إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قتل وبراكاجات وسرقة واغتصاب.. منسوب الجريمة يرتفع.. وأهل الاختصاص يشخصون الوضع ويقترحون حلولا

 

تونس-الصباح

عنف، براكاجات، جرائم قتل ومحاولات القتل، ترويج مخدرات، اغتصاب... لا يكاد يمر يوم الا وتسجل الوحدات الأمنية البعض من تلك الجرائم ان لم نقل جميعها...

صباح الشابي

فقد عاشت امس الاول مدينة القصرين على وقع جريمة بشعة راحت ضحيتها إمرأة من مواليد 1964 على يد ابنها الاربعيني بعد أن قام بالاعتداء عليها بواسطة مسحاة فارداها قتيلة على عين المكان.

جريمة قتل أخرى شنيعة جدت بمنطقة الكرم الغربي راحت ضحيتها زوجة على يد زوجها الذي يعمل بإحدى المصالح الإدارية، إذ تشير الوقائع انه إثر خلاف نشب بينهما عمد إلى ذبحها بواسطة سكين ثم حاول الانتحار، وقد تمكن أعوان مركز الأمن الوطني بالكرم الغربي وفي ظرف وجيز من القبض على الجاني ولا تزال الابحاث جارية معه لمعرفة اسباب ارتكابه للجريمة البشعة.

وفي نفس السياق تمكن مساء غرة أوت الجاري اعوان واطارات منطقة الأمن الوطني بالسيجومي من محاصرة وإيقاف زوج ارتكب مجزرة عائلية تمثلت في قتل زوجته ثم ابنته البالغة من العمر 20 سنة بسكين بسبب خلافات عائلية .

جريمة أخرى لا تقل فضاعة عن هذه الأخيرة إذ أقدم طفل يبلغ من العمر 13 سنة على قتل شقيقه الأكبر البالغ من العمر 15 سنة بعد طعنه بواسطة آلة حادة على مستوى القلب.

إضافة إلى جرائم القتل هذه التي سجلتها الوحدات الأمنية، تم ايضا تسجيل جرائم أخرى من بينها محاولات القتل العمد، وقد أذنت النيابة العمومية بتونس في هذا الخصوص بالاحتفاظ بشخص وإدراج شريكه بالتفتيش، وذلك بعد ان تم القبض عليه من قبل الوحدات الأمنية إثر تعمده وشريكه إلى الاعتداء بالعنف الشديد بواسطة عصا على شاب إثر نشوب خلاف بينهم.

الجرائم التي سجلتها الوحدات الأمنية في ظرف قصير لم تشمل جهة معينة بل شملت العديد من المناطق بالجمهورية فقد تمكن خلال الأسبوع المنقضي أعوان منطقة الأمن الوطني بالمرسي وفرقة النجدة من القبض على منحرف في رصيده العديد من مناشير التفتيش من أجل ترويج المخدرات حاول تحويل وجهة فتاة لما كانت رفقة خطيبها بشاطئ سيدي عبد العزيز بالمرسي بعد أن هددهما بسلاح ابيض.

كما شهد نفس الشاطئ عملية "براكاج" ارتكبها ثلاثة منحرفين قاموا بسلب هواتف جوالة لأربعة مصطافين تحت طائلة التهديد. وغيرها من الجرائم الأخرى...

ولئن اختلفت انواع هذه الجرائم واصناف مرتكبيها فإن الملاحظ يرى انها تفاقمت بشكل كبير فرغم ترسانة التشريعات لمحاسبة الجناة الا ان ذلك لم يحد منها ولم يردع الجناة عن تنفيذ جرائمهم المتنوعة من قتل و"براكاجات"، او اغتصاب او غيرها...

وفي تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية نجد ان "جرائم القتل تمثل النسبة الأعلى من أحداث العنف المسجلة خلال الثلاثية الأخيرة لسنة 2023، حيث مثلت 30.95 % من جملة الأحداث المرصودة"

وبلغ حجم الاعتداءات نسبة 10.32% أما السرقات فكانت في حدود الـ9.52% وبلغت نسبة الاعتداءات على الموظفين 4.76%.

