ضمن فعاليات مهرجان قرطاج في دورته 58، وقبل انطلاق عرض "نوبة غرام" لمحمد علي كمون وسيرين الشكيلي ليلة أول أمس، نعت ادارة المهرجان فقيد الأغنية الملتزمة والكلمات المعمقة وصاحب الانامل التي بعثت الحياة في الحروفيات، الفنان ياسر الجرادي، من خلال مقاطع فيديو نقلت البعض من خواطره المفعمة بحب تونس ومقتطفات من أشهر أغانيه التي ستظل محفورة في ذاكرة التونسيين..
استهل عرض "نوبة غرام" بظهور بطلها الفنان محمد بن صالح في دور عمر، وقد توسط الركح جالسا إلى مكتبه تخامره بين الحين والٱخر أفكارا وأشعارا ، ثم يرى "نجمة" في شخصيات متنوعة لتجسد تفاصيلها، وتكون أول أغنية في العرض بحضور الطفلة "نجمة" ابنة حفصية التي جاءت من طرابلس الى تونس حاملة إياها في أحشائها، تتمنى أن تصبح يوما ما نجمة من نجمات الزمزمات (الفلكلور الليبي..)
تتسارع أحداث الكوميديا الموسيقية تزامنا مع تواترها وتشعبها، وقد أصبح "عمر" متيما بحب نجمة عاشقا حد الجنون ليبلغ حالة قصوى من الحب وصلت به الى العشق الصوفي بكل تجلياته..
الجمهور الذي توافد بأعداد محترمة جدا تليق بمجهود ثلاث سنوات من "البرايف" والبحث الموسيقي، تفاعل كامل ردهات العرض مع كل من محمد بن صالح وفاطمة صفر وفاطمة جلجلي صمعي وسلمى مصمودي ولينا عوالي وعبير قريع وسحر مزيد ومريم عثماني وبثينة نبولي وأسامة النابلي وحاتم نصري.. وكل الفريق الذي ضم العشرات من الموسيقيين والممثلين والراقصين والكورال.. باعتبار أن كل عنصر كان له أثر واضح في تماسك الأحداث وجمالية الصورة..
كل مقومات الكوميديا الموسيقية من غناء ورقص وأشعار كانت حاضرة في "نوبة غرام".. ولعل سحر الأشعار سواء كانت باللهجة العامية التونسية (17 نصا) أو اللغة العربية (4نصوص) ، وتناغمها مع الألحان الرائعة، كان من بين مميزات العرض التي تفرد بها، لتجعل المشاهد المستمع يتأكد من أن الكلمة التونسية قادرة على إضفاء بعد جمالي ووجداني وفلسفي نجح في رسمه كل من محمد علي كمون الملحن والموزع وسيرين الشكيلي صاحبة الأشعار..
جمهور قرطاج ليلة أول أمس استمتع بـ"نوبة غرام" ولم يغادر الفضاء إلا بعد انتهاء العرض والتصفيق المتواصل امتنانا لتلك "التحفة" الفنية مقارنة بجل العروض الاخرى، عكس ما كان متوقعا، باعتبار أن أعمال الكوميديا الموسيقية نادرة في تونس وان الكثيرين لم يتوقعوا أن الثنائي سيرين الشكيلي ومحمد علي كمون سيمثلان ثنائيا رائعا على مستوى التناغم بين الكلمة واللحن بكل ذلك الجمال والعمق الفني.. ربما لو كان السيناريو من حيث التماسك والتواصل بين اللوحات الكوريغرافية وتفاصيل الخرافة متماسكا ومتناغما اكثر مع جزئيات العرض لكان "نوبة غرام" افضل ولكان قد استوفى كل مقومات النجاح.. وهي مسألة تبقى قيد المراجعة والتمحيص خاصة وأن العرض من المرجح أن يبرمج في مناسبات أخرى...
