة الحكومة وقد ركز كذلك الأمر  جملة من الضمانات حرصا على تفعيل المنافسة والشفافية والتوزيع العادل لقضايا الدولة على المحامين دون إقصاء.

وعلى ذلك الأساس ووفق هذه الرؤية تم تركيز لجنة تحت إشراف رئاسة الحكومة تتولى ضمان ومراقبة التوزيع العادل لقضايا الدولة من قبل الهياكل العمومية بما في ذلك مراقبة شفافية إسناد القضايا المذكورة على المحامين.

وأكد الأمر عدد 764 لسنة 2014 في فصوله على التداول في نيابة قضايا الدولة وعلى عدم نيابة أكثر من هيكل عمومي من قبل نفس المحامي وعلى وجوب تخصيص قسط من تلك القضايا للمحامين الشبان الذين لم تتجاوز أقدميتهم خمس سنوات.

كما أكد نفس الأمر على أسس وقواعد للمنافسة بين المحامين للتعاقد مع الهياكل العمومية وفق الأمر المنظم للصفقات على مستوى الإشهار وتقديم الملفات َوالفرز والإسناد والمراقبة إثر ذلك من طرف اللجنة المذكورة آنفا.

نقائص وإخلالات

إلا أنه وبعد قرابة عشر سنوات من تركيز الأمر المنظم لإسناد قضايا الدولة للمحامين فقد تبين وجود العديد من النقائص والإخلالات في إسنادها خاصة على مستوى لجوء بعض الهياكل العمومية  للتفاوض المباشر مع بعض المحامين َفي القضايا التي يرونها متأكدة وغيرها من النزاعات دون اللجوء إلى قواعد المنافسة التي تعتمد مبدأ الكفاءة ومكونات الملف كأساس وحيد لإسناد قضايا الدولة من قبل الهيكل العمومي هذا فضلا على عدم تخصيص الهياكل العمومية لقسط من القضايا للمحامين الشبان في خرق لمقتضيات الأمر 764 معتبرا أنه بات من الضروري  مراجعته من أجل تجاوز النقائص التي تضمنها بالتشاور مع الهيئة الوطنية للمحامين من أجل تفعيل أسسه وقواعده وفلسفته وتطبيق قواعد التوزيع العادل لقضايا الدولة بين أصحاب العباءة السوداء واحترام مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص ومراعاة العدد  الكبير للمحامين الذي تجاوز العشرة آلاف بكثير.