كما سجلت الثلاثية الرابعة من سنة 2023، أحداث عنف مدرسي واختطاف وأحداث تخريب، واغتصاب، وعنف ضد الأطفال، والمستهلكين، والنساء، فضلًا عن تهديدات بالقتل وأحداث عنف جنسي....

وسجلت معظم أحداث العنف المرصودة في الشوارع، ومثلت نسبة 34.13%. يليها في ذلك فضاء السكن وهو المنزل الذي دارت داخله بنسبة 26.98% .

جرائم متعددة ومتواترة سجلتها الوحدات الأمنية، فضلا عن القضايا المنشورة بالمحاكم التي تكشف لنا مدى ارتفاع منسوب الجريمة في المجتمع التونسي ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونطرح العديد من التساؤلات ، ما هي العوامل التي أدت الى ذلك؟ هل هي عوامل اجتماعية، اقتصادية، ثقافية نفسية دفعت الى اقتراف كل ذلك العنف؟ ام ربما تؤثر العوامل المناخية على غرار ارتفاع درجات الحرارة بدورها على سلوكيات بعض الأفراد وتدفعهم إلى ممارسة أشكال من العنف المؤدي إلى ارتكاب جرائم ؟ ام هناك أسباب أخرى؟

 وقد اهتدينا من جانبنا برأي اهل الاختصاص الذين لديهم بعض الاجوبة على ما طرحناه من اسئلة حول ارتفاع منسوب الجريمة والعنف عموما في تونس.

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": هناك علاقة وطيدة بين فصل الصيف والجريمة

حسب المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين وفي قراءته لتفشي الجريمة في تونس لاحظ بدوره ان الشارع التونسي شهد خلال الايام القليلة الماضية زيادة ملحوظة في معدل جرائم القتل والعنف و"البراكاجات"....بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة مما يدفعنا للسؤال حسب رأيه هل ان ارتفاع درجات الحرارة ساهم في ارتكاب الجرائم العنيفة ؟ مشيرا إلى ان المكتب الوطني الامريكي للبحوث الاقتصادية أصدر في شهر جويلية 2021 دراسة تناولت العلاقة بين درجات الحرارة المرتفعة وحوادث الجرائم العنيفة بين عامي 2010 و2017, وقد بينت هذه الدراسة أنه في المتوسط تزداد نسبة الجرائم إجماليا بنسبة 2٫2 بالمائة والجرائم العنيفة بنسبة 5٫7 بالمائة في الأيام التي تزيد فيها درجات الحرارة اليومية عن 29٫4 بالمائة مقارنة بالايام التي تقل عن هذا الحد.

كما أثبتت حسب قوله العديد من الدراسات العلمية وجود علاقة وطيدة بين فصل الصيف والجريمة حيث أن درجات الحرارة التي تزيد عن 30 درجة مئوية تصيب الإنسان بالضيق والاكتئاب والعدوانية ووفق دراسة فنلندية هناك علاقة وثيقة بين الحر ومستوى مادة " السيروتونين" بالدماغ وهي المادة المسؤولة عن ضبط المزاج.

"دراسات علمية أخرى اعتبرت ان ارتفاع " هرمون التستيرون" بسبب الحر يعد سببا ودافعا اساسيا وراء ارتفاع معدلات الجريمة حيث تزداد حوادث الاغتصاب والتحرش بنسبة 12 بالمائة في فصل الصيف عن فصل الشتاء ،كما رجح بعض العلماء أن الانشطة الصيفية من حفلات صاخبة واحتساء الخمر وازدياد فرص الالتقاء بين الجنسين تعتبر حافزا لارتفاع معدلات الجريمة والانتحار والميل الى العدوانية بشكل عام.

بالتالي، حسب رأيه، فالبحوث العلمية تبين وجود علاقة بين المتغيرات المناخية والسلوك الاجرامي حيث أن لكل فصل من فصول السنة نوع معين من الجرائم يظهر فيه أكثر من ظهورها في باقي الفصول حيث تكثر جرائم القتل في الصيف وتصل ذروتها في شهر اوت والسرقات في أشهر الشتاء وتبلغ ذروتها في شهر جانفي وترتفع جرائم الجنس في أشهر الربيع.