ومن طرائف مراحل انتاج هذا العمل الضخم الذي يستحق كل التشجيع هو اقتباس عنوان العرض "نوبة غرام" من أحد عناوين قصائد جد سيرين الشكيلي الشاعر الراحل نور الدين صمود الذي أهدى قصيدا لمحمد علي كمون وقال له:" أرجو أن تكون الالحان في قيمة الكلمات"، ونحسب أن صاحب المشروع كان وفيا لوعوده، بل كان عبقريا في ألحانه ومزجها بالروح المعاصرة ولا يمكن أن تتخيل ألحانا أخرى لمدى انسجامها مع الكلمات..
"نوبة غرام" عنوان كان وفيا لكل ما تحيله كلمة "نوبة" من مفارقات ومحظورات ومفاهيم للحب وصلت ببطل العرض إلى حالة من سكيزوفرينيا الاحاسيس، وهي مشاعر قد تنتاب أي شخص على وجه الكون.. وقد أبدعت سيرين الشكيلي في كتابة النصوص تارة باللهجة التونسية وأخرى باللغة العربية إذ تقول في أحد قصائدها بالتونسي: "كي نشوفك تزهى ليام.. عيني ما تعرفش ظلام.." أو " يا عمر يجري فرس بأياماتي.. يا ظل مرشوم في سما ضحكاتي" .. في مشهد آخر وباللغة العربية تقول احدى القصائد : هل كان غير الحب يروي العطش.. والقلب صب والنوى.. نيرانه تكوي ضلوعي.. والخد إن احمر من شوقي وشاء ..جنون.. سراب أم شراب.. اسمي القبلة منها أحتسيها.. وسكري من نبيذ الصبر "..
أما محمد علي كمون فقد أبدع في اختصاصه واتضح انه طيلة ثلاث سنوات خلال الاستعداد لـ"نوبة غرام"، استغل الترابط الثقافي بين تونس وليبيا وتحديدا طرابلس ليوظف"الزمزمات" الركن الثابت في الافراح الليبية باسلوب معاصر أضفى على العرض أبعادا احتفالية متميزة تتماشى ومقومات الكوميديا الموسيقية..
تصريحات :
طبعا دون أن ننسى اثر المخرج الشاب وليد عياد الذي كان لـ"الصباح" لقاء معه إثر الندوة الصحفية التي عقبت عرض "نوبة غرام" .. وإجابة عن مسألة "الكاستينغ" المتعلقة بعشرات العناصر المشاركين في العرض أكد أن "غالبية المجموعة المشاركة تمثل موسيقيين بالأساس وهم من مشارب فنية مختلفة، هناك من تعامل مع الملحن محمد علي كمون سابقا وهناك مشاركون لأول مرة.. وأنا سعيد جدا لأني التمست انفتاحا إيجابيا على المسرح من كامل الفريق، الذي أبدى استعدادا كبيرا على التكوين باعتبار ملكة الطموح والشغف والعاطفة الحية التي تميز بها كل الأطراف".. وفي ما يتعلق بمواصلة عرض "نوبة غرام" في مناسبات أخرى، تمنى وليد عياد أن يتحقق ذلك قائلا: منذ البداية اتفقنا على أن يتواصل عرض "نوبة غرام" في أشكال أخرى مختلفة، يعني أقل حجما من حفل قرطاج أو أن يوجه إلى السينما .. ولا نخفي سرا أن العرض تحوم حوله الكثير من الطموحات "..
كذلك الشاعرة سيرين الشكيلي حفيدة الراحل نور الدين صمود كان لنا معها لقاء إثر العرض وسألناها حول سر اختيار أغلبية الأشعار الموظفة في "نوبة غرام" باللهجة التونسية عكس القصائد باللغة العربية التي لم تتجاوز أربع قصائد لتجيب : الأشعار باللهجة التونسية سواء الحضرية أو البدوية كانت تلقائية عفوية ولحسن حظي أن لحنت بأعذب الألحان وبرزت اكثر من خلال إخراج متميز..