ويرى ممدوح عز الدين أن الجريمة ترتكب أيضا نتيجة عوامل ذاتية بسبب خلل عضوي ونفسي لدى المجرم كما تساهم العوامل الخارجية المحيطة بالفرد في ذلك كالوسط العائلي والظروف الاقتصادية من فقر وبطالة وكذلك عوامل بيئية مثل المناخ.

"لكن مما لا شك فيه أن تونس شهدت خاصة في العشرية الاخيرة تحولات كبرى بشكل مفاجئ ودون إعداد مسبق ادت الى بروز قيم جديدة" عوضت العديد من القيم القديمة.

هذا التحول المفاجئ أدى الى الارتباك حيث يساهم غياب القيم المرجعية وفقدان فعاليتها الى تحول في ممارسة العنف نتيجة حالة اللا يقين وضياع البوصلة ودخول المجتمع حالة عنف شديد ،فمجرد حدث بسيط قد يؤدي إلى القتل وغياب الأجوبة لصعوبات الحياة اليومية يؤدي الى الاحباط وبالتالي حالات عنف شديد موجهة نحو الذات ونحو الآخر".

واعتبر محدثنا ان تونس اليوم تشهد ازمة اقتصادية قاسية إذ تعاني من عجز كبير في ميزانيتها ومن تراجع نسبة النمو وارتفاع نسبة البطالة وتراجع المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، كل ذلك ساهم في تردي جودة الحياة وتفاقم متاعب المواطن خاصة بعد الارتفاع المطرد في أسعار المحروقات والمواد الغذائية .

كل هذه العوامل وغيرها بما في ذلك العوامل المرتبطة بالارتفاع الشديد للحرارة في هذه الصائفة تساهم بشكل واضح في ارتفاع منسوب العنف والجرائم.

"كما لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاع العائلة والمدرسة والإعلام بأدوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية بعد تراجعها في السنوات الأخيرة ،فالمدرسة لم تعد عنوان نجاح والعائلة التي تحمي أفرادها من الجريمة أصبحت فضاء لها والإعلام الذي من المفترض أن يقوم بدور تربوي وتثقيفي تخلى عن هذه المهمة لصالح الإثارة".

الدكتور فريد بن جحا لـ"الصباح" :  بات من الضروري تطوير المنظومة التشريعية لأن الفكر الإجرامي يتطور ويسبق المشرع

من جهته اعتبر الدكتور فريد بن جحا باحث في القانون ان منسوب الجريمة مرتفع جدا حسب ما لاحظه خلال ممارسته لمهنته

وشدد على أنه بات من الضروري تطوير المنظومة التشريعية لأن الفكر الإجرامي يتطور ويسبق المشرع وفق تعبيره.

ولاحظ أن العقوبات الحالية أثبتت التجربة عدم جدواها في التصدي للجريمة مضيفا أن المقاربة الأمنية والقضائية غير كافية للحد من هذه الظاهرة سيما وأن التجربة أثبتت أن السجن والاحتكاك بالمجرمين يخلق نفسية إجرامية أكثر حدة وأكثر تطورا لذلك يجب أن يظل السجن لمرتكبي الجرائم الخطيرة والتوجه نحو اعتماد العقوبات البديلة بالنسبة لمرتكبي سلوكات إجرامية غير الخطيرة.

ودعا محدثنا إلى ضرورة تغيير السياسة الجزائية المتبعة في الجرائم الخطيرة على غرارعدم التخفيف في عقوبات مرتكبي تلك الجرائم وعدم تمتيعهم بالعفو لأن الردع من شأنه التقليص من هذه الظواهر الإجرامية.

وأضاف في السياق ذاته ان منسوب الجريمة لم ينته حتى في الدول التي تُطبّق الإعدام لذلك فإن هذه المسألة تتطلب قراءة تتناول جميع الجوانب ونختار الحل الذي يتناسب مع خصوصياتنا الثقافية ومع ارتفاع معدل الجريمة في بلادنا

وشدد على ضرورة تغيير القوانين وتكثيف الرقابة وتحميل الأولياء المسؤولية الجزائية للجرائم التي يرتكبها أبناؤهم.

 

 

 

 

 

 قتل وبراكاجات وسرقة واغتصاب..  منسوب الجريمة يرتفع.. وأهل الاختصاص يشخصون الوضع ويقترحون حلولا

 

تونس-الصباح

عنف، براكاجات، جرائم قتل ومحاولات القتل، ترويج مخدرات، اغتصاب... لا يكاد يمر يوم الا وتسجل الوحدات الأمنية البعض من تلك الجرائم ان لم نقل جميعها...

صباح الشابي

فقد عاشت امس الاول مدينة القصرين على وقع جريمة بشعة راحت ضحيتها إمرأة من مواليد 1964 على يد ابنها الاربعيني بعد أن قام بالاعتداء عليها بواسطة مسحاة فارداها قتيلة على عين المكان.

جريمة قتل أخرى شنيعة جدت بمنطقة الكرم الغربي راحت ضحيتها زوجة على يد زوجها الذي يعمل بإحدى المصالح الإدارية، إذ تشير الوقائع انه إثر خلاف نشب بينهما عمد إلى ذبحها بواسطة سكين ثم حاول الانتحار، وقد تمكن أعوان مركز الأمن الوطني بالكرم الغربي وفي ظرف وجيز من القبض على الجاني ولا تزال الابحاث جارية معه لمعرفة اسباب ارتكابه للجريمة البشعة.

وفي نفس السياق تمكن مساء غرة أوت الجاري اعوان واطارات منطقة الأمن الوطني بالسيجومي من محاصرة وإيقاف زوج ارتكب مجزرة عائلية تمثلت في قتل زوجته ثم ابنته البالغة من العمر 20 سنة بسكين بسبب خلافات عائلية .

جريمة أخرى لا تقل فضاعة عن هذه الأخيرة إذ أقدم طفل يبلغ من العمر 13 سنة على قتل شقيقه الأكبر البالغ من العمر 15 سنة بعد طعنه بواسطة آلة حادة على مستوى القلب.

إضافة إلى جرائم القتل هذه التي سجلتها الوحدات الأمنية، تم ايضا تسجيل جرائم أخرى من بينها محاولات القتل العمد، وقد أذنت النيابة العمومية بتونس في هذا الخصوص بالاحتفاظ بشخص وإدراج شريكه بالتفتيش، وذلك بعد ان تم القبض عليه من قبل الوحدات الأمنية إثر تعمده وشريكه إلى الاعتداء بالعنف الشديد بواسطة عصا على شاب إثر نشوب خلاف بينهم.

الجرائم التي سجلتها الوحدات الأمنية في ظرف قصير لم تشمل جهة معينة بل شملت العديد من المناطق بالجمهورية فقد تمكن خلال الأسبوع المنقضي أعوان منطقة الأمن الوطني بالمرسي وفرقة النجدة من القبض على منحرف في رصيده العديد من مناشير التفتيش من أجل ترويج المخدرات حاول تحويل وجهة فتاة لما كانت رفقة خطيبها بشاطئ سيدي عبد العزيز بالمرسي بعد أن هددهما بسلاح ابيض.

كما شهد نفس الشاطئ عملية "براكاج" ارتكبها ثلاثة منحرفين قاموا بسلب هواتف جوالة لأربعة مصطافين تحت طائلة التهديد. وغيرها من الجرائم الأخرى...

ولئن اختلفت انواع هذه الجرائم واصناف مرتكبيها فإن الملاحظ يرى انها تفاقمت بشكل كبير فرغم ترسانة التشريعات لمحاسبة الجناة الا ان ذلك لم يحد منها ولم يردع الجناة عن تنفيذ جرائمهم المتنوعة من قتل و"براكاجات"، او اغتصاب او غيرها...

وفي تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية نجد ان "جرائم القتل تمثل النسبة الأعلى من أحداث العنف المسجلة خلال الثلاثية الأخيرة لسنة 2023، حيث مثلت 30.95 % من جملة الأحداث المرصودة"

وبلغ حجم الاعتداءات نسبة 10.32% أما السرقات فكانت في حدود الـ9.52% وبلغت نسبة الاعتداءات على الموظفين 4.76%.