وليد عبد اللاوي
تونس- الصباح
ضمن فعاليات مهرجان قرطاج في دورته 58، وقبل انطلاق عرض "نوبة غرام" لمحمد علي كمون وسيرين الشكيلي ليلة أول أمس، نعت ادارة المهرجان فقيد الأغنية الملتزمة والكلمات المعمقة وصاحب الانامل التي بعثت الحياة في الحروفيات، الفنان ياسر الجرادي، من خلال مقاطع فيديو نقلت البعض من خواطره المفعمة بحب تونس ومقتطفات من أشهر أغانيه التي ستظل محفورة في ذاكرة التونسيين..
استهل عرض "نوبة غرام" بظهور بطلها الفنان محمد بن صالح في دور عمر، وقد توسط الركح جالسا إلى مكتبه تخامره بين الحين والٱخر أفكارا وأشعارا ، ثم يرى "نجمة" في شخصيات متنوعة لتجسد تفاصيلها، وتكون أول أغنية في العرض بحضور الطفلة "نجمة" ابنة حفصية التي جاءت من طرابلس الى تونس حاملة إياها في أحشائها، تتمنى أن تصبح يوما ما نجمة من نجمات الزمزمات (الفلكلور الليبي..)
تتسارع أحداث الكوميديا الموسيقية تزامنا مع تواترها وتشعبها، وقد أصبح "عمر" متيما بحب نجمة عاشقا حد الجنون ليبلغ حالة قصوى من الحب وصلت به الى العشق الصوفي بكل تجلياته..
الجمهور الذي توافد بأعداد محترمة جدا تليق بمجهود ثلاث سنوات من "البرايف" والبحث الموسيقي، تفاعل كامل ردهات العرض مع كل من محمد بن صالح وفاطمة صفر وفاطمة جلجلي صمعي وسلمى مصمودي ولينا عوالي وعبير قريع وسحر مزيد ومريم عثماني وبثينة نبولي وأسامة النابلي وحاتم نصري.. وكل الفريق الذي ضم العشرات من الموسيقيين والممثلين والراقصين والكورال.. باعتبار أن كل عنصر كان له أثر واضح في تماسك الأحداث وجمالية الصورة..
كل مقومات الكوميديا الموسيقية من غناء ورقص وأشعار كانت حاضرة في "نوبة غرام".. ولعل سحر الأشعار سواء كانت باللهجة العامية التونسية (17 نصا) أو اللغة العربية (4نصوص) ، وتناغمها مع الألحان الرائعة، كان من بين مميزات العرض التي تفرد بها، لتجعل المشاهد المستمع يتأكد من أن الكلمة التونسية قادرة على إضفاء بعد جمالي ووجداني وفلسفي نجح في رسمه كل من محمد علي كمون الملحن والموزع وسيرين الشكيلي صاحبة الأشعار..
جمهور قرطاج ليلة أول أمس استمتع بـ"نوبة غرام" ولم يغادر الفضاء إلا بعد انتهاء العرض والتصفيق المتواصل امتنانا لتلك "التحفة" الفنية مقارنة بجل العروض الاخرى، عكس ما كان متوقعا، باعتبار أن أعمال الكوميديا الموسيقية نادرة في تونس وان الكثيرين لم يتوقعوا أن الثنائي سيرين الشكيلي ومحمد علي كمون سيمثلان ثنائيا رائعا على مستوى التناغم بين الكلمة واللحن بكل ذلك الجمال والعمق الفني.. ربما لو كان السيناريو من حيث التماسك والتواصل بين اللوحات الكوريغرافية وتفاصيل الخرافة متماسكا ومتناغما اكثر مع جزئيات العرض لكان "نوبة غرام" افضل ولكان قد استوفى كل مقومات النجاح.. وهي مسألة تبقى قيد المراجعة والتمحيص خاصة وأن العرض من المرجح أن يبرمج في مناسبات أخرى...
ومن طرائف مراحل انتاج هذا العمل الضخم الذي يستحق كل التشجيع هو اقتباس عنوان العرض "نوبة غرام" من أحد عناوين قصائد جد سيرين الشكيلي الشاعر الراحل نور الدين صمود الذي أهدى قصيدا لمحمد علي كمون وقال له:" أرجو أن تكون الالحان في قيمة الكلمات"، ونحسب أن صاحب المشروع كان وفيا لوعوده، بل كان عبقريا في ألحانه ومزجها بالروح المعاصرة ولا يمكن أن تتخيل ألحانا أخرى لمدى انسجامها مع الكلمات..
"نوبة غرام" عنوان كان وفيا لكل ما تحيله كلمة "نوبة" من مفارقات ومحظورات ومفاهيم للحب وصلت ببطل العرض إلى حالة من سكيزوفرينيا الاحاسيس، وهي مشاعر قد تنتاب أي شخص على وجه الكون.. وقد أبدعت سيرين الشكيلي في كتابة النصوص تارة باللهجة التونسية وأخرى باللغة العربية إذ تقول في أحد قصائدها بالتونسي: "كي نشوفك تزهى ليام.. عيني ما تعرفش ظلام.." أو " يا عمر يجري فرس بأياماتي.. يا ظل مرشوم في سما ضحكاتي" .. في مشهد آخر وباللغة العربية تقول احدى القصائد : هل كان غير الحب يروي العطش.. والقلب صب والنوى.. نيرانه تكوي ضلوعي.. والخد إن احمر من شوقي وشاء ..جنون.. سراب أم شراب.. اسمي القبلة منها أحتسيها.. وسكري من نبيذ الصبر "..
أما محمد علي كمون فقد أبدع في اختصاصه واتضح انه طيلة ثلاث سنوات خلال الاستعداد لـ"نوبة غرام"، استغل الترابط الثقافي بين تونس وليبيا وتحديدا طرابلس ليوظف"الزمزمات" الركن الثابت في الافراح الليبية باسلوب معاصر أضفى على العرض أبعادا احتفالية متميزة تتماشى ومقومات الكوميديا الموسيقية..
تصريحات :
طبعا دون أن ننسى اثر المخرج الشاب وليد عياد الذي كان لـ"الصباح" لقاء معه إثر الندوة الصحفية التي عقبت عرض "نوبة غرام" .. وإجابة عن مسألة "الكاستينغ" المتعلقة بعشرات العناصر المشاركين في العرض أكد أن "غالبية المجموعة المشاركة تمثل موسيقيين بالأساس وهم من مشارب فنية مختلفة، هناك من تعامل مع الملحن محمد علي كمون سابقا وهناك مشاركون لأول مرة.. وأنا سعيد جدا لأني التمست انفتاحا إيجابيا على المسرح من كامل الفريق، الذي أبدى استعدادا كبيرا على التكوين باعتبار ملكة الطموح والشغف والعاطفة الحية التي تميز بها كل الأطراف".. وفي ما يتعلق بمواصلة عرض "نوبة غرام" في مناسبات أخرى، تمنى وليد عياد أن يتحقق ذلك قائلا: منذ البداية اتفقنا على أن يتواصل عرض "نوبة غرام" في أشكال أخرى مختلفة، يعني أقل حجما من حفل قرطاج أو أن يوجه إلى السينما .. ولا نخفي سرا أن العرض تحوم حوله الكثير من الطموحات "..
كذلك الشاعرة سيرين الشكيلي حفيدة الراحل نور الدين صمود كان لنا معها لقاء إثر العرض وسألناها حول سر اختيار أغلبية الأشعار الموظفة في "نوبة غرام" باللهجة التونسية عكس القصائد باللغة العربية التي لم تتجاوز أربع قصائد لتجيب : الأشعار باللهجة التونسية سواء الحضرية أو البدوية كانت تلقائية عفوية ولحسن حظي أن لحنت بأعذب الألحان وبرزت اكثر من خلال إخراج متميز..