كما سجلت الثلاثية الرابعة من سنة 2023، أحداث عنف مدرسي واختطاف وأحداث تخريب، واغتصاب، وعنف ضد الأطفال، والمستهلكين، والنساء، فضلًا عن تهديدات بالقتل وأحداث عنف جنسي....

وسجلت معظم أحداث العنف المرصودة في الشوارع، ومثلت نسبة 34.13%. يليها في ذلك فضاء السكن وهو المنزل الذي دارت داخله بنسبة 26.98% .

جرائم متعددة ومتواترة سجلتها الوحدات الأمنية، فضلا عن القضايا المنشورة بالمحاكم التي تكشف لنا مدى ارتفاع منسوب الجريمة في المجتمع التونسي ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونطرح العديد من التساؤلات ، ما هي العوامل التي أدت الى ذلك؟ هل هي عوامل اجتماعية، اقتصادية، ثقافية نفسية دفعت الى اقتراف كل ذلك العنف؟ ام ربما تؤثر العوامل المناخية على غرار ارتفاع درجات الحرارة بدورها على سلوكيات بعض الأفراد وتدفعهم إلى ممارسة أشكال من العنف المؤدي إلى ارتكاب جرائم ؟ ام هناك أسباب أخرى؟

 وقد اهتدينا من جانبنا برأي اهل الاختصاص الذين لديهم بعض الاجوبة على ما طرحناه من اسئلة حول ارتفاع منسوب الجريمة والعنف عموما في تونس.

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": هناك علاقة وطيدة بين فصل الصيف والجريمة

حسب المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين وفي قراءته لتفشي الجريمة في تونس لاحظ بدوره ان الشارع التونسي شهد خلال الايام القليلة الماضية زيادة ملحوظة في معدل جرائم القتل والعنف و"البراكاجات"....بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة مما يدفعنا للسؤال حسب رأيه هل ان ارتفاع درجات الحرارة ساهم في ارتكاب الجرائم العنيفة ؟ مشيرا إلى ان المكتب الوطني الامريكي للبحوث الاقتصادية أصدر في شهر جويلية 2021 دراسة تناولت العلاقة بين درجات الحرارة المرتفعة وحوادث الجرائم العنيفة بين عامي 2010 و2017, وقد بينت هذه الدراسة أنه في المتوسط تزداد نسبة الجرائم إجماليا بنسبة 2٫2 بالمائة والجرائم العنيفة بنسبة 5٫7 بالمائة في الأيام التي تزيد فيها درجات الحرارة اليومية عن 29٫4 بالمائة مقارنة بالايام التي تقل عن هذا الحد.

كما أثبتت حسب قوله العديد من الدراسات العلمية وجود علاقة وطيدة بين فصل الصيف والجريمة حيث أن درجات الحرارة التي تزيد عن 30 درجة مئوية تصيب الإنسان بالضيق والاكتئاب والعدوانية ووفق دراسة فنلندية هناك علاقة وثيقة بين الحر ومستوى مادة " السيروتونين" بالدماغ وهي المادة المسؤولة عن ضبط المزاج.

"دراسات علمية أخرى اعتبرت ان ارتفاع " هرمون التستيرون" بسبب الحر يعد سببا ودافعا اساسيا وراء ارتفاع معدلات الجريمة حيث تزداد حوادث الاغتصاب والتحرش بنسبة 12 بالمائة في فصل الصيف عن فصل الشتاء ،كما رجح بعض العلماء أن الانشطة الصيفية من حفلات صاخبة واحتساء الخمر وازدياد فرص الالتقاء بين الجنسين تعتبر حافزا لارتفاع معدلات الجريمة والانتحار والميل الى العدوانية بشكل عام.

بالتالي، حسب رأيه، فالبحوث العلمية تبين وجود علاقة بين المتغيرات المناخية والسلوك الاجرامي حيث أن لكل فصل من فصول السنة نوع معين من الجرائم يظهر فيه أكثر من ظهورها في باقي الفصول حيث تكثر جرائم القتل في الصيف وتصل ذروتها في شهر اوت والسرقات في أشهر الشتاء وتبلغ ذروتها في شهر جانفي وترتفع جرائم الجنس في أشهر الربيع.

ويرى ممدوح عز الدين أن الجريمة ترتكب أيضا نتيجة عوامل ذاتية بسبب خلل عضوي ونفسي لدى المجرم كما تساهم العوامل الخارجية المحيطة بالفرد في ذلك كالوسط العائلي والظروف الاقتصادية من فقر وبطالة وكذلك عوامل بيئية مثل المناخ.

"لكن مما لا شك فيه أن تونس شهدت خاصة في العشرية الاخيرة تحولات كبرى بشكل مفاجئ ودون إعداد مسبق ادت الى بروز قيم جديدة" عوضت العديد من القيم القديمة.

هذا التحول المفاجئ أدى الى الارتباك حيث يساهم غياب القيم المرجعية وفقدان فعاليتها الى تحول في ممارسة العنف نتيجة حالة اللا يقين وضياع البوصلة ودخول المجتمع حالة عنف شديد ،فمجرد حدث بسيط قد يؤدي إلى القتل وغياب الأجوبة لصعوبات الحياة اليومية يؤدي الى الاحباط وبالتالي حالات عنف شديد موجهة نحو الذات ونحو الآخر".

واعتبر محدثنا ان تونس اليوم تشهد ازمة اقتصادية قاسية إذ تعاني من عجز كبير في ميزانيتها ومن تراجع نسبة النمو وارتفاع نسبة البطالة وتراجع المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، كل ذلك ساهم في تردي جودة الحياة وتفاقم متاعب المواطن خاصة بعد الارتفاع المطرد في أسعار المحروقات والمواد الغذائية .

كل هذه العوامل وغيرها بما في ذلك العوامل المرتبطة بالارتفاع الشديد للحرارة في هذه الصائفة تساهم بشكل واضح في ارتفاع منسوب العنف والجرائم.

"كما لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاع العائلة والمدرسة والإعلام بأدوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية بعد تراجعها في السنوات الأخيرة ،فالمدرسة لم تعد عنوان نجاح والعائلة التي تحمي أفرادها من الجريمة أصبحت فضاء لها والإعلام الذي من المفترض أن يقوم بدور تربوي وتثقيفي تخلى عن هذه المهمة لصالح الإثارة".

الدكتور فريد بن جحا لـ"الصباح" :  بات من الضروري تطوير المنظومة التشريعية لأن الفكر الإجرامي يتطور ويسبق المشرع

من جهته اعتبر الدكتور فريد بن جحا باحث في القانون ان منسوب الجريمة مرتفع جدا حسب ما لاحظه خلال ممارسته لمهنته

وشدد على أنه بات من الضروري تطوير المنظومة التشريعية لأن الفكر الإجرامي يتطور ويسبق المشرع وفق تعبيره.

ولاحظ أن العقوبات الحالية أثبتت التجربة عدم جدواها في التصدي للجريمة مضيفا أن المقاربة الأمنية والقضائية غير كافية للحد من هذه الظاهرة سيما وأن التجربة أثبتت أن السجن والاحتكاك بالمجرمين يخلق نفسية إجرامية أكثر حدة وأكثر تطورا لذلك يجب أن يظل السجن لمرتكبي الجرائم الخطيرة والتوجه نحو اعتماد العقوبات البديلة بالنسبة لمرتكبي سلوكات إجرامية غير الخطيرة.

ودعا محدثنا إلى ضرورة تغيير السياسة الجزائية المتبعة في الجرائم الخطيرة على غرارعدم التخفيف في عقوبات مرتكبي تلك الجرائم وعدم تمتيعهم بالعفو لأن الردع من شأنه التقليص من هذه الظواهر الإجرامية.

وأضاف في السياق ذاته ان منسوب الجريمة لم ينته حتى في الدول التي تُطبّق الإعدام لذلك فإن هذه المسألة تتطلب قراءة تتناول جميع الجوانب ونختار الحل الذي يتناسب مع خصوصياتنا الثقافية ومع ارتفاع معدل الجريمة في بلادنا

وشدد على ضرورة تغيير القوانين وتكثيف الرقابة وتحميل الأولياء المسؤولية الجزائية للجرائم التي يرتكبها أبناؤهم.